تدشين أول مفاعل نووي لتوليد الكهرباء في جنوب تركيا

بوتين وإردوغان اعتبرا المحطة أهم مشروع تعاون بين البلدين

صورة جوية التُقطت أمس تظهر بناء محطة «أككويو» النووية لتوليد الكهرباء في ولاية مرسين جنوبي تركيا (أ.ف.ب)
صورة جوية التُقطت أمس تظهر بناء محطة «أككويو» النووية لتوليد الكهرباء في ولاية مرسين جنوبي تركيا (أ.ف.ب)
TT

تدشين أول مفاعل نووي لتوليد الكهرباء في جنوب تركيا

صورة جوية التُقطت أمس تظهر بناء محطة «أككويو» النووية لتوليد الكهرباء في ولاية مرسين جنوبي تركيا (أ.ف.ب)
صورة جوية التُقطت أمس تظهر بناء محطة «أككويو» النووية لتوليد الكهرباء في ولاية مرسين جنوبي تركيا (أ.ف.ب)

أكّدت تركيا وروسيا عزمهما على تعزيز التعاون بعد نجاح إطلاق أكبر مشروع في تاريخ العلاقات بين البلدين اليوم (الخميس)، وهو محطة «أككويو» النووية لتوليد الكهرباء التي أنشأتها شركة «روسآتوم» الروسية للطاقة النووية في ولاية مرسين جنوبي تركيا.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، خلال مشاركته إلى جانب نظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية الفيديو الخميس، في حفل تزويد أول مفاعل للمحطة التركية بالوقود النووي، أن تركيا ستصبح من خلال هذا المشروع واحدة من القوى النووية في العالم. وقال، في أول ظهور له بعد وعكة صحية ألمت به الثلاثاء ومنعته على مدى يومين من مواصلة برنامجه الانتخابي: «نحن هنا لافتتاح المشروع الذي سيضع تركيا بين القوى النووية في العالم. مع هذا الاحتفال، نفي بوعد آخر قطعناه لأمتنا، ونشهد إدخال الوقود النووي إلى موقع محطة الطاقة. هكذا، اكتسبت الآن هوية منشأة نووية».
وأضاف إردوغان، الذي يأمل الفوز في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 14 مايو (أيار): «يوجد اليوم 422 مفاعلا نوويا في العالم قيد التشغيل، و52 منها قيد الإنشاء. قبلت المفوضية الأوروبية الطاقة النووية كطاقة خضراء، وأزالت علامات الاستفهام حول استخدامها للأغراض السلمية». واعتبر هذا المشروع أكبر استثمار تركي - روسي بتكلفة بلغت 20 مليار دولار، معلنا أنه سيتم تشغيل جميع وحدات المحطة تدريجياً حتى عام 2029.
وسيساهم المشروع في خفض واردات تركيا من الغاز الطبيعي بـ1.5 مليار دولار سنوياً، وفق إردوغان الذي أكّد أن محطة الطاقة النووية «تلبي أيضاً متطلبات وكالة المهام الدولية والاتحاد الأوروبي، إلى جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، متوقعا إقامة محطات أخرى.
من جانبه، اعتبر بوتين أن تحول تركيا إلى دولة نووية سيعود بالفائدة على سوق الطاقة فيها، مشيرا إلى أن مشروع «أككويو» هو أهم مشروع بين روسيا وتركيا ويسمح بتنمية العلاقات الاقتصادية وعلاقات الجوار بين البلدين، التي لم تصل لهذا المستوى من قبل، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري 62 مليار دولار العام الماضي. وأكد بوتين أن روسيا ستعمل كل ما بوسعها لتلبية الحاجات التركية فيما يتعلق بالغاز الطبيعي، وكذلك احتياجاتها بعد كارثة زلزالي 6 فبراير (شباط) التي ضربت 11 ولاية في جنوب البلاد. وقبل الحفل، أجرى إردوغان اتصالا هاتفيا مع بوتين شكره خلاله على دور روسيا في بناء محطة «أككويو»، كما بحثا العلاقات التركية - الروسية والقضايا الإقليمية.
وذكر بيان للرئاسة التركية أن الرئيسين بحثا في مستجدات الحرب الروسية - الأوكرانية والخطوات المتعلقة باتفاقية شحن الحبوب عبر البحر الأسود الموقعة في إسطنبول في 22 يوليو (تموز) 2022. وأكد إردوغان لبوتين إمكان العمل على مبادرات جديدة لإنهاء الحرب، كما تطرقا إلى التطورات في سوريا. وأضاف البيان أن بوتين تمنى السلامة لإردوغان على خلفية الوعكة الصحية التي ألمت به الثلاثاء أثناء إجرائه لقاء تلفزيونيا مباشرا.
وفي وقت سابق، الخميس، قال وزير الصحة التركي فخر الدين كوجا، إن الحالة الصحية للرئيس إردوغان «جيدة جدا»، وإن التهاب المعدة والأمعاء الذي أصابه «في تراجع».
وخلال الاحتفال، أعلن وزير الطاقة التركي فاتح دونماز، أن المحطة ستوفر 10 في المائة من احتياجات تركيا من الطاقة بعد تشغيلها بالكامل، وأنها بالنسبة لتركيا ليست مجرد محطة طاقة نووية، بل هي بداية للعصر النووي في تركيا.
وبدوره، قال رئيس شركة «روسآتوم» أليكسي ليخاتشيف، «إن اليوم هو يوم تاريخي للعلاقات الروسية التركية. اليوم أصبحت تركيا دولة نووية، تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».
وأضاف أنه يجري العمل على تجهيز الوحدة الأولى من المحطة هذا الخريف، على أن يتم الإطلاق الفعلي لمحطة الطاقة النووية العام المقبل... «نخطط لبدء التشغيل الفعلي في العام المقبل ونقل المفاعل الأول إلى حالة الحد الأدنى من مستوى الطاقة الذي يمكن التحكم بها من أجل إنتاج الكهرباء بشكل مطرد في العام 2025».
ويعمل بمشروع المحطة حاليا نحو 25 ألف شخص 80 في المائة منهم تقريبا من الأتراك. وأسهم في إنعاش المنطقة عبر تشييد الطرق والمنازل والمقاهي والفنادق. وبتسليم الوقود النووي للمفاعل الأول، اكتسبت المحطة صفة «منشأة نووية». وحرص الجانب التركي على اتخاذ خطوة تزويد المفاعل الأول بالوقود النووي بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، وقبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 14 مايو المقبل.
ويعود تاريخ عقد إنشاء المحطة، التي تتولى إنشاءها وإدارتها شركة «روسآتوم» إلى 12 مايو 2010. وتتضمن 4 مفاعلات بطاقة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات. وتلبي الشروط والمتطلبات الحديثة المعتمدة لدى المجتمع النووي العالمي، المنصوص عليها في معايير الأمان لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجموعة الاستشارية الدولية للسلامة النووية، ومتطلبات نادي المنظمات التشغيلية الأوروبية (إي يو آر).
* رئيس «روسآتوم»
على هامش إطلاق المشروع، أكد رئيس شركة «روسآتوم» أليكسي ليخاتشوف، أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا لم تترك آثارا سلبية على سير العمل في مشروع محطة «أككويو» النووية لتوليد الكهرباء في تركيا.
وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط» في مرسين، أقرّ بأن المشروع مر بصعوبات عديدة، مثل وباء كورونا، والضغوط السياسية على روسيا، ثم كارثة زلزالي 6 فبراير في تركيا التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى. إلا أنه أكّد إحراز «تقدم بالجدول الزمني بالتعاون مع الجانب التركي، حتى أن الجدول الزمني تم اختصاره».
وأوضح: «بالطبع، أثرت هذه الأمور على المشروع بشكل ما. لكن بفضل جهود الفريقين التركي والروسي، ودعم قيادتي البلدين، وبفضل الاهتمام الخاص من الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان بشكل شخصي بدفع المشروع، نتقدم للأمام بكل ثقة». وأضاف أن دور إدارتي البلدين لا يتوقف عند تلقي التقارير عن سير العمل، لكنهما «عملتا باستمرار على اتخاذ القرارات التي جعلت المشروع يستمر بنجاح ويصل إلى هذه النقطة».
يُذكر أن تاريخ عقد إنشاء المحطة، التي تتولى إنشاءها وإدارتها شركة «روسآتوم» الحكومية الروسية، يعود إلى 12 مايو 2010. وتتضمن المُنشأة 4 مفاعلات بطاقة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، وسيبدأ الإنتاج في الوحدة الأولى عام 2024 بحسب مسؤولين تنفيذيين في «روسآتوم».


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

شؤون إقليمية أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية. وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين إن بلاده تتوقع موقفاً واضحاً من دمشق حيال «تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي» والتنظيمات التابعة له، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تنظر إليها أنقرة على أنها امتداد لـ«العمال الكردستاني» في سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية خصوم إردوغان يتهمونه بـ«مفاوضة» أوجلان في سجنه طلباً لأصوات كردية

خصوم إردوغان يتهمونه بـ«مفاوضة» أوجلان في سجنه طلباً لأصوات كردية

واجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ادعاءً جديداً من خصومه في المعارضة، بشأن إرساله مبعوثين للتفاوض مع زعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين مدى الحياة، عبد الله أوجلان، من أجل توجيه رسالة للأكراد للتصويت لصالحه في الانتخابات الرئاسية المقررة في 14 مايو (أيار) الحالي. وقالت رئيسة حزب «الجيد» المعارض، ميرال أكشنار، إن إردوغان أرسل «شخصية قضائية» إلى أوجلان في محبسه، وإنها تعرف من الذي ذهب وكيف ذهب، مشيرة إلى أنها لن تكشف عن اسمه لأنه ليس شخصية سياسية. والأسبوع الماضي، نفى المتحدث باسم الرئاسة التركية، إعلان الرئيس السابق لحزب «الشعوب الديمقراطية» السجين، صلاح الدين دميرطاش، أن يكون إردوغان أرسل وف

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية دخول تركيا «النادي النووي» مهم... وزوال مخاوف «تشيرنوبل» مسألة وقت

دخول تركيا «النادي النووي» مهم... وزوال مخاوف «تشيرنوبل» مسألة وقت

<div>دفع إقدام تركيا على دخول مجال الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء عبر محطة «أككويو» التي تنشئها شركة «روساتوم» الروسية في ولاية مرسين جنوب البلاد، والتي اكتسبت صفة «المنشأة النووية» بعد أن جرى تسليم الوقود النووي للمفاعل الأول من مفاعلاتها الأربعة الخميس الماضي، إلى تجديد المخاوف والتساؤلات بشأن مخاطر الطاقة النووية خصوصاً في ظل بقاء كارثة تشيرنوبل ماثلة في أذهان الأتراك على الرغم من مرور ما يقرب من 40 عاما على وقوعها. فنظراً للتقارب الجغرافي بين تركيا وأوكرانيا، التي شهدت تلك الكارثة المروعة عام 1986، ووقوعهما على البحر الأسود، قوبلت مشروعات إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية باعتراضات شديدة في البد</div>

شؤون إقليمية أنقرة: وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا قد يجتمعون في 10 مايو

أنقرة: وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا قد يجتمعون في 10 مايو

قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، اليوم الأربعاء، إن اجتماع وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا قد يُعقَد بموسكو، في العاشر من مايو (أيار)، إذ تعمل أنقرة ودمشق على إصلاح العلاقات المشحونة. كان جاويش أوغلو يتحدث، في مقابلة، مع محطة «إن.تي.في.»

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شؤون إقليمية «أككويو» تنقل تركيا إلى النادي النووي

«أككويو» تنقل تركيا إلى النادي النووي

أصبحت تركيا رسمياً عضواً في نادي الدول النووية بالعالم بعدما خطت أولى خطواتها لتوليد الكهرباء عبر محطة «أككويو» النووية التي تنفذها شركة «روسآتوم» الروسية في ولاية مرسين جنوب البلاد. ووصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خطوة تزويد أول مفاعل من بين 4 مفاعلات بالمحطة، بـ«التاريخية»، معلناً أنها دشنت انضمام بلاده إلى القوى النووية في العالم، مشيراً إلى أن «أككويو» هي البداية، وأن بلاده ستبني محطات أخرى مماثلة. على ساحل البحر المتوسط، وفي حضن الجبال، تقع محطة «أككويو» النووية لتوليد الكهرباء، التي تعد أكبر مشروع في تاريخ العلاقات التركية - الروسية.


الغرب يضغط على إيران برغم الحاجة لخفض التصعيد

صواريخ أطلقتها إيران كما بدت في سماء تل أبيب 1 أكتوبر 2024 (رويترز)
صواريخ أطلقتها إيران كما بدت في سماء تل أبيب 1 أكتوبر 2024 (رويترز)
TT

الغرب يضغط على إيران برغم الحاجة لخفض التصعيد

صواريخ أطلقتها إيران كما بدت في سماء تل أبيب 1 أكتوبر 2024 (رويترز)
صواريخ أطلقتها إيران كما بدت في سماء تل أبيب 1 أكتوبر 2024 (رويترز)

تجد إيران نفسها اليوم في وضع «عجيب»، بينما تترقّب الضربة الإسرائيلية رداً على الهجمات الصاروخية التي شنّتها ضد إسرائيل في بداية الشهر الحالي، وتتعدّد التكهنات حول طبيعة الضربة الإسرائيلية وحجمها، والأهداف التي ستتعرض لها الصواريخ والقنابل الإسرائيلية، وهناك تساؤلات حول ما إذا كانت الضربات ستستهدف المواقع النووية أو القطاع النفطي، وأيضاً حول الدور الأميركي المحتمل في هذا السياق.

من جانب آخر، يتعامل الغربيون، وتحديداً الأوروبيون، مع طهران بنوع من الازدواجية تصل إلى حد الانفصام. فمن جهة يُطلَب من إيران أن تعمل على خفض التصعيد في المنطقة، وأن تستخدم نفوذها لدى الأطراف التي تدعمها بالمال والسلاح، سواءً في اليمن أو العراق أو غزة أو لبنان، ومن جهة أخرى لا يتردّد الغرب في مضاعفة الضغوط على إيران، سواءً بسبب تزويدها روسيا بالصواريخ الباليستية وغيرها بعدما قدّمت لها مئات الطائرات المسيّرة، أو بسبب الضربات الصاروخية التي وجّهتها لإسرائيل، وذلك بعد فرض العقوبات الغربية عليها بسبب برنامجها النووي.

وفي الساعات الأخيرة برزت هذه التناقضات بوضوح، فقد اتصل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مساء الأحد، بنظيره الإيراني، مسعود بزشكيان، لبحث عدد من القضايا، منها مصير الرهائن الفرنسيين المحتجزين في إيران الذين تصفهم باريس بـ«رهائن دولة»، إضافةً إلى موضوع الحرب في غزة ولبنان.

وفي البيان الصادر عن قصر الإليزيه، أُشير إلى أن ماكرون أكّد مسؤولية إيران في دعم التهدئة العامة، واستخدام نفوذها لتحقيق ذلك مع الأطراف المزعزِعة للاستقرار التي تحظى بدعمها، بهدف التحرك نحو وقف إطلاق النار في كل من غزة ولبنان.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وملك بلجيكا فيليب يحضران مراسم في قبر الجندي المجهول تحت قوس النصر بباريس الاثنين (إ.ب.أ)

كان من اللافت أن البيان لم يتطرق إلى المخاوف الفرنسية من اندلاع حرب واسعة ومباشرة بين إيران وإسرائيل، وهو موضوع يشغل الرأي العام، كما كان لافتاً أيضاً أن اللهجة «التصالحية» التي استخدمها البيان الرئاسي تختلف تماماً عن اللهجة التي اعتمدها وزير الدفاع الفرنسي، سيباستيان لو كورنو، في حديث صحافي منتصف الأسبوع الماضي، فقد تضمّن حديث لو كورنو ما يشبه «مضبطة اتهامات» بحق إيران، مشيراً إلى مسؤوليتها عن زعزعة الاستقرار في المنطقة بشكل مباشر أو عبر «وكلائها».

عقوبات أوروبية إضافية

قد تكون فرنسا الأكثر «انفتاحاً» على إيران؛ إذ كان رئيسها الزعيم الغربي الوحيد الذي التقى مسعود بزشكيان في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما أنها الدولة الوحيدة التي لا تزال على تواصل مع «حزب الله» من خلال جناحه السياسي، وتُبرّر فرنسا هذا الانفتاح بكون «حزب الله» جزءاً من المشهد السياسي في لبنان، حيث له نواب في البرلمان ووزراء في الحكومة.

لكن هذا الانفتاح الفرنسي لا يتماشى مع التشدّد الأوروبي، الذي ظهر مجدّداً، الاثنين، من خلال قرار الدول الـ27 - بمناسبة اجتماع وزراء خارجيتهم في لوكسمبورغ - فرْضَ عقوبات جديدة على طهران بسبب تعاونها الصاروخي الباليستي مع روسيا، وكانت الولايات المتحدة و3 دول أوروبية (بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا) قد فرضت عقوبات فردية على إيران في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في مدينة لوكسمبورغ الاثنين (إ.ب.أ)

وجاء في بيان صدر، الاثنين، أن الاتحاد الأوروبي مجتمِعاً أقرّ عقوبات على 14 كياناً وفرداً في إيران، من بينهم شركة الخطوط الجوية الإيرانية «إيران إير»، وذلك بسبب تسليم، أو تسهيل تسليم صواريخ باليستية إلى موسكو، كما فُرضت عقوبات على شركتَي نقل جوي إيرانيتين أخريين، هما: «ساها إيرلاينز» و«ماهان إير».

ولم تتوقف العقوبات عند هذا الحد؛ إذ شملت 7 شخصيات إيرانية، من أبرزها نائب وزير الدفاع الإيراني، سيد حمزة غلاندري، و5 كيانات، من بينها شركتان إيرانيتان متهمتان بتوريد الوقود المستخدم في هذه الصواريخ التي تم تسليمها إلى روسيا لاستخدامها في حربها ضد أوكرانيا.

وتُعدّ العقوبات الأوروبية «كلاسيكية»، بمعنى أنها تشمل تجميد أصول الكيانات والأفراد داخل الاتحاد الأوروبي، وتحظر سفر الأفراد إلى أراضي الاتحاد. وحتى الآن استمرت طهران في نفي تسليمها صواريخ لروسيا، إلا أن المخابرات الغربية تمتلك معلومات تفصيلية عن الاتصالات الروسية - الإيرانية التي أفضت إلى صفقة الصواريخ، علماً بأن الرئيسين الروسي والإيراني التقيا مرتين مؤخراً، ما يعكس رغبة الطرفين في توثيق علاقاتهما في مواجهة الولايات المتحدة والغرب بشكل عام.

وقالت مصادر أوروبية في باريس، إن أهمية هذه العقوبات تكمن في أنها تأتي في «مرحلة حرجة» بالنسبة لأوكرانيا، وفي ظل تساؤلات حول «مصير الدعم الغربي، وخصوصاً الأميركي، في حال عودة الرئيس الأسبق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بفضل الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل».

«الحرس الثوري» على لائحة الإرهاب

ليست مسألة إدراج «الحرس الثوري» الإيراني على لائحة الإرهاب الأوروبية جديدة، بل تعود إلى عدة سنوات. وكانت دول الاتحاد منقسمة إلى شطرين: شطر يدفع باتجاه التسمية، وآخر يفرمل ذلك، وحجة الشطر الثاني هي أنه لا إمكانية لإدراج «الحرس الثوري» على لائحة الإرهاب ما دام أنه لم يُدَن في أي دولة أوروبية بأعمال إرهابية.

وقد دافع عن هذا الموقف مسؤول السياسة الخارجية، جوزيب بوريل، الذي أفاد سابقاً بأنه طلب من الأجهزة القانونية في الاتحاد الانكباب على هذه المسألة.

مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل (يمين) يستقبل وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي في بداية الاجتماع الوزاري في لوكسمبورغ (إ.ب.أ)

ولكن طرأ جديد تمثّل في أمرين؛ الأول: مطالبة السويد، بلسان رئيس وزرائها أولوف كريسترسون، بتصنيف «الحرس الثوري» منظمة إرهابية. قال كريسترسون لصحيفة «إكسبرسن»، الأحد، إن إيران جنّدت أعضاء عصابات إجرامية لارتكاب «أعمال عنف» في العام الماضي، مستنداً إلى معلومات من وكالة الاستخبارات السويدية «سابو»، وتشمل هذه الأعمال 3 هجمات على السفارة الإسرائيلية في ستوكهولم، وهجومين على شركة تكنولوجيا عسكرية إسرائيلية.

وأضاف كريسترسون: «نريد أن تتصدى السويد بجدّية، مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، للعلاقة الإشكالية بشكل لا يصدّق بين الحرس الثوري الإسلامي ودوره المدمّر في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك أعماله المتصاعدة في مختلف الدول الأوروبية، بما في ذلك السويد».

وخلاصة قوله هي أن «النتيجة الوحيدة المعقولة، هي أن نحصل على تصنيف مشترك للإرهاب، حتى نتمكّن من التصرف على نطاق أوسع، مما يمكننا فعله مع العقوبات الموجودة بالفعل».

أما الأمر الثاني والمهم فهو ما ورد على لسان مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي لم تكشف هويته، فقد أفاد بأن دائرة العمل الخارجي في الاتحاد قرّرت أن هناك أساساً قانونياً كافياً للمُضي قُدماً في ملف تصنيف «الحرس الثوري»، مستندةً إلى حكم أصدرته محكمة في دوسلدورف في عام 2022، ثبت فيه تورّط إيران في مؤامرة فاشلة لإحراق كنيس يهودي.

بيد أن بوريل لا يريد التسرع، فقال يوم الاثنين إن إدراج «الحرس الثوري» على قائمة الإرهاب قيد المناقشة، مؤكداً أن «مجموعات العمل تتعامل مع هذا الأمر». لكن قراءة بوريل تفيد بأن الوصول إلى قرار نهائي سيستغرق الوقت الكافي، علماً بأن قراراً كهذا يستوجب إجماع أعضاء الاتحاد الأوروبي بوصفه يمسّ السياسة الخارجية للاتحاد.

ومن المحتمل أن يساعد في اتخاذ القرار أن ولاية بوريل ستنتهي قريباً، وسيخلفه في منصبه رئيسة وزراء أستونيا، كايا كالاس، المعروفة بدعمها اللامحدود لأوكرانيا وقربها من إسرائيل، وسارعت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى التعبير عن ترحيبها بالتقدم الذي حقّقه وزراء الخارجية، داعيةً إياهم لبذل المزيد من الجهود للدفاع عن أوكرانيا.

ولاكتمال الصورة، يجب الإشارة إلى أن الولايات المتحدة أقرّت عقوبات إضافية تستهدف قطاعَي النفط والبتروكيماويات الإيرانييْن بسبب ضربات طهران الصاروخية على إسرائيل. وأورد بيان لوزارة الخزانة الأميركية يوم الجمعة الماضي أن العقوبات تستهدف كامل قطاع البتروكيماويات، إضافةً إلى 20 ناقلة، وشركات مقرّها في الخارج، متهمةً جميعها بالضلوع في نقل النفط ومعدات بتروكيماوية إيرانية.

وحسب واشنطن، فإن هذه العقوبات «تزيد من حجم الضغوط المالية على إيران، مما يحُدّ من قدرة النظام على استخدام العوائد التي يجنيها من مصادر الطاقة الحيوية في تقويض الاستقرار بالمنطقة، واستهداف شركاء الولايات المتحدة وحلفائها».

ومن جهتها، فرضت بريطانيا عقوبات جديدة على إيران استهدفت 9 أسماء إيرانية، بالإضافة إلى عقوبات سابقة فرضتها بالتوازي مع واشنطن وباريس وبرلين في سبتمبر الماضي، ضد 6 شركات ضالعة في تصنيع الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية.