تخطيط لشراء مقبرة

تخطيط لشراء مقبرة
TT

تخطيط لشراء مقبرة

تخطيط لشراء مقبرة

يصدر هذا الشهر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، رواية «2067» للروائي المصري سعد القرش. هنا مقتطفات من فصل «تخطيط لشراء مقبرة»:
أغلق رشيد التليفون وخرج من الحمام. رأى ابنه «هادي» منسجماً مع الدراجة، وتفرس في ملامحه، حتى يبدو للمراقب شك في انتساب ابنه إليه. مراقب آخر سيرى رشيد متأملاً قدرة خالق جعل الطفل العاجز عن الكلام برداً على قلب الأب وسلاماً على الأم؛ فلولاه لانفصمت عرى بيت يبعث فيه هادي دفئاً يذيب الثلج الزوجي.
استعد رشيد ليوم هادئ، أمامه بضع ساعات قبل لقاء «سونهام». يحب التفنن في إعداد إفطار يوم الجمعة. طقس يحن إليه من وقت إلى آخر، ولا تشاركه سهير التي ود لو تستطعم الأكل؛ فلا تبدي ملاحظات، وألا تنفر الولد بتعنيفه على أكله القليل، فينصرف ويحطم ألعابه.
أسعده خاطر أن يطلب هادي رؤية «تيتة»، ويذهبون. وانتظر أن تُفرحه سهير باعتذارها، فينفرد بابنه عند جدته، ويشتري الخبز الساخن، ويمضي وراء هادي يحميه من الوقوع من دراجته في شوارع الجمعة الهادئة صباحاً.
- ابنك وحشك؟
تفادى إثارة سؤال من كلمة واحدة: «ابني؟»؛ لعلمه بالرد المستفز. وقال:
- صباح الخير
لم يسمع رد التحية، ولم ينتظره. لا يحب صباحاً يستفتح بالنكد. وأشار إلى مهارة هادي:
- طبيعي أن يوحشني أبرع قائد عجلة في المنطقة
أرادت سهير إبلاغه بأمر مهم، في بيت أمه أمس، وفاجأها ذهابهما إلى صديقه سامي الرسام. وانتظرته حتى غلبها النوم. وحيره ما تراه مهماً، ويستحق الطرح في اجتماع ثلاثي. أي أمر دفع سهير إلى السهر؟
هز رأسه مستفهماً، فقالت إن النقابة طرحت لأعضائها مقابر بأسعار مناسبة، وبالتقسيط لمن يشاء، مع تحميل العضو فائدة بنكية بسيطة. وإن تسلم «الوحدات» بأسبقية الحجز للراغبين.
تشاءم بسيرة الموت في أول النهار. اكفهر وصمت. قلبت كفها تطلب رداً، فسألها:
- للراغبين؟ للراغبين في الموت؟
- مَن يرغب في الموت؟ «الوحدات» محدودة للراغبين في حجز مقبرة
- من قال إن الوحدات محدودة أو غير محدودة؟
- النقابة؟
- أي نقابة؟
- أي نقابة؟ نقابتنا، نقابة المحامين
- وكنتِ منتظرة فتح الموضوع مع ماما؟
- ما قلت: أفتحه «مع» ماما، قلت: «قدام» ماما
- أشكرك على الدقة، «قدامها»! يصح طرح موضوع عن الموت في حضور ماما، «معها» أو «قدامها»؟
- قل إني قليلة الذوق
- لا أقول ولا أزيد. ناقشيها أنتِ
- في غيابك؟ هي لا تطيق كلامي
- والمطلوب أن أقنعها لتسهم في شراء مقبرة؟
- لو عرفت الموقع لوافقت فوراً
- أي موقع؟
- مكان المقابر، بعد هضبة الأهرام، في طريق الواحات
- المقبرة مقبرة ولو في جنينة قصر، أو في ميدان...
كاد يقول: «ميدان التحرير»، وخشي سوء العاقبة. أدى كبحه للكلمة إلى نفوره من رنين حرف النون.
- شاور ماما، أو خذ أنت القرار واكتب استمارة.
- قلت «ناقشيها أنتِ». أنا عندي مقابر أهلي في «ناهيا»، ومقابر العائلة في «أوزير» لو استحالت ناهيا. إنما أروح صحراء الواحات؟
- ما لها الصحراء؟
- لا تعجبني
- الميت لا يشعر بتميز قبر، أو اغترابه في الصحراء
- أنت قلت: «لا يشعر»، وأنا اخترت مقابر أهلي
- لكنها مقابر أهلك، وأولاد أعمامك لن يقبلوا وجودي
- أي وجود؟
- وأنا ميتة. ترضيك بهدلتي، وأدفن في قبر بعيد عنك؟
- أنت واعية؟
- أكيد، لكنك أناني. لا تطيقني معك في حياتي، ولا في قبر يجمعنا.
- أنت عاقلة وأنا مجنون. والمجنون اختار التبرع بالنافع من جسده لأي كلية للطب.
- سلوك مجانين، عايز تضحي بنفسك؟ قل إن السبب الحقيقي هو رفض وجودي جنبك.
- آمنت بالله، لا مشكلة في تضحية إنسان بأعضائه للنفع العام.
- النفع العام؟ لا أتخيلني أسيبك لأي مخلوق يقطعك.
- يقطعني للمنفعة العامة أولى من الدود وكائنات القبر.
- الدود؟ أعوذ بالله، حتى الملافظ سعد.
- أقول الحقيقة.
- وترميها في وشي؟
- طيب، أنا أريحك من وشي.
أدخل ثيابه في أطرافه. وفي السرعة والرغبة في الفرار، أحكم إغلاق الجاكيت على قميص مفتوح. لاحقته وأصرت على انتزاع وعد منه بألا يتزوج بعدها؛ وأخبرته أن الرجل يجتمع في الجنة بزوجته، وأنها تريد أن يصحبها هناك.
سألها:
- أي جنة؟
- الجنة! تسألني عن الجنة؟
- لا أسأل ولا أجيب.
مال لتقبيل هادي، وسألته سهير:
- أنا غلطت؟
- إطلاقاً، أنا فقط مستعجل. طيب، اقفل القميص.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

وضعية جلوس الطبيب بجانب المريض تُحدِث فرقاً في علاجه

هذه الوضعية تكوِّن روابط بين المريض والطبيب (جامعة ولاية أوهايو)
هذه الوضعية تكوِّن روابط بين المريض والطبيب (جامعة ولاية أوهايو)
TT

وضعية جلوس الطبيب بجانب المريض تُحدِث فرقاً في علاجه

هذه الوضعية تكوِّن روابط بين المريض والطبيب (جامعة ولاية أوهايو)
هذه الوضعية تكوِّن روابط بين المريض والطبيب (جامعة ولاية أوهايو)

كشفت دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة ميشيغان الأميركية، أنّ الوصول إلى مستوى عين المريض عند التحدُّث معه حول تشخيصه أو رعايته، يمكن أن يُحدث فرقاً حقيقياً في العلاج.

وأظهرت النتائج أنّ الجلوس أو القرفصاء بجانب سرير المريض في المستشفى، كان مرتبطاً بمزيد من الثقة والرضا لديه، كما ارتبط بنتائج سريرية أفضل مقارنة بوضعية الوقوف.

وأفادت الدراسة المنشورة في دورية «الطبّ الباطني العام»، بأنّ شيئاً بسيطاً مثل توفير الكراسي والمقاعد القابلة للطي في غرف المرضى أو بالقرب منها، قد يساعد في تحقيق هذا الغرض.

يقول الدكتور ناثان هوتشينز، من كلية الطبّ بجامعة ميشيغان، وطبيب مستشفيات المحاربين القدامى الذي عمل مع طلاب كلية الطبّ بالجامعة، لمراجعة الأدلة حول هذا الموضوع، إنهم ركزوا على وضعية الطبيب بسبب ديناميكيات القوة والتسلسل الهرمي للرعاية القائمة في المستشفى.

وأضاف في بيان نُشر الجمعة في موقع الجامعة: «يلاحظ أنّ الطبيب المعالج أو المقيم يمكنه تحسين العلاقة مع المريض، من خلال النزول إلى مستوى العين، بدلاً من الوقوف في وضعية تعلو مستوى المريض».

وتضمَّنت الدراسة الجديدة التي أطلقتها الجامعة مع إدارة المحاربين القدامى في الولايات المتحدة، وضعية الطبيب بوصفها جزءاً من مجموعة من التدخلات الهادفة إلى جعل بيئات المستشفيات أكثر ملاءمة للشفاء، وتكوين روابط بين المريض ومُقدِّم الخدمة العلاجية.

وبالفعل، ثبَّتت إدارة شؤون المحاربين القدامى في مدينة آن أربور بولاية ميشيغان، كراسي قابلة للطي في غرف عدّة بمستشفيات، في مركز «المُقدّم تشارلز إس كيتلز» الطبي.

وكانت دراسات سابقة قد قيَّمت عدداً من النقاط الأخرى المختلفة، من طول لقاء المريض وانطباعاته عن التعاطف والرحمة من مُقدِّمي الرعاية، إلى درجات تقييم «المرضى» الإجمالية للمستشفيات، كما قيست من خلال استطلاعات موحَّدة.

تتضمّن التوصيات التشجيع على التحية الحارّة للمريض (الكلية الملكية في لندن)

ويقول الباحثون إنّ مراجعتهم المنهجية يجب أن تحضّ الأطباء ومديري المستشفيات على تشجيع مزيد من الجلوس بجانب سرير المريض، كما تتضمّن التوصيات أيضاً التشجيع على التحية الحارّة عندما يدخل مُقدّمو الخدمات غرف المرضى، وطرح أسئلة عليهم حول أولوياتهم وخلفياتهم المرضية خلال المحادثات.

وكان الباحثون قد درسوا هذا الأمر بوصفه جزءاً من تقييمهم الأوسع لكيفية تأثير العوامل غير اللفظية في الرعاية الصحّية، والانطباعات التي تتولّد لدى المريض، وانعكاس ذلك على النتائج.

وشدَّد هوتشينز على أنّ البيانات ترسم بشكل عام صورة مفادها أنّ المرضى يفضّلون الأطباء الذين يجلسون أو يكونون على مستوى العين. في حين أقرّت دراسات سابقة عدّة أنه حتى عندما كُلِّف الأطباء بالجلوس مع مرضاهم، فإنهم لم يفعلوا ذلك دائماً؛ خصوصاً إذا لم تكن المقاعد المخصَّصة لذلك متاحة.

ويدرك هوتشينز -عبر إشرافه على طلاب الطبّ والمقيمين في جامعة ميشيغان في إدارة المحاربين القدامى- أنّ الأطباء قد يشعرون بالقلق من أن الجلوس قد يطيل التفاعل عندما يكون لديهم مرضى آخرون، وواجبات يجب عليهم الوصول إليها. لكن الأدلة البحثية التي راجعها الفريق تشير إلى أنّ هذه ليست هي الحال.

وهو ما علق عليه: «نأمل أن يجلب عملنا مزيداً من الاعتراف بأهمية الجلوس، والاستنتاج العام بأنّ المرضى يقدّرون ذلك».

وأضاف أن توفير المقاعد وتشجيع الأطباء على الوصول إلى مستوى عين المريض، وحرص الكبار منهم على الجلوس ليشكّلوا قدوة لطلابهم، يمكن أن يساعد أيضاً.