يمكن القول إن بوركينا فاسو تمثل العمق الحقيقي لمنطقة غرب أفريقيا، فرغم مساحتها الصغيرة (274 ألف كيلومتر مربع)، فإنها تختزل تفاصيل تضاريس المنطقة أجمع، من الصحراء الكبرى إلى سهول السافانا الأفريقية، مع الغابات والأحراش الاستوائية. وبذا تعدّ واحدة من أكثر دول المنطقة تنوعًا في التضاريس، رغم أنها دولة حبيسة بين ست دول هي: مالي والنيجر وبنين والتوغو وغانا وكوت ديفوار.
تنوعُ الأرض في بوركينا فاسو رافقه تنوع في البشر، إذ تشير بعض الإحصائيات إلى وجود أكثر من 60 عِرقية مختلفة في البلد، تتحدث أكثر من 27 لغة ولهجة محلية، فيما يقدر عدد سكان البلد بـ21.5 مليون نسمة، يعيش أكثر من 30 % منهم في المدن، والبقية في الأرياف يمارسون الزراعة التي هي العمود الفقري لاقتصاد البلد الهش.
ثم إنه رغم التنوع العرقي الكبير، تمثل قبائل الموسّي Mossi وحدها 52 % من السكان، وهي قبائل أفريقية عريقة أسّست ممالك وإمارات منذ القرن 11 الميلادي، واستمرت هيمنتها على المنطقة لأكثر من 8 قرون، قبل أن تنهار على يد المستعمر الفرنسي.
بالإضافة إلى قبائل الموسّي، هناك عِرقيات أفريقية أخرى مهمة في البلد، من أبرزها قبائل الفولاني، التي تنتشر على رقعة واسعة على طول الحدود الجنوبية للصحراء الكبرى، من نيجيريا شرقاً إلى السنغال غرباً. وفي بوركينا فاسو تتركز الفولاني بشكل أساسي في الأرياف وتشتغل بتنمية الحيوان ورعاية الأبقار، وهي في أغلب الأحيان مجتمعات من الرحَّل في وسط وشمال البلاد، ولكن رغم ذلك هي ثاني أهم عرقية في البلد.
وبما أن العرقيتين الأهم في البلد هما الموسّي والفولاني، أصبح الإسلام هو الأكثر انتشاراً، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن 60 % من سكان البلاد مسلمون، وحوالي 25 % مسيحيون، والبقية تنتمي لديانات أفريقية قديمة وثنية. ومع بداية دخول الإرهاب البلد (2015) أصبحت القضية الدينية حاضرة بقوة، رغم أن هذه الديانات ظلت متعايشة لقرون طويلة.
يتكلم سكان بوركينا فاسو 27 لغة ولهجة، من أهمها لغة المور التي تستخدم من طرف قبائل الموسي، ومن ثم يتجاوز عدد الناطقين بها 50 % من السكان، وهي لغة الشارع والحديث اليومي للتواصل بين جميع العِرقيات، ثم تأتي لغة قبائل الفولاني التي تشير بعض التقديرات إلى أن نسبة المتحدثين بها تقارب 10 %، وهي لغة ذات انتشار واسع، بالتوازي مع انتشار هذه القبائل الكبيرة والقوية في أفريقيا.
غير أن اللغة الفرنسية تبقى هي اللغة الرسمية للدولة والإدارة، وهي أيضًا لغة الثقافة والسياسة، مع وجود طفيف للغة العربية في المجتمعات المسلمة، وخاصة في أرياف الوسط والشمال، حيث تدرس في المساجد والكتاتيب، ضمن تقاليد إسلامية عريقة، تعود لعصر الإمارات الإسلامية في المنطقة.
بوركينا فاسو.. فسيفساء البشر واللغة
بوركينا فاسو.. فسيفساء البشر واللغة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة