فيما لا يزال الجدل القانوني والسياسي قائماً حول مذكرة التفاهم الموقعة مؤخراً مع تركيا حول الطاقة، بين مدافع يرى أنها تصب في صالح البلاد، ومعارض يحذر من أن تتسبب في جر ليبيا لصراع أهلي، ركز بعض السياسيين والمتابعين للشأن الليبي على رصد وتحليل تداعيات الخطوة وارتباطها بتكريس الحضور التركي بالساحة الليبية.
ورأت شخصيات سياسية أن توقيع هذه المذكرات «يعزز من وضعية تركيا بوصفها اللاعب الرئيسي المتحكم بالمشهد الليبي»، وهو ما ذهب إليه عضو «المؤتمر الوطني السابق» عبد المنعم اليسير، مشيراً إلى أنها باتت تملك القرار بوصول وسيطرة أي حكومة على العاصمة طرابلس، وللأسف أسهم قيام أغلب القوى السياسية بطرق أبواب أنقرة في تعميق هذا الواقع.
وأضاف اليسير لـ«الشرق الأوسط» أن أنقرة ستعمل للإبقاء على هذا الوضع الراهن لمضاعفة مكاسبها عبر تقوية الميليشيات المسلحة الموالية لحكومة الدبيبة، أو توظيف عملائها بالداخل الليبي بالضغط باتجاه إجراء انتخابات تشريعية فقط ليتمكن تيار الإسلام السياسي الموالي لها وللدبيبة من السيطرة على نتائجها».
وتخوف اليسير في السياق ذاته، من لجوء أنقرة لما سماه بـ«السيناريو الأسوأ»، وهو الإطاحة بالبرلمان عبر الطعن بشرعيته أمام الدائرة الدستورية، وإعادة (المؤتمر الوطني)، وهو ما سيمكنها من إقرار أي مذكرات تفاهم بين البلدين، مشيراً إلى أن «انشغال الروس بأوكرانيا واكتفاء الولايات المتحدة بمقعد المتفرج قد يسهم فعلياً بعدم عرقلة مثل هذه المخططات».
غير أن المحلل السياسي الليبي، صلاح البكوش، تحدث عن «استمرار وجود المملكة المتحدة والولايات المتحدة كأطراف فاعلة سياسياً أيضاً بالساحة الليبية وربما بدرجة أكبر من تركيا».
ورغم إقراره بتزايد الدور التركي بسبب استغلال الأخير لعدم وجود جسم تشريعي جديد أو رئيس منتخب للتفاوض معه حول الاتفاقيات الهامة، رجح عضو «ملتقى الحوار السياسي» الليبي أحمد الشركسي، حدوث ارتدادات عكسية لهذه الخطوة قد تصل لحد اقتلاع الوجود التركي من الأراضي الليبية.
وأضاف الشركسي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن المناطق المستهدفة بالمذكرة للتنقيب والإنتاج تقع بالشرق الليبي، أي تحت سيطرة (الجيش الوطني) الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، مما ينبئ باندلاع المواجهة المسلحة إذا ما باشر الأتراك أي خطوة لتفعيل المذكرة.
وأكمل: «وإذا انضمت أطراف دولية متضررة من تلك المذكرة كاليونان لهذا الصراع، وتضامن معها الاتحاد الأوروبي انطلاقاً من اتفاقيات أممية تفيد بصحة موقفها القانوني بمواجهة تركيا، فهذا سيشجع قطاعات ليبية واسعة على محاولة طرد القوات التركية من الأراضي الليبية»، متابعاً: «الجميع يعلم أن تركيا تحاول الآن توظيف البلاد بصراعاتها الخاصة ووضعها بفوهة صراع إقليمي ودولي قد يبدد مقدراتها ويمتد لأراضيها».
أما رئيس مؤسسة «سلفيوم» للدراسات والأبحاث الليبي جمال شلوف، وفي ضوء تحليله لما صاحب توقيع المذكرة من عمليات تحشيد عسكري تركي فوق الأراضي الليبية، فلم يستبعد ارتباط «عملية إنزال الدفعة الجديدة من المرتزقة السوريين التي كشف عنها المرصد السوري لحقوق الإنسان في مصراتة مؤخراً، بوجود محاولة تركية للوجود بمناطق قريبة من الهلال النفطي الخاضع لسيطرة الجيش الوطني».
وقال شلوف لـ«الشرق الأوسط» إن «وجود الأتراك ونفوذهم يكاد يكون منحصراً على المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الدبيبة فقط»، معتبراً أن «الرهان الحقيقي لمواجهة مساعي تركيا الراهنة بعموم البلاد لا يعتمد فقط على مواقف الليبيين وحدهم، وإنما أيضاً على المواقف الدولية، وتحديداً دور الاتحاد الأوروبي، فالجميع يعلم أن تركيا توظف الورقة الليبية في صراعها مع اليونان، وتهدف لنزع أي دعم أوروبي للأخيرة».
وأوضح: «هناك تنافس قائم بين شركات الطاقة الأوروبية العاملة في ليبيا، وهذا أدى لعدم توحد مواقف الدول الأوروبية من تطورات الأوضاع بليبيا بالسنوات الماضية، وهو ما راهنت عليه تركيا في توسيع وجودها، ونجحت بالفعل باستثماره لصالحها».
أما رئيس وحدة التسلح بالمركز المصري للفكر والدراسات، أحمد عليبة، فذهب إلى أن الأتراك وضعوا أعينهم على حصة النفط والغاز كونها الأهم، وخاصة مع تزايد الطلب على الطاقة، مضيفاً أن «أنقرة ترغب في أن تكون مقاول النفط والغاز الجديد بالمنطقة، وترى أن ليبيا قد تكون طريقها لذلك، وهناك أحاديث تتردد عن مساعيها لتمرير أنبوب لنقل الغاز النيجيري عبر ليبيا إلى شرق المتوسط وأوروبا تحت إشرافها».
ويرى عليبة أن توقيع المذكرة أدى لتكتل خصوم تركيا بعموم البلاد، فالمجلس الرئاسي أعلن معارضته لها بدعوى عدم التشاور معه حولها، كما رفضها عدد من أعضاء المجلس الأعلى للدولة، وسارع البرلمان بمخاطبة الأمم المتحدة، للتأكيد على انتهاء ولاية حكومة الدبيبة، ولتسليط الضوء على مخالفتها لبنود الاتفاق السياسي الذي جاء بها للسلطة برعاية المنظمة الأممية.
تباين حول اتساع الدور التركي في ليبيا بعد توقيع «مذكرة الطاقة»
وسط مخاوف من صدامات مستقبلية بسبب التنقيب عن الغاز
تباين حول اتساع الدور التركي في ليبيا بعد توقيع «مذكرة الطاقة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة