فيلم «عالم التلفزيون»... كامل الأذى واللهو

فؤاد يمّين كاتب «عالم التلفزيون» وبطله
فؤاد يمّين كاتب «عالم التلفزيون» وبطله
TT

فيلم «عالم التلفزيون»... كامل الأذى واللهو

فؤاد يمّين كاتب «عالم التلفزيون» وبطله
فؤاد يمّين كاتب «عالم التلفزيون» وبطله

الفترة التي رافقت عرض برنامج «Take Me Out، نقشت»، النسخة العربية من «الفورما» العالمية الشهيرة في دول حول العالم، تصاحبت بجدل لبناني ولَّد جبهتين: مع وضد. كان فؤاد يمّين، مقدّمه، قد أُخضع لجراحة «قص معدة» طاولت وزناً زائداً تخلّص منه؛ وبالشكل الجديد، طرأت تعديلات على صورته في أنظار بعض صنّاع التلفزيون، لزعم أنّ «الضعيف لا يُضحِك»، فأُبعد تقريباً عن الكوميديا. ذات ليلة، وبينما يأكل قطعاً من جبنة الحلوم في حانة، تقدّمت منتجة برامج لها وزنها واقترحت عليه ما قَلَب حياته.
الحكاية بوجهات نظر عدّة، يعرضها شريط «عالم التلفزيون - TV Society»، من كتابة يمّين وإخراج روبير كريمونا (عروض «شاهد» الأولى). كامل الأذى واللهو، بتناقضاتهما، وُضعا على الطاولة. وانقسم فريقان بين مُدين ومُؤيد. تغيّرت نظرة يمّين للأشياء منذ أن عرضت عليه المنتجة رامونا عازار (بيتي توتل) تقديم برنامج جريء يتيح للنساء اختيار الرجل وفق ما يناسبهنّ، لا ما يناسبه. يأتي ذلك بعد انكفاء مهني كضريبة لقراره الإطلالة بمظهر آخر. لم يدم رفضه للفكرة سوى ثوانٍ. المال والشهرة مغريان.
حلمَ فؤاد يمّين بالتمثيل منذ الطفولة. شيء مثل السحر، بوصفه، يلفحه برؤية الناس وراء الشاشة. لكنّ البدانة قلّمت أحلامه. بلغ الثلاثين بـ135 كيلوغراماً، فشقّت الجراحة أمامه فرصة نحو حياة يراها أفضل. نصحته المنتجة المعروفة بعدم التسرّع حين رمى في وجهها رفضه للفكرة. ظنّ أنه لن يتقن المواجهة والتصرّف تحت الضغط، وتذرّع للتهرّب برغبة هشّة في التفرّغ للمسرح وورش العمل، بعد صخب تلفزيوني قدّمه في برنامج «شي إن إن» الساخر يسبق الفراق بين الطرفين.
تؤدي رزان جمّال شخصية سارة، حبيبة فؤاد وزوجته. شابة مُرهفة، مُشعّة بالطموح. كان كل شيء بأفضل حال حين تزوّجا تحت تأثير الحب. تردّده يعاكس ثقتها بهدفها. وترنّحه في إصدار القرارات يناقض حسمها. يذلل القلبُ ما يعرقل الوفاق، فتُلهمه شجاعة التفكير خارج الصندوق، لكن الأمر حين يتعلق بأصداء البرنامج المسيئة والتعليقات الجارحة، يصبح خطراً يهدّد الهناء الزوجي ويكسر خلف المشاعر الفيّاضة جرّة.
من نقاش يبدأ «حضارياً» في المنزل، على طاولة الطعام بحضور العريسين، فؤاد وسارة، ويتحوّل مشحوناً بالغضب والكراهية، يمكن توقُّع ما يُحكى في الشارع فيُحدث ضجيجاً تتخلله شتائم وهتك أعراض. يصبح مقدّم برنامجٍ بطلاتُه شابات لبنانيات جريئات يقلن بالعلن ما يقوله آخرون في السرّ؛ واثقاً من المرافعة عن حق الجميع بالتعبير عن أنفسهم بطريقة يختارونها بقناعة. تعثّره أمام اتخاذ القرارات في الماضي وقبوله مرغَماً ما يُرضي الناس، يضرب بهما عرض الحائط ليدافع عمّا شكّل دائرة رفض واسعة.
في الفيلم وجهات نظر تعود لفؤاد يمّين بكونه المعنيّ بتقديم البرنامج وإضفاء ما أمكنه من عبارات ذات إيحاءات حرّكت الغضب، ولمدير المحطة والمنتجة، ثم مَن يعارض ويؤيّد، وأخيراً حكاية مشترِكة بعد طردها من منزلها وتعرّضها للعنف. ذلك كله يبتلعه فؤاد يمّين المتخبّط كموج يصفع الصخر. يُنصّب نفسه طرفاً في حماية أي امرأة ممن حولها. كان دافعه المال والشهرة، فأصبح الإفصاح عن قناعاته، ولو كلّفته الصراحة عداوة جماعية.
يتفجّر الوضع داخل منزله، مُنتقلاً من خارج مُشتعل تقلّبت جمراته على ألسنة مسؤولين في الوزارات فأطلقوا صرخات مُندّدة. أمكن فؤاد يمّين تحمّل «الحرب» ضدّ برنامجه (ضدّه) لو أنّ زوجته لم تشارك في قيادة الجبهة. يبلغ السجال أقصاه في لحظة ينقضّ فيها كل طرف على الآخر، مستخدماً لغة انتقامية لا تصلح لدوام العيش تحت سقف واحد. انتقاصه من طموحها واستخفافه بعرضها الراقص، فانتقاصها من أحلامه وإدانتها برنامجه التلفزيوني، يعيدان الأمور إلى نقطة السفر: كلٌّ في طريق وآلام النهايات.
إنه «عالم التلفزيون» المُستمدّ شراهته مما يُسمّى «الرايتينغ» وإن يسود الابتذال. لا تأبه المنتجة بإحساس مقدّم البرنامج بالتيه النفسي، فالكلمة لأرقام المشاهدات. بدمار زواجه وارتماء والده على سرير المستشفى إثر تفاقم إشكال عائلي رفضاً لـ«عار» البرنامج، يسيطر على فؤاد إحساس عميق بالذنب، لكنه بمباركة الأب يكبحه. الجميع ضدّه، وحدهما الوالدان في صفّه. منعطف بهذا الشكل يجعله يلمس انهيار عالمه، فلا يعود الفارق ملحوظاً بين الصح والخطأ.
يحاول كاتب الشريط وبطله التزام الحياد حيال ما يُسرد، وذلك صعب. إفساحه المجال لعرض الرأي الآخر لا يضعه في منطقة رمادية. هو حتماً في الموقف المحرج والخيار المُكلف. بناء الشريط على وقائع حقيقية مُطعّمة بدراما مُضافة، يجعله صادقاً فيما يقوله. يريد يمّين اعتذاراً علنياً مما حصل، يفتتح به الساعة والدقائق العشر مدّة «المرافعة». وهو لا يعتذر من أجل نفسه، ففي النهاية تعلّم الدرس واستفاد بشكل أو بآخر. يعتذر ممن آذاهم برنامجه ولم يستطع ردع الأذى.
السؤال المطروح حول «أي مجتمع نحلم به بعد ثلاثين عاماً؟»، لا ينفصل عن دور التلفزيون في صناعته والتأثير بتكوينه. المفارقة أنّ التلفزيون نفسه لن يكون بطل المرحلة المقبلة. يُنتج الضحايا ويتقاعد.


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
TT

عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

في حالة استثنائية تجسد عمق الالتزام والإرث الدبلوماسي، حملت أسرة بن زقر التجارية العريقة في مدينة جدة (غرب السعودية) شرف التمثيل القنصلي الفخري لجمهورية فنلندا عبر 3 أجيال متعاقبة، في مسيرة دبلوماسية وتجارية متواصلة امتدت لأكثر من 7 عقود.

بدأت القصة كما يرويها الحفيد سعيد بن زقر، في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما علم الجد سعيد بن زقر، بوجود جالية مسلمة في فنلندا تعاني من غياب مسجد يجمعهم، وهو ما دفعه إلى اتخاذ قرار بالسفر إلى هناك لبناء مسجد يخدم احتياجاتهم الدينية.

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

لكن الشيخ سعيد واجه بعض التحديات كما يقول الحفيد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، تتمثل في منع القانون الفنلندي تنفيذ المشروع في ذلك الوقت، وأضاف: «بعد تعثر بناء المسجد، تقدمت الجالية المسلمة هناك بطلب رسمي إلى الحكومة الفنلندية لتعيين الجد سعيد قنصلاً فخرياً يمثلهم، وهو ما تحقق لاحقاً بعد موافقة الحكومة السعودية على ذلك».

وفي وثيقة مؤرخة في السابع من شهر سبتمبر (أيلول) 1950، اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، تظهر موافقة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، على تعيين الشيخ سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة.

وجاء في الوثيقة: «فلما كان حضرة صاحب الفخامة رئيس جمهورية فنلندا، قد عيّن بتفويض منه السيد سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة، ولما كنا قد وافقنا على تعيينه بموجب ذلك التفويض، فأننا نبلغكم بإرادتنا هذه أن تتلقوا السيد سعيد بن زقر بالقبول والكرامة وتمكنوه من القيام بأعماله وتخوّلوه الحقوق المعتادة وتمنحوه المميزات المتعلقة بوظيفته».

وثيقة تعيين الجد سعيد بن زقر صادرة في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه (الشرق الأوسط)

وأضاف الحفيد سعيد، القنصل الفخري الحالي لفنلندا: «أعتقد أن جدي كان من أوائل القناصل الفخريين في جدة، حيث استمر في أداء مهامه حتى عام 1984، لينتقل المنصب بعد ذلك إلى والدي، الذي شغله حتى عام 2014، قبل أن يتم تعييني خلفاً له قنصلاً فخرياً».

وفي إجابته عن سؤال حول آلية تعيين القنصل الفخري، وما إذا كانت العملية تُعد إرثاً عائلياً، أوضح بن زقر قائلاً: «عملية التعيين تخضع لإجراءات دقيقة ومتعددة، وغالباً ما تكون معقدة، يبدأ الأمر بمقابلة سفير الدولة المعنية، يعقبها زيارة للدولة نفسها وإجراء عدد من المقابلات، قبل أن تقرر وزارة الخارجية في ذلك البلد منح الموافقة النهائية».

الأب محمد بن زقر عُين قنصلاً فخرياً على مستوى مناطق المملكة باستثناء الرياض مقر السفارة (الشرق الأوسط)

وتابع قائلاً: «منصب القنصل الفخري هو تكليف قبل أن يكون تشريفاً، حيث تلجأ بعض الدول إلى تعيين قناصل فخريين بدلاً من افتتاح قنصلية رسمية، لتجنب الأعباء المالية، وعادةً ما يتحمل القنصل الفخري كل التكاليف المترتبة على أداء مهامه».

ووفقاً للأعراف الدبلوماسية فإن لقب القنصل الفخري، هو شخص من مواطني الدولة الموفد إليها، بحيث تكلفه الدولة الموفِدة التي لا توجد لديها تمثيل دبلوماسي بوظائف قنصلية إضافة إلى عمله الاعتيادي الذي عادة ما يكون متصلاً بالتجارة والاقتصاد.

يسعى الحفيد سعيد بن زقر إلى مواصلة إرث عائلته العريق في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين السعودية وفنلندا، والارتقاء بها إلى مستويات متقدمة في شتى المجالات. يقول بن زقر: «منذ تعييني في عام 2014، حرصت على تأسيس شركات وإيجاد فرص استثمارية في فنلندا، خصوصاً في مجالات تكنولوجيا الغذاء والوصفات الصناعية، إذ تتميز فنلندا بعقول هندسية من الطراز الأول، وهو ما يفتح آفاقاً واسعة للتعاون والابتكار».

الحفيد سعيد بن زقر القنصل الفخري الحالي لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

ويرى القنصل الفخري لجمهورية فنلندا أن هناك انفتاحاً سعودياً ملحوظاً على دول شمال أوروبا، ومن بينها فنلندا، وأوضح قائلاً: «تتركز الجهود بشكل كبير على شركات التعدين الفنلندية التي تُعد من بين الأكثر تقدماً في العالم، إلى جانب وجود فرص واعدة لم تُستغل بعدُ في مجالات صناعة السيارات، والطائرات، والصناعات الدفاعية».

وفي ختام حديثه، أشار سعيد بن زقر إلى أن القنصل الفخري لا يتمتع بجواز دبلوماسي أو حصانة دبلوماسية، وإنما تُمنح له بطاقة تحمل مسمى «قنصل فخري» صادرة عن وزارة الخارجية، وبيّن أن هذه البطاقة تهدف إلى تسهيل أداء مهامه بما يتوافق مع لوائح وزارة الخارجية والأنظمة المعتمدة للقناصل الفخريين بشكل رسمي.