في لمحة عابرة، يبدو نصباً تذكارياً. بناء شاهق من الخشب الملون والنحاس. لكن مع إمعان النظر، يبدو مثل نصف المكيال. القلادة المنحوتة التي يبلغ طولها (4.¾) بوصات فقط، وهي واحدة من تصاميم المجوهرات الصغيرة والبارعة التي صممتها الفنانة لويز نيفيلسون لأصدقائها، أو ارتدتها مثل التعويذة الثقيلة.
كما أنه من بين أبرز موضوعات «الفن كمجوهرات فنية»، فهو مزاد رقمي فقط، ومعرض متزامن مع دار «سوذبيز» في مانهاتن. إنه الأول من نوعه في دار المزادات للمجوهرات الخاصة بالفنانين، ويضم تصاميم لنحو 65 فناناً من القرنين الـ20 والـ21. أي أنها من الأعمال التي تُعد مرغوبة حسب الدار، ويمكن ارتداؤها والحصول عليها بصورة كبيرة.
وكل ما هو معروض في الدار حتى يوم 4 أكتوبر (تشرين الأول) (عند إغلاق المزاد)، هو عبارة عن قطع صغيرة الحجم بواسطة بابلو بيكاسو، وماكس إرنست، وسلفادور دالي، ومان راي، وألكسندر كالدر، وهي مجموعة مختارة توضح، كما تؤكد دار «سوذبيز»، أنه عندما يتعلق الأمر ببراعة الفنانين، فإن المهم دائماً ليس الحجم.
خاتم مزدوج لكليتو موناري في دار «سوذبيز»
تقول تيفاني دوبين، المتخصصة في مجوهرات الفنانين لدى دار «سوذبيز»، التي تصورت ونظمت الفعالية الفنية: «من السهل أن تصنع شيئاً كبيراً، لكن أن تصنع شيئاً قوياً وصغيراً لهو أمر صعب للغاية». وهي حريصة على تحديد هذه الفئة التي تتقاطع مع المجوهرات الراقية، والرسم أو النحت كامتداد مصغر للفنان.
مجوهرات الفنانين تحمل صفة مفعمة بالإغراء والحداثة، حسب ماري كلوديا خيمينيز، المديرة الإدارية لدار «سوذبيز»، ورئيسة تطوير الأعمال والفنون التشكيلية العالمية؛ التي تقول: «عندما أبرزنا المجوهرات الفنية كجزء من مبيعات أخرى، كان مردودها جيداً». (قلادة فضية اللون تقدر بمبلغ 400 إلى 600 ألف دولار، بيعت بمبلغ مليوني دولار لدى «سوذبيز» عام 2013. وتحمل الرقم القياسي لقطعة من المجوهرات في المزاد)».
يركز قطاع من السوق على الأشياء النادرة أو المنفردة المصنوعة من مواد نفيسة، أو الأشياء اليومية في كثير من الأحيان، بما في ذلك الخشب، والألياف الزجاجية، والنحاس، وقطع من الطمي، وما شابه ذلك، وقد تجاوزت المجوهرات مكانتها خلال السنوات الأخيرة كمجرد أدوات للتزيين، وفق خيمينيز التي تُوضح: «بالنسبة لزبائننا، الفن القابل للارتداء هو المجال التالي من الجمع والاقتناء».
لم تعد تلك الفئة بعيدة عن المتناول. تقول سينتيا أمنيوس، أمينة الأزياء والفنون والمنسوجات في متحف «سينسيناتي» للفنون، الذي عرض أعمالاً لصائغي فنون المجوهرات العام الماضي: «الكثير من تلك المجموعات يذهب إلى المتاحف. إنها تميل لأن تكون ملونة، وكبيرة ومتألقة، لكن الناس يرتدونها، ويتفاخرون بثرواتهم وحسهم الفني بالموضة المعاصرة».
لكن هل يُعد ذلك استثماراً؟ تتوقف الإجابة على عوامل عدة. والواقع، أن سوزان كامينز، مؤسسة «منتدى المجوهرات الفنية» (غير الهادفة للربح)، والمؤلفة المشاركة لكتاب نُشر عام 2020 بعنوان: «التدفق: المجوهرات الأميركية والثقافة المضادة»، تُميز بين مجوهرات الفنانين المتصورة والموقّع عليها في الغالب بواسطة فنان شهير، وبين المجوهرات الفنية، التي يصنعها حرفيون أقل شهرة، وربما لا يعتمدون على مواد ثمينة لمنحها قيمتها العالية.
التاج النحاسي من ألكسندر كالدر في دار «سوذبيز»
تقول كامينز: «من حيث المزاد، لا توجد سوق ضخمة للمجوهرات الفنية، في حين توجد سوق لمجوهرات الفنانين. أما المجوهرات الخاصة بالفنانين، فمن المرجح أن تكون ذات قيمة. ولكن بعض الناس يشترونها من أجل التباهي والمكانة».
تصل دار «سوذبيز» إلى ذلك المضمار أخيراً، وقد سبقتها دار «كريستيز» إليه. (عُرض مزاد «الفن كمجوهرات» عام 2015، وشارك فيه كل من كالدر، ومان راي، وجورج براك، وكارمن هيريرا، وكلود لالان).
استضافت دار «بونهام» في لوس أنجليس العام الماضي، معرضاً بعنوان: «الفن الصالح للارتداء: جواهر من مجموعة كروفورد»، وهو مزاد لبيع مجوهرات لنحو 30 من أساتذة الفن الكبار، من بيكاسو، وويليام سبراتلينغ، وجان آرب إلى إيتوري سوتساس. وكانت أعلى قطعة، وهي قلادة من نوع «غراند فاون» لبيكاسو، قد بيعت بمبلغ 62.812 دولار أميركي.
من الواضح أن دار «سوذبيز» عازمة على اللحاق بالركب: «نريد الاستفادة من شعبية هذه الفئة»، كما أفادت خيمينيز.
في أواخر التسعينات، اختارت دار «سوذبيز» موضع البيع بالتجزئة للمرة الأولى في تاريخها، ووقتها عينت دار المزادات العريقة «دوبين»، التي كانت آنذاك رئيسة لقسم الأزياء، لتنظيم عملية بيع للأزياء العتيقة والتذكارات. ونشرت أخبار الأزياء والموضة، من خلال بيع سراويل «بوتشي» الرائجة في الستينات، والمفاتيح، وعلب الثقاب، وبيجامات «هيو هيفنر» الحريرية.
هذا الكتالوغ ليس سوى مؤشر على أن أهداف «سوذبيز» تتمثل في متابعة بيع المجوهرات الفنية بالقدر نفسه من الحماس الذي تخصصه لملابس الشارع، والأحذية الرياضية. وتحض إعلاناتها الحالية على هذا الأمر: «لا تفوت أبداً مزاداً للأحذية الرياضية النادرة»، وتوجه العملاء إلى الاختيار عبر الإنترنت الذي يشمل «لويس فويتون إكس نايكي» (15 ألف دولار)، وعينة من «نايكي إير إيزي» (23 ألف دولار).
في المقابل، تقدر أسعار المزاد لمجوهرات الفنانين بما يتراوح بين 6 آلاف و8 آلاف دولار لبروش أنيمون من كلود لالان، إلى 300 ألف دولار للتاج النحاسي من ألكسندر كالدر. أما فيما يتعلق بالإمكانات الاستثمارية، تقول خيمينيز بحذر: «لا يمكنني القول أيها أكثر قيمة، ما إذا كان شراء قلادة من كالدر أو عملاً فنياً من أعمال كالدر، لكن هذه القطع يجب أن تحتفظ بقيمتها كأعمال فنية خالصة».
إنها تحتفظ، في الوقت الحالي، بجاذبية محدودة. تقول دوبين: «أنت بحاجة إلى القليل من الوعي لارتداء هذه الأشياء».
والكثير من الجرأة كذلك. بعض العناصر مثل قلادة «فوترين لاين» المصنوعة من أسيتات السليلوز، وشظايا المعدن والزجاج، وقلادة طلاسم البرونز والألماس الخاصة بميشيل أوكا دونر الهشة مثل أجنحة السيكادا. ولكن هناك قطع أخرى، بما في ذلك «تيت آه كورن» (الرأس ذات الأبواق) الذهبية عيار 23 التي وقع عليها «ماكس آرنست» بنفسه، والتي تؤذي شبكية العين. القليل منها مزعج للغاية بصورة صريحة أو حمقاء لدرجة أنها قد تكون أفضل تناسباً عند العرض على طاولة القهوة.
هذه الأعمال لا تتسم بأي مظهر تقليدي، فهي تشمل أعمالاً استفزازية مبهرجة كالنظارات الهندسية الذهبية والبلاتينية للفنان والموسيقي يوري ريفيتش، وقلادة القضيب الفضي من صنع لويز بورجوا المصمم للإمساك بالعنق كآلة تعذيب، وربما الأكثر إزعاجاً، قفازات من جلد الماعز، مزدانة بزخارف من الأوردة الحمراء الدموية، للفنان السريالي ميريت أوبنهايم. وهناك أيضاً حقيبة يد عتيقة من جلد التمساح للفنانة كاثلين فانس، المزخرفة من الداخل بصورة متناهية الصغر لمتحدر تل وجدول مائي صغير.
* خدمة: «نيويورك تايمز»