تجربة الأبوة لها آثار إيجابية على المخ

تجربة الأبوة لها آثار إيجابية على المخ
TT

تجربة الأبوة لها آثار إيجابية على المخ

تجربة الأبوة لها آثار إيجابية على المخ

لا شك أن تجربة الأبوة، خاصةً للمرة الأولى، تغير الكثير من الأمور في حياة الرجال ولها تأثير نفسى كبير وتسبب مشاعر مختلطة من الفرح والسعادة والخوف من المسؤولية في نفس الوقت.
أحدث دراسة لعلماء من جامعة جنوب كاليفورنيا University of Southern California بالولايات المتحدة تناولت علاقة الأبناء بالآباء، وأشارت إلى احتمالية أن يتعدى الأمر مجرد الآثار الإيجابية النفسية بل ويكون لعاطفة الأبوة دور إيجابي عضوي على صحة خلايا المخ أيضاً. ونشرت الدراسة في مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الجاري في مجلة القشرة المخية Cerebral Cortex.

الأبوة والمخ
لتأكيد هذه الفرضية قام العلماء بعمل مسح عن طريق استخدام أشعة الرنين المغناطيسي MRI لدراسة التوصيلات العصبية في خلايا المخ لمجموعة من الآباء الجدد لاكتشاف ودراسة هذه التغيرات ومحاولة العثور على أدلة عضوية مثل تلك التي تم الحصول عليها في التجارب التي تم إجراؤها على الحيوانات.
وأظهرت النتائج أن عاطفة الأبوة خاصةً لأول مرة تتميز فيها خلايا المخ بالنشاط في التوصيلات العصبية وتظهر تحسنا في النشاط العصبي، حيث تعتبر مهارة جديدة يمكن اكتسابها من خلال التعامل مع الأطفال في المراحل العمرية المختلفة تبعاً لاحتياج كل مرحلة بداية من الرضاعة والحاجة للتواصل بالشكل غير المتعارف عليه في التعامل مع البالغين من خلال مجرد النظر والإحساس عن طريق اللمس ومحاولة فهم سبب البكاء ومروراً بالطفولة والمراهقة وحتى البلوغ.
من المعروف أن خلايا المخ تمر بالعديد من التغيرات المختلفة تبعاً للمراحل العمرية في حياة أي شخص مما يجعلها مرنة ولديها القدرة على اكتساب مهارات متنوعة تنمو مع الوقت مثل تعلم عزف آلة موسيقية أو التحدث بلغة جديدة أو التعامل مع أشخاص من بيئات مختلفة. وكل حدث ومهارة معينة يؤدي إلى تغير عضوي. وفي السيدات يمثل الحمل والولادة أهم الأحداث التي تترك تغيراً في المخ وهناك العديد من الدراسات حول هذه التغيرات ولكن ليس هناك نفس القدر من الدراسات للرجال.
شارك في هذه الدراسة باحثون من الولايات المتحدة وإسبانيا حتى لا تكون النتائج قاصرة على عرق أو مكان معين وقاموا بعمل فحص للمخ لأربعين رجلا من الذين ينتظرون أطفالا بنسب متساوية لكل دولة. وأيضاً كانت هناك مجموعة للمقارنة مكونة من 17 رجلاً غير متزوجين.
وفى إسبانيا قام الباحثون بفحص المخ لعشرين رجلاً قبل أن تصبح زوجاتهم حوامل ومرة أخرى بعد حوالي شهرين أو ثلاثة أشهر من ولادتهن. وقام الباحثون الأميركيون بفحص المخ للآباء المحتملين عندما كانت زوجاتهم في الثلث الأخير من الحمل (تقريباً في الأسبوع الثلاثين) وقاموا بمسحها ضوئياً مرة أخرى عندما كان عمر الأطفال 7 أو 8 أشهر.
وكان الباحثون يبحثون عن تغيرات في الآباء مماثلة لتلك التي تحدث عند الأمهات اللاتي يحدث لهن تغيرات كبيرة في حجم المادة الرمادية gray matter. وذكروا أن التغيرات التي حدثت في مخ الرجال كانت أقل من التي تحدث للسيدات وقت الحمل أو بعد الولادة ولكنها كانت واضحة بشكل كافٍ. وربما كان السبب في ذلك طبيعة اختلاف مخ الرجل عن المرأة.
ووجد الباحثون أن أهم التغيرات التي حدثت كانت في القشرة المخية على وجه التحديد في المناطق المسؤولة عن تحليل ما يمكن اعتباره معلومات بصرية process visual information تتعلق بكل ما هو مرئي في الواقع المحيط وهو جزء من النشاط الطبيعي لخلايا المخ والتي يمكن أن تصبح أكثر نشاطاً بالضرورة أثناء أحلام اليقظة أو استدعاء الذاكرة لحدث معين أو شخص ما. وهو الأمر الذي يمهد للتفكير في المستقبل وإمكانية الإحساس بالعواطف المختلفة من خلال ترجمة هذه المعلومات المرئية.

تكيف ومرونة عصبية
أوضح الباحثون أن بعض الأشعات أظهرت انكماشا طفيفا في بعض المناطق في المخ. ولكن في المقابل كان هذا الانكماش في الحجم مؤشرا على أن خلايا المخ أصبحت أكثر كثافة وكفاءة ومرونة وهو ما يعتبر ضروريا لحدوث ما تسمى بالمرونة العصبية neuroplasticity التي تساعد المخ على إنشاء روابط عصبية جديدة من أجل التكيف مع التجارب الجديدة وبالنسبة للرجال الذين لم ينجبوا لم يظهر أي تغير في خلايا المخ.
أكد العلماء أن سبب هذه التغيرات في الأغلب هو تجربة الأبوة بمعنى أن خلايا المخ دائماً في حالة نشاط طالما كان هناك محفز للتفكير يتعلق بمهام معينة فكرية مثلاً التفكير في العمل أو المستقبل أو في حالة من الانتباه الشديد. ويحتاج المخ إلى فترة من الراحة يمكن تسميتها بوضع الاسترخاء default mode networkأو (الوضع الطبيعي لخلايا المخ بدون إجهاد). ومن خلال الاسترخاء في الأغلب تنشغل خلايا المخ بالتفكير في الآخرين والاهتمام بهم وبمشاعرهم. وعند تحفيز منطقة العواطف في القشرة المخية نتيجة لحدوث شيء هام كولادة الطفل وهو ما ينعكس بالإيجاب على عمل المخ بشكل أفضل.
أشارت الدراسة إلى أن زيادة النشاط في خلايا المخ ترتبط بشكل كبير بالوقاية من الاكتئاب والأمراض النفسية وتبعاً لدراسات سابقة كان الآباء الجدد أقل عرضة للإصابة بالقلق والتوتر رغم عدم النوم الكافي. وبالطبع هناك فروق فردية وليس بالضرورة أن يكون وقع الأمر جيدا على كل الآباء خاصةً الذين يعانون من ضائقة مادية أو تاريخ مرضي للإصابة بالاكتئاب.
* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

طريقة كلامك قد تتنبأ باحتمالية إصابتك بألزهايمر

صحتك امرأة تعاني مرض ألزهايمر (رويترز)

طريقة كلامك قد تتنبأ باحتمالية إصابتك بألزهايمر

أكدت دراسة جديدة أن طريقة الكلام قد تتنبأ باحتمالية الإصابة بمرض ألزهايمر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك التحفيز العميق لمناطق معينة من الدماغ باستخدام الأقطاب الكهربائية قد يساعد مرضى الشلل على المشي (رويترز)

أقطاب كهربائية بالدماغ تمكّن مصابين بالشلل من المشي مسافات قصيرة

خلصت دراسة وشهادة، نُشرتا أمس (الاثنين)، إلى أن التحفيز العميق لمناطق معينة من الدماغ باستخدام الأقطاب الكهربائية يمكن أن يساعد بعض المصابين بالشلل على المشي.

«الشرق الأوسط» (برن)
صحتك يرصد البحث أن ارتفاع مستويات الدهون الحشوية يرتبط بانكماش مركز الذاكرة في الدماغ (رويترز)

دهون البطن مرتبطة بألزهايمر قبل 20 عاماً من ظهور أعراضه

أفاد بحث جديد بأن نمو حجم البطن يؤدي إلى انكماش مركز الذاكرة في الدماغ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الخضراوات الورقية تعدّ من الأطعمة الغنية بالمغنيسيوم (رويترز)

مفتاح النوم ومحارب القلق... إليكم أفضل 10 أطعمة لتعزيز مستويات المغنيسيوم

إنه مفتاح النوم الأفضل والعظام الأكثر صحة والتغلب على القلق، ولكن انخفاض مستويات المغنيسيوم أمر شائع. إليك كيفية تعزيز تناولك للمغنيسيوم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ استدعت شركة «صن فيد بروديوس» الخيار المعبأ في حاويات من الورق المقوى بكميات كبيرة (إدارة الغذاء والدواء الأميركية)

سحب شحنات من الخيار بعد تفشي السالمونيلا في ولايات أميركية

تحقق السلطات الأميركية في تفشي عدوى السالمونيلا التيفيموريوم المرتبطة بتناول الخيار في ولايات عدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل
TT

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل

كشفت أحدث دراسة هولندية تناولت التغذية الصحية للحوامل عن الآثار الإيجابية الكبيرة لنوعية الغذاء أثناء الحمل على صحة الأم والأطفال، ليس فقط على المدى القصير (أي فترة الحمل) لضمان ولادة رضيع سليم مكتمل النمو من دون مشاكل طبية، ولكن لدورها المهم لاحقاً في نمو المخ وزيادة معدلات ذكاء الأطفال، حينما تتراوح سنهم بين 10 و14 عاماً.

ونُشرت هذه الدراسة في «المجلة الأميركية للتغذية السريرية» (The American Journal of Clinical Nutrition) في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي.

التغذية في أول 1000 يوم

من المعروف أن مخ الجنين ينمو بسرعة كبيرة أثناء شهور الحمل والمراحل المبكرة من الطفولة، ما يتطلب ضرورة التغذية الصحية الكافية لإمداده بالطاقة الكبيرة التي يحتاجها. ولذلك تُعد التغذية السليمة خلال أول 1000 يوم من حياة الطفل أمراً بالغ الأهمية للتطور الإدراكي، وفي المقابل يمكن أن يؤدي سوء التغذية أثناء الحمل إلى الإضرار بالنمو العصبي والتطور المعرفي وحدوث تغييرات دائمة في خلايا المخ.

بيانات غذائية للحوامل والأمهات

أجرى الباحثون الهولنديون دراسة كبيرة على مجموعة من النساء الحوامل اللاتي ولدن في الفترة بين أبريل (نيسان) 2002 ويناير (كانون الثاني) 2006، وشملت الدراسة البيانات الغذائية الكاملة لما يزيد على 6 آلاف سيدة. وأيضاً وزَّعوا استبياناً على الأمهات يتعلق بنوعية النظام الغذائي لكل منهن خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، لمعرفة القيمة الغذائية لجميع الأطعمة التي يتناولنها.

وقام العلماء بتثبيت كل العوامل التي يمكن أن تؤثر في النتيجة، مثل: سن الأم، وعرقها، ودخلها المادي، ومستوى التعليم، وحالتها النفسية، وأيضاً مدة الرضاعة الطبيعية.

وشمل الاستبيان جميع العناصر الغذائية تقريباً، وقام العلماء بإعطاء درجات لتقييم جودة النظام الغذائي، بداية من الصفر وحتى 15 درجة، تبعاً للمقاييس الغذائية في هولندا؛ حيث تشير الدرجات الأعلى إلى أنظمة غذائية تحتوي على طعام صحي، بينما تشير الدرجات الأقل إلى تدني القيمة الغذائية للطعام.

عناصر مفيدة لمخ الأطفال

ولاحظ الباحثون أن الدرجات الأعلى ارتبطت بتناول العناصر المفيدة، مثل الألياف والخضراوات والفاكهة، وفي المقابل ارتبطت الدرجات الأقل بالمكونات الضارة، مثل الدهون المشبعة والسكريات المخلقة.

كذلك قام العلماء بعمل أشعات رنين مغناطيسي على المخ (MRI) للمواليد؛ حيث تم تقسيمهم إلى 3 مجموعات: الأولى أُجري الرنين لهم حينما كانوا في سن العاشرة، وعددهم 2223، والمجموعة الثانية كانوا في سن الرابعة عشرة وعددهم 1582، والمجموعة الأخيرة تم عمل أشعة الرنين لهم في سن 10 و14 عاماً معاً، وبلغ عددهم 872 طفلاً. وتضمنت الأشعة قياس حجم المخ لكل طفل، ومقارنته بالنسب العالمية، بما في ذلك المادة البيضاء والمادة الرمادية white matter and gray matter (الأنسجة المكونة لخلايا المخ). كما خضع الأطفال لأربعة اختبارات لقياس معدل الذكاء بناءً على سرعة التفكير والذاكرة والمنطق والفهم.

جودة غذاء الأم ومعدل الذكاء

وجد الباحثون أن جودة النظام الغذائي للأم أثناء الحمل انعكست بالإيجاب على مخ الأطفال، بداية من المراحل الأولى للحمل؛ حيث كان حجم مخ الجنين أكبر وأكثر تعقيداً. وبعد الولادة في سن الثامنة كان معدل الذكاء نحو 102 (أعلى من المتوسط) وذلك في وجود نظام غذائي متوسط. وكان حجم المخ أكبر من المقاييس العالمية، ونفس الأمر تكرر في سن العاشرة والرابعة عشرة، وتطورت القدرات الإدراكية والمعرفية.

وتُعد هذه الدراسة هي الأولى التي تظهر ارتباطاً طويل الأمد بين نوعية النظام الغذائي قبل الولادة، وشكل morphology المخ حتى بداية مرحلة المراهقة، وتوضح الأهمية الكبيرة للغذاء الصحي للأم أثناء فترة الحمل على المخ والجهاز العصبي من الناحية العضوية والوظيفية.