علماء يكشفون تقاليد الطهي في العصر الحجري الحديث

علماء يكشفون تقاليد الطهي في العصر الحجري الحديث
TT

علماء يكشفون تقاليد الطهي في العصر الحجري الحديث

علماء يكشفون تقاليد الطهي في العصر الحجري الحديث

كشف فريق من العلماء بقيادة جامعة بريستول خلال دراسة جديدة نشرت بمجلة Nature Communications عن رؤى جديدة مثيرة للاهتمام حول النظام الغذائي للأشخاص الذين يعيشون ببريطانيا في العصر الحجري الحديث، ووجدوا أدلة على أن الحبوب، بما في ذلك القمح، تم طهيها في أواني.
وباستخدام التحليل الكيميائي للفخار القديم والمحفوظ جيدًا والموجود في المياه المحيطة بالجزر الصناعية الصغيرة المسماة كرانوجز باسكتلندا، تمكن الفريق من تمييز أن الحبوب تم طهيها في أواني وخلطها مع منتجات الألبان وأحيانًا اللحوم، وربما يتم إنتاجها مبكرًا. وان هناك أشكالا من العصيدة والحساء. فقد اكتشفوا أيضًا أن الأشخاص الذين يزورون هذه الأفران استخدموا أواني أصغر لطهي الحبوب بالحليب وأواني أكبر لأطباق اللحوم، وذلك وفق ما ذكر موقع «Eurekalert» العلمي المتخصص.
وحسب الموقع، يعود تاريخ زراعة الحبوب في بريطانيا إلى حوالى 4000 سنة قبل الميلاد من قبل المزارعين المهاجرين من أوروبا القارية. ويتضح هذا من خلال استعادة بعض الحبوب المحفوظة والمخلفات الأخرى الموجودة في مواقع العصر الحجري الحديث، والتي غالبًا ما تكون متفرقة.
وفي هذا الوقت تم إدخال الفخار أيضًا إلى بريطانيا؛ وهناك أدلة واسعة النطاق على المنتجات المستأنسة مثل منتجات الألبان في بصمات الدهون الجزيئية المستخرجة من نسيج هذه الأواني. ومع ذلك، باستثناء الدخن، لم يكن من الممكن حتى الآن اكتشاف الآثار الجزيئية للحبوب المصاحبة في هذه البصمات الدهنية، على الرغم من أنها أصبحت عنصرًا أساسيًا يهيمن على اقتصاد الكفاف العالمي اليوم.
وقد أظهر التحليل المنشور سابقًا للفخار الروماني من Vindolanda (جدار هادريان) أن علامات الدهون المحددة للحبوب يمكن أن يبقى أثرها ممتصا في الفخار الأثري المحفوظ في ظروف مشبعة بالمياه، ويمكن اكتشافها من خلال نهج عالي الحساسية. ولكن الأهم من ذلك أن هذا كان عمره 2000 عام فقط. ومن السياقات التي كان من المعروف أن الحبوب كانت موجودة فيها، تظهر النتائج الجديدة التي تم الإبلاغ عنها الآن أنه يمكن الحفاظ على المؤشرات الحيوية للحبوب لآلاف السنين في ظل ظروف مواتية.
وهناك عنصر رائع آخر في هذا البحث يتجلى بحقيقة أن العديد من الأواني التي تم تحليلها كانت سليمة ومزخرفة، ما قد يشير إلى أنه ربما كان لها نوع من الأغراض الاحتفالية.
ونظرًا لأن الوظيفة الفعلية للكرانوجز نفسها ليست مفهومة تمامًا حتى الآن (مع كون بعضها صغيرًا جدًا بالنسبة لشغل دائم)، فإن البحث يوفر رؤى جديدة حول الطرق الممكنة لاستخدام هذه الإنشاءات.
وأثناء التحليل، تم اكتشاف المؤشرات الحيوية للحبوب على نطاق واسع (ثلث الأواني)، ما يوفر أقدم دليل جزيئي حيوي للحبوب في بقايا الفخار الممتصة في هذه المنطقة.
كما تشير النتائج إلى أن القمح كان يتم طهيه في أواني، على الرغم من حقيقة أن الأدلة المحدودة من أجزاء النبات المتفحمة في هذه المنطقة من المحيط الأطلسي في اسكتلندا تشير بشكل أساسي إلى الشعير. وقد يكون هذا بسبب نقص تمثيل القمح في بقايا النباتات المتفحمة؛ حيث يمكن تحضيرها بشكل مختلف (على سبيل المثال، غليها كجزء من اليخنة)، بحيث لا يتم تفحمها بانتظام أو بسبب ممارسات طهي غير معتادة.
وفي هذا الاطار، ارتبطت علامات الحبوب ارتباطًا وثيقًا بمخلفات الدهون لمنتجات الألبان في الأواني، ما يشير إلى أنها قد تكون مطبوخة معًا كعصيدة أساسها الحليب.
قاد البحث الدكتوران سايمون هامان ولوسي كرامب من قسم الأنثروبولوجيا والآثار بجامعة بريستول.
من جانبه، يقول الدكتور هامان «من المثير للغاية أن نرى أن المؤشرات الحيوية للحبوب الموجودة في الأواني يمكن أن تعيش في الواقع بظل ظروف مواتية في عينات من وقت إدخال الحبوب (والفخار) في بريطانيا. يمكن لطريقتنا الجزيئية القائمة على الدهون أن تكمل الطرق النباتية الأثرية للتحقيق في إدخال وانتشار زراعة الحبوب».
بدوره يوضح الدكتور كرامب «يمنحنا هذا البحث نافذة على تقاليد الطهي للمزارعين الأوائل الذين عاشوا في الطرف الشمالي الغربي من أوروبا، والذين لم تُفهم طرق حياتهم كثيرًا. إنه يعطينا أول لمحة عن أنواع الممارسات التي ارتبطت بهذه المواقع الغامضة للجزيرة».
جدير بالذكر، أن مواقع كرانجوز في أوتر هيبريدس هي حاليًا محور مشروع «جزر الحجر» الممول من مجلس أبحاث الفنون والعلوم الإنسانية لمدة أربع سنوات، ويديره اثنان من مؤلفي الأوراق البحثية (دنكان جارو وفريزر ستورت من جامعة ريدينغ) جنبًا إلى جنب مع أنجيلا جانون مع جامعة ساوثهامبتون المهتمة بالبيئة التاريخية في اسكتلندا.
ولتوضيح هذا الأمر أكثر، يقول البروفيسور جارو «لقد أدى هذا البحث، الذي أجراه زملاؤنا في جامعة بريستول، إلى تحسين معرفتنا بشكل كبير بهذه المواقع من خلال العديد من الطرق المثيرة. نحن نتطلع بشدة إلى تطوير هذا البحث التعاوني من الآن فصاعدًا».
وتتمثل المرحلة التالية من البحث بجامعة بريستول في استكشاف العلاقة بين هذه الجزر ومواقع احتلال العصر الحجري الحديث الأخرى في المنطقة الهبريدية وخارجها، بالإضافة إلى دراسة مقارنة أكثر شمولاً لاستخدام أشكال الأوعية المختلفة من خلال بقايا الدهون الباقية. إذ تشكل هذه الأسئلة جزءًا من مجلس أبحاث الفنون والعلوم الإنسانية المستمر (منحة الدكتوراه الممولة من شراكة تدريب الدكتوراه جنوب غربي وويلز).


مقالات ذات صلة

المتحف المصري الكبير يحتفي بالفنون التراثية والحِرف اليدوية

يوميات الشرق المتحف المصري الكبير يضم آلافاً من القطع الأثرية (الشرق الأوسط)

المتحف المصري الكبير يحتفي بالفنون التراثية والحِرف اليدوية

في إطار التشغيل التجريبي للمتحف المصري الكبير بالجيزة (غرب القاهرة) أقيمت فعالية «تأثير الإبداع» التي تضمنت احتفاءً بالفنون التراثية والحِرف اليدوية.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج بجنوب مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق جزء من التجهيز يظهر مجموعة الرؤوس (جناح نهاد السعيد)

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

لا شيء يمنع الفنان الموهوب ألفريد طرزي، وهو يركّب «النشيد» المُهدى إلى عائلته، من أن يستخدم ما يراه مناسباً، من تركة الأهل، ليشيّد لذكراهم هذا العمل الفني.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
المشرق العربي الضربات الجوية الإسرائيلية لامست آثار قلعة بعلبك تسببت في تهديم أحد حيطانها الخارجية وفي الصورة المعبد الروماني
(إ.ب.أ)

«اليونيسكو» تحذر إسرائيل من استهداف آثار لبنان

أثمرت الجهود اللبنانية والتعبئة الدولية في دفع منظمة اليونيسكو إلى تحذير إسرائيل من تهديد الآثار اللبنانية.

ميشال أبونجم (باريس)

«العلاقات المشوهة» تجلب الانتقادات لصناع «وتر حساس» في مصر

لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
TT

«العلاقات المشوهة» تجلب الانتقادات لصناع «وتر حساس» في مصر

لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)

تعرَّضت بطلات المسلسل المصري «وتر حساس»، الذي يُعرَض حالياً، لانتقادات على «السوشيال ميديا»؛ بسبب ما وصفها البعض بـ«علاقات مشوهة»، ووصل الأمر إلى تقدم نائبة مصرية ببيان عاجل، طالبت خلاله بوقف عرض المسلسل.

وأثار العمل منذ بداية بثه على قنوات «ON» جدلاً واسعاً؛ بسبب تناوله قضايا اجتماعية عدّها مراقبون ومتابعون «شائكة»، مثل الخيانة الزوجية، والعلاقات العائلية المشوهة، وطالت التعليقات السلبية صناع العمل وأداء بطلاته.

وقالت النائبة مي رشدي، في البيان العاجل: «إن الدراما تعدّ إحدى أدوات القوة الناعمة في العصر الحديث، لما لها من دور كبير ومؤثر في رسم الصورة الذهنية للمجتمعات والشعوب سلباً أو إيجاباً لسرعة انتشارها، وهي انعكاس ومرآة للمجتمع».

وأضافت: «هناك عمل درامي (وتر حساس) يُعرَض هذه الأيام على شاشات القنوات التلفزيونية، يحتاج من المهمومين بالمجتمع المصري إلى تدخل عاجل بمنع عرض باقي حلقات هذا المسلسل؛ لما يتضمّنه من أحداث تسيء للمجتمع المصري بأسره؛ فهو حافل بالعلاقات غير المشروعة والأفكار غير السوية، ويخالف عاداتنا وتقاليدنا بوصفنا مجتمعاً شرقياً له قيمه الدينية».

وتدور أحداث المسلسل، المكون من 45 حلقة، حول 3 صديقات هن «كاميليا» إنجي المقدم، وابنة خالتها «سلمى» صبا مبارك، و«رغدة» هيدي كرم، وتقوم الأخيرة بإرسال صورة إلى كاميليا يظهر فيها زوجها «رشيد»، محمد علاء، وهو برفقة مجموعة فتيات في إحدى السهرات، في حين كانت «كاميليا» تشك في زوجها في ظل فتور العلاقة بينهما في الفترة الأخيرة.

صبا مبارك ومحمد علاء في مشهد من المسلسل (قناة ON)

بينما تغضب «سلمى» من تصرف «رغدة» وتؤكد أنها ستكون سبباً في «خراب بيت صديقتهما»، وعند مواجهة كاميليا لزوجها بالصورة ينكر خيانته لها، ويؤكد لها أنها سهرة عادية بين الأصدقاء.

وتتصاعد الأحداث حين يعترف رشيد بحبه لسلمى، ابنة خالة زوجته وصديقتها، وتتوالى الأحداث، ويتبدل موقف سلمى إلى النقيض، فتبلغه بحبها، وتوافق على الزواج منه؛ وذلك بعد أن تكتشف أن كاميليا كانت سبباً في تدبير مؤامرة ضدها في الماضي تسببت في موت زوجها الأول، الذي تزوجت بعده شخصاً مدمناً يدعى «علي»، وأنجبت منه ابنتها «غالية».

وتعرف كاميليا بزواج سلمى ورشيد، وتخوض الصديقتان حرباً شرسة للفوز به، بينما يتضح أن الزوج الثاني لسلمى لا يزال على قيد الحياة، لكنه كان قد سافر للخارج للعلاج من الإدمان، ويعود للمطالبة بابنته وأمواله.

ويتعمّق المسلسل، الذي يشارك في بطولته لطيفة فهمي، ومحمد على رزق، وأحمد طارق نور، ولبنى ونس، وتميم عبده، وإخراج وائل فرج، في خبايا النفس الإنسانية، وينتقل بالمشاهدين إلى قضايا اجتماعية مثل فكرة الانتقام، والتفريط في الشرف، وتدهور العلاقات بين الأقارب، وصراع امرأتين على رجل واحد.

وتعليقاً على التحرك البرلماني ضد المسلسل، عدّ الناقد المصري محمد كمال أن «الأمر لا يستدعي هذه الدرجة من التصعيد». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن العمل بالفعل مليء بالعلاقات المشوهة، التي لا تقتصر على الخيانة الزوجية، وإنما تمتد إلى خيانة علاقة الأقارب والأصدقاء فيما بينهم؛ فيظهر معظم أبطال العمل غير أسوياء، فالشخصية الرئيسة الثالثة في العمل (رغدة) تخون أيضاً صديقتيها سلمى وكاميليا، وكل ما تسعى وراءه هو جني المال، والإساءة إليهما!».

ويتابع كمال: «فاجأتنا الأحداث كذلك بأن طليق سلمى، ووالد ابنتها كان ولا يزال مدمناً، وكان قد عقد اتفاقاً معها في الماضي بتزوير أوراق تفيد بوفاته؛ كي يثير شفقة والده، ويكتب ثروته بالكامل لابنته غالية، ويسافر هو للعلاج، مع وعدٍ بأنه لن يرجع، وهو جانب آخر من الأفعال المنحرفة».

كاميليا وسلمى... الخيانة داخل العائلة الواحدة (قناة ON)

ويتابع: «وهكذا كل شخوص المسلسل باستثناءات قليلة للغاية، فهناك مَن اغتصب، وسرق، وخان، وقتل، وانتحر، لكن على الرغم من ذلك فإني أرفض فكرة وقف عمل درامي؛ لأن المجتمعات كلها بها نماذج مشوهة، والمجتمع المصري أكبر مِن أن يمسه أي عمل فني، كما أن الجمهور بات على وعي بأن ما يراه عملٌ من خيال المؤلف».

ويرى مؤلف العمل أمين جمال أن «المسلسل انعكاس للواقع»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن قضية احتدام الصراع أصبحت سمة غالبة على علاقات البشر عموماً، وموجودة في العالم كله، ولا يمكن أن تنفصل الدراما عن الواقع».

وتابع: «المسلسل يأتي في إطار درامي اجتماعي مشوق، لذلك نجح في أن يجتذب الجمهور، الذي ينتظر بعد عرض كل حلقة، الحلقة الجديدة في شغف، ويظهر ذلك في تعليقات المشاهدين على (السوشيال ميديا)».

وأشار إلى أنه «بالإضافة لتقديم الدراما المشوقة، في الوقت نفسه أحرص على تقديم رسائل مهمة بين السطور، مثل عدم الانخداع بالمظهر الخارجي للعلاقات؛ فقد تكون في واقع الأمر علاقات زائفة، على الرغم من بريقها، مثل تلك العلاقات التي تجمع بين أفراد العائلة في المسلسل، أو العلاقة بين الصديقات».

من جهتها، هاجمت الناقدة الفنية المصرية ماجدة خير الله المسلسل، وتساءلت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا هذا الحشد لذلك الكم الكبير من الخيانات بين الأزواج والأصدقاء والأقارب؟»، وقالت: «لست ضد أن تعرض الدراما أي موضوع أو قضية من قضايا المجتمع، على أن تقدم معالجة فنية بها قدر من التوازن بين الأبعاد المختلفة، لا أن تقتصر على جانب واحد فقط».

وعن القول إن العمل يقدم الواقع، تساءلت ماجدة: «هل هذا هو الواقع بالفعل؟ أم أن الواقع مليء بأشياء كثيرة بخلاف الخيانات وانهيار العلاقات بين الناس، التي تستحق مناقشتها في أعمالنا الدرامية، فلماذا يختار العمل تقديم زاوية واحدة فقط من الواقع؟».

وعدّت «التركيز على التشوهات في هذا العمل مزعجاً للغاية، وجعل منه مسلسلاً مظلماً».