دينامية جديدة في الحرب على أوكرانيا

جنود أوكرانيون يلتقطون صورة تذكارية في مستوطنة شيفتشينكوف المحررة مؤخراً (رويترز)
جنود أوكرانيون يلتقطون صورة تذكارية في مستوطنة شيفتشينكوف المحررة مؤخراً (رويترز)
TT

دينامية جديدة في الحرب على أوكرانيا

جنود أوكرانيون يلتقطون صورة تذكارية في مستوطنة شيفتشينكوف المحررة مؤخراً (رويترز)
جنود أوكرانيون يلتقطون صورة تذكارية في مستوطنة شيفتشينكوف المحررة مؤخراً (رويترز)

هناك دول، ومن أحجام مختلفة، تتصرف كما أسماك القرش الأبيض: إذا توقفت عن الحركة تنتهي. هكذا هي حال روسيا، التي تتأرجح بين المُتخيل والممكن، بين لعنة التاريخ والجغرافيا، وبين الإمكانات والأهداف. تتمثل هواجس روسيا بين وحدة الداخل، كما المحيط المباشر، وبين السعي للأدوار الكبرى على مستوى العالم ككل، وانتزاع شرعية هذا الدور الكوني. إذا تراخت القبضة الحديدية في المركز (الكرملين) تجاه الأطراف في المدى الجغرافي والاثني الروسي، تنزع عادة هذه الأطراف إلى التمرد والانفصال، ليكون العقاب دموياً باستعمال أقصى درجات العنف. فالعنف السياسي والوحدة الروسية توأمان لا ينفصلان. وإذا انفصلا، تشظت الإمبراطورية. يقول «أمير» مكيافيللي في هذه الإطار، «من الجيد أن تكون مُهاباً ومحبوباً، ولكن من الصعب تحقيق ذلك. والأضمن أن تكون مهاباً على أن تكون محبوباً، إذا لم تستطع أن تكون كليهما؟». في الكرملين لا مكان للضعفاء، فصورة الضعف أو الإيحاء بها كفيلة بالإطاحة بساكنه. وكي تلعب روسيا الأدوار الكبيرة، لا بد من أمرين مهمين أساسيين، وهما: إمساك الداخل بقبضة من فولاذ، وتأمين العازل الجيوسياسي في المحيط المباشر. ففي المدى الجغرافي للمحيط المباشر، لا خيارات كثيرة للدول. فهي إما خاضعة وتابعة لإرادة ساكن الكرملين، أو هي عدوة تُشيطَن لتسهيل القضاء عليها. هكذا حال أوكرانيا اليوم. فحاكمها نازي وجب الإطاحة به. وهي، أي أوكرانيا، منصة الغرب و«الناتو» لضرب القلب الروسي.

أوكرانيا والقدر
يرتبط قدر أوكرانيا بما يقرره ساكن الكرملين. فأوكرانيا في الوعي الروسي هي روسيا الصغرى. في عام 1943، جرت معركة كبيرة جداً بين الجيشين، الألماني - النازي من جهة، والجيش السوفياتي من جهة أخرى. وصدف أن تكون مدينة خاركيف ومحيطها مسرحاً لهذه المعركة. انتصر الألمان في خاركيف، وتكبد الجيش السوفياتي 86 ألفاً بين قتيل وجريح. ويُكرر التاريخ نفسه في المنطقة نفسها، لكن بين الجيش الروسي والجيش الأوكراني، وفي ظروف مختلفة. في هذه الظروف يريد الرئيس بوتين تأمين المحيط المباشر، ومن ثم الانطلاق إلى الدور العالمي الذي أسس له من قبل، في كل من سوريا وأفريقيا وفنزويلا، وضمناً التفاهمات مع الصين، فقط للتوازن مع أميركا، وبسبب تقاطع المصالح المشتركة.

معركة الشرق والتداعيات: غرائب وعجائب والكثير من الأسئلة؟
غريب أن يستطيع الجيش الأوكراني استرداد ما يقارب 3000 كلم مربع من الأراضي التي احتلها الجيش الروسي في شرق أوكرانيا. وغريب أيضاً كيف حصل هذا الأمر، وبسرعة فائقة (Space and Time). لماذا لم يستوعب الجيش الروسي الهجمة الأولى، عبر تراجع بسيط، ومن ثم الارتداد بهجوم عكسي مُضاد؟ فهل تفاجأ الجيش الروسي؟ وأين كانت قوات الاحتياط؟ وكيف تحصل المفاجأة لهكذا عملية عسكرية كبيرة، وهي التي تستلزم الإعداد المُكثف في العديد والعتاد ولفترات طويلة، وحتى أنه يمكن الاستدلال حول النيات الأوكرانية، وذلك من نوعية الأهداف التي قصفها الجيش الأوكراني؟ لماذا لم يفعل سلاح الجو الروسي فعله؟ وهل استعمل الجيش الأوكراني سلاحاً يشل الرادارات الروسية (صاروخ Harm)؟ هل انطلت حيلة الخداع على روسيا، عندما فتحت أوكرانيا جبهتين، في الجنوب (خيرسون)، وبعدها في الشرق خاركيف؟ ولماذا اعتبرت روسيا أن الجبهة الجنوبية هي محور الجهد الرئيسي، بينما خاركيف هي جبهة ثانوية؟ ألم يستعلم الجيش الروسي عن جهازية وحركية وتحضيرات الجيش الأوكراني في الشرق؟ فالاستعلام التكتيكي ومؤشراته على أرض الميدان، هما أهم دليل على نيات العدو العسكرية. فعلى سبيل المثال، عندما يضع العدو مدفعيته في مكان قريب جداً من الجبهة، فهذا دليل على نيات هجومية. في المقلب الآخر، لماذا نجح الجيش الأوكراني بهذه السرعة؟ فهل للمعنويات الأثر الكبير؟ أم التحضير والتخطيط، واستعمال السلاح الغربي بطريقة ذكية ومتقدمة جداً؟ هل كان للاستعلام التكتيكي الدور الحاسم؟ وما هو دور الجيش الأميركي؟ وإذا استطاع الجيش الأوكراني تحقيق هذه المكاسب، فكيف سيحافظ عليها، وهو الذي يعاني من نقص في العديد والعتاد أيضاً؟ وهل سينزلق الجيش الأوكراني إلى نفس خطأ الجيش الروسي بتجاوز نقطة الذروة في الإمكانات (Overstretched)؟ هل سيتابع الجيش الأوكراني هجومه على جبهتين، في الجنوب والشرق؟ هل سقوط مدينة إزيوم سيرفع الضغط عن مدينتي كراماتورسك وسلوفيانسك في إقليم دونيتسك؟ وإذا تحرر العسكر الأوكراني من هاتين المدينتين، فأين سيُستعمل، وهو المُصنف من ضمن نخبة الجيش الأوكراني؟
في الختام، كيف سيُترجم هذا النصر سياسياً؟ وهل كل القرارات في يد كييف؟ وكيف سيرد بوتين إذا توالت الانتصارات الأوكرانية، ووصلت مثلاً إلى إقليم الدونباس، والمُعتبر روسياً؟ وإذا كان هذا الإقليم يُعتبر من ضمن الأراضي الروسية، فهو حكماً تحت المظلة النووية الروسية، فهل سيُفعل أحد بنود العقيدة النووية الروسية حول متى وكيف يستعمل السلاح النووي، والذي يقول: «يستعمل السلاح النووي ما دون الاستراتيجي، في حال تهديد الأمن القومي الروسي من المحيط المباشر، حتى ولو كان هذا التهديد تقليدياً».


مقالات ذات صلة

بتهديده بضم غرينلاند... ترمب يعزّز مقاربة بوتين حيال أوكرانيا

الولايات المتحدة​ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدثان خلال اجتماع ثنائي في قمة زعماء «مجموعة العشرين» في أوساكا باليابان في 28 يونيو 2019 (رويترز)

بتهديده بضم غرينلاند... ترمب يعزّز مقاربة بوتين حيال أوكرانيا

تشكّل تهديدات دونالد ترمب بضم غرينلاند وبنما وكندا، سابقة تقوّي وضعية بوتين «المفترسة» لأوكرانيا، وفق تحليل في صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدثان خلال اجتماع ثنائي بقمة زعماء مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

الكرملين: لا تحضيرات بعد لاجتماع بوتين وترمب

قال الكرملين، الاثنين، إنه لا توجد تحضيرات محددة حتى الآن لعقد اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا جندي من لواء العمليات الثالث عشر «خارتيا» التابع للحرس الوطني الأوكراني يطلق مدفع هاوتزر من طراز «دي - 30» باتجاه قوات روسية في موقع على خط المواجهة (رويترز)

روسيا تعلن السيطرة على حي شيفتشينكو بشرق أوكرانيا

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم السبت، إن الجيش سيطر على حي شيفتشينكو في منطقة دونيتسك بشرق أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ بايدن يؤكد أن بوتين في «وضع صعب»

بايدن يؤكد أن بوتين في «وضع صعب»

أكد الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في «وضع صعب»، بعد أن فرضت واشنطن ولندن عقوبات جديدة ومنسقة على قطاع الطاقة الروسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)

زيلينسكي يشيد بحزمة العقوبات «الأكبر» ضد قطاع النفط الروسي

رحّب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الجمعة، بالعقوبات الأميركية الجديدة على قطاع النفط وأسطول ناقلاته في روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)

لوائح أميركية للسيطرة على تدفقات رقائق الذكاء الاصطناعي حول العالم... ماذا نعرف عنها؟

تضع اللوائح حداً أقصى لعدد رقائق الذكاء الاصطناعي التي يمكن لواشنطن تصديرها (رويترز)
تضع اللوائح حداً أقصى لعدد رقائق الذكاء الاصطناعي التي يمكن لواشنطن تصديرها (رويترز)
TT

لوائح أميركية للسيطرة على تدفقات رقائق الذكاء الاصطناعي حول العالم... ماذا نعرف عنها؟

تضع اللوائح حداً أقصى لعدد رقائق الذكاء الاصطناعي التي يمكن لواشنطن تصديرها (رويترز)
تضع اللوائح حداً أقصى لعدد رقائق الذكاء الاصطناعي التي يمكن لواشنطن تصديرها (رويترز)

أعلنت واشنطن، اليوم (الاثنين)، أنها ستصدر لوائح جديدة تهدف إلى التحكم في وصول الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم إلى رقائق وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المصممة في الولايات المتحدة.

ووفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء، ستنظم اللوائح تدفق رقائق الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الأميركية اللازمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الأكثر تطوراً، فماذا نعرف عن هذه اللائحة؟

تقسيم العالم إلى 3 مستويات

قالت الحكومة الأميركية، الاثنين، إنها ستفرض المزيد من القيود على صادرات رقائق الذكاء الاصطناعي وتقنياتها بغرض ضمان الحفاظ على الهيمنة في مجال الحوسبة للولايات المتحدة وحلفائها، مع إيجاد المزيد من السبل لحرمان الصين من الوصول إليها.

وتضع اللوائح الجديدة حداً أقصى لعدد رقائق الذكاء الاصطناعي التي يمكن تصديرها إلى معظم البلدان، وتسمح بالوصول غير المحدود إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأميركية لأقرب حلفاء واشنطن، مع الإبقاء أيضاً على حظر الصادرات إلى دول أخرى.

وتتجاوز التدابير الجديدة المُسهبة التي تم الكشف عنها في الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن مجرد فرض قيود على الصين، وتهدف إلى مساعدة الولايات المتحدة في الحفاظ على مكانتها المهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال التحكم فيه حول العالم.

وتقسم اللوائح العالم إلى 3 مستويات. وسيتم إعفاء 18 دولة من القواعد برمتها. وسوف يكون لنحو 120 دولة أخرى، من بينها إسرائيل، قيود خاصة بكل دولة. فيما سيتم منع الدول الخاضعة لحظر أسلحة مثل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية من تلقي التكنولوجيا تماماً.

وجاءت الدول التي تم إعفاؤها من هذه القيود كالتالي: أستراليا، وبلجيكا، وبريطانيا، وكندا، والدنمارك، وفنلندا، وفرنسا، وألمانيا، وآيرلندا، وإيطاليا، واليابان، وهولندا، ونيوزيلندا، والنرويج، وكوريا الجنوبية، وإسبانيا، والسويد، وتايوان، بالإضافة إلى الولايات المتحدة.

ما هي الرقائق المحظورة؟

تقيّد اللوائح تصدير الرقائق المعروفة باسم «وحدات معالجة الرسومات» أو (GPUs)، وهي معالِجات متخصصة تم إنشاؤها في الأصل لتسريع عرض الرسومات. وعلى الرغم من أنها معروفة بدورها في الألعاب، فإن قدرة وحدات معالجة الرسومات، مثل تلك التي تصنعها شركة «إنفيديا» الرائدة في الصناعة ومقرها الولايات المتحدة، على معالجة أجزاء مختلفة من البيانات في وقت واحد، جعلتها ذات قيمة للتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي.

على سبيل المثال، تم تدريب «تشات جي بي تي» الخاص بشركة «أوبن إيه آي» وتحسينه على عشرات الآلاف من وحدات معالجة الرسومات. ويعتمد عدد وحدات معالجة الرسومات اللازمة لنموذج الذكاء الاصطناعي على مدى تقدم وحدة معالجة الرسومات، وكم البيانات المستخدمة لتدريب النموذج، وحجم النموذج نفسه، والوقت الذي يريد المطور قضاءه في تدريبه.

هل هناك استثناءات؟

نعم. إذا طلب المشتري كميات صغيرة من وحدات معالجة الرسومات، فلن يتم احتسابها ضمن الحدود القصوى، وستتطلب فقط إخطاراً حكومياً، وليس ترخيصاً.

وقالت الولايات المتحدة إن معظم طلبات الرقائق تقل عن الحد المسموح به، خاصة تلك التي تقدمها الجامعات والمؤسسات الطبية والمنظمات البحثية. وهناك أيضاً استثناءات لوحدات معالجة الرسومات للألعاب.

إدارة ترمب

وسيكون بمقدور الشركات الكبرى المتخصصة في تقديم خدمات الحوسبة السحابية، مثل «مايكروسوفت» و«غوغل» و«أمازون»، الحصول على تراخيص عالمية لبناء مراكز بيانات، وهو جزء مهم من القواعد الجديدة التي ستعفي مشاريعها من حصص رقائق الذكاء الاصطناعي المخصصة للدول. وللحصول على تصاريح الموافقة، يتعيّن على الشركات المصرح لها الالتزام بشروط وقيود صارمة، بما في ذلك متطلبات الأمان ومتطلبات تقديم التقارير، وأن يكون لديها خطة أو سجل حافل من احترام حقوق الإنسان.

ورغم أنه من غير الواضح كيف ستنفذ إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب القواعد الجديدة، فإن الإدارتين تشتركان في وجهات النظر بشأن التهديد الذي تمثله المنافسة مع الصين. ومن المقرر أن تدخل اللوائح حيز التنفيذ بعد 120 يوماً من النشر، مما يمنح إدارة ترمب وقتاً لإعادة تقييمها.

ويمكن أن تتسع استخدامات الذكاء الاصطناعي لتصل بشكل أكبر إلى الرعاية الصحية والتعليم والغذاء وغير ذلك، لكنها يمكن أيضاً أن تُساعد في تطوير الأسلحة البيولوجية وغيرها والمساعدة في شن هجمات إلكترونية ودعم أنشطة التجسس، إلى غير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان.