فرنسا: المناخ الاجتماعي إلى مزيد من التصعيد... ودعوة إلى مسيرة كبرى وإضراب

الحلول المقترحة لتسوية النزاع مع نقابات الطاقة ما زالت قاصرة وشكوى المواطنين تتزايد

من إضراب عمال مصافي النفط في فرنسا (إ.ب.أ)
من إضراب عمال مصافي النفط في فرنسا (إ.ب.أ)
TT

فرنسا: المناخ الاجتماعي إلى مزيد من التصعيد... ودعوة إلى مسيرة كبرى وإضراب

من إضراب عمال مصافي النفط في فرنسا (إ.ب.أ)
من إضراب عمال مصافي النفط في فرنسا (إ.ب.أ)

قبل 19 يوماً، انطلق إضراب عمال مصافي النفط ومستودعاته. ووصلت الأمور إلى الذروة في الأيام الأخيرة بعد أن أضربت المصافي الست «من أصل سبع مصافٍ» التي توفر المشتقات النفطية لكل الأراضي الفرنسية. والنتيجة المباشرة لذلك أن استطالت الصفوف أمام محطات الوقود التي أغلقت أبوابها شيئاً فشيئاً وأصبح الحصول على مشتقات النفط أمراً بالغ الصعوبة، ما كان له تأثيره المباشر على عامة الناس وتأثرت الحركة الاقتصادية وارتفعت الشكاوى.
وبان عجز الحكومة بعدما تبين أن الإضراب تَحوّل إلى واقع، وأن غالبية الناسي ترمي المسؤولية على السلطات وليس على المضربين الذين كانوا يرفعون مطالب عُدَّت «محقّة» لأنها تنادي برفع الرواتب والتعويض عن التضخم الذي بلغ نسباً غير مسبوقة منذ أربعين عاماً إذ اقترب من 9%.
ولاكتمال الصورة، تتعين الإشارة إلى الغلاء الذي ينهش الطبقات الأكثر هشاشة ويصيب الطبقة الوسطى التي أخذت تشعر أن الوضع الاقتصادي «والمالي» بسبب تهاوي قيمة اليورو مقابل الدولار، يشدها إلى الأسفل. ثم إن أسعار الطاقة ومشتقاتها والكهرباء لم تعد تطاق بالنسبة لكثيرين لا بل إن مصانع وشركات أخذت تغلق أبوابها فيما تراجعت نسب النمو الاقتصادي وأخذت أعداد المسرَّحين والعاطلين عن العمل تتزايد.
حقيقة الأمر أن الوزارات المعنية لم تنظر إلى الأمور بالجدية اللازمة ولم تضغط على الشركات النفطية للاستجابة لمطالب عمال المصافي. والمفارقة أن شركة «توتال إنرجي»، عملاق النفط والغاز الفرنسي، حققت أرباحاً صافية في الأشهر الستة من العام الجاري جاوزت الـ16 مليار يورو بفضل ارتفاع الأسعار، وأن مجلس إدارة الشركة قرر زيادة مخصصات رئيسه بنسبة 52% لترتفع من أربعة ملايين إلى ستة ملايين يورو، وأن حملة أسهم الشركة حصلوا على عائدات مرتفعة للغاية قياساً للسنوات السابقة.
وفي المقابل، فإن الإدارة رفضت الاستجابة لمطالب العمال الذين دعت نقاباتهم لمنح عمال المصافي زيادة بنسبة 10% لتغطية نسبة التضخم من جهة ولرفع الرواتب بنسبة 3%. ولاكتمال الصورة، تتعين الإشارة إلى أن الحكومة أفضت السير بمشروع فرض ضرائب إضافية على الشركات النفطية والكهربائية والنقل التي حققت فائضا في الأرباح لاستفادتها من تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا لجهة ارتفاع أسعار النفط والغاز. ثم إن الحكومة التي راهنت على قيام حوار بين النقابات والشركات النفطية لم تعمد إلى الضغط على الأخيرة بل تركت لها الحبل على الغارب.
تتركز مخاوف السلطات في تراكم المطالب الاجتماعية وتداخلها. فذكريات حركة «السترات الصفراء» لم تغب عن الأذهان والوضع اليوم أكثر خطورة بدرجات مما كان عليه قبل ثلاثة أعوام. وتواجه الحكومة اليوم استحقاقين إضافيين: الأول، «المسيرة الكبرى» في باريس غداً (الأحد)، التي دعت إليها أحزاب اليسار والبيئويون بدعم من 700 نقابي ومجموعة من كبار المثقفين احتجاجاً على غلاء المعيشة وتنديداً بسياسة الحكومة الاقتصادية والاجتماعية.
ويُتوقع أن تضم «المسيرة» عشرات الآلاف من المتظاهرين الذين سيتوافدون من مائة مدينة فرنسية وستكون الأكبر التي تحصل في فرنسا منذ انتخابات الربيع الماضي التي شهدت بقاء الرئيس إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه لخمس سنوات إضافية. والاستحقاق الثاني يتمثل في الدعوة إلى إضراب عام يوم الثلاثاء القادم أطلقته أربع نقابات رئيسية فضلاً عن منظمات شبابية.
وينتظر أن يشل الإضراب بشكل خاص أنشطة النقل الخاصة بشركة السكك الحديدية الوطنية التي تؤمّن التنقل داخل فرنسا وإلى البلدان المجاورة وأيضاً شركة النقل العام المشكِّلة لمترو باريس. وهذا يعني أن عدة ملايين سوف يتأثرون بهذا الإضراب علماً بأن كثيرين تركوا التنقل بسياراتهم الخاصة بسبب نقص الوقود وأحياناً ندرته ليستخدموا النقل العام الذي سيتضرر بدوره من إضراب الثلاثاء.
إذا كانت ثمة حاجة لتبيان أن خريف فرنسا أصبح حاراً ولا شك أنه سوف يزداد سخونة، فإن ما يجري حالياً يأتي بالبرهان القاطع. ولا تتوقف صعوبات الحكومة التي عمدت إلى تدبير يتيحه القانون وهو يقوم على استدعاء الموظفين للقيام بعملهم ضماناً للمصلحة الوطنية وهو ما فعلته بالنسبة لعدد ضئيل من عمال شركة «إيسو - أكسون - موبيل» الأميركية في مصفاة واقعة شمال غربي البلاد.
إلا أن الاتحاد العمالي العام، وهو الأكبر تمثيلاً في قطاع المصافي احتجّ على ذلك وعدّه انتقاصاً من حق الإضراب الذي يكفله الدستور وقدم طلباً للمحاكم الإدارية لإبطال الأوامر الحكومية.
عندما هزت الحكومة العصا لشركة «توتال إنرجي»، قبلت الأخيرة التراجع عن شرط وضع حد للإضراب لفتح حوار مع النقابات. وعقدت ليل أمس مفاوضات في مقر الشركة في حي الأعمال المسمى «لا ديفانس» الواقع غرب العاصمة وقد تواصلت حتى فجر اليوم. وبنتيجتها، أبرمت صفقة بين إدارة الشركة وبين نقابتين هما: الاتحاد الديمقراطي الفرنسي للعمل، والاتحاد الفرنسي للإدارة، «وهما يمثلان غالبية الموظفين»، تقوم على زيادة الأجور بنسبة 7% إضافة إلى مكافآت تتراوح ما بين 3 و6 آلاف يورو مرة واحدة.
بيد أن الكونفيدرالية العامة للشغل التي كانت في أساس إطلاق الإضراب وهي قريبة من الحزب الشيوعي الفرنسي، رفضت عرض الإدارة وأصرت على زيادة بنسبة 10%. وقال أليكسي أنتونيولي، ممثلها في المفاوضات: «شهدنا مهزلة... العروض المطروحة على الطاولة غير كافية بشكل واضح».
وسبق للنقابة المذكورة أن رفضت عرضاً تقدمت به شركة «أكسون موبيل» فيما قبلته النقابات الأخرى. ولا يُعمل بهذه العروض قبل أن توافق عليها الجمعيات العامة عبر التصويت. ودعت وزيرة الطاقة أنييس بانييه روناتشر، اليوم (الجمعة)، إلى تواصل الحوار بين «توتال إنرجي» و«الكونفيدرالية العامة» للتوصل إلى حلول وسط.
لا تتوقف صعوبات الحكومة عند هذا الحد بل إنها في السياسة تصارع من أجل إقرار موازنة العام 2023 وذلك بسبب افتقارها للأكثرية المطلقة في البرلمان بعكس ما كان عليه وضع الرئيس ماكرون في ولايته الأولى. وتجد الحكومة نفسها مضطرة للمساومة خصوصاً مع نواب اليمين التقليدي الـ62 لتوفير الأكثرية بينما نواب اليسار الـ150 مواظبون على وضع العصيّ في دواليبها وتقديم مقترحات لتعديلات تتناول غالبية فقرات الميزانية.
وفي أي حال، فخوف الحكومة أن تتمدد الاحتجاجات الشعبية على خلفية تفاقم المصاعب الاقتصادية والاجتماعية فيما الحلول المطروحة لا تفي بالمطلوب.


مقالات ذات صلة

فرنسا لإنهاء سقف أسعار الغاز للأسر العام الحالي

الاقتصاد فرنسا لإنهاء سقف أسعار الغاز للأسر العام الحالي

فرنسا لإنهاء سقف أسعار الغاز للأسر العام الحالي

تعتزم فرنسا إنهاء الحد الأقصى لأسعار الغاز للأسر، لكنها تريد الإبقاء على خطط الحد الأقصى لأسعار الكهرباء حتى بداية عام 2025. وقال وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لو مير لشبكة «إل سي آي» أمس، إنه نظراً لانخفاض أسعار الغاز إلى مستوى مقبول مرة أخرى، فإن السقف الذي تم طرحه في عام 2021 لحماية المستهلكين من ارتفاع الفواتير سيتم إلغاؤه هذا العام.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد فرنسا ترفع حد الأجور لمواجهة لهيب التضخم

فرنسا ترفع حد الأجور لمواجهة لهيب التضخم

قالت وزارة العمل في فرنسا، إن الحد الأدنى للأجور سيرتفع 2.19 في المائة إلى 11.52 يورو (12.73 دولار) في الساعة في أول مايو (أيار)، وذلك في محاولة لمساعدة العمال على التأقلم مع التضخم. ويعني هذا رفع الحد الأدنى للأجور شهرياً إلى 1747.20 يورو من 1709.28 يورو.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد فرنسا تبحث إقرار «الإجازات النسائية»

فرنسا تبحث إقرار «الإجازات النسائية»

بدأ الحديث في فرنسا عن السماح للنساء بالتغيّب عن وظائفهنّ خلال الدورة الشهرية من دون الحسم من رواتبهنّ، إذ يتولّى نواب فرنسيون إعداد مشاريع قوانين تنص على منح إجازة الدورة الشهرية للنساء اللواتي يعانين من آلام خلال فترة الطمث، بعدما كانت إسبانيا تبنّت أخيراً قانوناً مماثلاً. وتمنح شركات فرنسية قليلة أصلاً إجازة الدورة الشهرية للعاملات فيها، إذ توفر شركة «لوي ديزاين» المتخصصة في تصنيع الأثاث إجازة مدفوعة للنساء اللواتي يتألّمن خلال الحيض.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم تعليق التحركات المطلبية في مصافي النفط الفرنسية قبل عطلة الفصح

تعليق التحركات المطلبية في مصافي النفط الفرنسية قبل عطلة الفصح

قرّرت النقابات، اليوم الجمعة، تعليق التحرّكات الاحتجاجية ضدّ إصلاح نظام التقاعد في فرنسا في المصافي، عشية عطلة عيد الفصح الطويلة، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. وغداة اليوم الحادي عشر للتحرّكات ضدّ الإصلاح المثير للجدل، بقيت مصفاة «توتال» في غونفرفيل لورشيه الواقعة في شرق فرنسا، التي تعدّ الأكبر في البلاد، وحدها مغلقة تماما. وقرّر موظّفو غونفرفيل اليوم (الجمعة) في جمعية عامة، تمديد الإضراب إلى الثلاثاء و«لن تدخل أي مواد أو تخرج إلى ذلك الحين»، حسبما أكد دافيد غيمار مندوب الاتحاد النقابي (CGT) لوكالة الصحافة الفرنسية. واليوم (الجمعة)، بعد شهر من التحرّكات المتتابعة، قرّرت نقابات مصفاة «توت

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد أزمات تؤرق فرنسا المرتبكة بالاحتجاجات

أزمات تؤرق فرنسا المرتبكة بالاحتجاجات

بينما شكل الخميس يوم التعبئة الحادي عشر احتجاجا على إصلاح نظام التقاعد الذي لا يلقى شعبية في فرنسا، مؤشرا لمعرفة ما إذا كانت الحركة التي اتسمت بالعنف مؤخرا وبتراجع في عدد المتظاهرين، تضعف أو بالعكس تزداد زخما بينما تصر كل من الحكومة والنقابات على مواقفها... كانت المشكلات المؤرقة تحاصر أعدادا متنامية من المواطنين، سواء في الطرقات أو حتى بالمنازل. وأعلنت شركة النفط الفرنسية العملاقة «توتال إنيرجيز» تمديد العمل مؤقتا بسقف سعر البنزين في محطات الوقود التابعة لها بفرنسا، وهو 1.99 يورو لكل لتر حتى تنتهي أزمة نقص إمدادات الوقود الناجمة عن الإضرابات العمالية في البلاد.

«الشرق الأوسط» (باريس)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.