كيف يمضي «قطار الانتخابات الليبية» في ظل الصراع؟

وسط تدريبات على مواجهة العنف برعاية أممية

خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا يبحث في الانتخابات مع السفير الإيطالي جوزيبي بوتشينو (إدارة الإعلام للمجلس)
خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا يبحث في الانتخابات مع السفير الإيطالي جوزيبي بوتشينو (إدارة الإعلام للمجلس)
TT

كيف يمضي «قطار الانتخابات الليبية» في ظل الصراع؟

خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا يبحث في الانتخابات مع السفير الإيطالي جوزيبي بوتشينو (إدارة الإعلام للمجلس)
خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا يبحث في الانتخابات مع السفير الإيطالي جوزيبي بوتشينو (إدارة الإعلام للمجلس)

قبل قرابة سبعة أشهر من الآن، تحدث عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، في حشد من مواطني غرب البلاد، وبعض وزرائه، عن أن «قطار الانتخابات في ليبيا انطلق ولن يتوقف إلا بسلطة شرعية منتخبة»، ومذّاك التاريخ ينتظر الليبيون على رصيف السياسة علّهم يرصدون «القطار المنتظر».
ورغم انقضاء جميع المواقيت المحددة التي قطعها الساسة الليبيون على أنفسهم، وليس الدبيبة بمفرده، بإجراء الاستحقاق الانتخابي، فإنهم مع كل حادثة أو اندلاع اشتباكات في العاصمة طرابلس، يسارعون إلى إطلاق الدعوات المطالبة بإجرائها، بوصفها علاجاً لتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية بالبلاد.
وما بين خفوت هذه الدعوات وإعادتها للواجهة ثانيةً، يتساءل بعض السياسيين عن كيفية إجراء هذه الانتخابات في ظل انقسام حاد وصراع بين حكومتي عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا على السلطة في ليبيا؟، لكن مع ذلك يتمسك البعض الآخر بأن «وجود رئيس شرعي للبلاد، قد يعيد لها استقرارها، ويُنهي حالة الفراغ السياسي والاستقطاب بين جبهتي شرق وغرب ليبيا».
ويراهن سياسيون متحمسون على إجراء الانتخابات في ظل الأوضاع الراهنة في ليبيا وما عايشته البلاد خلال 2014، وهو العام الذي شهد إجراء انتخابات، أسفرت عن انتخابات مجلس النواب الحالي برئاسة عقيلة صالح، في ظل انقسام البلاد حينها.
الرافضون لإجراء الانتخابات راهناً يرون أنها «إذا أُجريت لن تُنتج جسماً سياسياً موحداً متفقاً عليه، سواء على مستوى البرلمان أو حتى رئاسة البلاد»، ورأوا أن «إجراءها في هذا التوقيت دون التوافق بين المتنازعين والمتصارعين على نتائجها لن يزيد البلاد إلا انقساماً وفُرقة».
وكان 40 مرشحاً للرئاسة في ليبيا قد طالبوا بسرعة إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في البلاد، محمّلين مجلسي النواب و«الأعلى للدولة»، وبعثة الأمم المتحدة للدعم مسؤولية «تعطيل المسار السياسي وعدم استكمال العملية الانتخابية».
وتُلاحَظ تحركات ملموسة للمفوضية الوطنية العليا لانتخابات برئاسة عماد السائح، إلى جانب دعوات للمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة، سواء على مستوى الحشد الدولي لهذه الانتخابات بلقاء المسؤولين الدولية وحضّهم على دعم هذا المسار، أو التحضير لها إدارياً وفنياً من المفوضية.
والتقى خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، اليوم، السفير الإيطالي لدى ليبيا جوزيبي بوتشينو، في مقر المجلس بالعاصمة طرابلس، وجرى خلال اللقاء، مناقشة السبل الكفيلة بحل الأزمة السياسيّة الرّاهنة، في ظل سيطرة ملف الانتخابات على الاجتماع الذي حضره نائبا المجلس ناجي مختار وعمر بوشاح.
ونقل المكتب الإعلامي للمجلس، اليوم، أنه تم التأكيد خلال اللقاء «أهمية إقامة الانتخابات في أقرب الآجال»، كما تطرق الطرفان إلى سبل التعاون الاقتصادي بين البلدين بما يخدم مصلحة الشعبين الصديقين.
وسبق للمفوضية العليا، الحديث عن إمكان استئناف العملية الانتخابية، نظراً لما رآه انقضاء «القوة القاهرة» التي حالت دون انعقادها العام الماضي.
وفيما يتعلق بالتدريب على أجواء الانتخابات المرتقبة، قالت وزارة الداخلية التابعة لحكومة «الوحدة» اليوم، إن العميد عماد العيساوي نائب مدير إدارة تأمين وحماية الانتخابات بالإدارة العامة للعمليات الأمنية، شارك بإلقاء محاضرة في الدورة التدريبية التي دعت إليها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لمنسقي الأمن بمكاتب الإدارات الانتخابية تحت عنوان «المخاطر الانتخابية»، مشيرة إلى أن هذه الندوات ستستمر حتى الرابع عشر من الشهر الجاري، وذلك في إطار التعاون بين الوزارة والمفوضية الوطنية.
وكان مقرراً إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية بالبلاد في ديسمبر (كانون الأول) عام 2021، غير أن السائح رأى حينها استحالة إجرائها لوجود ما وصفها بـ«القوة القاهرة» التي تَحول دون انعقادها، فتصاعدت أجواء التوتر في ليبيا.
وسبق لاجتماع «برلين» بشأن ليبيا الذي عُقد الخميس والجمعة الماضيين، أن أكد التزامهم المشترك بدعم مسار شامل نحو الانتخابات في ليبيا «بأسرع وقت»، لافتين إلى تطلعهم إلى العمل مع الممثل الخاص للأمين العام الرئيس الجديد لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عبد الله باتيلي.
وضم الاجتماع المبعوثين الخاصين لدى ليبيا وممثلين عن حكومات كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وتركيا ومصر، بالإضافة إلى وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو، وذلك لمناقشة مستجدات الأوضاع الليبية.


مقالات ذات صلة

«ملفات خلافية» تتصدر زيارة ليبيين إلى تونس

شمال افريقيا «ملفات خلافية» تتصدر زيارة ليبيين إلى تونس

«ملفات خلافية» تتصدر زيارة ليبيين إلى تونس

حلت نجلاء المنقوش، وزيرة الشؤون الخارجية الليبية، أمس بتونس في إطار زيارة عمل تقوم بها على رأس وفد كبير، يضم وزير المواصلات محمد سالم الشهوبي، وذلك بدعوة من نبيل عمار وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج. وشدد الرئيس التونسي أمس على موقف بلاده الداعي إلى حل الأزمة في ليبيا، وفق مقاربة قائمة على وحدتها ورفض التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية. وأكد في بيان نشرته رئاسة الجمهورية بعد استقباله نجلاء المنقوش ومحمد الشهوبي، وزير المواصلات في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، على ضرورة «التنسيق بين البلدين في كل المجالات، لا سيما قطاعات الاقتصاد والاستثمار والطاقة والأمن».

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا محادثات سعودية ـ أممية تتناول جهود الحل الليبي

محادثات سعودية ـ أممية تتناول جهود الحل الليبي

أكدت السعودية أمس، دعمها لحل ليبي - ليبي برعاية الأمم المتحدة، وشددت على ضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الليبية، حسبما جاء خلال لقاء جمع الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي، مع عبد الله باتيلي الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا ورئيس البعثة الأممية فيها. وتناول الأمير فيصل في مقر الخارجية السعودية بالرياض مع باتيلي سُبل دفع العملية السياسية في ليبيا، والجهود الأممية المبذولة لحل الأزمة. إلى ذلك، أعلن «المجلس الرئاسي» الليبي دعمه للحراك الشبابي في مدينة الزاوية في مواجهة «حاملي السلاح»، وضبط الخارجين عن القانون، فيما شهدت طرابلس توتراً أمنياً مفاجئاً.

شمال افريقيا ليبيا: 12 عاماً من المعاناة في تفكيك «قنابل الموت»

ليبيا: 12 عاماً من المعاناة في تفكيك «قنابل الموت»

فتحت الانشقاقات العسكرية والأمنية التي عايشتها ليبيا، منذ رحيل نظام العقيد معمر القذافي، «بوابة الموت»، وجعلت من مواطنيها خلال الـ12 عاماً الماضية «صيداً» لمخلَّفات الحروب المتنوعة من الألغام و«القنابل الموقوتة» المزروعة بالطرقات والمنازل، مما أوقع عشرات القتلى والجرحى. وباستثناء الجهود الأممية وبعض المساعدات الدولية التي خُصصت على مدار السنوات الماضية لمساعدة ليبيا في هذا الملف، لا تزال «قنابل الموت» تؤرق الليبيين، وهو ما يتطلب -حسب الدبلوماسي الليبي مروان أبو سريويل- من المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في هذا المجال، مساعدة ليبيا، لخطورته. ورصدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في تقر

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا حل الأزمة الليبية في مباحثات سعودية ـ أممية

حل الأزمة الليبية في مباحثات سعودية ـ أممية

أكدت السعودية دعمها للحل الليبي - الليبي تحت رعاية الأمم المتحدة، وضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الليبية، وجاءت هذه التأكيدات خلال اللقاء الذي جمع الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي مع عبد الله باتيلي الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. واستقبل الأمير فيصل بن فرحان في مقر وزارة الخارجية السعودية بالرياض أمس عبد الله باتيلي وجرى خلال اللقاء بحث سُبل دفع العملية السياسية في ليبيا، إضافة إلى استعراض الجهود الأممية المبذولة لحل هذه الأزمة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا «الرئاسي» الليبي يدعم «حراك الزاوية» ضد «حاملي السلاح»

«الرئاسي» الليبي يدعم «حراك الزاوية» ضد «حاملي السلاح»

أعلن «المجلس الرئاسي» الليبي، عن دعمه للحراك الشبابي في مدينة الزاوية (غرب البلاد) في مواجهة «حاملي السلاح»، وضبط الخارجين عن القانون، وذلك في ظل توتر أمني مفاجئ بالعاصمة الليبية. وشهدت طرابلس حالة من الاستنفار الأمني مساء السبت في مناطق عدّة، بعد اعتقال «جهاز الردع» بقيادة عبد الرؤوف كارة، أحد المقربين من عبد الغني الككلي رئيس «جهاز دعم الاستقرار»، بالقرب من قصور الضيافة وسط طرابلس. ورصد شهود عيان مداهمة رتل من 40 آلية، تابع لـ«جهاز الردع»، المنطقة، ما أدى إلى «حالة طوارئ» في بعض مناطق طرابلس. ولم تعلق حكومة عبد الحميد الدبيبة على هذه التطورات التي يخشى مراقبون من اندلاع مواجهات جديدة بسببها،

خالد محمود (القاهرة)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.