تمسك موسى الكوني، نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، بضرورة «تفكيك مركزية الحُكم» بالعاصمة طرابلس، وقال إن وجود مؤسسات الدولة ضمن حدودها يجعلها هدفاً لـ«الطامعين في السلطة، أو في الثروة». وبدأ الكوني الذي ينتمي إلى طوارق ليبيا، الترويج لهذه الفكرة منذ قرابة شهر، عندما التقى أعيان وحكماء مدينة مصراتة بـ(غرب البلاد)، وأتبع ذلك بلقاء مسؤولين دوليين عديدين، أطلعهم على فحواها.
وفي جلسة حوارية وصفت بـ«الاستثنائية»، تناقش الكوني مع نخبة من حكماء وأعيان ونشطاء المجتمع المدني بطرابلس، بقصر الخُلد، مساء أمس، حول الحلول الممكنة للأزمة الليبية، وتسريع مسارات المصالحة الوطنية وتنظيم الانتخابات.
وتحدث الكوني -حسب المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي- عن «متابعته لمجربات الأحداث التي تعصف بالعاصمة، ومدى إدراكه لحجم المعاناة التي تتكبدها طرابلس كمدينة، نتيجة لوجود مؤسسات الدولة المركزية ضمن حدودها».
واستعرض الكوني أمام الجمع الطرابلسي رؤيته عن «جدوى نظام اللامركزية، لإبعاد شبح التهديدات عن المدينة»؛ مشيراً إلى أن «العودة للعمل بنظام المحافظات السابق الذي يستند إلى آليات جهوية قادرة على تحقيق العدالة، ستسهم في توزيع موارد الدولة، بالإضافة لسرعة الاستجابة لمطالب الليبيين؛ حيثما كانوا، وبسط الأمن والاستقرار وفق ذلك على كامل التراب الليبي».
وشهدت ليبيا تقلبات عديدة في النظامين السياسي والإداري على مدار السنوات الماضية، منذ أعلن الملك الراحل إدريس السنوسي استقلالها عام 1951، تحولت خلالها من النظام الفيدرالي إلى المحافظات، ثم البلديات، قبل العودة للنظام المركزي مع نهايات عهد الرئيس الراحل معمر القذافي.
ويسعى المجلس الرئاسي إلى إعادة ليبيا للعمل بنظام المحافظات الذي كان متبعاً قبل عام 1969، بقصد «الحد من النزاعات على السلطة»؛ لكن سياسيين ليبيين اعتبروا أن إلغاء المركزية في البلاد يتطلب «دستوراً وتوافقاً سياسياً واسعاً»، بالإضافة إلى «ضرورة استقرار مؤسسات الدولة».
ورأوا في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن المجلس الرئاسي منذ تسلمه السلطة «يطلق الدعوات والمبادرات؛ لكن شيئاً مما يعد به لم يتحقق على أرض الواقع»، مدللين على ذلك بـ«استراتيجية المصالحة الوطنية» التي أطلقها منذ أشهر «دون تفعيلها بين الأفرقاء الليبيين».
غير أن الكوني الذي شغل المنصب نفسه في المجلس الرئاسي السابق، بقيادة فائز السراج، تحمس للعودة إلى نظام المحافظات، وقال إنه «سيسهم في الحد من الفساد المالي والإداري، بالمراقبة المباشرة لأوجه صرف المال العام»، بالإضافة إلى «تفكيك التكدس الحالي للثروة الموجودة في قبضة السلطة المركزية، وتداعيات ذلك باتجاه ضخامة أوجه الفساد من جهة، والعدوان المستمر على العاصمة من طرف الطامعين من جهة ثانية».
وشدد على أن هذا التوجه «سيسهم من ناحية أخرى في تخفيف الأعباء على الحكومة المركزية التي ستتفرغ لدورها السيادي، وقيادة الأمة الليبية».
وأكد الكوني في الجلسة التي وصفها المجلس الرئاسي بأنها كانت «أشبه بملحمة سياسية» بين المتحاورين، أنه «على يقين من قدرة خبراء وحكماء طرابلس، بالتعاون مع المجلس الرئاسي، على تقديم الرؤى التي من شأنها المساهمة في الخروج بالبلاد من هذه الأزمة الخانقة، وبلورة حل ليبي - ليبي يكون قادراً على كسر هذا الانسداد السياسي».
ونقل المجلس الرئاسي أن النخب الطرابلسية رحبت برؤية الكوني، بالعودة إلى نظام المحافظات، لتخفيف العبء عن العاصمة، لتكون «مدنية وحاضنة لكل الليبيين»، بعدما أصبحت «ساحة للصراعات السياسية بسبب وجود السلطة المركزية داخل حدودها».
من جهتهم، طالب المشاركون في الجلسة الطرابلسية المجلس الرئاسي باتخاذ ما سموه «خطوة تاريخية منتظرة» وذلك من خلال «إصدار قرارات حازمة بتجميد عمل كل الأجسام الحالية، وتحقيق رغبة الشعب الليبي في إجراء انتخابات نزيهة، وفق قاعدة دستورية تنهي المراحل الانتقالية في أسرع وقت».
وأكد الحضور «دعمهم الكامل لمشروع المصالحة الوطنية» الذي أطلقه المجلس الرئاسي من قبل، والذي قالوا إنه «يهدف لتحقيق الاستقرار»، مطالبين بالاستفادة من تجارب الدول التي سبقت ليبيا في هذا الشأن، في إشارة للجزائر ورواندا وجنوب أفريقيا.
وكانت طرابلس وبنغازي تتقاسمان المؤسسات السياسية والاقتصادية، بصفتهما عاصمتي البلاد، وفقاً للتعديل الذي أُدخل على الدستور في العهد الملكي عام 1963؛ لكن القذافي عدل عن هذا التقسيم عقب اندلاع مظاهرات الطلبة ببنغازي في السابع من أبريل (نيسان) عام 1976، وأمر بإفراغ المدينة من كافة المقار، لتصبح طرابلس هي الجامعة لكل هذه المؤسسات.
«الرئاسي» الليبي يروّج مجدداً لإنهاء «مركزية الحُكم» بطرابلس
الكوني قال إن العاصمة باتت هدفاً لـ«الطامعين في السلطة»
«الرئاسي» الليبي يروّج مجدداً لإنهاء «مركزية الحُكم» بطرابلس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة