بريطانيا تفتح باب الاستكشافات لتجنب «عتمة معممة»

استبعاد حملات لتوفير الطاقة رغم التهديد بانقطاع التيار الكهربائي

يمكن أن يطبق قطع الكهرباء 3 ساعات متتالية في بريطانيا (رويترز)
يمكن أن يطبق قطع الكهرباء 3 ساعات متتالية في بريطانيا (رويترز)
TT

بريطانيا تفتح باب الاستكشافات لتجنب «عتمة معممة»

يمكن أن يطبق قطع الكهرباء 3 ساعات متتالية في بريطانيا (رويترز)
يمكن أن يطبق قطع الكهرباء 3 ساعات متتالية في بريطانيا (رويترز)

فتحت الحكومة البريطانية أبوابها بقوة للاستكشاف النفطي والغازي، وذلك خشية «مصير مظلم» قد يسفر عن انقطاعات للكهرباء لساعات خلال الشتاء، بينما لا تريد الحكومة الدخول في معترك حملات ترشيد الطاقة، رغم هجمات نشطاء المناخ.
وعلى الرغم من خطر انقطاع التيار الكهربائي هذا الشتاء، تستبعد داونينغ ستريت في الوقت الحالي، حملة إعلامية عامة حول توفير الطاقة، كما تفعل معظم الدول الأوروبية في مواجهة النقص الناجم عن الحرب في أوكرانيا.
وكان لتقرير صدر الخميس عن «ناشيونال غريد» مشغل شبكة الكهرباء البريطانية، وقع القنبلة من خلال التحذير من أنه في أسوأ سيناريو لتوقف واردات الغاز من أوروبا مع إنتاج محلي غير كافٍ، فإن انقطاع التيار الكهربائي لثلاث ساعات متتالية يمكن أن يطبق.
وكانت جميع الصحف البريطانية الصادرة الجمعة، عنونت صفحتها الأولى بعبارة «عتمة معممة». ولا تزال البلاد تتذكر أيام التقنين والأعطال والمرسوم الذي قيد استهلاك الشركات للكهرباء بثلاثة أيام في الأسبوع، وسط إضراب عمال المناجم في السبعينات.
وسعى وزير الدولة لشؤون المناخ غراهام ستيوارت للطمأنة الجمعة، في حديث لقناة «سكاي نيوز»: «كل شيء سيكون على ما يرام، لكننا نستعد لكل الاحتمالات». ورداً على سؤال لمعرفة ما إذا يتعين حث البريطانيين على التقشف في استهلاك الطاقة، قال إن الحكومة «لا تبعث بهذه الرسالة». وأضاف: «قد يفضل أشخاص الاستحمام السريع، لأن ذلك قد يخفض فاتورتهم... لكن لا تأثير لذلك على أمننا في مجال الطاقة».
وتؤكد رئيسة الوزراء المحافظة ليز تراس وفريقها باستمرار، أن إمدادات الطاقة في المملكة المتحدة كافية. وأعلن ستيوارت لـ«سكاي نيوز»: «نحن في وضع جيد مقارنة مع جيراننا الأوروبيين الآخرين. لا نعتمد على الغاز الروسي»، والمملكة المتحدة تنتج ما يقارب نصف استهلاكها من الغاز، وهي تصريحات مماثلة لتلك التي أدلت بها رئيسة الحكومة في قمة براغ الخميس.
لكنه أقر بأنه بسبب الحرب في أوكرانيا والقيود المفروضة على إمدادات الغاز الروسي جراء ذلك، فإن «هذا الشتاء يحمل مخاطر أكثر من فصول الشتاء السابقة». ولم يؤكد ستيوارت التقارير الواردة من صحيفة «تايمز» الجمعة، التي تزعم أن حملة التحفيز على توفير الطاقة أعدها وزير الأعمال والطاقة جايكوب ريس موغ ورفضتها ليز تراس في اللحظة الأخيرة. وكانت الحملة ستقترح على البريطانيين خفض درجة حرارة الغلايات أو المشعات في الغرف الفارغة أو المساكن في حالة الغياب عنها مع احتمال خفض الفواتير.
وتؤمن ليز تراس بتقليد محافظ بتدخل الدولة في الحد الأدنى. وقالت خلال مؤتمر لحزبها في برمنغهام قبل أيام: «لن أقول لكم ما عليكم فعله أو التفكير فيه أو كيف عليكم أن تعيشوا حياتكم». وأضاف ستيوارت لقناة «إل بي سي» الجمعة: «لسنا دولة تلعب دور الوصاية».
ورغم أن المملكة المتحدة أقل اعتماداً على الغاز الروسي مقارنة بالدول الأخرى في أوروبا مثل ألمانيا، «نحتاج إلى استمرار تشغيل مصادر التوريد الأخرى» - الترابط مع الاتحاد الأوروبي وتسليم الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة أو قطر - «وشتاء معتدل حتى لا نضطر إلى تقنين أو تكرار قطع الكهرباء مثل السبعينات»، كما يؤكد جون أندرهيل مدير مركز انتقال الطاقة بجامعة أبردين. وأشار إلى أن البلاد لديها سعة تخزين محدودة للغاز في حال كان الشتاء بارداً وقليل الرياح، ما سيؤثر على إنتاج طاقة الرياح، «من هنا أهمية حملة إعلامية لتشجيع خفض استهلاك الغاز»، كما قال رداً على سؤال لوكالة الصحافة الفرنسية.
من جهة أخرى، وفي محاولة لتخفيف أزمة طاقة واسعة النطاق، أطلقت الحكومة البريطانية جولة ترخيص جديدة للشركات من أجل التنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال، حيث قدمت لندن نحو 900 موقع للاستكشاف، ما يمكن أن يسفر عن منح ما يصل إلى 100 ترخيص.
وبينما تقول الحكومة إن الأزمة الأوكرانية وما أسفرت عنه من نقص إمدادات الطاقة، تدفعها لأن تكثف من استخراج الوقود محلياً، يرى نشطاء المناخ الغاضبون أن الخطوة تقوض من جهود مواجهة الاحترار.
ويقول هؤلاء إن مشاريع الوقود الأحفوري يجب إغلاقها وليس توسيعها، وإنه لا يمكن أن تكون هناك مشاريع جديدة إذا كانت هناك فرصة للحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية تحت 1.5 درجة مئوية، داعين الحكومة للبحث عن تدابير أخرى لمواجهة أزمة الطاقة، مثل تعزيز كفاءة الطاقة في المنازل البريطانية.
وفي مقابل الانتقادات، أكدت الحكومة البريطانية أن لديها إمدادات مصادر طاقة متنوعة، مشيرة إلى أنها لن تطلب من المواطنين ترشيد الاستهلاك، حيث تسعى إلى إبرام صفقات طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال.
وتؤمن بريطانيا احتياجاتها من الغاز عبر اتفاقيات استيراد تلبي نحو نصف طلبها، مع تصدر النرويج لقائمة أكبر الموردين، حيث استحوذت على نحو ثلثي واردات البلاد العام الماضي، حسبما نقلت منصة «إس آند بي غلوبال» عن بيانات حكومية. وتأتي بقية واردات الغاز من الولايات المتحدة وقطر، فضلاً عن شحنات نادرة من كل من أستراليا وسلطنة عُمان وصلت الشهر الماضي، في وقت تسعى فيه أوروبا إلى تنويع إمداداتها عقب الحرب الروسية على أوكرانيا.
جدير بالذكر أن بريطانيا احتضنت العام الماضي مؤتمر المناخ (كوب26)، وتعد من أبرز الداعين للتوقف عن الاستثمار في النفط والغاز.
لكن بشكل براغماتي، قال وزير الأعمال والطاقة جاكوب ريس موغ في بيان: «غزو بوتين غير القانوني لأوكرانيا يعني أنه من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى أن نستفيد إلى أقصى حد من موارد الطاقة السيادية، وتعزيز أمن الطاقة لدينا الآن وفي المستقبل». وأضاف أن «ضمان استقلال الطاقة لدينا يعني استغلال الإمكانات الكاملة لأصولنا في بحر الشمال لتعزيز الإنتاج المحلي».
وفي الوقت الحالي، تم فتح الباب للمتقدمين للحصول على تراخيص في أربع مناطق جنوب بحر الشمال، حيث ترى الهيئة أن هذه البقعة بها أفضل فرصة للإنتاج السريع... إلا أن تحليلات من بيوت خبرة، على غرار «وود آند ماكنزي»، تعتقد أن الإنتاج الفعلي من هذه البقع قد يحتاج إلى نحو 10 سنوات.


مقالات ذات صلة

مليون طفل بريطاني جائع... ودعوات لتحرك عاجل

الاقتصاد مليون طفل بريطاني جائع... ودعوات لتحرك عاجل

مليون طفل بريطاني جائع... ودعوات لتحرك عاجل

قالت أكبر شبكة لبنوك الطعام في بريطانيا إن عدد الطرود الغذائية التي وزعتها زاد 37 بالمائة إلى مستوى قياسي بلغ ثلاثة ملايين طرد في عام حتى مارس (آذار) الماضي، إذ يعاني عدد متزايد من الناس بسبب أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة. وقالت «ذا تراسل تراست» التي تدعم 1300 مركز لبنوك الطعام في أنحاء المملكة المتحدة، يوم الأربعاء، إن أكثر من مليون طرد غذائي جرى تقديمها لأطفال، بزيادة نسبتها 36 بالمائة خلال عام واحد. وأضافت أنه على مدار عام لجأ 760 ألف شخص لأول مرة إلى بنوك الطعام التابعة لها، بزيادة 38 بالمائة على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»: على البريطانيين القبول بصعوباتهم المالية

كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»: على البريطانيين القبول بصعوباتهم المالية

أكد كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»، اليوم (الثلاثاء)، أنه يتعين على البريطانيين القبول بتراجع قدرتهم الشرائية في مواجهة أزمة تكاليف المعيشة التاريخية من أجل عدم تغذية التضخم. وقال هيو بيل، في «بودكاست»، إنه مع أن التضخم نجم عن الصدمات خارج المملكة المتحدة من وباء «كوفيد19» والحرب في أوكرانيا، فإن «ما يعززه أيضاً جهود يبذلها البريطانيون للحفاظ على مستوى معيشتهم، فيما تزيد الشركات أسعارها ويطالب الموظفون بزيادات في الرواتب». ووفق بيل؛ فإنه «بطريقة ما في المملكة المتحدة، يجب أن يقبل الناس بأن وضعهم ساء، والكف عن محاولة الحفاظ على قدرتهم الشرائية الحقيقية».

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد «ستاندارد آند بورز» ترفع تقديراتها لآفاق الدين البريطاني

«ستاندارد آند بورز» ترفع تقديراتها لآفاق الدين البريطاني

رفعت وكالة التصنيف الائتماني «ستاندارد آند بورز» (إس آند بي) تقديراتها لآفاق الدين البريطاني على الأمد الطويل من «سلبية» إلى «مستقرة»، مؤكدة أنها لا تفكر في خفضها في الأشهر المقبلة، وأبقت على درجتها لتصنيف الدين السيادي (إيه إيه/إيه-1). وقالت الوكالة في بيان، إن هذه النظرة المستقرة «تعكس الأداء الاقتصادي الأخير الأمتن للمملكة المتحدة واحتواء أكبر للعجز في الميزانية خلال العامين المقبلين». وأكدت خصوصاً أن «الإجراءات السياسية للحكومة على جبهة العرض وتحسن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي يمكن أن يدعما آفاق النمو على الأمد المتوسط رغم القيود الهيكلية الحالية»، لكن الوكالة حذرت من «المخاطر الناشئة عن ا

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد ثقة المستهلك البريطاني لأعلى معدلاتها منذ حرب أوكرانيا

ثقة المستهلك البريطاني لأعلى معدلاتها منذ حرب أوكرانيا

ارتفع مؤشر ثقة المستهلك في بريطانيا خلال أبريل (نيسان) الجاري إلى أعلى معدلاته منذ نشوب حرب أوكرانيا. وذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء أن مؤشر ثقة المستهلك الذي تصدره مؤسسة «جي إف كيه» للأبحاث التسويقية ارتفع في أبريل الجاري ست نقاط، ليصل إلى سالب ثلاثين، ليسجل بذلك ثالث زيادة شهرية له على التوالي، وأعلى ارتفاع له منذ 14 شهرا. وتعكس هذه البيانات أن المستهلك البريطاني أصبح أكثر حماسا بشأن الآفاق الاقتصادية وأكثر استعدادا للإنفاق على مشتريات أكبر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد بريطانيا متفائلة بـ«نمو صفري»

بريطانيا متفائلة بـ«نمو صفري»

رغم أن الاقتصاد البريطاني لم يسجل أي نمو خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، قال وزير المالية البريطاني جيريمي هانت يوم الخميس، إن التوقعات الاقتصادية «أكثر إشراقاً مما كان متوقعاً»، مضيفاً أنه من المفترض أن تتجنب البلاد الركود. وأظهرت بيانات رسمية، أن الاقتصاد البريطاني فشل في تحقيق النمو كما كان متوقعاً في فبراير؛ إذ أثرت إضرابات العاملين في القطاع العام على الإنتاج، لكن النمو في يناير (كانون الثاني) كان أقوى مما يُعتقد في البداية؛ مما يعني تراجع احتمالية حدوث ركود في الربع الأول قليلاً. وقال مكتب الإحصاءات الوطنية يوم الخميس، إن الناتج الاقتصادي لم يشهد تغيراً يذكر على أساس شهري في فبراير.

«الشرق الأوسط» (لندن)

سوق الأسهم السعودية تستقر عند 11051.13 نقطة بتراجع طفيف

مستثمر يتابع شاشة الأسهم في السوق المالية السعودية بالرياض (أ.ف.ب)
مستثمر يتابع شاشة الأسهم في السوق المالية السعودية بالرياض (أ.ف.ب)
TT

سوق الأسهم السعودية تستقر عند 11051.13 نقطة بتراجع طفيف

مستثمر يتابع شاشة الأسهم في السوق المالية السعودية بالرياض (أ.ف.ب)
مستثمر يتابع شاشة الأسهم في السوق المالية السعودية بالرياض (أ.ف.ب)

استقر مؤشر سوق الأسهم السعودية في نهاية جلسة تداولات الاثنين عند 11051.13 نقطة، بتراجع طفيف بلغ 0.01 في المائة، وبسيولة بلغت قيمتها 3.9 مليار ريال (مليار دولار).

وارتفع سهم «أرامكو» الأثقل وزناً في المؤشر بنسبة 1.02 في المائة، إلى 25.84 ريال.

كما ارتفع سهما «المصافي» و«أديس» بنسبة 0.44 و0.59 في المائة، إلى 56.95 و17.15 ريال على التوالي.

وارتفع سهم «الحفر العربية» بنسبة 3.43 في المائة، إلى 92 ريالاً، بعد إعلان الشركة توقيع أربعة عقود تجديد لحفّاراتها بقيمة تتجاوز مليارَيْ ريال (533 مليون دولار).

وفي القطاع المصرفي، انخفض سهما «الراجحي» و«الأول» بنسبة 0.30 و1 في المائة، إلى 100 و31.2 ريال على التوالي.


مستشار البيت الأبيض: سوق العمل متباينة وقد تشهد تباطؤاً

كيفن هاسيت مدير المجلس الاقتصادي الوطني يتحدث مع الصحافيين في البيت الأبيض (رويترز)
كيفن هاسيت مدير المجلس الاقتصادي الوطني يتحدث مع الصحافيين في البيت الأبيض (رويترز)
TT

مستشار البيت الأبيض: سوق العمل متباينة وقد تشهد تباطؤاً

كيفن هاسيت مدير المجلس الاقتصادي الوطني يتحدث مع الصحافيين في البيت الأبيض (رويترز)
كيفن هاسيت مدير المجلس الاقتصادي الوطني يتحدث مع الصحافيين في البيت الأبيض (رويترز)

قال مستشار البيت الأبيض الاقتصادي، كيفن هاسيت، إن مؤشرات سوق العمل متباينة، وقد تشهد تباطؤاً خلال الفترة المقبلة.

وأشار هاسيت في مقابلة مع شبكة «سي إن بي سي»، الاثنين، إلى وجود إشارات إيجابية قوية في أسواق الإنتاج، قائلاً: «أعتقد أن هناك إشارات متباينة في سوق العمل، وإشارات إيجابية للغاية في أسواق الإنتاج».

وأضاف: «من الممكن أن تشهد سوق العمل فترة من الهدوء النسبي؛ إذ ترى الشركات أن الذكاء الاصطناعي يزيد إنتاجية العاملين بشكل كبير، لدرجة أنها قد لا تحتاج بالضرورة إلى توظيف الخريجين الجدد»، وفق «رويترز».

ويشير اقتصاديون إلى أن ضعف سوق العمل قد يدفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى خفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس في الشهر المقبل.


«السيادي» السعودي يضع بصمته في الاقتصاد الأميركي باستثمارات تفوق 170 مليار دولار

محافظ «صندوق الاستثمارات العامة» ياسر الرميان خلال جلسة حوارية في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» في الرياض (رويترز)
محافظ «صندوق الاستثمارات العامة» ياسر الرميان خلال جلسة حوارية في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» في الرياض (رويترز)
TT

«السيادي» السعودي يضع بصمته في الاقتصاد الأميركي باستثمارات تفوق 170 مليار دولار

محافظ «صندوق الاستثمارات العامة» ياسر الرميان خلال جلسة حوارية في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» في الرياض (رويترز)
محافظ «صندوق الاستثمارات العامة» ياسر الرميان خلال جلسة حوارية في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» في الرياض (رويترز)

في وقتٍ تتجاوز فيه استثمارات «صندوق الاستثمارات العامة» السعودي في الولايات المتحدة حاجز 170 مليار دولار، تترسخ ملامح شراكة استراتيجية تُعد الأكبر من نوعها بين الرياض وواشنطن.

ومع استعداد العاصمة الأميركية لاستقبال ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، يزداد الاهتمام بالدور المحوري الذي يلعبه الصندوق، بوصفه قوة دافعة في الاقتصاد العالمي، وأحد الأعمدة الرئيسية في التحول الاقتصادي الذي تشهده المملكة في إطار «رؤية 2030».

فالصندوق الذي يتوقع أن تصل أصوله تحت الإدارة إلى تريليون دولار بنهاية العام الجاري، يسعى إلى تقديم عوائد مالية مستدامة، بالتوازي مع قيادة التحول الاقتصادي للمملكة، والمساهمة في رسم ملامح المستقبل الاقتصادي العالمي.

ووفق ما يؤكد الصندوق على موقعه الرسمي، فإن الغرض الأوسع لـ«السيادي» السعودي يدعم نموه السريع ووجوده العالمي؛ إذ أطلق أكثر من 100 شركة جديدة، وخلق ما يزيد على 1.1 مليون وظيفة داخل المملكة وخارجها، خلال السنوات السبع الماضية.

وكان وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، التقى الأسبوع الماضي، محافظ «صندوق الاستثمارات العامة»، ياسر الرميان، في العاصمة الأميركية؛ حيث جرى بحث سبل تعزيز استثمارات الصندوق في الولايات المتحدة.

وكتب بيسنت في منشور على حسابه في منصة «إكس»: «سعدتُ باستقبال معالي ياسر الرميان وفريقه في وزارة الخزانة الأميركية. ناقشنا فرص صندوق الاستثمارات العامة السعودي لزيادة استثماراته بشكل كبير في الولايات المتحدة، مما يعزز النمو الاقتصادي، ويبني علاقات طويلة الأمد بين بلدينا».

ويؤكد هذا اللقاء متانة العلاقة بين الرياض وواشنطن رغم تقليص الصندوق انكشافه على الأسهم الأميركية في الربع الثالث من العام الحالي، وذلك بسبب تخارجه من 9 شركات مدرجة وفق ما نشرته «بلومبرغ» نقلاً عن بيانات هيئة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة.

نمو مستقبلي قوي

قال الزميل الزائر في «معهد دول الخليج العربية» بواشنطن، تيم كالين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والسعودية تشهد مؤشرات على عودة تعزيزها، موضحاً أن الصادرات الأميركية إلى المملكة تنمو، وأن هناك عدداً من الصفقات الاستثمارية والتجارية قيد التنفيذ.

وأضاف كالين أن الشراكة بين البلدين ستتعزز خلال السنوات الخمس المقبلة، مدفوعة بتوافق المصالح الاقتصادية الاستراتيجية، والعلاقة الجيدة بين الرئيس الأميركي وولي العهد السعودي. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى توسيع صادراتها، وزيادة الاستثمارات السعودية في الشركات الأميركية، في حين تعمل المملكة على تعزيز فرص الوصول إلى التكنولوجيا والابتكار الأميركيين، لدعم إصلاحاتها الطموحة ضمن «رؤية 2030».

وأكد أن الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة ومشترياتها من المنتجات الأميركية مرشحة للزيادة، لافتاً في المقابل إلى أن الاستثمارات الأميركية في المملكة قد تشهد أقوى نمو لها في السنوات المقبلة، بفضل تحسن مناخ الاستثمار السعودي، وتنوع الفرص التي تتيحها «رؤية 2030»، وتوفر الطاقة المنخفضة التكلفة، ووفرة الأراضي الداعمة لتوسع قطاعات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.

الشريك الاستثماري الأكبر

تُعد الولايات المتحدة أكبر شريك استثماري لـ«صندوق الاستثمارات العامة» خارج المملكة. فمنذ عام 2017، ضخ الصندوق نحو 170 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي، عبر استثمارات مباشرة وغير مباشرة، شملت شراء السلع والخدمات، وأسهمت في خلق أكثر من 172 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة في مختلف القطاعات الأميركية.

ويظهر هذا التأثير في صناعات أميركية رئيسية، أبرزها قطاع الطيران؛ حيث قدمت شركة «طيران الرياض» المملوكة للصندوق، طلبية شراء تصل إلى 72 طائرة من طراز «بوينغ»، ما دعم صناعة الطيران الأميركية.

كما يمتد التعاون إلى قطاع التكنولوجيا السحابية، عبر شراكات مع شركات كبرى، مثل: «أمازون لخدمات الويب»، و«مايكروسوفت»، و«أوراكل»، و«غوغل كلاود»، لتعزيز الروابط التكنولوجية، وبناء بنى تحتية رقمية متقدمة.

ويمضي الصندوق في تأسيس شراكات مالية عميقة مع كبرى شركات إدارة الأصول والمؤسسات المالية الأميركية، من بينها: «غولدمان ساكس»، و«بروكفيلد»، و«بلاك روك».

وفي عام 2024، أعلن الصندوق عن شراكة بقيمة 5 مليارات دولار كاستثمار أولي مع «بلاك روك»، لإطلاق شركة «بلاك روك الرياض لإدارة الاستثمارات»، بهدف جذب رؤوس أموال جديدة إلى المملكة، وفتح فرص استثمارية فريدة أمام الشركات الأميركية الراغبة في التوسع بالمنطقة.

خلال توقيع مذكرة التفاهم لتأسيس «منصة بلاك روك الرياض لإدارة الاستثمارات» (صندوق الاستثمارات العامة)

وكان العضو المنتدب في «بلاك روك» بمنطقة الشرق الأوسط، ومدير منصة «بلاك روك الرياض لإدارة الاستثمارات»، كاشف رياض، قد قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن الهدف من تأسيس المنصة هو إتاحة الفرصة للمستثمرين في المملكة وحول العالم للوصول إلى الاقتصاد السعودي، مضيفاً أن السوق المحلية تشهد تحولاً واضحاً مع دخول مكاتب العائلات والمنصات الرقمية كمحركات جديدة في سوق المال.

قيادة الابتكار في الاستدامة والرياضة العالمية

لا يقتصر تأثير «صندوق الاستثمارات العامة» على التمويل التقليدي؛ بل يمتد إلى تشكيل مستقبل الابتكار في قطاعات حيوية، مثل الرياضة والتكنولوجيا والاستدامة. ففي مجال الرياضة، يدعم الصندوق فعاليات بطولة ميامي المفتوحة، و«إنديان ويلز» في الولايات المتحدة، بالشراكة مع رابطة محترفي ومحترفات التنس، كما أطلق برنامجاً هو الأول من نوعه في العالم، يمنح إجازة أمومة مدفوعة الأجر للاعبات التنس المحترفات.

وفي قطاع الألعاب الإلكترونية، قاد الصندوق تحالفاً استثمارياً بقيمة 55 مليار دولار للاستحواذ على شركة «إلكترونيك آرتس» في صفقة وُصفت بأنها أكبر عملية استحواذ بالديون على الإطلاق في هذا القطاع.

كما يواصل التزامه بقطاع النقل المستدام عبر شراكته مع «فورمولا إي»، بما في ذلك سباق «ميامي إي بري» مسلطاً الضوء على التطورات في السيارات الكهربائية وسباقات الطاقة النظيفة.

وفي إطار دعم الابتكار العلمي، أطلق الصندوق تحت مظلة برنامج «إي 360» والشراكة الأميركية مبادرة «درايفنغ فورس ستيم» التي تستقطب حالياً 54 ألف طالب في الولايات المتحدة وعدة دول أخرى، بهدف تعزيز الخبرات العملية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وإلهام المبتكرين في المستقبل.

وفي كلمته خلال «منتدى الأعمال الأميركي» في ميامي منذ أيام، أوضح رئيس الإدارة العامة لاستراتيجية الاستثمار والدراسات الاقتصادية، ورئيس الإدارة العامة للتمويل الاستثماري العالمي في السيادي السعودي، فهد السيف، أن صناديق الثروة السيادية لم تعد تقتصر على إدارة الأصول فحسب؛ بل أصبحت منظمات فاعلة في إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي.

وقال: «لقد تطور دور صناديق الثروة السيادية من كونها صناديق أجيال ذاتية الإدارة إلى استثمارات موضوعية أكثر نشاطاً؛ خصوصاً في قطاعات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية».

وأشار السيف إلى أن إطلاق «رؤية 2030» غيَّر مهمة صندوق الاستثمارات العامة جذرياً، ليؤدي ثلاثة أدوار رئيسية: بناء الاقتصاد الوطني، وتعظيم الأصول، والمحافظة على ثروة الأجيال القادمة. وقال إن الصندوق يختتم الشهر المقبل استراتيجيته الخمسية الممتدة من 2021 إلى 2025، لينتقل إلى مرحلة جديدة للسنوات الخمس المقبلة، مؤكداً تفاؤله بمستقبل الاستثمار طويل الأجل.

وأوضح أن الصندوق ركَّز خلال السنوات الماضية على 13 قطاعاً رئيسياً، ويعمل حالياً على دمجها في ستة أنظمة بيئية، تشمل: السياحة والسفر والترفيه، والتصنيع المتقدم، والصناعة والخدمات اللوجستية، والطاقة المستدامة، والبنية التحتية، وصولاً إلى مشروع «نيوم» الذي يشكل مظلة لهذه المنظومات.

وأكد السيف أن بلاده تمكنت من رفع مساهمة الناتج المحلي غير النفطي إلى أكثر من 55 في المائة، بينما نما الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 37 في المائة على أساس سنوي، وبلغت الإيرادات غير النفطية من إجمالي الإيرادات 49.7 في المائة حتى الربع الثاني من العام الجاري.

في الختام، تؤكد الأرقام المعلنة -ولا سيما ضخ 170 مليار دولار في شرايين الاقتصاد الأميركي- أن «صندوق الاستثمارات العامة» لم يعد مجرد مستثمر؛ بل هو شريك استراتيجي فعَّال يُعيد تشكيل الروابط الاقتصادية العالمية.