وسط تأكيدات لمسؤولين أوكرانيين وغربيين أن إيران ترسل مسيرات وصواريخ باليستية، وحتى خبراء، لدعم حرب روسيا في أوكرانيا، ناقش دبلوماسيون في مجلس الأمن هذه المسألة باعتبارها انتهاكاً جسيماً لقرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي أقر عام 2015 على إثر التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني، المعروف رسمياً باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة». ونوقش هذا الملف بطلب من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وهي أطراف أساسية شاركت في التوصل إلى الاتفاق النووي، بالإضافة إلى كل من روسيا والصين وألمانيا، فيما دعت أوكرانيا خبراء الأمم المتحدة لفحص طائرات مسيرة إيرانية الصنع تستخدمها روسيا لمهاجمة أهداف أوكرانية في انتهاك للقرار 2231 الذي رفعت بموجبه العقوبات الدولية التي فرضت بموجب قرارات سابقة لمجلس الأمن، مؤسساً لآلية «سناب باك» التي تعيد فرض هذه العقوبات الدولية تلقائياً في حال حصول انتهاكات لموجبات خطة العمل الشاملة المشتركة، أو للقرار 2231.
وتضاعف قلق الدول الغربية مع معلومات استخبارية أميركية عن إرسال إيران أيضاً مدربين من «الحرس الثوري» إلى شبه جزيرة القرم؛ لمساعدة العسكريين الروس في التغلب على مشاكل أسطول الطائرات المسيرات الإيرانية الصنع. ويعمل الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات جديدة على إيران بعد جمع «أدلة كافية» تشير إلى أنها تزوّد روسيا بطائرات مسيّرة فتاكة لاستخدامها في أوكرانيا، كما قالت ناطقة باسم الكتلة، الأربعاء.
وكشفت مصادر رئاسية فرنسية أمس، في معرض تقديمها للقمة الأوروبية التي ستلتئم ليومين «الخميس والجمعة» في بروكسل بحضور قادة الاتحاد الـ27، أن الأوروبيين يبحثون فرض عقوبات على إيران بسبب توفيرها المسيرات التي تستخدمها روسيا في حربها على أوكرانيا. ويعتبر الاتحاد أن إيران، بتصديرها هذه المسيرات متعددة الأنواع والمستخدمة في ضرب البنى الأساسية المدنية لأوكرانيا، إنما تخالف منطوق القرار الدولي رقم 2231 الذي يمنعها من تصدير السلاح. وبحسب المصادر الفرنسية، فإن هذه العقوبات سوف يتم فرضها في الأيام القليلة القادمة وسوف تنضم إلى العقوبات التي أقرها وزراء الخارجية الأوروبيون في اجتماعهم يوم 17 الشهر الحالي وتستهدف شخصيات وهيئات إيرانية ضالعة في قمع الاحتجاجات المتواصلة في المدن الإيرانية احتجاجا على وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني، بعد أن اعتقلتها شرطة الأخلاق في طهران لعدم التزامها بقانون اللباس النسائي.
وأوضحت نبيلة مصرالي، الناطقة باسم منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: «الآن بعدما جمعنا أدلة كافية، العمل جار في المجلس (الأوروبي) لرد واضح وسريع وحازم من الاتحاد الأوروبي». وقال مصدر دبلوماسي إن قائمة بالعقوبات قُدمت إلى الدول الأعضاء، ومن المتوقع اتخاذ قرار «خلال الأسبوع». وقالت نبيلة مصرالي: «شهد الاجتماع إجماعاً واسع النطاق بشأن ضرورة رد الاتحاد الأوروبي بسرعة».
وعلى رغم التساؤلات، لم يعرف على الفور ما إذا كانت الدول الغربية تتحرك لإعادة فرض العقوبات الدولية التي رفعت بعد التوصل إلى الاتفاق النووي بموجب آلية «سناب باك» أم لا. وأطلقت روسيا عشرات من الطائرات المسيرة من طراز «شاهد 136»، المصنفة «كاميكازي»، في إشارة إلى الطيارين الانتحاريين اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية، على أوكرانيا منذ الاثنين الماضي، مما أصاب البنية التحتية للطاقة بأضرار كبيرة، وقتلت العديد من المدنيين في كييف. وكذلك أرسلت إيران مسيرات من طراز «مهاجر 6» الأكبر حجماً، والتي تستخدم للمراقبة، ويمكن أن تحمل ما يصل إلى أربعة صواريخ.
وأكد سلاح الجو الأوكراني، الأربعاء، أنه دمر 223 طائرة مسيرة إيرانية منذ منتصف سبتمبر (أيلول). وطلب وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، الاثنين، من نظرائه الأوروبيين معاقبة إيران، بعد أن اضطر إلى الاحتماء في ملجأ بسبب ضربات بطائرات مسيرة استهدفت كييف.
وكشف دبلوماسيون في نيويورك أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تعتقد أن عمليات نقل هذه الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى، تنتهك القرار 2231. وطلبت من الأمم المتحدة إطلاع الدول الأعضاء في مجلس الأمن على القضية خلال جلسة الأربعاء.
وقال المندوب الأوكراني الدائم لدى الأمم المتحدة سيرغي كيسليتسا، في رسالة وزعت على أعضاء مجلس الأمن، الثلاثاء: «نود دعوة خبراء من الأمم المتحدة لزيارة أوكرانيا في أقرب فرصة ممكنة لفحص الطائرات المسيرة إيرانية الأصل التي انتشل بعضها من أجل تسهيل تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231».
وأكد أن طهران شحنت في أواخر أغسطس (آب) مجموعة طائرات مسيرة من طرازي «شاهد» و«مهاجر» إلى روسيا، فيما تعتبره أوكرانيا والقوى الغربية الكبرى انتهاكاً للقرار 2231 الذي أبقى القيود على الصواريخ والتقنيات ذات الصلة بالبرنامج النووي حتى عام 2023. وقالت أوكرانيا في الرسالة إن «طائرات مهاجر وشاهد المسيرة تستوفي معايير القرار 2231؛ «لأن مداها يمكن أن يصل إلى 300 كيلومتر أو أكثر».
«الحرس الثوري» في القرم
وتحركت السلطات الأوكرانية نحو قطع العلاقات مع إيران بسبب تزويد طهران موسكو بهذه الأسلحة. وعلى رغم نفي إيران، تؤكد الدول الغربية حصول هذه المبيعات الإيرانية. واتهمت واشنطن المسؤولين الإيرانيين بأنهم يكذبون. ونقلت صحيفة «النيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين أن إيران أرسلت مدربين إلى أراض محتلة في أوكرانيا لمساعدة الروس في التغلب على مشاكل في الطائرات الإيرانية، موضحة أن المدربين الإيرانيين يعملون من قاعدة عسكرية روسية في شبه جزيرة القرم، حيث يوجد عدد كبير من المسيرات جرى تسلمها من إيران. ولفتت إلى أن المدربين من «الحرس الثوري» المصنف في واشنطن «منظمة إرهابية أجنبية».
وتعليقاً على التقرير، قال نائب الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل إنه «بينما لا نعلق على ما يبدو أنها تسريبات استخبارية، حذرنا منذ يوليو (تموز) الماضي من أن إيران تخطط لمنح روسيا أسلحة لاستخدامها ضد أوكرانيا». وأضاف أن «هناك أدلة كثيرة على استخدام الطائرات الإيرانية المسيرة لمهاجمة المدنيين والأهداف العسكرية الأوكرانية، على رغم من أن إيران لا تزال تكذب دون خجل بشأن ضلوعها في الأمر». وأكد أن وجود مدربين إيرانيين في شبه جزيرة القرم «من شأنه أن يورط إيران في مساعدة الحرب الروسية الوحشية غير المبررة، بما في ذلك الهجمات على المدنيين الأوكرانيين».
وقال مسؤول كبير سابق في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ميك مولروي، وهو أيضاً ضابط متقاعد في وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» إن «إرسال طائرات دون طيار ومدربين إلى أوكرانيا أشرك إيران بعمق في الحرب على الجانب الروسي، وأشرك طهران مباشرة في عمليات قتلت وجرحت مدنيين».
وأضاف أنه «حتى لو كانوا مجرد مدربين ومستشارين تكتيكيين في أوكرانيا، أعتقد أن هذا أمر جوهري». وفي الأصل، أرسلت روسيا أفرادها إلى إيران للتدريب على الطائرات دون طيار. لكن مع استمرار المشاكل، اختارت إيران إرسال مدربيها إلى شبه جزيرة القرم، وفقاً لمسؤولين حاليين وسابقين، تحدثوا مع «النيويورك تايمز»؛ شرط عدم نشر أسمائهم بسبب الطابع السري للمعلومات. ولفتوا إلى أن الأفراد الإيرانيين بعيدون عن الخطوط الأمامية، ومن غير الواضح ما إذا كان المدربون يقودون أي طائرة بأنفسهم.