الإسكندرية... سحر طاغٍ يلهم أدباء العالم

«7 أيام في سيسل» تعيد فتح الملف

مكتبة الإسكندرية (أرشيفية)
مكتبة الإسكندرية (أرشيفية)
TT

الإسكندرية... سحر طاغٍ يلهم أدباء العالم

مكتبة الإسكندرية (أرشيفية)
مكتبة الإسكندرية (أرشيفية)

قليلة هي المدن التي أثارت خيال الأدباء حول العالم، وأصابت الرحالة بالانبهار، وألهمت الشعراء قصائد على مر الزمان. وتعد مدينة الإسكندرية الواقعة في شمال مصر، على شاطئ البحر الأبيض المتوسط واحدة من تلك المدن التي تحمل سحرا طاغيا ألقى بظلاله على من مر بها من أدباء وشعراء.
«7 أيام في سيسل» عنوان رواية للكاتب هاري تزالاس، صدرت حديثا عن مكتبة الإسكندرية، وتعد «أحدث» عمل أدبي عالمي يستلهم أجواء المدينة التي تحظى بشهرة عالمية، منذ أن بناها الإسكندر الأكبر على الطراز الإغريقي بعد دخوله مصر وانتصاره على الفرس عام 333 قبل الميلاد. ويتناول العمل يوميات خمسة أصدقاء يقيمون في فندق «سيسل»، أحد الفنادق القديمة في المدينة، ومنه ينطلقون إلى مغامرات نفسية وروحية في أزقة الإسكندرية وشوارعها، يبحثون فيها عن «شيفرة السحر السكندري»، ويزورون المتحف اليوناني الروماني، ويعرجون على «ضريح النبي دانيال»، وما يرتبط به من معتقدات شعبية حيث تتجسد المدينة باعتبارها بقعة حضارية تحوي بداخلها العديد من الثقافات والأجناس والديانات عبر العصور.
يتحدر تزالاس من أصول يونانية إيطالية، ولد في الإسكندرية عام 1936، واضطر لمغادرتها عقب العدوان الثلاثي على مصر 1956، وما صاحبه من خروج جماعي للعديد من الجاليات الأجنبية من البلاد. وإضافةً لنشاطه الأدبي، فإن الرجل عضو في مجلس مديري «مركز الإسكندرية للدراسات الهيلنستية»، الذي أنشئ بالتعاون بين مكتبة الإسكندرية واليونان، كما ألقى العديد من المحاضرات، ونظم كثيرا من الفعاليات حول آثار المدينة الغارقة، وحول دورها الرائد في التاريخ الحضاري.
وتقول غادة جاد، التي ترجمت عملين لـ«تزالاس»، وهما رواية «7 أيام في سيسل»، والمجموعة القصصية «وداعا الإسكندرية»، إن «الكاتب اليوناني يسعى إلى إبراز قيم التسامح والإخاء وقبول الآخر كما عايشها في المدينة فضلا عن الاحتفاء بطابعها العولمي (الكوزموبوليتاني)»، مضيفة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «يفضل التقاط نماذج شخصياته من الواقع المباشر والحياة اليومية المعيشة ما يجعلها قريبة للقارئ».
ويعترف الأديب منير عتيبة، ابن المدينة ومؤسس ومدير مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، أن الصورة الوردية للمدينة تأثرت «سلبا» في الآونة الأخيرة بسبب الزحام والفوضى والامتداد العمراني غير المخطط في بعض المناطق، لكنه يؤكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «رغم كل شيء تظل الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط، جامعة الثقافات والجنسيات، ثاني مدينة في العالم تشهد اختراع السينما، وأول مدينة مصرية تصدر فيها جريدة الأهرام العريقة، وتقام فيها أستوديوهات الأفلام».
ويقول عتيبة إنه «على مر التاريخ أثبتت الإسكندرية أنها عصية على الفناء وتستطيع مقاومة أعداء الحضارة طوال الوقت كما حدث مع المتعصبين الذين اغتالوا الفيلسوفة (هيباتيا) ومثلوا بجثمانها، فكل موجات العدوان والتعصب ذهبت وبقيت المدينة بألقها وخصوصيتها».
ويعد جوزيبي أونغاريتي، المولود لأبوين إيطاليين في الإسكندرية يوم 8 فبراير (شباط) 1888، أحد أهم شعراء إيطاليا في القرن العشرين حيث استطاع تحرير القصيدة من موروثها التقليدي وأخذ بيدها نحو الحداثة. قضى أونجاريتي فترة الطفولة والشباب في حي «محرم بك» بالإسكندرية، حيث كان والداه يديران مخبزا، تعلم أونغاريتي في إحدى أشهر مدارس الإسكندرية، وبعد سفره إلى فرنسا ثم إيطاليا، ظلت المدينة الساحلية في خياله، وكتب عنها قصيدة بعنوان «بيتي».
أما قسطنطين كفافيس، فيعتبر أحد أشهر شعراء العالم الذين خلدوا في قصائدهم الإسكندرية حيث ولد عام 1863، بعد أن هاجر والداه اليونانيان من تركيا إلى مصر.
وحين كتب الروائي والشاعر البريطاني لورانس داريل (1912 - 1990) رباعيته الشهيرة عن الإسكندرية (جوستين – بلتازار - ماونت أويف - كليا) وضعته تلك الرباعية في مصاف رموز الأدب الإنجليزي الحديث. ورغم أنه ولد بالهند وتأثر بالثقافة الروحية لعالم الشرق، فإن المدينة الساحلية المصرية هي التي ألهمته العمل «الأهم» في مسيرته الأدبية.
ولم ينج إي إم فورستر، كاتب ورحالة بريطاني، ولد عام 1879 فيلندن، من سحر المدينة فوضع أحد أشهر مؤلفاته عنها، والذي يحمل عنوان «الإسكندرية - تاريخ ودليل»، والذي يعد أحد أفضل المراجع في هذا السياق حتى الآن.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


تحويل الأفلام الكلاسيكية إلى أعمال درامية يعود للواجهة

الفنانة تحية كاريوكا والفنان شكري سرحان في لقطة من فيلم «شباب امرأة» (يوتيوب)
الفنانة تحية كاريوكا والفنان شكري سرحان في لقطة من فيلم «شباب امرأة» (يوتيوب)
TT

تحويل الأفلام الكلاسيكية إلى أعمال درامية يعود للواجهة

الفنانة تحية كاريوكا والفنان شكري سرحان في لقطة من فيلم «شباب امرأة» (يوتيوب)
الفنانة تحية كاريوكا والفنان شكري سرحان في لقطة من فيلم «شباب امرأة» (يوتيوب)

عادت ظاهرة تحويل الأفلام الكلاسيكية إلى أعمال درامية إلى الواجهة مجدداً، بعد الإعلان عن تقديم قصة فيلم «شباب امرأة» في مسلسل درامي للعرض خلال رمضان 2025.

ويعد مسلسل «شباب امرأة» أحدث الأعمال التي تم تحويلها لعمل درامي مقتبس من فيلم كلاسيكي بعد تجارب فنية مشابهة شهدتها صناعة الدراما في مصر منذ بداية الألفية الجديدة، والمسلسل الجديد يتكون من 15 حلقة، من بطولة غادة عبد الرازق، ومحمد محمود، ويوسف عمر، من كتابة محمد سليمان عبد المالك، وإخراج أحمد حسن.

وتدور أحداث الفيلم الأصلي الذي تم إنتاجه في خمسينات القرن الماضي حول سيدة متسلطة تدعى «شفاعات»، تقوم بتسكين شاب يدعى «إمام» في إحدى البنايات التي تمتلكها بعدما أتى من الريف للدراسة بالقاهرة، ومع مرور الوقت توقعه في شباكها رغم تحذير «حسبو» الرجل العجوز الذي يعمل لديها، لكن «إمام» يتعرف على فتاة تدعى «سلوى» ويتقرب من أسرتها، بينما تدبر «شفاعات» له المكائد حتى يعود إليها، لكنها تقع فريسة لانتقام «حسبو» في النهاية.

فيلم «شباب امرأة» قصة وسيناريو وﺇﺧﺮاﺝ صلاح أبو سيف، عن رواية للكاتب المصري أمين يوسف غراب، وبطولة تحية كاريوكا، وشكري سرحان، وشادية، وعبد الوارث عسر.

الفنانة غادة عبد الرازق بطلة مسلسل «شباب امرأة» (حسابها على إنستغرام)

ويرى الناقد الفني المصري كمال القاضي أن «التجارب التي تم تنفيذها وسبق عرضها أثبتت فشل العديد من الأنماط السينمائية التي تم تحويلها إلى أعمال درامية»، ويستكمل القاضي حديثه لـ«الشرق الأوسط» مؤكداً أن «أسباب الفشل تتصل بعدم القبول الجماهيري لأفلام أعيد تدويرها فأصبحت مجرد مُستنسخات لا تحمل أي إضافة غير الانتقاص من قيمة العمل الأصلي فنياً وأدبياً، فالجمهور تفاعل مع الأفلام القديمة وعاش أحداثها ولا حاجة له إلى اجترارها مرة أخرى».

ويضيف القاضي: «أتصور أن ما يحدث طريقة لاستثمار نجاح الأفلام والاستفادة من شعبيتها فقط دون أي هدف آخر، ولكن لا يمكن أن تستمر هذه الظاهرة في التمادي إلا إذا كانت هناك جهات إنتاجية تستفيد منها».

ونوه القاضي بأن «النسبة القليلة التي تتابع المسلسلات المنقولة هي في واقع الحال تستدعي ذكرياتها مع الأفلام ليس أكثر ولا أقل، وتتفاعل مع الأحداث بأثر رجعي وليس إعجاباً بالمسلسلات أو الأبطال، وهذا يتضح من الآراء والتعليقات الساخرة التي يسجلها الجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي».

ومن بين الأفلام التي تم إعادة إنتاجها في أعمال درامية خلال السنوات الماضية، «إمبراطورية م»، و«العار»، و«الطوفان»، و«الباطنية»، و«أرض النفاق»، و«الزوجة الثانية»، و«لا تطفئ الشمس»، و«رد قلبي»، و«سمارة»، و«الكيف»، و«جري الوحوش»، و«بين السماء والأرض»، وغيرها.

من جانبه، يفضل الناقد الفني المصري عماد يسري المحاولة، لكنه يوضح أن «كثيراً من التجارب التي تم تنفيذها فشلت على مستوى الكتابة والتمثيل والإخراج لقصور في معرفة كيفية إدارة هذه الأعمال الفنية الراسخة في الأذهان».

فيلم «شباب امرأة» تناول قصة سيدة متسلطة وشاب جامعي (يوتيوب)

ويضيف يسري لـ«الشرق الأوسط» أن «الفنان يحتاج إلى دخل لسد احتياجه؛ الأمر الذي يضطره للموافقة على المشاركة، لكن ما دور الكاتب الذي تكاسل في تقديم معالجة مختلفة، ولماذا اعتمد الإنتاج على أسماء لا ترقى لمستوى العمل الأصلي؟».

وتعود ظاهرة تحويل الأفلام لأعمال درامية إلى ما تتمتع به الأفلام الكلاسيكية من شهرة كبيرة عربياً، ومعالجات فنية مميزة وصناعة متقنة ونجاح مذهل، وفق نقاد.

ويؤكد الكاتب المصري محمد الغيطي لـ«الشرق الأوسط» أن «التجربة نجحت بالفعل في المسرح، وخصوصاً على المستوى العالمي، لكن التجربة التلفزيونية كانت سيئة بسبب المعالجة الفنية التي لم ترق لمستوى الفكرة الأصلية».

ويرى الغيطي أن «الإنتاج وتحريك عجلة الصناعة هما الأهم في الوقت الحالي لتشغيل أكبر عدد ممكن من الفنانين والفنيين، فيتم اللجوء لهذه الأعمال المقتبسة حتى لا نصل لدرجة انهيار كلي للصناعة في مصر، التي تعتبر دخلاً قومياً»، وفق قوله.