نقابة الصحافيين وعائلة شيرين أبو عاقلة تسلمان ملفها إلى الجنائية الدولية

تضمن حوادث قتل وإصابة صحافيين آخرين

صور شيرين أبو عاقلة حيث قضت (أ.ب)
صور شيرين أبو عاقلة حيث قضت (أ.ب)
TT

نقابة الصحافيين وعائلة شيرين أبو عاقلة تسلمان ملفها إلى الجنائية الدولية

صور شيرين أبو عاقلة حيث قضت (أ.ب)
صور شيرين أبو عاقلة حيث قضت (أ.ب)

سلم نقيب الصحافيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر، ورئيس الاتحاد الدولي للصحافيين السابق، عضو الهيئة الإدارية الحالي جيمي بومليحة، وأنطوان أبو عاقلة شقيق الزميلة الراحلة شيرين، التي قضت أثناء تغطيتها عملية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جنين، في 11مايو (أيار) الماضي، ملف الشكوى القانونية الرسمية في قضية قتلها، إلى مكتب النائب العام للمحكمة الجنائية الدولية في مدينة «لاهاي» الهولندية.
وقال أبو بكر بعد تسليم الملف: «إنه يوم عظيم يشهد حدثاً تاريخياً، حيث إن نقابة الصحافيين الفلسطينيين هي أول نقابة في العالم، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافيين، تتقدم بشكوى إلى محكمة الجنايات الدولية وترفعها إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية السيد أ. كريم أحمد خان». وأضاف: «لقد حان الوقت لمساءلة قتلة الصحافيين دون إفلات من العقاب بموجب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة». وتابع: «منذ عام 2000 وحتى الآن فقدنا أكثر من 48 صحافياً برصاص الاحتلال وقذائفه... هذه الجرائم ترتقي لتكون جرائم حرب، وحان الوقت لتحميل هؤلاء المجرمين المسؤولية القانونية عن تلك الجرائم وقصف عشرات المكاتب الإعلامية في قطاع غزة وتدميرها بشكل كامل».
ويحمل الملف المقدم إلى المحكمة الجنائية، من قبل محامين من مكتبي «بايندمانز Bindmans LLP»، و«دوتي ستريت تشامبرز Doughty Street Chambers»، نيابة عن عائلة أبو عاقلة، ونقابة الصحافيين الفلسطينيين، والاتحاد الدولي للصحافيين، الجيش الإسرائيلي، مسؤولية قتل أبو عاقلة استناداً إلى التحقيقات الرسمية الفلسطينية، وبناءً عليه يطلب استدعاء المسؤولين عن هذه الجريمة للمثول أمام النيابة العامة التابعة للمحكمة.
وتضمن الملف، العديد من الوثائق والأدلة الجنائية وشهادات شهود العيان، إضافة إلى تقرير النيابة العامة الفلسطينية، وتحليل مقذوف القتل وخلاصة تحقيقات أخرى. كما شملت الشكوى أيضاً، قضيتي الصحافيين أحمد أبو حسين وياسر مرتجى، اللذين قتلا برصاص الجيش الإسرائيلي في غزة عام 2018، والجريحين الصحافيين معاذ عمارنة ونضال أشتية اللذين أصيبا في مظاهرات متفرقة في الضفة قبل أعوام، وقصف مقار المؤسسات الإعلامية في غزة أثناء عدوان العام الماضي 2021.
وكان الجيش الإسرائيلي قد خلص في بداية الشهر الجاري، إلى أن هناك «احتمالاً كبيراً» بأن أحد جنوده قتل الصحافية الفلسطينية - الأميركية شيرين أبو عاقلة، لكنه رفض إجراء تحقيق جنائي مع الجنود المتورطين، ما أنهى فعلياً التحقيق في القضية. وقالت عائلة أبو عاقلة إنها «لم تتفاجأ» بأن الجيش الإسرائيلي يحاول إخفاء الحقيقة وتجنب تحمل مسؤولية مقتلها، مطالبة الولايات المتحدة باتخاذ «إجراءات واضحة».
وكانت الولايات المتحدة قد رحبت بتحقيق الجيش الإسرائيلي، ودعت تل أبيب إلى «تغيير قواعد الاشتباك في الضفة الغربية لتجنب وقوع ضحايا على غرار أبو عاقلة»، لكن إسرائيل ردت بأن «لا أحد يملي عليها ذلك».


مقالات ذات صلة

هدوء في غزة بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية

المشرق العربي هدوء في غزة بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية

هدوء في غزة بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية

سادَ هدوء حذِر قطاع غزة، صباح اليوم الأربعاء، بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، على أثر وفاة المعتقل خضر عدنان، أمس، مُضرباً عن الطعام في السجون الإسرائيلية، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وكانت وسائل إعلام فلسطينية قد أفادت، فجر اليوم، بأنه جرى التوصل لاتفاق على وقف إطلاق النار بين فصائل فلسطينية والجانب الإسرائيلي، وأنه دخل حيز التنفيذ. وقالت وكالة «معاً» للأنباء إن وقف إطلاق النار في قطاع غزة «مشروط بالتزام الاحتلال الإسرائيلي بعدم قصف أي مواقع أو أهداف في القطاع».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي استمرار القتل في المجتمع العربي... وأم الفحم تتهم الأمن الإسرائيلي بالتقصير

استمرار القتل في المجتمع العربي... وأم الفحم تتهم الأمن الإسرائيلي بالتقصير

اتهمت بلدية أم الفحم في إسرائيل الأجهزة المكلفة تطبيق القانون، التي يقف على رأسها وزير الأمن إيتمار بن غفير، بالتقصير في محاربة جرائم القتل، وموجة العنف التي تعصف بالمجتمع العربي، واعتبرت أن هذا التقصير هو السبب الرئيسي في استمرار وتفاقم الجريمة. وجاء بيان البلدية بعد مقتل الشاب مهدي حريري البالغ من العمر 19 عاما من سكان أم الفحم، بإطلاق النار عليه على طريق بالقرب من (الطبية)، وهو الحادث الذي أصيب فيه كذلك شاب عشريني من سكان برطعة بجروح بين طفيفة ومتوسطة، وفي ضوء تحريض علني من صحيفة «الصوت اليهودي» التابعة لحزب «القوة اليهودية» الذي يتزعمه بن غفير، على أبناء أم الفحم في قضية الجريمة.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي محمد بن سلمان ومحمود عباس يستعرضان مستجدات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية

محمد بن سلمان ومحمود عباس يستعرضان مستجدات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية

اجتمع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، في جدة اليوم، مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وجرى خلال الاجتماع استعراض مستجدات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، والتأكيد على مواصلة الجهود المبذولة بما يكفل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً لمبادرة السلام العربية والقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
المشرق العربي أبو مرزوق ينأى بـ«حماس» عن تصريحات السنوار

أبو مرزوق ينأى بـ«حماس» عن تصريحات السنوار

قال موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، إن حركته ليست جزءاً من أي محور سياسي أو عسكري في المنطقة، بغض النظر عن الاسم والعنوان، في تصريح يناقض فيه تصريحات رئيس الحركة في غزة يحيى السنوار التي قال فيها إن حركته جزء مهم من المحور الذي تقوده إيران في سوريا ولبنان واليمن. وجاء في تغريدة لأبو مرزوق على حسابه على «تويتر»: «نحن حركة مقاومة إسلامية، ونسعى لعلاقات مع كل القوى الحية في المنطقة والعالم، وليس لنا عداء مع أي مكون، سوى العدو الصهيوني». وأضاف مسؤول مكتب العلاقات الدولية في المكتب السياسي لحركة «حماس»: «نشكر كل من يقف معنا مساعداً ومعيناً، وليس هناك من علاقة مع أي طرف على حساب طرف

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي عباس: الأمم المتحدة ستحيي ذكرى النكبة «لأول مرة» في مايو المقبل

عباس: الأمم المتحدة ستحيي ذكرى النكبة «لأول مرة» في مايو المقبل

قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إن الأمم المتحدة ستحيي الذكرى 75 لنكبة الشعب الفلسطيني لأول مرة، في 15 مايو (أيار) المقبل. كلام عباس جاء خلال إفطار رمضاني أقامه في مقر الرئاسة بمدينة رام الله (وسط)، مساء السبت، بحسب وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية «وفا». وشارك في الإفطار قادة ومسؤولون فلسطينيون، ورجال دين مسلمون ومسيحيون، وعدد من السفراء والقناصل، وعائلات شهداء وأسرى وجرحى. وبحسب «وفا»، طالب عباس «الفلسطينيين في كل مكان بإحياء الذكرى 75 للنكبة، لأنه لأول مرة، لا يتنكرون (الأمم المتحدة) فيها لنكبتنا».

«الشرق الأوسط» (رام الله)

بغداد بعد دمشق... أسئلة «اليوم التالي»

مروحيات تابعة للخارجية الأميركية ترافق الوزير أنتوني بلينكن أثناء توجهه نحو سفارة بلاده في بغداد في 13 ديسمبر 2024 (رويترز)
مروحيات تابعة للخارجية الأميركية ترافق الوزير أنتوني بلينكن أثناء توجهه نحو سفارة بلاده في بغداد في 13 ديسمبر 2024 (رويترز)
TT

بغداد بعد دمشق... أسئلة «اليوم التالي»

مروحيات تابعة للخارجية الأميركية ترافق الوزير أنتوني بلينكن أثناء توجهه نحو سفارة بلاده في بغداد في 13 ديسمبر 2024 (رويترز)
مروحيات تابعة للخارجية الأميركية ترافق الوزير أنتوني بلينكن أثناء توجهه نحو سفارة بلاده في بغداد في 13 ديسمبر 2024 (رويترز)

في مساء 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، تبنت «المقاومة الإسلامية في العراق» ما يبدو أنه آخر هجوم «روتيني» على إسرائيل. بعد أسبوعين فقط هرب بشار الأسد إلى روسيا، وأعلنت فصائل مسلحة أن «سوريا حرة».

ختم الإعلان عن الهجوم المزعوم، الذي نشرته قناة «تلغرام»، سجل أنشطة «محور المقاومة» في إطار «حرب الإسناد» قبل أن يدخل اتفاق لوقف النار في لبنان حيز التنفيذ.

صباح الأربعاء 27 نوفمبر (تشرين الثاني) تحركت الفصائل السورية في ريف حلب الغربي، ودوى في بغداد إنذار سياسي، وتصاعد حراك دبلوماسي مع عواصم غربية وعربية لفهم «ما سيجري»، على وقع مزاعم متفشية في كل مكان بأن «بغداد هي الهدف التالي» بعد الأسد.

على الحدود الغربية مع سوريا تتحشد قوات عراقية بداعي «التحصين» من تسلل «عناصر مسلحة»، وربما من تمدد فكرة «انهيار النظام»، كما يحذر زعماء عراقيون. كل هذا لم يبدأ مع سقوط الأسد، بل منذ أن بدأت الفصائل السورية رحلتها الخاطفة من ريف حلب الغربي نحو دمشق، في غضون 10 أيام.

بمراجعة الأحداث وتوقيتات المعارك في سوريا، فإن بغداد أرسلت إلى الحدود السورية وحدات من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي»، مرة واحدة على الأقل كلما سقطت مدينة في سوريا.

ومنذ 27 نوفمبر الماضي، زار الحدود العراقية - السورية قادة في الجيش و«الحشد» أكثر من 6 مرات، حتى صباح يوم الجمعة 13 ديسمبر (كانون الأول) 2024.

صورة مأخوذة من فيديو لوزارة الدفاع العراقية تظهر انتشار جنود وضباط عند الحدود مع سوريا

مجمل الصورة لا يقول الكثير عن الوضع في العراق، بعد سقوط الأسد، وانكفاء طهران، وقبلهما تراجع قوة «حزب الله» اللبناني، لكن ثمة عناصر أساسية يبحث فيها صناع القرار، تشمل أسئلة عن «الحكام الجدد» في دمشق، و«مستقبل النفوذ الإيراني»، و«شكل العملية السياسية» في بغداد.

أخذت الأسئلة منحى جدياً، مع تصريحات أدلى بها المبعوث الأممي إلى العراق، محمد الحسان، بعد لقائه المرجع الديني علي السيستاني، في النجف يوم 12 ديسمبر 2024.

«أطلعتُ السيد السيستاني على لقاءات جرت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك حول العراق. الأوضاع في المنطقة صعبة ومتغيرة ومتسارعة (...) العراق يحتاج إلى قرارات جريئة وعاجلة ونحن نقول، خير البر عاجله، ونشجع أصحاب القرار على اتخاذ القرارات المطلوب اتخاذها، والتي بعضها طال أمدها، لهذا البلد من مصالحة وتصالح».

رئيس بعثة «يونامي» في العراق دعا صناع القرار إلى اتخاذ قرارات جريئة «طال أمدها» (إكس)

سألت «الشرق الأوسط» ممثلي 6 أحزاب عراقية عما فهموه من كلام الحسان؛ سمعنا تأويلات لا يمكن التحقق منها، مأسورة بنظرية المؤامرة، وصلت درجة الحديث عن «سقوط النظام السياسي»، وإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 2003، غالبيتها تخرج من بطانة أحزاب شيعية تقليدية.

كان هؤلاء يتعاطون مع أحداث متسارعة محورها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني. ففي يوم 10 ديسمبر 2024، اجتمع قائد القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) الجنرال مايكل إريك كوريلا مع مسؤولين في قوات «قسد» الكردية في سوريا، ثم سافر إلى بغداد واجتمع بالسوداني، الذي كرر له الموقف العراقي بشأن «احترام خيارات الشعب السوري».

في اليوم التالي، سافر السوداني إلى الأردن، والتقى في عمان الملك عبد الله الثاني، هذا الأخير سافر في اليوم نفسه إلى أبوظبي للقاء رئيس الدولة، محمد بن زايد.

وبينما عاد السوداني إلى بغداد، تلقى اتصالاً من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، واستقبل في اليوم نفسه وفداً من الخارجية الأميركية، بينما كان وزير الدفاع الألماني يتنقل بين بغداد وأربيل في زيارة رسمية.

ما كان يُسمع في بغداد وعمان، هو «ضبط الحدود» مع سوريا. ملخص الاتصالات الدولية التي شملت لاحقاً الرئيس الأميركي جو بايدن، ومستشاره جاك سوليفان، ووزير الخارجية البريطاني، أفادت بأن العالم «حريص على تقوية الأمن لدى جيران سوريا» الجديدة.

لكن مم يخاف قادة الأحزاب الشيعية في بغداد؟

لم تقدم 6 شخصيات عراقية ضالعة في صناعة القرار العراقي، ومقربون منهم، أي تصور متماسك عن عراق ما بعد الأسد، ولا حتى كيف يمكن أن يستجيبوا لضغوط إقليمية هائلة.

ليس من المبالغة وصف الحالة السائدة بأنها الأكثر اهتزازاً منذ سنوات في العراق، على ما يقول مستشار حكومي سابق. مع ذلك، ثمة عناصر أساسية تشكل الأسئلة والمخاوف العراقية من الحالة السورية.

صورة وزعها المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تظهر ملك الأردن عبد الله الثاني (يسار) يستقبله في القصر الملكي في عمان في 11 ديسمبر 2024

حرب عقائد... وخصوم محليون

تقول شخصية شيعية متنفذة لـ«الشرق الأوسط» إن «المخاوف متبادلة. في سوريا من اندفاع جماعات عراقية قلقة من النظام الجديد؛ وفي العراق من شرارة في (السيدة زينب) بدمشق قد تشعل العراق، والمنطقة».

وفقاً لهذه الشخصية، فإن الأسد كان قد منح طهران وصاية كاملة بصلاحيات أمنية مفتوحة على المرقد. الآن انتهت هذه الصيغة، و«الجميع خائف».

وتضيف: «مع ذلك، نسمع تطمينات دولية من أن مسار الأمور لن ينقلب في دمشق بسرعة، كما سقط الأسد».

منذ أن فر الأسد إلى موسكو تحمس الشارع الشيعي العراقي لفكرة أن الأضرحة الشيعية في سوريا «باتت دون حماية». تغذت هذه الحماسة بسيل من منشورات غزت مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن دبلوماسيين عراقيين أطلعا «الشرق الأوسط» على اتصالات مع فاعلين إقليميين بشأن «ضمانات عدم الوصول إلى سيناريو قد يشعل حرباً في المنطقة، مدعومة بسلوك منضبط للفصائل السورية حتى الآن». يقول أحدهما: «الضمانات قد تكسر بخطأ مقصود، أو غير مقصود».

كل من تحدثنا إليهم كانوا يعتقدون أن «الحكومة التي نأت بنفسها عن نظام الأسد، ولم تتدخل لتغيير مصيره، لا تحلم اليوم بأن ينهار كل شيء وتفقد السيطرة على الفصائل الشيعية»، التي يبدو أنها الأقل ضجيجاً هذه الأيام.

ثمة خوف آخر يصدره قادة أحزاب شيعية في بغداد، من خصوم محليين من السنة والكرد، قد يفكرون باقتناص هذه اللحظة النادرة؛ حيث الفاعل الإيراني ينكفئ على نحو غير مسبوق، رغم أن البعض يسمي هذا الانكفاء «انسحاباً تكتيكياً».

يقول مستشار سياسي، وعضو في حزب شيعي، إن «هروب الأسد أشعل فرضيات عن مسارين يشكلان أكبر مخاوف القوى الشيعية الحليفة لإيران، أن تتحرك القوى السنية لاستغلال اللحظة في تغيير ميزان القوى، بدافع التمرد على تعاقد سياسي مع الأخ الأكبر الذي جفت أصوله في دمشق وبيروت».

يفيد المسار الثاني، وفقاً لهاتين الشخصيتين، أن «السوداني نفسه سيقفز من سفينة (الإطار التنسيقي) إلى عقد سياسي جديد، بورقة رابحة اسمها حماية بغداد من استمرار سقوط عواصم محور المقاومة». يقول أحدهما: «لا شيء ينفي هذه الفرضية، والسوداني بيده الآن ورقة رابحة».

لا يفصح السياسيون الشيعة عن هذه المخاوف علناً. بدلاً من ذلك يضخون في المجال العام سرديات عن «حكم المتطرفين» في سوريا الجديدة، واحتمالية تدفق آلاف المسلحين إلى العراق، وهو تكرار لكلام محسن رضائي، القيادي في «الحرس الثوري» الإيراني، أن «11 ألف عنصر في سوريا يخططون لاحتلال مدن عراقية».

كان من الغريب أن نسأل سياسيين عراقيين عن تداعيات الزلزال السوري، فترد الإجابات عن «الصراع الداخلي بين اللاعبين العراقيين، وفرصهم في الانتخابات المقبلة، انطلاقاً مما حدث في دمشق».

يتعزز الحديث عن هذين المسارين بوقائع على الأرض. إذ تسافر شخصية سياسية عراقية إلى سوريا، حاملة رسالة من السوداني. لم يتسن الحصول على تأكيد من مصدر مستقل أو حكومي عن الرسالة، لكن مطلعين أبلغوا «الشرق الأوسط» أن «مضمونها هو تعهدات عراقية بعدم التأثير على مسار الحكم الجديد، بينما ثمة طلب ملح للمزيد من الضمانات بشأن وضع الشيعة في سوريا».

لم يكن التعاطي الإيجابي مع الفصائل السورية هو موقف الحكومة منذ البداية. تقول مصادر موثوقة إن القرار بشأن سوريا لم يكن بيد السوداني، إذ إن التعاقد السياسي على تشكيل الحكومة قضى بأن الملفات الاستراتيجية هي من اختصاص «الإطار التنسيقي»، تضيف: «في البداية، قرروا الدفاع عن الأسد. أرسلوا بالفعل مجموعات من فصائل شيعية إلى سوريا».

لم تتماه الحكومة العراقية مع الفصائل السورية إلا بعد أن تعرضت أرتال مدرعة لنقل المسلحين الشيعة لقصف جوي داخل الأراضي السورية، كما أن انهيار الجيش السوري وتأخر المبادرة الإيرانية حررا السوداني، والخطاب العام في العراق إلى حد ما، من التعاقد السياسي المبرم سلفاً مع تحالف «الإطار التنسيقي».

«الإطار التنسيقي» كان قد حذّر من تداعيات المعارك الدائرة في سوريا (إكس)

بغداد اليوم التالي

يقول دبلوماسي غربي مقيم في بغداد، طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث علناً، إن «استقرار العراق أولوية ملحة الآن بالنسبة للمجتمع الدولي»، رغم أن «المسار الإقليمي يضغط باتجاه إنهاء جيل من الميليشيات التي أسهمت في تكريس التوتر والاضطراب».

يلمح الدبلوماسي إلى «صدام في الرؤى» حول وضع العراق الخاص بعد الأسد، ويتزامن هذا التلميح مع سؤال يصفه سياسيون عراقيون بـ«العجائبي»، في ما إذا وصل زحف سقوط العواصم في بلدان المحور إلى بغداد؟ جزء من هذا السؤال لا يستند إلى معطى متماسك.

يقول سياسي عراقي، زعم أنه اطلع على جانب من اتصالات عراقية - أميركية حول العراق، إن واشنطن فاوضت الإسرائيليين الذين يرغبون بـ«إكمال مهمة القضاء على محور المقاومة، والذي لم يبق منه سوى العراق».

تزعم فرضية «المفاوضات» أن الطرف الإسرائيلي ينظر إلى بغداد على أنها «الذخيرة الأهم لطهران، التي ستعيد من خلال مواردها المالية والسياسية المحور الذي هوى، وفر». ما يعني أن «الأمر لن يتوقف عند الأسد».

إلا أن الأميركيين، ولكبح هذه الرغبة، وضعوا «خريطة طريق بديلة للهجمات الإسرائيلية» تفضي إلى الغرض نفسه. يقول مستشار عراقي إن «نزع سلاح الفصائل، وإنهاء مصانع المسيرات، وتعديل وضع (الحشد الشعبي) بصهره داخل المؤسسة الحكومية، وانسحاب الميليشيات ومكاتبها الاقتصادية من المدن السنية، هو جوهر المسار الجديد».

يزعم هذا السياسي أن واشنطن تريد تتويج المسار المزعوم بإجراء انتخابات في العراق، في بيئة سياسية مختلفة، وتعتقد أن «إيران مجبرة الآن على تقبل الأمر الواقع».

تقول ثلاث شخصيات من «الإطار التنسيقي» إن هذا السيناريو «محض خيال»، لكنهم يعترفون بأن ما يصل بغداد من رسائل مفاده أن «قطع الجسر العراقي لنفوذ إيران مفروض الآن».

يصعب تخيل كيف يمكن تنفيذ هذا السيناريو، وأن يجري تحييد مجموعات تضخمت في العراق، وتكرست بنيوياً في المؤسسات الحكومية.

يرجح مستشار سياسي عراقي أن يتم هذا بالتفاوض مع الإيرانيين أنفسهم، ويقول: «من الصعب استبعاد النفوذ الإيراني بهذه السهولة. إنهم جزء من اتصالات نشطة حول المنطقة، والعراق في قلب التفاوض، ولو حدث تغيير في تركيبة المعادلة العراقية فإن طهران على الخط».

أقدار الشرق الأوسط وحظ السوداني

تطرح غرف حزبية سؤالاً يبدو بدائياً، أو أنه مأخوذ بأجواء الصدمة: «لماذا يجب أن تتعرض بغداد إلى ضربات (مثلاً) وهي التي نأت بنفسها عن حرب الإسناد، ولم تقدم الدعم لمنع سقوط الأسد؟». سؤال يضمر البحث عن مكافأة الإعفاء من تكاليف اليوم التالي للحرب.

لا يبدو أن هذا هو السياق الإقليمي، إذ تؤشره أحداث متتالية تفضي إلى أن تغييراً في العراق مطلوب إقليمياً، حتى لا يجد نفسه أمام خيارات صعبة.

يقول الدبلوماسي الغربي لـ«الشرق الأوسط»، إن «المنطقة تغيرت (...) الأمر لا يحتاج إلى الكثير لفهم أن المنطقة تغيرت وعلى اللاعبين التعايش».

للمرة الأولي منذ 2003، وإذا استثنينا التحدي الوجودي الذي شكله «داعش» عام 2014، فإن القوى الشيعية العراقية تواجه حصاراً من ضغوط مركبة، ما يجعلها أمام اختبار سياسي في الطريقة التي تختارها للتكيف.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بغداد قبل لقائه السوداني يوم 13 ديسمبر 2024 (الخارجية الأميركية)

أظهر الإعلام الأميركي أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن لم يرتد سترة واقية من الرصاص حين نزل في بغداد، في نهار 13 ديسمبر، كما فعل في آخر زيارة قام بها للعاصمة العراقية منتصف ليلة 5 نوفمبر 2023. لم ينس الوزير المنتهية ولايته تفسير النزول في المطار بهذه الطريقة المريحة: «أحد الأشياء التي أخبرتُ بها السوداني كانت مدى روعة السفر بالطائرة من المطار، حيث يمكن رؤية حيوية المدينة».

بعد هذا التندر الأميركي المفرط بالعراق، لخص بلينكن المفيد في بيانه الصحافي قبل أن يصل إلى العقبة في الأردن للاجتماع مع وزراء خارجية جيران سوريا: «هذه هي اللحظة المناسبة للعراق لتعزيز سيادته وأمنه».

أكبر المخاوف العراقية من تطمينات بلينكن أنها كلمات دبلوماسي يقضي شهره الأخير في المنصب، قبل أن تأتي حكومة أميركية جمهورية بتعهدات مسبقة بالضغط الأقصى على إيران، والعراق آخر ما تبقى لها نظرياً.

يتفق سياسيون عراقيون على قناعة بأن «شيئاً ما سيحصل»، لكنهم يختلفون حول حقيقته. لا يفعلون شيئاً هذه الأيام سوى التنبؤ؛ هل هناك ضربة إسرائيلية وشيكة، أم أن واشنطن تريد حماية العراق بصفقة جديدة، ثمنها تحجيم النفوذ الإيراني؟

ويضخ مقربون من السوداني، هذه الأيام، تطمينات باستبعاد الضربات العسكرية، لكنهم في المقابل يمهدون لتغييرات سياسية «ملزمة» تخفف من وطأة اليوم الأول لرونالد ترمب في البيت الأبيض، وفي هذه السردية ألغام جاهزة للانفجار ينصبها خصوم السوداني، في بغداد وطهران، إذ يرون الحظ وأقدار الشرق الأوسط تساق إليه أكثر مما ينبغي، ومن هنا يخشى الجميع المفاجآت.