أزمة مياه تتزامن مع انتشار الكوليرا شمال غربي سوريا

فاقمت معاناة النازحين وتسجيل أول حالة وفاة

مياه ملوثة في مخيم للنازحين قرب سرمدا بمحافظة إدلب (إ.ف.ب)
مياه ملوثة في مخيم للنازحين قرب سرمدا بمحافظة إدلب (إ.ف.ب)
TT

أزمة مياه تتزامن مع انتشار الكوليرا شمال غربي سوريا

مياه ملوثة في مخيم للنازحين قرب سرمدا بمحافظة إدلب (إ.ف.ب)
مياه ملوثة في مخيم للنازحين قرب سرمدا بمحافظة إدلب (إ.ف.ب)

ولّدت أزمة انقطاع المياه عن عشرات المخيمات، ومحدوديتها في مخيمات أخرى، في شمال غربي سوريا، أزمات إنسانية حادة فاقمت من معاناة النازحين، مسببة أمراضاً جلدية، في ظل غياب استجابة من قِبل المنظمات الإنسانية الشريكة لـ«الأمم المتحدة» والعاملة في المنطقة، التي أوقفت دعمها المخيمات بالمياه، في وقت أعلنت فيه جهات طبية وإنسانية محلية، عن ارتفاع الإصابات بالكوليرا في أوساط النازحين ووفاة أول مصاب.
ينتشر عشرات الأطفال والفتيان اليافعين على الطريق الواصلة بين مخيمات (حرش الخالدية ووادي الحمام والغزاوية وبرمايا وتل ناموز)، وبين قرية إسكان (الغنية بالمياه)، ذهاباً وإياباً، حاملين غالونات مياه للشرب أو الاستعمال، بعدما أوقفت إحدى المنظمات الإنسانية دعمها لمياه الشرب إلى تلك المخيمات.
يقول أبو رجب (55 عاماً)، وهو نازح من ريف حلب الجنوبي ويقيم في مخيم إسكان قرب مدينة عفرين: «نعيش حالة يرثى لها بسبب فقدان المياه ونضطر إلى المسير مشياً على الأقدام، يومياً، مسافة 5 كيلومترات باتجاه البئر الارتوازي في قرية إسكان؛ للحصول على المياه».
مضيفاً أن هذا الأمر يتكرر أكثر من مرة في اليوم الواحد، بينما لا تملك العائلات النازحة مالاً لشراء المياه، فقد بلغ سعر الصهريج الذي سعته 20 برميلاً، مؤخراً، نحو 120 ليرة تركية، «وبالطبع هذا المبلغ غير متوفر في ظل انعدام فرص العمل والمساعدات المالية من قبل المنظمات».
ولجأت بعض الأسر إلى السواقي القريبة من المخيمات، والتي تروي المزروعات في المنطقة، وبسبب تسليط مياه الصرف الصحي عليها وتلوثها، أدى ذلك إلى إصابة عدد من الأطفال بحالات تسمم والتهابات في الأمعاء وربما انتشار الكوليرا بسبب ذلك، «على الرغم من أننا ناشدنا كل الجهات المحلية والمنظمات فإننا لم نلقَ أي استجابة من قبل أي جهة»، بحسب أبو رجب.
وأفاد وحيد جمعة، وهو ناشط في منطقة عفرين بريف حلب، بأن ثمة كارثة إنسانية كبيرة تلوح في الأفق تهدد حياة نحو 24 ألف نازح يقطنون في أكثر من 30 مخيماً بالقرب من مدينة عفرين، بعد توقف مشروع تزويدها بالمياه من قبل المنظمات الداعمة قبل شهر تقريباً، ولجوء النازحين إلى استخدام مياه الأنهار (الملوثة) القريبة منهم، وغير الصالحة للشرب، في ظل انتشار «الكوليرا».
الدكتور سالم عبدان، من مديرية صحة إدلب، قال لـ«الشرق الأوسط»، إنه «جرى تسجيل أول حالة وفاة بالكوليرا في 3 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لشاب (25 عاماً) في منطقة مشمشان بريف مدينة جسر الشغور غرب إدلب، بعد تدهور حالته الصحية وعدم استجابته للعلاج، فيما ارتفع عدد المصابين بالكوليرا إلى 42 حالة (مؤكدة) في مخيمات النازحين ومناطق أخرى في شمال غربي سوريا».
وعزا السبب في ارتفاع الإصابات بالكوليرا إلى «قلة توفر المياه في المخيمات بعد توقف دعم أكثر من 600 مخيم للنازحين بالمياه الصالحة للشرب والاستخدامات الأخرى كالنظافة والغسيل، وانتشار مجاري الصرف الصحي بطريقة عشوائية ومكشوفة بين المخيمات، الأمر الذي قد يُحدث كارثة إنسانية فيما لو بقيت المياه مقطوعة، في الوقت الذي لا يملك فيه النازحون مالاً كافياً لشراء المياه أو الحصول عليها بسهولة».
وعقدت مديرية صحة إدلب، مؤخراً، اجتماعاً ضم معاون مدير صحة إدلب ودائرة الرعاية الأولية، مع عدد من المنظمات الإنسانية الداعمة للقطاع التربوي في محافظة إدلب، وجرى التنسيق بين الأطراف لتوجيه إدارات المدارس نحو الإجراءات الكفيلة بتخفيف الإصابات بالكوليرا بين الطلاب، ووضع آلية عمل مستقبلية للرصد والإبلاغ والإحالة بما يخص الإصابات.
وارتفع عدد المخيمات التي تعاني من انعدام المياه إلى أكثر من 658 مخيماً للنازحين، من أصل 1633 مخيم في مناطق شمال غربي سوريا، وذلك بعد تسجيل 34 مخيماً جديداً توقف دعم المياه عنها من قبل المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، بحسب فريق «منسقو استجابة سوريا».
وقال الفريق، في بيان، إن انقطاع دعم المياه تركز في المخيمات الجديدة ضمن منطقة عفرين شمالي حلب، والتي تعاني بالأصل من مصاعب أخرى؛ أبرزها انتشار فيروس كورونا، تزامناً مع إثبات 19 إصابة بمرض الكوليرا في مخيمات النازحين، إضافة إلى 152 حالة مشتبهة ضمن 30 مخيماً، فضلاً عن أن نحو 63% من المخيمات تعاني من انتشار الصرف الصحي المكشوف.
كما أن كثيراً من المخيمات تضم دورة مياه واحدة لكل 65 شخصاً، مما سيشكل تهديداً فعلياً للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للسكان في أماكن وجودهم، «أو دفعهم إلى النزوح إلى أماكن أخرى؛ بحثاً عن الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه بجودة مقبولة».


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.