في ندوة أقامتها دار ميريت حول ديوان «لا لغة للحب» الذي صدر حديثاً ضمن مطبوعاتها، للشاعر العراقي سليم العبدلي، تحدث شعراء ونقاد مصريون عن تأثيرات الثقافتين العربية والأوروبية على قصائده، وما تحفل به من هموم الواقع المعيش، وما يعلق بذاكرة صاحبها من تداعيات وتقاطعات للحلم والزمن والانتقال من مكان إلى آخر، حيث يبدو الرحيل مرادفاً لافتقاد الحب، ومعادلاً للوصول إلى وطن جديد في الوقت نفسه.
تحدث الشاعر سليم العبدلي عن تجربته الشعرية في بداية اللقاء، مشيراً إلى أن ما يكتبه لا يمكن أن ينعزل عن جذوره الأولى، ومنها جاء ديوانه الأول «الأمكنة مقابر الوقت»، الذي يتضمن تجربة تنطوي على الألم والبعد عن الوطن، وقال: «وقد أخذتهما معي إلى كوبنهاغن بعد مغادرتي العراق، وانعكسا في الكتابة لدي، مضافاً إليهما ما اطلعت عليه من الأدب الأوروبي والدنماركي».
ولفت العبدلي إلى أنه يعاني من مسألة صعبة لا يجد لها حلولاً، وتكمن في عدم قدرته على نقل ما يكتب من شعر بالعربية إلى اللغة الدنماركية، على الرغم من ترجمته لكثير من الشعراء، فهو لا يستطيع أن يكون حيادياً تجاه قصائده، ولا يملك الموضوعية الكافية للتعامل معها، كما أنه مقتنع بأن القصيدة تولد بلغتها.
وذكر العبدلي أنه بدأ بقصيدة النثر، وهي التي جلبته إلى الشعر، وقد تأثر بها منذ الثمانينات، وفيها يتداخل العالمان، الأوروبي الدانماركي البارد المعتم الغني المستغِل، والعربي المشرق المضيء، الفقير والمستغَل، وينعكسان بغير قصد في دواوينه، ومعهما أيضاً يظهر الزمان والمكان كبعدين مرتبطين به كعالم فيزيائي يتأمل الطبيعة كي يفهمها، وكشاعر يتأملها لكي يحسها ويشعر بها.
وذكر الباحث الدكتور نبيل عبد الفتاح، الذي قدم اللقاء، أن العبدلي صاحب تجربة شعرية وثقافية مختلفة، ومتميزة عن غيره من شعرائنا العرب ممن رحلوا إلى أوروبا وأميركا الشمالية، ويقدم لنا شعراً يحفل بهم إنساني في قلب عربي وعراقي، فقصائده معجونة بروح العلم الطبيعي، المستمد من عمله أستاذاً للفيزياء بإحدى الجامعات الدنماركية، فضلاً عن اختزانها أسرار «العربية» الفاتنة عبر تاريخها الطويل، كما تأتي تجربته الشعرية من قلب ثقافتين وتجربتين متميزتين؛ ما يعطيها نوعاً من الفرادة والخصوصية.
وأشار عبد الفتاح إلى أن قصيدة النثر التي ينتمي إلى عالمها العبدلي ليس لديها حكمة، لكنها تنتمي إلى الألم الإنساني، وضياع المعنى، والبحث عنه، وهو ما يتداعى لصالح عوالم جديدة، غير مألوفة أو متخيلة.
من جهته قال الشاعر جمال القصاص، إن صور الحب تتعدد في الديوان وتتوزع ما بين هموم الذات ومشاغلها، وهموم الواقع المعيش، وما يعلق بالذاكرة من تداعيات وتقاطعات للحلم والزمن. تتناثر كل هذه الأشياء في مرايا الحب بالديوان، مشكِّلة نقطة وصل تربط الحب بدورة الحياة، بالماضي والحاضر والغد. كما أن الذات الشعرية تبحث في غبار هذه الأزمنة عن حكمة مفتقدة أو وجه آخر للزمن، وللحب نفسه... فالحب رومانسي حين تنثر الذات حوله مشاعرها وعواطفها تجاه الأنثى العاشقة والحبيبة، ويختلط التعبير عنه شعرياً بالبحر والفنار والشاطئ والبوصلة والمرفأ، كما يبدو كأنه رحلة، أو حالة من الإبحار بين كل هذه العناصر، خاصة في القسم الأول من الديوان «في علاقة العشق... هناك فقط المعشوق»، حيث يصبح الحب والعشق ينشدان هماً واحداً ومشتركاً. لكنهما دائماً في حالة من التعيُّن، في إطار وفضاء محددين، لا يهربان من قبضة الزمان والمكان، وكما يشي العنوان نفسه «هناك»... وليس «هنا»، وكأننا إزاء إحالة ضمنية إلى ما ليس في اليد، وإنما إلى ما تصبو إليه هناك. ومن سمات الرومانسية أن الخطوتين لا تتصارعان من أجل التوحد والانصهار في خطوة واحدة، وإنما تسيران في حالة من التواؤم، والتوزاي، فلا نوازع للقلق أو التساؤل، أو الدهشة، إنما حالة من الاسترخاء والسكون.
من جهته قال الشاعر محمد الحمامصي، إن الشعر حياة، يحمل كل تجلياتها وأحلامها ورؤاها وهزائمها وآلامها، والقصيدة الحقيقية هي تلك التي تشكل هذه الفضاءات لغة وإيقاعاً وصورة، وتقدم توهجاً لا ينطفئ جماله وحيويته مع كل قراءة.
وذكر أن الشعر عند سليم العبدلي، يعتمل فيه علمه وروحه وجسده. إنه يكتب منغمساً في فضاء الحياة بكل ما تحمله من رؤى وأفكار وأحاسيس. نصه لا يمر على أدق التفاصيل مرور الكرام، بل يمر متأملاً وقارئاً لما يحتشد وراءها. وفي هذا الديوان تواصل نصوص العبدلي التغلغل في أبعاد كل ذلك، كاشفة عن أنها تمثل وجود ذات الشاعر نفسه.
تقاطعات الحلم والرحيل في قصائد شاعر عراقي
شعراء ونقاد مصريون يتحدثون عن ديوانه «لا لغة للحب»
تقاطعات الحلم والرحيل في قصائد شاعر عراقي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة