مقاربة لقسم «سفر طاهرة» في «وشائج ماء» لعبده خال

مقدمة تتكشف خلالها معلومات سردية عن أحداث الرواية وشخصياتها

مقاربة لقسم «سفر طاهرة» في «وشائج ماء» لعبده خال
TT

مقاربة لقسم «سفر طاهرة» في «وشائج ماء» لعبده خال

مقاربة لقسم «سفر طاهرة» في «وشائج ماء» لعبده خال

ما كان في البداية فكرة لمقاربة تحليلية للخطاب السردي في رواية عبده خال «وشائج ماء»، تقّلص إلى قراءة لقسم واحد، قسم «طاهرة»، أو «سفر طاهرة» كما أود أن أسميه. ووراء هذا التحول عدد من الأسباب: 1) إدراكي للحاجة إلى حيز أوسع لإيفاء الرواية حقها من التحليل الدقيق؛ 2) أهمية «سفر طاهرة» بفصوله الخمسة القصيرة على مستوى الحدث وتطوره في الرواية، لكونه موضع تقاطع والتقاء حكايات ومصائر عدد من الشخصيات، 3) يمثل نقطة تحول في حياة السارد – الشخصية أمين طاهر العمران، وفي حياة طاهرة نفسها وشخصيات أخرى يرد ذكرها لاحقاً؛ 4) من خلاله يستمر انفتاح النص واتجاهه من الذاتي الخاص إلى العام عبر التحقيق في قضايا الفساد وكارثة السيول في جدة وتورط شركة القلبين المتحدة في ذلك، بعد انغلاقه (النص) لصفحات كثيرة على تصوير حياة أمين وأسرته.
هذا من ناحية القصة (الأحداث)، أما من ناحية الخطاب فإن «سفر طاهرة» هو بمثابة مقدمة أو كشف مؤجل «delayed exposition»، تتكشف خلاله حقائق تخييلية ومعلومات سردية هامة عن بعض الأحداث والشخصيات وخلفياتها وماضيها؛ معلومات تملأ الثغرات في معرفة القارئ وتجيب عما يدور في خلده من أسئلة.
يشبه ظهور طاهرة القصير نسبياً والمهم على مستويي القصة والخطاب ما يعرف سينمائياً بالـ«كاميو-cameo». «كاميو» هي الكلمة التي خطرت في الذهن أثناء التفكير في «سفر طاهرة» وأهميته، وأهمية ظهور طاهرة في تطور الأحداث والتغير في مصائر بعض الشخصيات. الـ«كاميو» هو الظهور القصير لممثل أو شخصية مشهورة في فيلم؛ ظهور قصير للشخصية، لكن يخطف الأضواء به؛ وعلى نحو أوسع، يعني ظهوراً قصيراً لأي شخصية يؤدي إلى تغير أو تطور في الأحداث، مثل مجيء طارقٍ في هدأة الليل حاملاً رسالة تحمل خبر وفاة رب الأسرة، الذي كانت تنتظر مجيئه على أحر من الجمر. ظهور قصير جداً، ولكنه يقلب حياة الأسرة المُنْتَظِرة رأساً على عقب، ويشكل نقطة تحول جذرية في حياتها.
اعتمد المؤلف الضمني في تشكيله للبنية السردية لـ«سفر طاهرة» والعلاقات بين الشخصيات على عنصر «المصادفة - الصدفة» على نحو متكرر؛ مصادفة أن طاهرة بنت أمين الخولي هي صديقة وحبيبة طاهر العمران (أب أمين، السارد - الشخصية) منذ الطفولة؛ مصادفة أن طاهرة هي أم لمياء، الفتاة الثرية التي أحبها أمين منذ أيام الثانوية ولا تزال تقيم في قلبه؛ صدفة أن أمين طاهر هو المكلف من لجنة مكافحة الفساد بالتحقيق في موضوع شكوى طاهرة ضد ابنتها وصهرها صفوان إبراهيم الجلالي؛ مصادفة أن صفوان كان، مثل أمين، ينتظر كل يوم خروج لمياء من مدرسة دار الحنان؛ صدفة أن المحقق المكلف بالتحقيق مع طاهرة هو المحب المتيم بحب ابنتها، الذي بلغ الخمسين ولم يفكر بالزواج كما لو أنه ينتظر ظهورها في حياته من جديد يوماً ما.
عندما تَمْثلُ طاهرة للتحقيق أمام المحقق أمين طاهر، فإن أول شيء تتفوه به: «أنا ابنة أمين الخولي واسمي طاهرة على اسم أبيك طاهر العمران» (196). كانت طاهرة قد اكتشفت أن أمين هو ابن طاهر، وتأكدت من هويته ومن يكون عندما تجرأت على رفع شماغه عن أذنه. فبعد أن سألته عمّا إذا كان هو أمين، ابن طاهر العمران، هزّ رأسه بالإيجاب. وبسرعة ومن دون تردد «قفزت السيدة طاهرة إلى أمين، رافعة الشماغ الذي يغطي أذنه اليمنى»، ويواصل السارد العليم: «كانت زبيبة لحمية تتدلى في صوان أذن أمين، ومن غير مقدمات أخذت أمين في حضنها وأجهشت باكية» (188).
بعد التعريف بنفسها، تشرع طاهرة في سرد قصة حياتها، بادئة بالحديث عن ثراء أبيها، وقصة حمل أمها بها ومولدها بعد أن شربت الأم المسحوق المذاب في سائل خمري. وتتحدث عن حبها لأبيه طاهر الذي أحبته كما لم تحب أحداً، وفاق حبها له حبها لأبيها، وضاعف حبها له كونه يحتفظ بِسُرَّتها. كان أبوها أمين الخولي المحروم من الذرية قبل مولدها قد تبنى طاهر بعد أن «وجده تائهاً بعد انقضاء موسم الحج... استطاع تسهيل إجراءات التبني حتى لم يعد يعرف إلا طاهر صبي أمين الخولي» (195).
لقد أحبت طاهرة أباه أكثر من حبها لنفسها كما تقول، ولم تتزوجه لأن أباها كان يرى «أن ثمة رحماً تنتظر نطفة طاهر لتهب له ولداً يكون من نسل الخالدين» (199).
خلال حديث طاهرة عن أبيه والعلاقة بينهما، تتشكل في مخيلة أمين صورة لأبيه مختلفة تماماً عن الصورة في ذاكرته ووعيه. عرف عن أبيه من حديثها أشياء وتفاصيل كثيرة لم يكن يعرفها، وكان كل ما يعرفه هو أنه «منبت الجذور»، وعلم مؤخراً كما يقول «أنه تربى في بيت عمه أمين الخولي» (48)، وفي موضع آخر يذكر أن أمه لم تستطع أن تجعل أباه يفتح لها قلبه ويحدثها عن حياته و«مع العشرة الطويلة حذقت أن هناك مناطق في حياته محرم الوصول إليها» (49).
المثير أن حديث طاهرة أوصل أمين إلى تلك المناطق المحرمة بسهولة ويسر وخلال وقت قصير، فرأى أباه في صور متعددة. فأبوه الذي يصفه بأنه يميل إلى الصمت يتحول إلى ثرثار في حضرة طاهرة، ومحب للأغاني والموسيقى بعد أن أهدته طاهرة شريط أغانٍ لنجاة الصغيرة، فأسس على إثر ذلك مكتبة موسيقية في الجزء الذي يسكنه من القصر مع أبيها.
حكاية مليئة بالمفاجآت عن أبيه؛ يشاركه القارئ في التفاجؤ بها. فكلاهما في هذا الموقف متساويان ومتماثلان في عدم معرفتهما بطاهر العمران، لأن هذا جزء من اللعبة السردية وتلاعب المؤلف الضمني بالقارئ بأن جعل السارد العليم يغلق فمه فلا يبوح بأي معلومات عن ماضي طاهر وعن علاقته بطاهرة.
ويتكرر التلاعب والصمت في قصة لمياء حبيبة أمين التي لم يرها ولم يسمع عنها شيئاً منذ تخرجها في الثانوية، إلى أن سمع طاهرة تنطق الاسم «لمياء» ثالث أسماء مُلّاك شركة القلبين المتحدة؛ طاهرة أمين الخولي، صفوان إبراهيم الحلالي، لمياء صالح البراق. وكانت الصدمة: «انتفضت يد أمين، وأغمض عينيه، وأخذت أنفاسه تتسارع...» (210). بعد زوال الصدمة، وتأكده من أن لمياء ابنة طاهرة، أخبر أمين الأخيرة بأنه سَيَصْدُرُ قرارٌ باستدعاء صفوان ولمياء للمثول في هيئة مكافحة الفساد. بعد ذلك، اعتذر عن الاستمرار في التحقيق في قضية شركة القلبين المتحدة، بعد أن أشاد بدور السيدة طاهرة في تبليغها عن الفساد، التي تورطت فيه شركتها بتخطيط وتدبير من شريكيها؛ ابنتها وصهرها.
الصدمة التي ألمت بأمين هي بداية التحول، الانعطافة التي ستأخذه في طريق مختلف، ينأى به عن لمياء كما يبدو في اعتذاره عن مواصلة التحقيق. ولن تظل حياة طاهرة كما كانت قبل الالتقاء بأمين وقبل القضية، وكذلك لن تبقى حياة لمياء وزوجها. أما القارئ فقد عرف الكثير أيضاً.
* ناقد وأكاديمي سعودي


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«سوق ديانا» في القاهرة تبيع أنتيكات برائحة «الزمن الجميل»

التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)
التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)
TT

«سوق ديانا» في القاهرة تبيع أنتيكات برائحة «الزمن الجميل»

التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)
التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)

التحقت سارة إبراهيم، 35 عاماً، بزحام سوق «ديانا» بوسط القاهرة، في إرضاء لشغفها بـ«اقتناء» السّلع والتّحف والعملات القديمة التي تتخصص هذه السوق في القاهرة بعرضها، وتُعرف كذلك بـ«سوق السبت» نسبةً لليوم الأسبوعي الوحيد الذي يستقبل جمهوره فيه.

يُطلق على هذه السوق اسم «ديانا» نسبةً إلى سينما «ديانا بالاس» العريقة التي تقع في محيط الشوارع المؤدية إليها.

تقول سارة إنها تعرّفت على السوق منذ نحو عامين، رغم أنها كانت تسمع عنها منذ سنوات: «بدأ الأمر صدفة، خلال جولة لي مع صديقة، فانبهرنا بكمية المعروضات التي لم نجدها سوى في هذه السوق، وصرت أولاً أقصدها للتنزّه بها من وقت لآخر. وقد اشتريت منها اليوم صوراً قديمة من أرشيف فيلم (معبودة الجماهير)، وصدف بحر عملاقاً لم أرَ مثله من قبل، وكذلك علبة معدنية قديمة مرسوم عليها (روميو وجولييت) كالتي كانت تستخدمها الجدات قديماً لحفظ أغراض الخياطة، وجميعها بأسعار معقولة، وتحمل معها زمناً قديماً لم نعشه»، كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

الأسطوانات القديمة إحدى السلع التي يبحث عنها زوار السوق (الشرق الأوسط)

رغم حرارة الطقس، كان زوار السوق ومرتادوها يتدفقون ويتحلقون حول المعروضات التي يفترشها الباعة على الأرض بكميات كبيرة، ويبدو تأمل تلك المعروضات في حد ذاته ضرباً من المتعة، يمكن أن ينطبق عليه المثل الشعبي المصري المعروف: «سمك لبن تمر هندي» بما يدّل على التنوّع المدهش في نوعية السلع، بداية من الساعات القديمة، إلى أطباق الطعام التي تحمل طابعاً تاريخياً، فيحمل بعضها توقيع «صنع في ألمانيا الغربية»، الذي يعود إلى ما قبل إعادة توحيد ألمانيا، ويمكن مشاهدة زجاجة مياه غازية فارغة تعود للفترة الملكية في مصر، يشير إليها أحمد محمود، بائع المقتنيات القديمة بالسوق.

عملات وتذكارات معدنية (الشرق الأوسط)

يقول محمود: «يمكن على تلك الزجاجة رؤية شعار علم مصر القديم (الهلال والنجمات الـ3 ولونها الأخضر)، وتحمل اسم (كايروأب) التي كانت إحدى شركات المياه الغازية في مصر في عهد الملك فؤاد، وما زال هناك زبائن إلى اليوم يهتمون كثيراً باقتناء مثل تلك التذكارات التي تحمل معها جزءاً من تاريخ الصناعة في هذا الوقت، علاوة على شكلها وتصميمها الجمالي الذي يعكس تطوّر التصميم»، كما يشير في حديثه مع «الشرق الأوسط»، ويضيف: «جمهور هذه السوق هو الباحث عن اقتناء الذكريات، عبر تذكارات تحمل معها جزءاً من تاريخهم الشخصي أو الذي لم يعيشوه، فمثلاً يُقبل الجمهور هنا على شراء ملصقات سينما قديمة، أو حتى صابونة مُغلّفة تعود للخمسينات تُذكرهم بمصانع الفترة الناصرية، ويشترون كروت الشحن القديمة التي كانت تُستخدم في كابينات التليفون بالشوارع قبل انتشار الهاتف المحمول، وهي ذكريات يعرفها جيل الثمانينات والتسعينات بشكل خاص ويستعيدونها مع معروضات السوق».

معروضات نوستالجية تجذب الجمهور (الشرق الأوسط)

تظهر صور الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في وسط المعروضات، كما تظهر بورتريهات لعبد الحليم حافظ، وملصقات لنجوم كرة القدم في السبعينات، تُجاور شرائط كاسيت قديمة يشير البائع لإحدى الزبونات إلى أن سعر أي شريط كاسيت لمحمد عبد الوهاب 25 جنيهاً، فيما تُعرض أسطوانات التسجيلات القديمة بكميات كبيرة يبدأ سعرها من 50 جنيهاً، وكذلك الكاميرات التي تتراوح في تاريخها، وتبدأ من 200 جنيه وحتى 2000 جنيه (الدولار يعادل 48.6 جنيه)، ويعرض أحمد مهاب كثيراً من أجهزة التليفون القديمة التي تلفت أنظار الزوار.

يشير مهاب لأحد تلك الأجهزة التقليدية ذات القرص الدوّار ويقول عنه: «سعر هذا التليفون ألف جنيه مصري؛ وذلك لأنه يعود لفترة الخمسينات ولأن لونه الأحمر نادر، في حين أبيع الجهاز نفسه باللون الأسود بـ500 جنيه لأنه أكثر انتشاراً، فيما تقلّ أسعار تلك الهواتف الأرضية كلما كانت أحدث، فالتليفون ذو القرص الدوار الذي يعود لفترة التسعينات يُعرض للبيع بـ300 جنيه، وعلى الرغم من سطوة أجهزة الجوّالات المحمولة فلا يزال هناك جمهور يبحث عن تلك الأجهزة، إما لرخص سعرها نسبياً عن أجهزة التليفون الأرضي الحديثة، أو رغبة في اقتنائها بوصفها قطع أنتيكات للديكور»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط».

هواتف قديمة ونادرة تلفت أنظار الزوار (الشرق الأوسط)

أما باعة العملات والأوراق النقدية القديمة، فيبدو جمهورهم في ازدياد على مدار ساعات السوق؛ حيث يحتفظون بالعملات المعدنية التي تتراوح بين الفضية والنحاسية في أكوام ضخمة، سواء عملات مصرية أو عربية يختلف سعرها حسب تاريخها الزمني، ينادي البائع لطفي عبد الله على الزبائن: «الواحدة بـ10 جنيه» في إشارة منه لعملة «النصف جنيه» المصري وعملة «الربع جنيه» التي أصبحت جزءاً من التاريخ بعد انهيار قيمتها الشرائية، فيما يشير إلى عملات أخرى أجنبية يحتفظ بها داخل «كاتالوغ» مُغلّف، تظهر على عملة كبيرة الحجم صورة ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث تعود لفترة السبعينات، وعملة أخرى منقوش عليها شعار بطولة الألعاب الأولمبية في مونتريال 1976 التي يعرضها للبيع بـ2600 جنيه مصري، ويقول عنها: «تلك عملة من الفضة الخالصة وثقيلة الوزن، ولها قيمتها التاريخية التي يبحث عنها كثيرون من المقتنين، فجمهور العملات النادرة هم أقدم جمهور لهذه السوق، التي كانت في بداياتها تعتمد على بيع العملات وشرائها، ثم بدأ في التوسع التدريجي ليشمل مختلف المعروضات النادرة والمقتنيات القديمة»، كما يقول لـ«الشرق الأوسط».

شرائط كاسيت قديمة لكوكبة من نجوم الغناء (الشرق الأوسط)

ويبدو أن جمهور سوق «ديانا» لا يقتصر فقط على المصريين، فهو بات جزءاً من الجولات السياحية للكثير من السائحين من جنسيات مختلفة، منهم لي شواي، سائحة صينية، تتحدث مع «الشرق الأوسط» وتقول: «أزور مصر في رحلة عمل، وهذه أول مرة لي في هذه السوق، وما لفتي كثيراً أن هناك معروضات وتحفاً عليها نقوش ورسوم صينية شعبية، لم أكن أعرف أنهم في مصر مهتمون بالفنون والخطوط الصينية القديمة التي تظهر على اللوحات وأطباق التزيين هنا».

السوق تشهد حراكاً واهتماماً من الزوار (الشرق الأوسط)

ويُبدي عبد الله سعداوي، بائع في سوق ديانا، انتباهه لما يصفه بـ«الجمهور الجديد للسوق»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «زاد الجمهور بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، وجزء كبير من هذا الأمر يعود لانخفاض الأسعار من جهة والميل لشراء السلع المستعملة كبديل للسلع الجديدة مرتفعة الثمن، بما فيها السلع الاستعمالية كالحقائب والنظارات وأطقم المائدة، وكذلك بسبب كثافة الفيديوهات التي صار يصوّرها المؤثرون عبر منصات التواصل الاجتماعي عن السوق وتجربة الشراء فيها، وهو ما جعل جمهوراً أكبر من الشباب يأتي بفضول لاستكشافها».