ليبيا: مهاجرون عابرون يفرون من الفقر إلى «الموت غرقاً»

قوات الأمن تعترض بعضهم في البر والبحر وتعيد احتجازهم

انتشال جثث لمهاجرين تقاذفتهم الأمواج إلى الشاطئ الليبي (جمعية الهلال الأحمر بطرابلس)
انتشال جثث لمهاجرين تقاذفتهم الأمواج إلى الشاطئ الليبي (جمعية الهلال الأحمر بطرابلس)
TT

ليبيا: مهاجرون عابرون يفرون من الفقر إلى «الموت غرقاً»

انتشال جثث لمهاجرين تقاذفتهم الأمواج إلى الشاطئ الليبي (جمعية الهلال الأحمر بطرابلس)
انتشال جثث لمهاجرين تقاذفتهم الأمواج إلى الشاطئ الليبي (جمعية الهلال الأحمر بطرابلس)

تفرض الظروف الاستثنائية على فرق المتطوعين بجمعية الهلال الأحمر في ليبيا بذل مزيد من الجهد للعمل على تنقية الشاطئ من الجثث التي تتقاذفها أمواج البحر المتوسط من وقت لآخر إلى الشاطئ.
ويغافل مئات المهاجرين غير النظاميين، الفارين من بلدانهم عبر ليبيا، قوات الشرطة وأمن السواحل، ويتسربون بشكل شبه معتاد، إلى مياه البحر، فينجح بعضهم في الوصل إلى الشاطئ الأوروبي، بينما يسقط آخرون في قبضة الدوريات البحرية، أو يغرقون في البحر، فتعيد الأمواج جثثهم إلى الشاطئ الليبي.
وتقول المنظمة الدولية للهجرة، إنه تم اعتراض 1216 مهاجراً غير نظامي في البحر المتوسط، خلال الفترة من 21 إلى 27 أغسطس (آب) الماضي، وإعادتهم إلى موانئ الزاوية وطرابلس والماية والجبل الأخضر وبنغازي من قوات حرس السواحل.
وأعلنت جمعية الهلال الأحمر الليبي فرع طرابلس، مساء أمس، أن فريق انتشال الجثث التابع لها الذي تصفه بـ«رجال المهام الصعبة» انتشلوا جثماناً لرجل مجهول الهوية، قذفته الأمواج على شاطئ البحر القريب من جزيرة سوق الثلاثاء بطرابلس، وتم تسلميه لجهاز الإسعاف والطوارئ.
ولكثرة الجثث التي تتقاذفها الأمواج، سبق للمجلس البلدي قصر الأخيار، (75 كيلومتراً شرق العاصمة طرابلس)، مطالبة السلطات التدخل لإنقاذ المواطنين الذين «اضطروا لترك منازلهم ومزارعهم نتيجة انتشار الجثث الملقاة على شواطئ البحر في فصل الصيف».
وقالت إدارة أمن السواحل في حينها، إنها «انتشلت ست جثث لمهاجرين غير نظاميين، وتم نقلهم إلى المستشفى، بعد إبلاغ الشرطة».
وقال مصدر أمني بجهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة بطرابلس، لـ«الشرق الأوسط»، اليوم، إن قوات الإدارة العامة لأمن السواحل أنقذت أكثر من 300 مهاجر كان يستقلون زورقين في عرض البحر، مشيراً إلى أنه تم انتشال 214 مهاجراً، من بينهم 11 امرأة وثلاثة أطفال ينتمون لجنسيات أفريقية وعربية، كما تم إنقاذ 116 آخرين في ذات اليوم.
ولفت إلى أن القوات نقلت المهاجرين إلى نقطة الإنزال بميناء طرابلس، بحضور ممثلي المنظمة الدولية للهجرة، وتم تسلميهم تباعاً لجهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة بطرابلس.
وانتهى المصدر الأمني إلى أن الأجهزة الأمنية «تعمل على التصدي لتدفقات واسعة للمهاجرين، الذين يدفعهم الفقر في بلدانهم، إلى الإلقاء بأنفسهم في البحر رغم المخاطر الجمّة، مع احتمالات تعرضهم للغرق»، مدللاً على ذلك بأنهم «ينقذون أشخاصاً من الغرق، ويتضح لهم بعد فحصهم أمنياً أنهم خاضوا التجربة ذاتها قبل عام مثلاً».
وأعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة المؤقتة مساء أمس، أن أحد الزوارق التابعة للإدارة العامة لأمن السواحل، نجح من إنقاذ 56 مهاجراً غير شرعي من جنسيات عربية، شمال مدينة زوارة، بـ(غرب ليبيا)، لافتاً إلى أنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية كافة.
وتنشط في ليبيا مافيا «الاتجار في البشر»، مما يجعل التصدي لعمليات تهريب المهاجرين غير النظاميين عبر الحدود المترامية مسألة «بـالغة الصعوبة»، وفقاً لمسؤولين أمنيين.
وعلى الرغم من اعتماد الاتحاد الأوروبي والنيجر خطة مشتركة للتصدي لتدفق المهاجرين إلى السواحل الليبية بقصد الوصول إلى الشواطئ الأوروبية، فإن السلطات الأمنية الليبية تقول إن مئات المهاجرين من جنسيات أفريقية لا يزالون يتدفقون على البلاد. وعادةً ما تتقطع السبل، بمهاجرين من دول أفريقية فيقضون «جوعاً وعطشاً» على أطراف الصحراء الليبية أو عبر الحدود المجاورة. وكانت النيجر قد أعلنت قبل شهر عن العثور على عشر جثث لمهاجرين وسط الصحراء، في بلدة ديركو شمال النيجر بالقرب من الحدود الليبية.
وتؤكد الأجهزة الأمنية والعسكرية في ليبيا، أنها تعمل دائماً على مطاردة العصابات المتاجرة في البشر. وقال «اللواء 444 قتال» التابع لمنطقة طرابلس العسكرية، إنه اقتحم منتصف الأسبوع، وكراً تستخدمه إحدى العصابات الخارجة عن القانون للخطف والتعذيب في مدينة بني وليد (شمال غربي ليبيا).
وتحدث اللواء عن نجاح قواته في «تحرير» خمسة مصريين كانوا مخطوفين، بعد تعرضهم «لأشدّ أنواع الضرب والتعذيب، ومساومة عائلاتهم على دفع مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم».
وتعيد الأجهزة الأمنية المهاجرين العائدين من البحر إلى مراكز الإيواء المنتشرة بغرب البلاد، لكنّ منظمات دولية، ومجلس الأمن الدولي دائماً ما يطالب السلطات في البلاد بضرورة إغلاق هذه المراكز، و«معالجة الأسباب الجذرية لتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

غضب بين أنصار القذافي لاتهامه بالتسبب في «ضياع ليبيا»

الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي (إ.ب.أ)
الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي (إ.ب.أ)
TT

غضب بين أنصار القذافي لاتهامه بالتسبب في «ضياع ليبيا»

الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي (إ.ب.أ)
الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي (إ.ب.أ)

سادت حالة من الغضب بين أنصار الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، بعد اتهامه بـ«التسبب في ضياع ليبيا، من دون تحقيق شيء لشعبها».

ومكث القذافي في الحكم نحو 42 عاماً، وقُتل إثر اندلاع ثورة شعبية عام 2011، ورغم مرور ما يزيد على 13 عاماً على إسقاط حكمه، فإنه لا يزال مثار جدل بين مؤيدين يرون أنه «أنشأ دولة ذات مقومات»، وآخرين يحمّلونه مسؤولية «انهيار ليبيا وتراجعها».

جانب من لقاء بالقاسم حفتر في جامعة وادي الشاطئ في يوليو 2024 (الجامعة)

وكان بالقاسم حفتر، «مدير صندوق إعادة إعمار ليبيا»، يتحدث عن القذافي في إطار نقاش عام خلال زيارة سابقة إلى جامعة وادي الشاطئ (جنوباً) في يوليو (تموز) الماضي، وتطرق إلى وضع منطقة جنوب البلاد البائس، وقال إنه (القذافي) «لم يقدم شيئاً وأضاع عمر ليبيا».

جانب من لقاء بالقاسم حفتر في جامعة وادي الشاطئ في يوليو 2024 (الجامعة)

وأعاد مقطع فيديو تصريحات بالقاسم حفتر، التي مضى عليها 5 أشهر، إلى واجهة الأحداث، ما أثار حفيظة قطاع واسع من أنصار القذافي، وعدّها الدكتور عقيلة دلهوم، رئيس اللجنة الحقوقية والإعلامية لهانيبال القذافي، «تطاولاً» على الرئيس الراحل.

وقال في تصريح مطوّل إن القذافي «قدم لشعبه الحرية والسيادة الحقيقية، وترجم مفاهيم العدالة المجتمعية والديمقراطية»، بالإضافة إلى «حقول النفط والغاز وأرصدة المال والذهب».

وفي معرض رده على بالقاسم، عدّد دلهوم إنجازات القذافي على مدار 4 عقود، وقال إنه «لم يدمر ليبيا»، مستعرضاً ما تركه، بداية من «25 جامعة حكومية ومعاهد ومدارس»، بالإضافة إلى «أطول شبكة للطرق البرية في أفريقيا»، و«أكبر أسطول جوي بمطاراته».

فنيون خلال عملية صيانة بمسار «النهر الصناعي» في ليبيا (إدارة النهر الصناعي)

وتطرق دلهوم إلى «مشاريع القذافي الكبرى»، وقال إنه «أنشأ أعظم نهر صناعي عظيم، واستصلح عشرات الآلاف من الهكتارات والمشاريع الزراعية الإنتاجية التي أسهمت في تحقيق الاكتفاء الذاتي».

ولا تزال سيرة القذافي حاضرة في الاجتماعات والمنتديات، وبين فئات شبابية من أطياف متباينة لم تعاصر حكمه أو تشهد أيامه، يستحضرونه ويهتفون له.

وزيارة بالقاسم حفتر إلى جامعة وادي الشاطئ، التي اصطحب فيها اللواء المبروك سحبان، آمر المنطقة العسكرية الجنوبية، جاءت في إطار «جهود صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، لتعزيز التنمية المستدامة والنهوض بالبنية التحتية التعليمية في ليبيا».

والغضب الذي أحدثته تصريحات بالقاسم حفتر، تصاعد في أوساط المؤيدين للنظام السابق، ودفع سعد السنوسي البرعصي، القيادي في «التيار الداعم لسيف الإسلام القذافي» إلى القول إن «الزعيم التاريخي أكبر من أن ينال منه أحد»، مخاطباً بالقاسم: «إذا أرادت أن تعيش حاضرك اليوم فعليك عدم إنكار الماضي وبكل حقيقة».

ومضى البرعصي مدافعاً عن حقبة الرئيس الراحل، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «عندما جاءت (ثورة الفاتح العظيم) كان الجنوب الليبي نسياً منسياً مهمشاً».

ورداً على أن القذافي «أضاع عمر ليبيا، ولم يحقق شيئاً»، قال البرعصي إن الزعيم «ترك إنجازات في الجنوب؛ والمشاريع الزراعية الممتدة على رقعة الصحراء خير شاهد على ما فعله».

فنيون داخل أنبوب النهر الصناعي أثناء عملية صيانة سابقة (إدارة النهر الصناعي)

كما تحدث عن وحدات سكنية وطرق، مذكّراً بمشروع «النهر الصناعي العظيم» الممتد من الجنوب إلى الشمال وبنغازي بالشرق، متسائلاً: «أليس هذا خير شاهد؟»، و«كيف يأتي اليوم مَن يتحدث بعكس ذلك؟!».

ويعد «النهر الصناعي» المصدر الرئيسي للمياه النقية لغالبية الليبيين، ويوصف بأنه «أضخم مشروع لنقل المياه الجوفية في العالم»، بتكلفة بلغت حينها 35 مليار دولار، في حين كانت البلاد سابقاً تعتمد على محطات تحلية المياه وعلى طبقات المياه الجوفية القريبة من الساحل.

والعلاقة بين أنصار القذافي خصوصاً المؤيدين لنجله سيف الإسلام، وقائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، يسودها التوتر في أوقات كثيرة، لا سيما في مدينة سرت التي سبق واشتكى هؤلاء من «التضييق عليهم» من حفتر وقواته.

وينضوي كثير من شباب القبائل الموالية للقذافي في صفوف «الجيش الوطني» الذي يبسط سيطرته على شرق ليبيا ومناطق عدة بجنوبها.

ولا يزال ليبيون يرون أيضاً أن القذافي حكم ليبيا بـ«الديكتاتورية ورسّخ لحكم الفرد؛ وما تشهده البلاد راهناً نتيجة حتمية لما خلفه من إهدار لثرواتها، وإقصائه لمعارضيه».