يودع اليوم حي «القصاع الدمشقي» أحد أبرز أعلامه وأحد رواد الحداثة في الفن التشكيلي السوري الفنان التشكيلي إلياس زيات الملقب بأستاذ الفنانين، الذي توفي في بيروت يوم الأحد عن عمر ناهز 87 عاماً ويشيع جثمانه اليوم الثلاثاء من كنيسة الصليب بدمشق.
ونعت وزارة الثقافة مديرية الفنون الجميلة والوسط التشكيلي السوري الفنان التشكيلي السوري الكبير إلياس الزيات وأحد «الرواد الأوائل في تأسيس البداية الحقيقية للتشكيل السوري».
وبدورهم نعى عشرات الفنانين السوريين عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي الفنان إلياس زيات، وكتب الفنان التشكيلي منير الشعراني: «الفنان الأستاذ إلياس زيات ظل معلماً لنا ورفيقاً منذ عرفته قبل أكثر من نصف قرن حتى فارقنا اليوم».
وأجمعت نعايا الفنانين على لقب الزيات بـ«الأستاذ والأب الحنون» للفنانين الشباب وذلك لمسيرته الطويلة في تدريس فن التصوير بكلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق منذ تأسيسها عام 1960، ليحصل عام 1980 على رتبة أستاذ قبل أن يشغل منصب رئيس قسم الفنون ووكيل الكلية للشؤون العلمية. وخلال عمله في الجامعة وضع كتاب (تقنية التصوير ومواده) لصالح كلية الفنون الجميلة الذي صدرت الطبعة الأولى منه عام 1981 - 1982.
ومثل الزيات جامعة دمشق في اتفاقية التعاون مع جامعة «لايدن» الهولندية لدراسة الفن في سوريا في الحقبتين البيزنطية والإسلامية وذلك لمدة أربع سنوات، أثمرت كتابه الصادر في لايدن عام 2000 باللغتين العربية والإنجليزية. كما عمل الزيات خبيراً في هيئة الموسوعة العربية في سوريا لتحقيق موضوعات العمارة والفنون منذ عام 1995 - 2001، وحصل على الجائزة الدولية التقديرية بحفل أقيم في مكتبة الأسد الوطنية عام 2013.
واهتم الزيات بمخزون الموروث الثقافي السوري وتمكن ببراعة لافتة من خلال بحثه الدؤوب بالتأسيس للوحة حداثية ذات هوية محلية، تستلهم من الحضارات القديمة في البلاد العربية، والأيقونات والأساطير بالتوازي مع عناية الإنسان في يومياته وعلاقته مع المدينة.
ويعد الزيات مرجعاً في تعريف الفن الكنسي، وترميم الأيقونات القديمة، حيث احترف الرسم الأيقوني بعد قيامه بدراسات إضافية عام 1973 وتدربه على تقنيات الترميم (كيمياء الألوان) في أكاديمية الفنون الجميلة وفي متحف الفنون التطبيقية في بودابست عاصمة المجر. ولا تزال أعماله الجدارية اللافتة وأيقوناته تزين أكبر كنائس مدينة دمشق؛ حيث اهتم بالأيقونة الشرقية بالذات، واستلهم طريقة الأداء وبعض الجمل التعبيرية من الشكل الفني للأيقونة الشرقية الذي كان سائداً في القرن الثالث الميلادي التي سبقت الأيقونة البيزنطية، ليعيد صياغتها بأسلوبه الخاص كلوحة معاصرة.
والرسام إلياس الزيات الذي عُرف كباحث في الفن التشكيلي وُلد في دمشق عام 1935 في حارة الجوانية بحي باب توما، تعلم في مدارسها ونال شهادة الثانوية العامة من المدرسة الأرثوذكسية عام 1954 وتابع دراسة الرياضيات في جامعة دمشق عام 1954 - 1955، بالتزامن مع تعلمه فن الرسم على يد الفنان الرائد ميشيل كرشة بين عامي (1952 - 1955)، بعدها حصل على منحة من الحكومة السورية لدراسة الفنون الجميلة في أكاديمية صوفيا للفنون الجميلة في بلغاريا، وهناك تخصص بالتصوير الزيتي تحت إشراف الفنان إيليا بيتروفبين بين عامي (1956 - 1960)، بعد تخرجه التحق بكلية الفنون الجميلة في القاهرة، مصر عام 1961 وقام بدراسات إضافية متابعاً الفنان عبد العزيز درويش.
وعن مراحله الفنية في الخمسينات من القرن الماضي، يقول الزيات في لقاءات صحافية: «بعد الدراسة الأكاديمية تعمقت في دراسة الإنسان شكلاً ومضموناً وكنت أعالجها بشيء من الواقعية - الانطباعية، وألوان وحشية، ثم تحولت إلى التجريد لفترة قصيرة، وأفادني ذلك بمعرفة لغة التشكيل من حيث التكوين والألوان بصرف النظر عن المضمون، ثم اتجهت إلى التعبيرية في رسم الأشخاص بحركات قصيرة. وبخطوط سوداء على خلفيات لونية محايدة». وفي هذه المرحلة «لم أعد أنسب الجماليات لمعايير جمال الفن الغربي. وبت أفهم جماليات فنوننا القديمة المنعكسة في الرسم والنحت الجداري والخط العربي. وبدأت برسم ملامح من فنوننا القديمة التي تميل أكثر إلى التعبيرية، التي تشبعت بها وباتت جزءاً مني».