تثار تساؤلات عدة بشأن السيناريوهات المحتملة للفترة المقبلة، ورد الفعل المتوقع من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد أن تمكن الجيش الأوكراني من استعادة السيطرة على آلاف الكيلومترات المربعة من قبضة القوات الروسية في شمال شرقي البلاد. وحذرت صحيفة «التايمز» البريطانية من «رد الفعل العنيف للرئيس الروسي»؛ مشيرة إلى تعرضه «لانتقادات داخلية حتى من المقربين له والداعمين لخططه». وقالت الصحيفة إن «بوتين الجريح» سيصبح أكثر خطورة من أي وقت مضى، مضيفة: «أجبر هجوم مضاد خاطف من قبل الجيش الأوكراني روسيا على التخلي عن بلدات رئيسة، مثل إيزيوم وكوبيانسك في منطقة خاركيف، ويمكن القول إنها أكبر انتكاسة لموسكو في الحرب. كما استولت أوكرانيا على أعداد كبيرة من المركبات المدرعة والدبابات الروسية خلال استعادتها للأراضي».
وأكدت «التايمز» أن أي محاولة من قبل الجيش الأوكراني لتوغل واسع النطاق في روسيا، في إشارة إلى مدينة بيلجورود الروسية التي تقع على بعد 25 ميلاً فقط من منطقة خاركيف، ستشهد دخول الحرب مرحلة أكثر خطورة.
وتابعت الصحيفة: «يمكن أن تؤدي خسارتها (روسيا) مساحات كبيرة من منطقة خاركيف إلى تسريع التوترات الداخلية في موسكو. هناك شائعات بأن سيرجي شويغو وزير الدفاع يمكن استبداله، في حين انتقد الزعيم الشيشاني رمضان قديروف الأداء العسكري لروسيا». واختتمت الصحيفة تحليلها بالقول: «أثبت بوتين بالفعل أنه مستعد للتضحية بأعداد لا حصر لها من الأرواح للبقاء في السلطة. لدى الديكتاتور الروسي القليل من الخيارات الجيدة الآن، ويجب أن يأمل العالم ألا يختار أسوأها».
واتفقت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية مع رواية نظيرتها البريطانية، وقالت إن مشكلات بوتين ليست فقط في ساحة المعركة، واعتبرت أن تفوق الجيش الأوكراني على نظيره الروسي في خاركيف تسبب في «صداع سياسي وعسكري» لبوتين. وأشارت الصحيفة إلى امتناع وزارة الدفاع الروسية عن الإدلاء بأي تعليقات حول الوضع في خاركيف؛ خلال الأيام الأولى من الهجوم المضاد لأوكرانيا.
الخسائر التي تكبدتها روسيا خلال الأيام القليلة الماضية، والتي وصفتها صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية بأنها «واحدة من أكبر نكساتها» منذ بدء الصراع، كانت محور مقال لكون كوجلين، محرر شؤون الدفاع بصحيفة «ديلي تليغراف» الذي كتبه بعنوان «حلم بوتين الإمبراطوري ينهار أمام أعيننا». واعتبر كوجلين أن «الغزو الروسي لا يسير وفق ما كان مخططاً له، والشاهد على ذلك أن يقر المسؤولون الروس بأنهم عانوا من هزيمة كبرى خلال الهجوم الأوكراني الأخير».
ودلل على وجهة نظره بالقول إن «روسيا دأبت عند مواجهة أي انتكاسة كبيرة طوال هذا الصراع على الانغماس في التكتم، وحدث ذلك عند تدمير أوكرانيا السفينة الحربية الروسية الرائدة في أسطول البحر الأسود (موسكفا)، وبدلاً من الاعتراف بأن السفينة الحربية غرقت بسبب الضربات الصاروخية (الأوكرانية)، حاولت موسكو إقناع الشعب الروسي بأن انفجاراً غامضاً على متنها هو السبب».
ويعتبر الكاتب أن اعتراف المعلقين الروس بسهولة بأن الأوكرانيين حققوا «نصراً مهماً»، خلال هجومهم الدراماتيكي على الجبهة الشمالية لروسيا، يشير إلى أن «مغامرة بوتين العسكرية في أوكرانيا في ورطة حقيقية».
ويرى الكاتب الصحافي أن الهجوم الأوكراني المفاجئ «يمكن أن تكون له تداعيات كارثية محتملة على القوات الروسية؛ حيث يعني الاختراق أن الأوكرانيين باتوا في وضع يسمح لهم بتهديد خطوط الإمداد الحيوية لروسيا».
ووصف انتزاع السيطرة على بلدة كوبيانسك ذات الأهمية الاستراتيجية، بأنه بمثابة نكسة كبيرة للقوات الروسية: «لأن هذه البلدة مستودع الإمداد الرئيسي لعشرات الآلاف من القوات الروسية العاملة في منطقة خاركيف، ويعني الاستيلاء عليها أن ما يصل إلى 15 ألف جندي روسي محاصرون بالكامل الآن، دون الوصول إلى الإمدادات العسكرية».
من جهتها، علقت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية على التقدم الذي أحرزته القوات الأوكرانية مؤخراً، بأنه «الأكثر إثارة للدهشة منذ انسحاب روسيا من حول كييف في مارس (آذار)». إلا أن الصحيفة لفتت إلى أن ذلك «لا يعني أن ثمة نهاية سريعة للصراع في الأفق... على الأرجح ستظل المواجهة بين الجانبين قائمة حتى الربيع في أوروبا».
واعتبرت الصحيفة -كما جاء في تحقيق الوكالة الألمانية- أن الأسلحة الغربية عالية الدقة أحدثت الفارق، وقلبت موازين المعادلة العسكرية لمصلحة كييف: «وهذا يعزز الحجج الداعية إلى تسريع تسليم ما تم التعهد به، إذ لم يتم تسليم سوى نصف الأسلحة التي تم التعهد بها بقيمة 16 مليار دولار، وإرسال المزيد». وأشارت إلى أن موسكو «أبدت استعداداً للانتقام في ضربات نهاية الأسبوع (الأحد) حول خاركيف، بهدف حرمان السكان المدنيين من الماء والتدفئة، ولا يزال الوضع حول محطة زابوريجيا للطاقة النووية التي تسيطر عليها روسيا ينذر بالخطر». وقالت إن «بوتين يتعرض لضغوط... الخطر الذي قد يسعى إلى تفجيره أو تصعيده هو خطر يجب على العواصم الغربية أن تكون متيقظة ومستعدة له، ولكن لا ينبغي لهذا الخطر أن يثنيهم عن مواصلة استراتيجية الدعم لأوكرانيا التي تظهر مؤشرات أنها تؤتي ثمارها».
وركزت صحيفة «موسكو تايمز» الروسية على ما وصفته بـ«الانتقاد النادر»، عندما دعا عشرات المسؤولين، بينهم نواب من موسكو وسان بطرسبرغ، الرئيس بوتين، إلى الاستقالة، في رسالة مفتوحة نشرت الاثنين. وأوضحت أن «دعوة الرئيس الروسي للتنحي تأتي وسط مزاعم بالتلاعب في الأصوات في الانتخابات المحلية والإقليمية التي أجريت نهاية الأسبوع الماضي، فضلاً عن التقدم الهائل للقوات الأوكرانية في الأيام الأخيرة الذي يمثل أكبر انتكاسة حتى الآن لحرب موسكو ضد كييف».
ونقلت الصحيفة عن كسينيا تورستريم، النائبة عن منطقة سيميونوفسكي في سان بطرسبرغ، والتي وقعت على الرسالة إلى جانب عشرات المسؤولين الآخرين، قولها: «تصرفات الرئيس بوتين ضارة بمستقبل روسيا ومواطنيها. نطالبه بالاستقالة من منصب رئيس الاتحاد الروسي». وأضافت الصحيفة أن «عديداً من الشخصيات المؤيدة للكرملين أعربت عن قلقها وإحباطها من الهجوم المضاد الذي شنته كييف». كما استشهدت الصحيفة بما صرح به الخبير السياسي فيكتور أوليفيتش خلال برنامج حواري سياسي على إحدى القنوات التلفزيونية الحكومية، بأنه «قيل لنا إن كل شيء يسير وفقاً للخطة. هل يعتقد أي شخص حقاً أنه قبل ستة أشهر كانت الخطة هي مغادرة مدينة بالاكليا، وصد هجوم مضاد في منطقة خاركيف، والفشل في السيطرة على خاركيف».
ويرى مراقبون أن بوتين لم يَرُد بعد على خسائر روسيا، ليبقى التساؤل بشأن ما إذا كانت الهزائم ستجعله أكثر أو أقل تهديداً لأوكرانيا والغرب، مفتوحاً على كل الاحتمالات.
مراقبون: بوتين الجريح سيصبح أكثر خطورة من أي وقت مضى
اعتبروا مغامرته في أوكرانيا «في ورطة حقيقية» بعد أن قلبت الأسلحة الغربية موازين المعادلة العسكرية لمصلحة كييف
مراقبون: بوتين الجريح سيصبح أكثر خطورة من أي وقت مضى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة