على مدار الأيام الماضية انشغلت وسائل الإعلام على مستوى العالم، بتتبع وفاة وجنازة الملكة إليزابيث الثانية، لا سيما في موطنها بريطانيا، فتصدرت صورها الصفحات الأولى من صحف العالم صبيحة اليوم التالي لإعلان قصر باكنغهام وفاة الملكة عن عمر يناهز 96 سنة. ولقد انشغلت قنوات التلفزيون بتقديم برامج وفقرات تروي سيرتها وإبراز محطات حياتها وفترة حكمها التي تجاوزت 70 سنة.
تدريب وبروفات
بطبيعة الحال كان لبريطانيا نصيب الأسد من التغطية، التي تدربت عليها المؤسسات الإعلامية البريطانية الكبرى لسنوات طويلة، وهو ما بدا واضحاً من خلال حجم ودقة وتنظيم وسرعة التغطية والتقارير التي نشرتها. إذ نشرت الصحف البريطانية، الصادرة صباح الجمعة 9 سبتمبر (أيلول) الجاري 426 صفحة تتحدث عن الملكة، حسب إحصاء أعدته «برس غازيت»، أشارت فيه إلى أن «الصحف البريطانية وصلت متأخرة هذا اليوم عند الباعة والموزعين بينما كان الصحافيون يصارعون الوقت لعمل أعداد خاصة عن الملكة». ولفتت إلى أن «خبر الوفاة تأكد في الساعة السادسة والنصف مساء الخميس، ما يعني أنه كان يجب مد وقت انتهاء الطبعة الأولى، الذي عادةً ما يكون تقريباً في السابعة مساء».
وأضافت «برس غازيت» أن «هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) علّقت برامجها التقليدية في الساعة 12:40 لتقديم تغطية حول صحة الملكة قدّم معظمها هيو إدواردز مرتدياً ربطة عنق سوداء، وصباح الجمعة تحوّلت ترويسة الصفحات الأولى الحمراء إلى اللون الأسود أو الأزرق». ثم لفتت إلى أن «التغطية المماثلة، التي يمكن مقارنتها بما حدث، كانت تغطية وفاة الأمير فيليب (زوج الملكة) في 9 أبريل (نيسان) 2021 حيث كتب عنه 540 صفحة على مدار 3 أيام من السبت إلى الاثنين». بالنسبة لوسائل الإعلام البريطانية فالحدث «لم يكن مفاجئاً ولم يشكل عبئاً في التغطية»، وفق صحافي بريطاني في «بي بي سي»، تحدث لـ«الشرق الأوسط» شريطة إغفال ذكر اسمه. وقال إن «بي بي سي تتبع بروتوكولاً خاصاً فيما يتعلق بالشخصيات الملكية، وتكون التغطية مركزية، وبموجبه لا تُبث أي أنباء قبل إعلان رسمي من قصر باكنغهام». ثم أردف أنه «كان مقرراً مَن سيذيع نبأ الوفاة، بل إن الملابس السوداء تكون جاهزة في الاستوديو لاستخدامها عند الحاجة، إضافةً إلى أن المعلقين والمؤرخين أيضاً كانوا محددين سلفاً»، واستطرد أن «(بي بي سي) كانت تُجري تدريبات بشكل دوري على كيفية إذاعة بيان الوفاة، تتضمن التأكيد على المذيعين تحاشي البكاء أو إظهار حزن زائد».
من جانبه، قال بول باري، مقدم برنامج «ميديا ووتش» على قناة «إيه بي سي أستراليا»، في برنامجه «مع أن الحدث (أي الوفاة) طال توقعه لكنه كان صادماً للناس»، مشيراً إلى أن «الصحافة البريطانية كانت تستعد وتتدرب على هذا الحدث منذ سنوات، عبر بروتوكول دقيق يحدد كيفية التغطية لأيام وأسابيع بعد الوفاة». وفي السياق نفسه، قالت سيندي ماكريري، الباحثة في التاريخ الملكي: «لقد جرى التخطيط بدقة لهذا كله، لذلك كنا سنرى آلة إعلامية ضخمة تعمل بقوة، وهو ما حدث بالفعل».
تقارير مُعدة سلفاً
أما جوناثان غروبرت، الصحافي والمدرب وصانع «البودكاست الأميركي» المقيم في هولندا، فأشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «كل مؤسسة إعلامية كبيرة كانت تستعد لمثل هذا الحدث على مدار سنوات مضت، عبر تجهيز سلسلة من التقارير والسيَر الذاتية التي تكون جاهزة للنشر والبث فور إعلان الوفاة... وهذا يحدث مع كل الشخصيات العامة الكبرى على مستوى العالم».
وبالفعل يؤكد صحافي «بي بي سي» البريطاني (الذي طلب التكتم على اسمه): «مؤسسة مثل (بي بي سي) تتوافر لديها مواد جاهزة لسيَر الشخصيات العامة، يصار إلى تحديثها بشكل دوري لاستخدامها عند الحاجة». وحقاً يؤكد حجم التغطيات فور الوفاة، وفي صحف اليوم التالي لإعلانها ضخامة المواد والوثائق المعدة سلفاً، وبمراجعة الصحف البريطانية الصادرة صباح الجمعة، نجد مثلاً على صعيد الصحف الشعبية أن صحيفة «مترو» خصصت 44 صفحة من عددها للملكة، و«الصن» 38 صفحة في العدد الرئيسي مع عدد تذكاري خاص من 36 صفحة، و«الديلي ميرور» 40 صفحة في العدد و24 كملحق خاص، و«الديلي ستار» 14 صفحة إضافةً إلى ملحق مكون من 16 صفحة واستخدمت صورة للتتويج. وبالنسبة للصحف المحافظة أو شبه المحافظة، خصصت «التايمز» 40 صفحة مع غلاف عليه صورة للملكة عند تتويجها، و«الديلي تلغراف» ملحقاً خاصاً من 28 صفحة إضافةً إلى 25 صفحة في العدد الرئيسي، وخصصت «الديلي ميل» 86 صفحة للملكة، و«الديلي إكسبريس» 38 صفحة من عددها للملكة إضافةً إلى ملحق من 24 صفحة أخرى. وأما عن الصحف الوسطية (يساراً ويميناً) فقد اختارت «أي» إعداد 32 صفحة مع صورة التتويج، و«الغارديان» أيضاً استخدمت صورة التتويج مع 20 صفحة، وأخلت «الفاينانشيال تايمز» صفحتها الأولى من كل العناوين ووضعت صورة للملكة التُقطت في افتتاح البرلمان 1971 مع تغطية في الداخل، كل هذا حسب «برس غازيت».
اهتمام عالمي
على الصعيد العالمي حظي خبر الوفاة باهتمام إعلامي لافت أيضاً. وعدّلت مجموعة من محرّري «ويكيبيديا» على موقعها الصفحات الخاصة بالملكة، وكتبت آني رويردا، صاحبة حساب «ديبث أوف ويكيبيديا» على «تويتر» تغريدة شرحت فيها ما يحدث لصفحات الملكة خلف الكواليس من مجموعة من المحررين المتطوعين. وبالتوازي، كتبت كريستين هار، في تقرير نشره موقع «معهد بوينتر للصحافة»، الأسبوع الماضي أن «وفاة الملكة حظيت مثل يوم تتويجها عام 1953 باهتمام الصحف، فاحتلت صورتها الصفحات الأولى في صحف العالم». وفي تقرير آخر، على موقع المعهد. قال توم جونز، إن «خبر وفاة الملكة أسر العالم ولا سيما في وطنها». وأشار إلى أنه في الولايات المتحدة الأميركية أوقفت الشبكات الأميركية الرئيسية الثلاث (إيه بي سي)، و(سي بي إس)، و(إن بي سي) برامجها الاعتيادية للإعلان عن الخبر. كذلك نفّذت القنوات التابعة لـ«فوكس» تغطية حية على مدار الساعة من «فوكس نيوز»، وبدأت الشبكات بث برامج معدة مسبقاً تحكي قصة الملكة العائلية والقضايا السياسية التي عايشتها طيلة 70 سنة من حكمها. واستخدمت شبكة «سي إن إن» شريط الأخبار العاجلة. كذلك كانت التغطية واسعة ومكثفة على مستوى الصحف الأميركية الكبرى طباعةً وعلى مواقعها الإلكترونية، يتضمن خبر وفاة الملكة.
ولم يختلف الأمر عربياً أو أوروبياً، حيث كان خبر وفاة الملكة وصورها، هو العنوان الرئيسي في الصحف والمواقع الإلكترونية والمحطات التلفزيونية، التي تبارت في نقل الحدث، فتصدرت صورة الملكة الراحلة الصفحة الأولى لصحيفة «ليبراسيون» الفرنسية مع عنوان «لقد أحببناها كثيراً». وكذلك كان الحال في الصحف الكبرى في كندا، ومعظم صحف إيطاليا وإسبانيا وباقي دول العالم.
أسباب الاهتمام
جوناثان غروبرت يُرجع الاهتمام الإعلامي الكبير بالملكة الراحلة إلى أسباب بعضها تاريخي. ويقول إنه «بالنظر إلى عدد دول الكومنولث، وأيضاً عدد الدول التي تأثرت بالإمبراطورية البريطانية تاريخياً، من الطبيعي أن نجد هذا الاهتمام». وتابع: «مع أن الإمبراطورية البريطانية لم تعد موجودة، فإن بهارج الإمبراطورية وثقافتها لا تزال حية في التاريخ، وفي احتفالات العائلة المالكة... لأسباب كثيرة يجد الناس هذه الأشياء جذابة».
من ناحية أخرى، هذه الجاذبية أو الاهتمام الجماهيري بخبر وفاة الملكة أو غيرها من الشخصيات العامة، مرتبط بارتباط هذه الشخصيات بذكريات الجمهور، وفق سارة وايلاند، التي كتبت في بحث بجامعة «نيو إنغلاند» نشره موقع «ذا كونفرسيشن» الشهر الجاري: «وفاة الملكة ولّدت مشاعر حزن لدى العامة في مختلف أنحاء العالم، من مشاهد المواطنين المتجمعين حول قصر باكنغهام إلى تصريحات قادة العالم ومنشورات المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي». وأضافت أن «الحزن على فقدان شخص ما، يرتبط بذكرياتنا حول هذا الشخص، ومع أن كثيراً من الناس الذين عبّروا عن حزنهم لم يعرفوا الملكة عن قرب ولم يلتقوها، ارتبطت ذكرياتهم على مدار 70 سنة بها بشكل أو بآخر»، ثم أردفت أن «بث الإعلام تفاصيل الوفاة والمراسم على مدار 24 ساعة يخلق حالة من التعاطف وربما يستدعي ذكريات خاصة لأشخاص مروا من قبل بأحداث فقد أقارب أو أصدقاء».