طوني معلوف يرسم «جمالية» النزيف اللبناني

رسومه تنتشر كمُتنفّس في الضيق

الجدّة الحاضرة في رسوم طوني معلوف محاكاة للتراث اللبناني
الجدّة الحاضرة في رسوم طوني معلوف محاكاة للتراث اللبناني
TT

طوني معلوف يرسم «جمالية» النزيف اللبناني

الجدّة الحاضرة في رسوم طوني معلوف محاكاة للتراث اللبناني
الجدّة الحاضرة في رسوم طوني معلوف محاكاة للتراث اللبناني

طوني معلوف رسام لبناني يُكثر مستخدمو «إنستغرام» تناقلَ رسومه المعبّرة عن كثافة المرارة. حين يخشى إصابة الرسم بركود يمسّ طبيعة الأشياء إزاء خفوت وهج الموضوع، يتذكر أنه في لبنان، «فالأحداث لا تهدأ». نشرات الأخبار والحديث الطويل بين الأهل والأصدقاء عن الانهيار الضارب في العمق، تُحرّك إلهاماً يُولّد جمالاً ينزف.
عمله في الهندسة الداخلية يجرّد الرسم عن كونه «مهنة» تقتضي افتعال الجهد لمراكمة الإنتاج. فالموهبة مُنزّهة عن عامل مادي يحكم إخضاعها لشروط وظروف قد لا تتلاءم دائماً مع الانسياب العفوي. ولو أنّ طوني معلوف يوظّفها في مشاريع تعود بالربح، لكنه يشدّد على الانتقائية المتصلة بالضرورة بفعل الإبداع: «أعمل بالرسم لمصلحة شركات ومؤسسات، بخيارات انتقائية تحول دون التنازل عن المستوى. ما بدأته بعفوية فنال الشهرة، لا أفرّط به طمعاً بمتابعين إضافيين وإذعاناً لإغراء المال».
هذا تأكيده الأول لـ«الشرق الأوسط»، مُلحقاً بتأكيد ثانٍ: «الفكرة هي الأهم، ما إن أعثر عليها حتى تخرج مني نحو التجلّي البسيط الذي هو هدفي. عليها التحلّي بالعفوية وتفادي الفذلكة، فتصل سريعاً. كما لا أكترث لضخّ الرسائل في الرسم، فرسالة واحدة تكفي. أترك شعوري يصنع اللوحة المتحركة، فالناس حين تلمح الجريان العفوي للصورة، تجد نفسها داخل المركب».
«أوف، كثير!»، يجيب على سؤال، «ماذا فعل بكَ لبنان؟»، حتى جعله موضوع رسوم تتفرّع تارة من الأسى وأخرى من الموروث الشعبي. فالجدة التي تجيب على «مرحباً» بـ«أهلا، ميِّل»، هي بركة القرى والأحياء البيروتية، يرسمها بلا إضافات قد تبدو مفبركة. رسوم معلوف تنتشر كمُتنفّس في الضيق. تتزيّن الـ«إنستا ستوري» بما يودّ قوله عن عادات الأرض وخيراتها، وبرائحة فنجان القهوة وهي تُرغم العين على عناق الرمش عساه يحبس عبقها فلا يتلاشى.

القهوة اللبنانية رفيقة إلهام طوني معلوف  -  طوني معلوف يرسم «جمالية» النزيف اللبناني

التحاق الأب بمؤسسة الجيش، فتَّح في الابن علاقة مختلفة مع الوطن. لا ينكر الأذى الشخصي، فالمال تبخّر في المصرف والفرص تقلّصت، لكن له رأياً آخر: «المسؤولون عن المآلات المُرّة هم الحكام، لا الأرض. لذا، نتحلّى بالأمل، فالأوطان مصيرها النهوض بعد النكبة».
يتبنّى مقولة «الفن يولد من المعاناة»، لتخرج منه رسوم تحرّض على التأثّر وتهزّ الدمع. كـ«شو في خلف البحر خبريات»، فيديو انسلاخ الأبناء عن الآباء، مُحمّلين بحقائب الهجرة وحسرات العُمر. مقطع مؤلم، كم من لبناني شاهده فهبَّ لهيب الجرح! العدد إلى ارتفاع، في الوطن والمهجر.
يتخذ من الرسم ذريعة ليرتاح من يوميات بحجم جبال: «أرسم من أجلي، ولاحقاً لتحظى الرسوم بالإقبال والانتشار. حين نشرتُ الرسم الأول في (إنستغرام)، لم أنتظر أصداء مدوّية. (السوشيال ميديا) تغيّر أقدار الفنان، لولاها لما نلت الوصول المباشر. كثيرون سيربكهم ارتداء الثياب وقيادة السيارة وصولاً إلى معرض يحتضن رسوماً يشاءون رؤيتها. في (إنستغرام)، يشاهدون اللوحات من أسرّتهم وجلسات المساء. لا يبذلون جهداً لبلوغها. تصلهم بلحظة، وتكون متاحة على أوسع نطاق».
انطلق من رغبة شبه معدومة لتحميل صور شخصية على صفحته، فكان السؤال: «إذن، ماذا أنشر؟ فلتكن رسومي!». مع الأيام، زاد المعجبون وارتفع عدد المتابعين، ومَن ينادون بعد كل «بوست» بمزيد من اللمعان. لم يُخضع طوني معلوف لوحاته المتحرّكة لمنطق تجاري يطلّ برأسه حين يشمّ رائحة «الترند». يحصّنها، وحتى الآن يحافظ عليها فلا يعرّضها للعادية والاستهلاك.
السبب خلف الارتقاء بالحسّ الإبداعي هو ترك النفس على سجيّتها، فيرسم حين تلحّ الأفكار وتندفع من تلقائها نحو الاكتمال، لا حين يرغمها على ما لا طاقة لها به. فقد يدندن أغنية تفرض حضورها ويعصى عليه طردها من الرأس، فتكون علّة ولادة الفكرة وأرضية للبناء عليها. عند طوني معلوف، «الأغنية المُركّبة على الرسم تترافق معه ولم تلحق به يوماً. يسيران يداً بيد».
لا ينهكه العثور على فكرة، «فلبنان يطفح بما يمكنه التحوّل إلى إبداع». لكن، ماذا عن استبدال الموضوع اللبناني بآخر أبعد من الحدود والانتماء؟ أم أنّ كل ما تتسم به الرسوم سيظلّ حصراً وليد الشأن الداخلي؟ يتمسك بالموضوع الأصل، فمنه انطلق وإليه يعود، على أن تشمل مشاريع ربحية موضوعات متنوّعة، حسب مقصد أصحابها، منها تصميمه إعلاناً يروّج لعطر تُطلقه شركة سعودية قريباً: «أطوّر نفسي بمحاكاة ثقافات أخرى بأسلوب خلفيته لبنانية. الفارق أنّ فنجان القهوة لن يظهر في الرسم. تمدّدي في الخارج انطلاقاً من جذوري يمنحني شعوراً بأنني أفعل شيئاً».
يعلم أنّ الموهوبين كثر والحائزين على فرص قلة. تؤلمه هذه الحقيقة، حيث ظلال الإجحاف. معلوف ممن يشترط مدّ الموهبة بإضافة تتيح تفرّدها ووصول صاحبها إلى الاحتفال بتحقّق الحلم: «أتحدث عن بصمة تكمن في طريقة الرسم، والمواضيع، وطريقة النشر. هذا لا علاقة له بمَن يجرّون النفس رغماً عنها نحو صناعة المحتوى. التميّز يرفع مرتبة الموهبة».
يريد من «السوشيال ميديا» مساحة لنشر الرسوم وتناقلها. أما اللهاث خلف زيادة المتابعين فلا يعنيه: «ماذا يبقى إن ارتفعت الأرقام وهبطت النوعية؟ السُمعة الجيدة تدوم وتفتح الأبواب».


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

احتفال خاص للبريد الملكي البريطاني بمسلسل «قسيسة ديبلي»

دفء الشخصيات (رويال ميل)
دفء الشخصيات (رويال ميل)
TT

احتفال خاص للبريد الملكي البريطاني بمسلسل «قسيسة ديبلي»

دفء الشخصيات (رويال ميل)
دفء الشخصيات (رويال ميل)

أصدر البريد الملكي البريطاني (رويال ميل) 12 طابعاً خاصاً للاحتفال بمسلسل «The Vicar of Dibley» (قسيسة ديبلي) الكوميدي الذي عُرض في تسعينات القرن الماضي عبر قنوات «بي بي سي».

وذكرت «الغارديان» أنّ 8 طوابع تُظهر مَشاهد لا تُنسى من المسلسل الكوميدي، بما فيها ظهور خاص من راقصة الباليه السابقة الليدي دارسي بوسيل، بينما تُظهر 4 أخرى اجتماعاً لمجلس أبرشية في ديبلي.

وكان مسلسل «قسيسة ديبلي»، من بطولة ممثلة الكوميديا دون فرينش التي لعبت دور القسيسة جيرالدين غرانغر عاشقة الشوكولاته، قد استمرّ لـ3 مواسم، من الأعوام 1994 إلى 2000، تلتها 4 حلقات خاصة أُذيعت بين 2004 و2007.

في هذا السياق، قال مدير الشؤون الخارجية والسياسات في هيئة البريد الملكي البريطاني، ديفيد غولد، إن «الكتابة الرائعة ودفء الشخصيات وطبيعتها، جعلت المسلسل واحداً من أكثر الأعمال الكوميدية التلفزيونية المحبوبة على مَر العصور. واليوم، نحتفل به بإصدار طوابع جديدة لنستعيد بعض لحظاته الكلاسيكية».

أخرج المسلسل ريتشارد كيرتس، وكُتبت حلقاته بعد قرار الكنيسة الإنجليزية عام 1993 السماح بسيامة النساء؛ وهو يروي قصة شخصية جيرالدين غرانغر (دون فرينش) التي عُيِّنت قسيسة في قرية ديبلي الخيالية بأكسفوردشاير، لتتعلّم كيفية التعايش والعمل مع سكانها المحلّيين المميّزين، بمَن فيهم عضو مجلس الأبرشية جيم تروت (تريفور بيكوك)، وخادمة الكنيسة أليس تنكر (إيما تشامبرز).

ما يعلَقُ في الذاكرة (رويال ميل)

وتتضمَّن مجموعة «رويال ميل» طابعَيْن من الفئة الثانية، أحدهما يُظهر جيرالدين في حفل زفاف فوضوي لهوغو هورتون (جيمس فليت) وأليس، والآخر يُظهر جيرالدين وهي تُجبِر ديفيد هورتون (غاري والدورن) على الابتسام بعد علمها بأنّ أليس وهوغو ينتظران مولوداً.

كما تُظهر طوابع الفئة الأولى لحظة قفز جيرالدين في بركة عميقة، وكذلك مشهد متكرّر لها وهي تحاول إلقاء نكتة أمام أليس في غرفة الملابس خلال احتساء كوب من الشاي.

وتتضمَّن المجموعة أيضاً طوابع بقيمة 1 جنيه إسترليني تُظهر فرانك بيكل (جون بلوثال) وأوين نيويت (روجر لويد باك) خلال أدائهما ضمن عرض عيد الميلاد في ديبلي، بينما يُظهر طابعٌ آخر جيم وهو يكتب ردَّه المميّز: «لا، لا، لا، لا، لا» على ورقة لتجنُّب إيقاظ طفل أليس وهوغو.

وأحد الطوابع بقيمة 2.80 جنيه إسترليني يُظهر أشهر مشهد في المسلسل، حين ترقص جيرالدين والليدي دارسي، بينما يُظهر طابع آخر جيرالدين وهي تتذوّق شطيرة أعدّتها ليتيتيا كرابلي (ليز سميث).

نال «قسيسة ديبلي» جوائز بريطانية للكوميديا، وجائزة «إيمي أوورد»، وعدداً من الترشيحات لجوائز الأكاديمية البريطانية للتلفزيون. وعام 2020، اختير ثالثَ أفضل مسلسل كوميدي بريطاني على الإطلاق في استطلاع أجرته «بي بي سي». وقد ظهرت اسكتشات قصيرة عدّة وحلقات خاصة منذ انتهاء عرضه رسمياً، بما فيها 3 حلقات قصيرة بُثَّت خلال جائحة «كوفيد-19».