وفاة الملكة إليزابيث الثانية تحتل إعلام العالم

صورها تصدرت الصحف... وتغطيات «لافتة» في القنوات

تغطية وفاة الملكة في العديد من الصفحات الأولى للصحف الصادرة صباح الجمعة 9 سبتمبر
تغطية وفاة الملكة في العديد من الصفحات الأولى للصحف الصادرة صباح الجمعة 9 سبتمبر
TT

وفاة الملكة إليزابيث الثانية تحتل إعلام العالم

تغطية وفاة الملكة في العديد من الصفحات الأولى للصحف الصادرة صباح الجمعة 9 سبتمبر
تغطية وفاة الملكة في العديد من الصفحات الأولى للصحف الصادرة صباح الجمعة 9 سبتمبر

على مدار الأيام الماضية انشغلت وسائل الإعلام على مستوى العالم، بتتبع وفاة وجنازة الملكة إليزابيث الثانية، لا سيما في موطنها بريطانيا، فتصدرت صورها الصفحات الأولى من صحف العالم صبيحة اليوم التالي لإعلان قصر باكنغهام وفاة الملكة عن عمر يناهز 96 سنة. ولقد انشغلت قنوات التلفزيون بتقديم برامج وفقرات تروي سيرتها وإبراز محطات حياتها وفترة حكمها التي تجاوزت 70 سنة.

تدريب وبروفات
بطبيعة الحال كان لبريطانيا نصيب الأسد من التغطية، التي تدربت عليها المؤسسات الإعلامية البريطانية الكبرى لسنوات طويلة، وهو ما بدا واضحاً من خلال حجم ودقة وتنظيم وسرعة التغطية والتقارير التي نشرتها. إذ نشرت الصحف البريطانية، الصادرة صباح الجمعة 9 سبتمبر (أيلول) الجاري 426 صفحة تتحدث عن الملكة، حسب إحصاء أعدته «برس غازيت»، أشارت فيه إلى أن «الصحف البريطانية وصلت متأخرة هذا اليوم عند الباعة والموزعين بينما كان الصحافيون يصارعون الوقت لعمل أعداد خاصة عن الملكة». ولفتت إلى أن «خبر الوفاة تأكد في الساعة السادسة والنصف مساء الخميس، ما يعني أنه كان يجب مد وقت انتهاء الطبعة الأولى، الذي عادةً ما يكون تقريباً في السابعة مساء».
وأضافت «برس غازيت» أن «هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) علّقت برامجها التقليدية في الساعة 12:40 لتقديم تغطية حول صحة الملكة قدّم معظمها هيو إدواردز مرتدياً ربطة عنق سوداء، وصباح الجمعة تحوّلت ترويسة الصفحات الأولى الحمراء إلى اللون الأسود أو الأزرق». ثم لفتت إلى أن «التغطية المماثلة، التي يمكن مقارنتها بما حدث، كانت تغطية وفاة الأمير فيليب (زوج الملكة) في 9 أبريل (نيسان) 2021 حيث كتب عنه 540 صفحة على مدار 3 أيام من السبت إلى الاثنين». بالنسبة لوسائل الإعلام البريطانية فالحدث «لم يكن مفاجئاً ولم يشكل عبئاً في التغطية»، وفق صحافي بريطاني في «بي بي سي»، تحدث لـ«الشرق الأوسط» شريطة إغفال ذكر اسمه. وقال إن «بي بي سي تتبع بروتوكولاً خاصاً فيما يتعلق بالشخصيات الملكية، وتكون التغطية مركزية، وبموجبه لا تُبث أي أنباء قبل إعلان رسمي من قصر باكنغهام». ثم أردف أنه «كان مقرراً مَن سيذيع نبأ الوفاة، بل إن الملابس السوداء تكون جاهزة في الاستوديو لاستخدامها عند الحاجة، إضافةً إلى أن المعلقين والمؤرخين أيضاً كانوا محددين سلفاً»، واستطرد أن «(بي بي سي) كانت تُجري تدريبات بشكل دوري على كيفية إذاعة بيان الوفاة، تتضمن التأكيد على المذيعين تحاشي البكاء أو إظهار حزن زائد».
من جانبه، قال بول باري، مقدم برنامج «ميديا ووتش» على قناة «إيه بي سي أستراليا»، في برنامجه «مع أن الحدث (أي الوفاة) طال توقعه لكنه كان صادماً للناس»، مشيراً إلى أن «الصحافة البريطانية كانت تستعد وتتدرب على هذا الحدث منذ سنوات، عبر بروتوكول دقيق يحدد كيفية التغطية لأيام وأسابيع بعد الوفاة». وفي السياق نفسه، قالت سيندي ماكريري، الباحثة في التاريخ الملكي: «لقد جرى التخطيط بدقة لهذا كله، لذلك كنا سنرى آلة إعلامية ضخمة تعمل بقوة، وهو ما حدث بالفعل».

تقارير مُعدة سلفاً
أما جوناثان غروبرت، الصحافي والمدرب وصانع «البودكاست الأميركي» المقيم في هولندا، فأشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «كل مؤسسة إعلامية كبيرة كانت تستعد لمثل هذا الحدث على مدار سنوات مضت، عبر تجهيز سلسلة من التقارير والسيَر الذاتية التي تكون جاهزة للنشر والبث فور إعلان الوفاة... وهذا يحدث مع كل الشخصيات العامة الكبرى على مستوى العالم».
وبالفعل يؤكد صحافي «بي بي سي» البريطاني (الذي طلب التكتم على اسمه): «مؤسسة مثل (بي بي سي) تتوافر لديها مواد جاهزة لسيَر الشخصيات العامة، يصار إلى تحديثها بشكل دوري لاستخدامها عند الحاجة». وحقاً يؤكد حجم التغطيات فور الوفاة، وفي صحف اليوم التالي لإعلانها ضخامة المواد والوثائق المعدة سلفاً، وبمراجعة الصحف البريطانية الصادرة صباح الجمعة، نجد مثلاً على صعيد الصحف الشعبية أن صحيفة «مترو» خصصت 44 صفحة من عددها للملكة، و«الصن» 38 صفحة في العدد الرئيسي مع عدد تذكاري خاص من 36 صفحة، و«الديلي ميرور» 40 صفحة في العدد و24 كملحق خاص، و«الديلي ستار» 14 صفحة إضافةً إلى ملحق مكون من 16 صفحة واستخدمت صورة للتتويج. وبالنسبة للصحف المحافظة أو شبه المحافظة، خصصت «التايمز» 40 صفحة مع غلاف عليه صورة للملكة عند تتويجها، و«الديلي تلغراف» ملحقاً خاصاً من 28 صفحة إضافةً إلى 25 صفحة في العدد الرئيسي، وخصصت «الديلي ميل» 86 صفحة للملكة، و«الديلي إكسبريس» 38 صفحة من عددها للملكة إضافةً إلى ملحق من 24 صفحة أخرى. وأما عن الصحف الوسطية (يساراً ويميناً) فقد اختارت «أي» إعداد 32 صفحة مع صورة التتويج، و«الغارديان» أيضاً استخدمت صورة التتويج مع 20 صفحة، وأخلت «الفاينانشيال تايمز» صفحتها الأولى من كل العناوين ووضعت صورة للملكة التُقطت في افتتاح البرلمان 1971 مع تغطية في الداخل، كل هذا حسب «برس غازيت».

اهتمام عالمي
على الصعيد العالمي حظي خبر الوفاة باهتمام إعلامي لافت أيضاً. وعدّلت مجموعة من محرّري «ويكيبيديا» على موقعها الصفحات الخاصة بالملكة، وكتبت آني رويردا، صاحبة حساب «ديبث أوف ويكيبيديا» على «تويتر» تغريدة شرحت فيها ما يحدث لصفحات الملكة خلف الكواليس من مجموعة من المحررين المتطوعين. وبالتوازي، كتبت كريستين هار، في تقرير نشره موقع «معهد بوينتر للصحافة»، الأسبوع الماضي أن «وفاة الملكة حظيت مثل يوم تتويجها عام 1953 باهتمام الصحف، فاحتلت صورتها الصفحات الأولى في صحف العالم». وفي تقرير آخر، على موقع المعهد. قال توم جونز، إن «خبر وفاة الملكة أسر العالم ولا سيما في وطنها». وأشار إلى أنه في الولايات المتحدة الأميركية أوقفت الشبكات الأميركية الرئيسية الثلاث (إيه بي سي)، و(سي بي إس)، و(إن بي سي) برامجها الاعتيادية للإعلان عن الخبر. كذلك نفّذت القنوات التابعة لـ«فوكس» تغطية حية على مدار الساعة من «فوكس نيوز»، وبدأت الشبكات بث برامج معدة مسبقاً تحكي قصة الملكة العائلية والقضايا السياسية التي عايشتها طيلة 70 سنة من حكمها. واستخدمت شبكة «سي إن إن» شريط الأخبار العاجلة. كذلك كانت التغطية واسعة ومكثفة على مستوى الصحف الأميركية الكبرى طباعةً وعلى مواقعها الإلكترونية، يتضمن خبر وفاة الملكة.
ولم يختلف الأمر عربياً أو أوروبياً، حيث كان خبر وفاة الملكة وصورها، هو العنوان الرئيسي في الصحف والمواقع الإلكترونية والمحطات التلفزيونية، التي تبارت في نقل الحدث، فتصدرت صورة الملكة الراحلة الصفحة الأولى لصحيفة «ليبراسيون» الفرنسية مع عنوان «لقد أحببناها كثيراً». وكذلك كان الحال في الصحف الكبرى في كندا، ومعظم صحف إيطاليا وإسبانيا وباقي دول العالم.

أسباب الاهتمام
جوناثان غروبرت يُرجع الاهتمام الإعلامي الكبير بالملكة الراحلة إلى أسباب بعضها تاريخي. ويقول إنه «بالنظر إلى عدد دول الكومنولث، وأيضاً عدد الدول التي تأثرت بالإمبراطورية البريطانية تاريخياً، من الطبيعي أن نجد هذا الاهتمام». وتابع: «مع أن الإمبراطورية البريطانية لم تعد موجودة، فإن بهارج الإمبراطورية وثقافتها لا تزال حية في التاريخ، وفي احتفالات العائلة المالكة... لأسباب كثيرة يجد الناس هذه الأشياء جذابة».
من ناحية أخرى، هذه الجاذبية أو الاهتمام الجماهيري بخبر وفاة الملكة أو غيرها من الشخصيات العامة، مرتبط بارتباط هذه الشخصيات بذكريات الجمهور، وفق سارة وايلاند، التي كتبت في بحث بجامعة «نيو إنغلاند» نشره موقع «ذا كونفرسيشن» الشهر الجاري: «وفاة الملكة ولّدت مشاعر حزن لدى العامة في مختلف أنحاء العالم، من مشاهد المواطنين المتجمعين حول قصر باكنغهام إلى تصريحات قادة العالم ومنشورات المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي». وأضافت أن «الحزن على فقدان شخص ما، يرتبط بذكرياتنا حول هذا الشخص، ومع أن كثيراً من الناس الذين عبّروا عن حزنهم لم يعرفوا الملكة عن قرب ولم يلتقوها، ارتبطت ذكرياتهم على مدار 70 سنة بها بشكل أو بآخر»، ثم أردفت أن «بث الإعلام تفاصيل الوفاة والمراسم على مدار 24 ساعة يخلق حالة من التعاطف وربما يستدعي ذكريات خاصة لأشخاص مروا من قبل بأحداث فقد أقارب أو أصدقاء».


مقالات ذات صلة

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نازحون في أثناء عودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024... الصورة في أبلح شرقي لبنان (أ.ب)

«انتصار للبيت الأبيض»... صحف تحلل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

رأى موقع «بوليتيكو» أن اتفاق وقف إطلاق النار «انتصار كبير للبيت الأبيض»، وقالت «نيويورك تايمز» إن بايدن يريد تذكّره بأنه وضع الشرق الأوسط على طريق تسوية دائمة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».