شابتان لبنانيتان ترفعان روح الصداقة بالشعر والكولاج

يارا الخوري ورنا علوش تناضلان من أجل «الإرادة المنتصرة»

رنا علوش ويارا الخوري
رنا علوش ويارا الخوري
TT

شابتان لبنانيتان ترفعان روح الصداقة بالشعر والكولاج

رنا علوش ويارا الخوري
رنا علوش ويارا الخوري

يارا الخوري ورنا علوش صديقتان لبنانيتان شغوفتان بالفنون. الأولى تكتب الشعر وتلاحق إيقاعات الرقص المعاصر، والثانية تبتكر بالكولاج. قبل سنوات، اقترحت يارا على رنا إصدار كتاب يحتضن الشغفين: القصيدة والرسم؛ ومن ثَم شطبتا الفكرة عن أجندة التنفيذ الفوري. مر وقت ليتجدد الاقتراح بصورة معاكسة، فتوافق يارا بحماسة على إصرار رنا، كأنها لم تكن صاحبة الفكرة! من التقاء الروحين، يولد كتاب «بلا عنوان» (كولاج وقصائد على ورق 12*16)، المُراد منه التشبه بلوحة يقتنيها متفرج بعد الإعجاب بها.
لم تشعر يارا الخوري بالانتماء إلى مقاعد قسم الاقتصاد، لتلمح خيالات من أحلامها تتنزه في كلية الفنون الجميلة بالجامعة اللبنانية، حيث درست المسرح. لحقت بتلك الظلال، فوجدت في الرقص الحركي فسحة تعبير تُضاف إلى الكتابة الشعرية، عرابة تأملات الحياة. على الضفة الأخرى، التقت برنا علوش، طالبة الفنون التشكيلية، ونشأت صداقة امتدت إلى التآخي الفكري وولدت نقاشات.


غلاف الكتاب

تجزم يارا الخوري بأن الانسجام الثقافي لا يحدث بالهين ولا تنتج عنه دائماً أعمال إبداعية فيها من روح الطرفين وهويتهما. تتدخل غالباً أهواء وأنانيات وتنقطع جسور توصل إلى الذروة الجمالية: «الصداقة المتوغلة في الهم الثقافي، التي ينجم عنها عطاء فكري موحد، تقريباً نادرة».
تعرف الخوري عن نفسها بأنها مؤدية وكاتبة، ترى الشعر والأداء فنين غاية في الالتحام، فـ«التجربة الشعرية لا تكتمل من دون قراءتي القصيدة على منبر أمام الناس. حين أفعل ويصغون إلي، أشعر باللحظة الكاملة». بدأت التحضير لكتاب لم تعلم تماماً موعد ولادته في عام 2017، هي ابنة الشمال اللبناني، عرفت بيروت أخيراً وتفتحت بينهما أسئلة المكان ووقعه على المبدع.
بعد التنقيح، راحت علوش تُدخل الكولاج على القصيدة. يخبران «الشرق الأوسط» عن قدرة الصداقة على إغداق زخم فني ينتهي بمنجز يمثلهما معاً، تماماً كما يمثل كل شابة بذاتها على حدة. وفق الفنانة التشكيلية، فإن «إدراك أحاسيس الذين نحبهم يُسهل انسياب الأفكار الخلاقة حين تتعلق بهم، مما لا ينساب كما هو، بفائق فرديته، حين يكون الطرف المعني غريباً».
تسيطر المدينة على روحية الكتاب، فانتقال صاحبة الخواطر من الريف إلى العاصمة عرفها على نفسها، وأخرج منها أفكاراً لم تألفها من قبل. القصائد، واحدة تلو الأخرى، تلقفتها علوش من منظور شخصي وأرفقتها بالكولاج المُعبر. كعلاقتها الشخصية مع الرسم، ترى يارا الخوري الشعر وسيلة تعبير فردية عن الذات، على عكس الوثائقي مثلاً، وهو نوع فني، لكنه يحتمل بعض «الموضوعية» حيال النظرة إلى الأشخاص والحياة: «كانت أمامي أسئلة من دون إجابات، فكتبتُ قصائد من دون عناوين. فكرة المكان طاغية، يستحيل ردعها حين تكون بيروت هي المعنية في الكتابة. تعرفي إليها وضعني أمام شخص مختلف عني، فبت كبعضها».
قد تكون قصة الشابتين اللبنانيتين عادية، كواحدة من قصص صداقات خارج الأضواء، تنشأ فتتصاعد نحو الجمال. ما يجعلها تستحق اجتياز الدروب إلى الآخرين هو انبثاقها البسيط، تقريباً، من الـ«لا شيء». تولي يارا الخوري طباعة قصائدها بخط يدها، وسكب رنا علوش الكولاج المُضفي معاني إنسانية، يجعلان من منجزهما الصادر عن «دار فكر للأبحاث والنشر» ومضة فكرية جديرة بالضوء.
تضع الخوري بالكتابة والنشر نقطة أخيرة على فصل حياة لتختبر فصلاً آخر: «أستعدُ لسفر مدته الأولية سنة قابلة للتمديد. نشر الكتاب في نهاية الصيف الحالي يمنحني شعوراً بختام مرحلة». اللافت أن القصيدة الأخيرة هي وحدها المعنونة وسط خواطر من دون عنوان. إنها قصيدة بيروت، سبقت ولادتُها الانفجار، فتعمدت كاتبتها الختام بها كإشارة إلى أننا جميعاً تائهون بلا عناوين منذ الفجيعة.
تستعيد رنا علوش صعوبة واجهتها خلال ابتكار الكولاج: «بعض الصور لها حقوق نشر وبعضها ضعيف الجودة. كان خيالي مُفرطاً في الإبحار إلى حيث لا بر له للرسو في الواقع. لذا توصلت إلى الكولاج الأقرب من الأفكار. حافظت على هوية القصائد وتمسكت بهويتي لدى إسقاط الصور. حين نظرنا إلى الكتاب لمحت صداقتنا ترسم ابتسامة عريضة».
لا تدعي الفنانتان ما يزيد على ترجمة الشغف العفوي؛ وتستعملان، منعاً لاحتمال المبالغة، لفظ «Art Piece» أو«Art Work» عوض كلمة كتاب. صوتهما واحد: «إنه شيء من عشق الفن سكبناه على ورق. كما اللوحة، لمتعة النظر والاحتفال بالجمالية، كذلك ما أنجزناه لقراءة رقيقة ومزاج صوري صادق».
أمام محبين ومهتمين، قرأت يارا من قصائدها بعد صدور الكتاب في «رواق» منطقة مار مخايل. لم تكن المرة الأولى التي تُلقي فيها الشعر أمام العامة، لكنه الضوء الأول المسلط على عملها وصديقتها. كأن الفسحة في تلك اللحظة كانت لهما، عوض تقاسمها مع متذوقي القصائد بصوتها.
في لبنان، يصبح العمل العفوي ببساطته مادة للأمل، إن وُلد بصدق وطموح. المشهدية ليست ضخمة، ولا هي لأسماء تحتل الصفحات. إنها شكل آخر من أشكال النضال من أجل الجدوى، والإرادة المنتصرة على السقوط الحر نحو القعر.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

تركي آل الشيخ: مبادرة الزواج الجماعي ستكون حافزاً لمراحل مقبلة في مناطق السعودية

تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه خلال الحفل (واس)
تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه خلال الحفل (واس)
TT

تركي آل الشيخ: مبادرة الزواج الجماعي ستكون حافزاً لمراحل مقبلة في مناطق السعودية

تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه خلال الحفل (واس)
تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه خلال الحفل (واس)

أكد المستشار تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه، أن «مبادرة الزواج الجماعي» التي تم الإعلان عنها تمثل حافزاً لمراحل إضافية خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن هذه المبادرة تعكس أن «موسم الرياض» ليس مجرد واجهة سياحية وترفيهية فحسب، بل يمثل مسؤولية اجتماعية ذات أهمية كبيرة.

تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه خلال الحفل (واس)

ودعا آل الشيخ جميع الجهات والأفراد للمساهمة في هذه المبادرة التي تمثل مسؤولية اجتماعية مهمة، يستفيد منها أبناء وبنات الوطن، وتنعكس بشكل إيجابي على حياتهم ومستقبلهم.

جاء ذلك على هامش رعايته، مساء الثلاثاء، حفل توقيع عدد من الاتفاقيات مع عدد من الجهات المشاركة في «الزواج الجماعي»، الذي سيقام على أكبر مسرحين من مسارح منطقة بوليفارد سيتي، في يناير (كانون الثاني) المقبل، حيث سيكون مسرح أبو بكر سالم قاعة لزواج الرجال، فيما سيكون مسرح محمد عبده أرينا قاعة لزواج النساء.

وأوضح رئيس الهيئة العامة للترفيه، في كلمة ألقاها عقب توقيع الاتفاقيات، أن هذه الليلة تُعد محطة مهمة في تاريخ «موسم الرياض»، حيث تعكس عادات وتقاليد ديننا الحنيف، وقيم الشعب السعودي في مجال المسؤولية الاجتماعية.

وأشار إلى أن الفكرة التي بدأت صغيرة قبل نحو شهرين، ستنطلق رسمياً في يناير المقبل بمشاركة 600 شاب وشابة سعوديين، ليبدأوا حياتهم في خدمة الوطن واستكمال نصف دينهم.

جانب من توقيع رئيس هيئة الترفيه مع وزير الإسكان (واس)

ووقّع المستشار تركي آل الشيخ، ووزير البلديات والإسكان، رئيس مجلس أمناء مؤسسة «سكن»، ماجد بن عبد الله الحقيل، اتفاقية تنص على تلقي التبرعات من كبار المانحين والشركاء والأفراد والداعمين لتمكين المستفيدين من «مبادرة الزواج الجماعي»، ضمن «موسم الرياض»، والاستفادة من منصة «جود الإسكان» لتوفير الوحدات السكنية للمتزوجين، وذلك وفق الاشتراطات المطلوبة لدى برنامج «سكني».

وفي هذه الجزئية، أوضح المستشار أن المستفيدين من المبادرة «سيبدأون حياتهم بسكن ومهر جاهز، إلى جانب حفل زفاف كبير، وخدمات إنترنت مجانية لمدة عام»، وغيرها من الخدمات.

ولفت رئيس الهيئة العامة للترفيه إلى أن المبادرة ستبدأ بهذا العدد على أن تكون حافزاً لمراحل ثانية وثالثة تطبق في مختلف مناطق السعودية، وتابع: «أدعو الجميع أن نبادر لبدء خطوة أخرى بعد شهر رمضان المبارك، وأن تكون عادة غير منقطعة، موسم الرياض ليس فقط واجهة سياحية وترفيهية وثقافية ورياضة، ولكن مسؤولية اجتماعية مهمة».

المستشار تركي آل الشيخ رئيس الهيئة العامة للترفيه (هيئة الترفيه)

كما وقّع الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للترفيه، المهندس فيصل بافرط، مع مجموعة الاتصالات السعودية (STC) التي مثلها الرئيس التنفيذي للمجموعة، المهندس عليان بن محمد الوتيد، حيث سيتم توفير خدمة الإنترنت المجاني لمستفيدي حفل الزواج لمدة عام.

فيما تم توقيع اتفاقية مع البنك السعودي الفرنسي (BSF) ممثلاً بالرئيس التنفيذي للبنك بدر السلوم، يقدم بموجبها دعماً مادياً بقيمة مليون ريال.

المستشار تركي آل الشيخ أكد أن مبادرة الزواج الجماعي ستكون حافزاً لمراحل مقبلة في مناطق السعودية (واس)

وتم توقيع اتفاقية مع شركة «عجلان وإخوانه»، ممثلة بعجلان بن محمد العجلان، الرئيس التنفيذي للمجموعة، توفر بموجبها هدايا تزيد قيمتها على مليوني ريال.

كما جرى توقيع اتفاقية مع مجموعة شركات «أبو الحسن للتجارة والاستثمار»، ممثلة بمدير تطوير الأعمال في المجموعة، فهد المانع.

المستشار تركي آل الشيخ وماجد الحقيل عقب توقيع الاتفاقية (واس)

كما تم خلال مراسم حفل التوقيع حضور عدد كبير من الشركات التي أسهمت في تقديم الخدمات للأزواج في هذه المناسبة الخيرية الكبرى، حيث قدّمت شركات الضيافة العشاء، وديكورات الحفل، وفستان وبشوت الأزواج، إضافة إلى العطور والبخور، وخدمات الحلاقة والتزيين للأزواج، وتحليل ما قبل الزواج، والشاي والقهوة، ودورات الإرشاد والتنمية الأسرية.