مستجدات العلاج الخلوي والجيني

أحدث الإنجازات العالمية والإقليمية

مستجدات العلاج الخلوي والجيني
TT

مستجدات العلاج الخلوي والجيني

مستجدات العلاج الخلوي والجيني

العلاج الخلوي Cellular Therapy (CT) هو زرع الخلايا البشرية لاستبدال أو إصلاح الأنسجة و- أو الخلايا التالفة. ومع التقنيات الجديدة والمنتجات المبتكرة والخيال اللامحدود، أمكن استخدام الكثير من أنواع الخلايا المختلفة كجزء من علاج مجموعة متنوعة من الأمراض والحالات. وتشمل بعض الخلايا التي يمكن استخدامها: الخلايا الجذعية المكونة للدم (hematopoietic)، والخلايا الجذعية للعضلات الهيكلية (skeletal)، والخلايا الجذعية الوسيطة (mesenchymal)، والخلايا الليمفاوية، والخلايا التغصنية (dendritic)، وخلايا جزر البنكرياس.
ومع تطور البحوث، سيتم تطوير أنواع مختلفة من الخلايا إلى علاجات، كعلاجات خلوية جديدة ودراستها للتطبيقات المحتملة. وتعد زراعة الخلايا الجذعية المكونة للدم (وتسمى أيضاً زرع نخاع العظم) العلاج الخلوي الأكثر استخداماً وتستخدم لعلاج مجموعة متنوعة من سرطانات الدم وأمراض الدم.
تشمل التطبيقات المحتملة للعلاجات الخلوية علاج السرطان، وأمراض المناعة الذاتية، ومشكلات المسالك البولية، والأمراض المعدية، وإعادة بناء الغضاريف التالفة في المفاصل، وإصلاح إصابات الحبل الشوكي، وتحسين نظام المناعة الضعيف، ومساعدة المرضى الذين يعانون من اضطرابات عصبية، وفقاً للمنظمة الدولية لجمعية النهوض بالدم والعلاجات الحيوية (Association for the Advancement of Blood & Biotherapies, AABB).

- علاج خلوي
كيف يتم العلاج الخلوي؟ يقوم الباحثون بزراعة الخلايا الجذعية في المختبر، حيث تتم معالجتها لتتخصص في أنواع معينة من الخلايا، مثل خلايا عضلة القلب أو خلايا الدم أو الخلايا العصبية، ومن ثم يمكن زرع هذه الخلايا المتخصصة في الإنسان.
حالياً، تتكون منتجات الخلايا الجذعية الوحيدة المعتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) للاستخدام في الولايات المتحدة من الخلايا الجذعية المكونة للدم (المعروفة أيضاً باسم الخلايا السلفية progenitor cells المكونة للدم) والمشتقة من دم الحبل السري.
• منتجات العلاج الخلوي. ينظم مركز التقييم والبحوث البيولوجية (CBER) منتجات العلاج الخلوي والعلاج الجيني البشري وبعض الأجهزة المتعلقة بالعلاج بهما. يستخدم (CBER) كلاً من قانون خدمات الصحة العامة والقانون الفيدرالي للأدوية ومستحضرات التجميل كقوانين تمكينية للرقابة.
تشمل منتجات العلاج الخلوي العلاجات المناعية الخلوية ولقاحات السرطان وأنواع أخرى من الخلايا الذاتية autologous والخلايا الخيفية allogeneic لبعض المؤشرات العلاجية، بما في ذلك الخلايا الجذعية المكونة للدم والخلايا الجذعية البالغة والجنينية.

- العلاج الجيني
• العلاج الجيني البشري. يسعى إلى تعديل أو معالجة تعبير الجين أو تغيير الخصائص البيولوجية للخلايا الحية للاستخدام العلاجي. يستمر البحث والتطوير المتعلق بالعلاج الخلوي والجيني في الولايات المتحدة في النمو بمعدل سريع، مع تقدم عدد من المنتجات في التطور السريري. بالإضافة إلى الإشراف التنظيمي على الدراسات السريرية، فإن مركز (CBER) يقدم مشورة علمية وتنظيمية استباقية للباحثين الطبيين والمصنعين في مجال تطوير المنتجات الجديدة.
• الجينات والخلايا وكيفية تفاعلها. ترتبط الجينات والخلايا ارتباطاً وثيقاً، حيث يوجد داخل خلايا أجسامنا آلاف الجينات التي توفر المعلومات لإنتاج بروتينات معينة تساعد في تكوين الخلايا. أما الخلايا فهي اللبنات الأساسية لكل الكائنات الحية، فجسم الإنسان يتكون من تريليونات منها.
توفر الجينات المعلومات التي تجعل الخلايا المختلفة تقوم بأشياء مختلفة. تشكل مجموعات من الكثير من الخلايا أنسجة وأعضاء الجسم، بما في ذلك العضلات والعظام والدم. الأنسجة والأعضاء بدورها تدعم جميع وظائف الجسم.
• ما دور العلاج الجيني؟ تلعب الجينات الموجودة في خلايا الجسم دوراً رئيسياً في المحافظة على الصحة. في الواقع، يمكن للجين أو الجينات المعيبة أن تتسبب في الأمراض. وإدراكاً لذلك، عمل العلماء لعقود على محاولة تعديل الجينات أو تغيير الجينات المعيبة لأخرى صحيحة لعلاج أو منع مرض أو حالة طبية. ويؤتي هذا البحث ثماره، حيث تعمل التطورات في العلوم والتكنولوجيا على تغيير الطريقة التي نحدد بها المرض ونطور الأدوية ونصف العلاجات.
وقد وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) على الكثير من منتجات العلاج الجيني للسرطان ومؤشرات الأمراض النادرة.
• كيف يعمل العلاج الجيني؟ في بعض الأحيان يكون الجين كله أو جزءاً منه معيباً أو مفقوداً منذ الولادة، ويشار إلى هذا على أنه طفرة وراثية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للجينات الصحيحة أن تتغير على مدار حياتنا. يمكن أن تحدث هذه الطفرات المكتسبة بسبب التعرض البيئي. الخبر السار هو أن معظم هذه التغيرات الجينية (الطفرات) لا تسبب المرض. لكن بعض الطفرات الموروثة والمكتسبة يمكن أن تسبب اضطرابات في النمو وأمراضاً عصبية وسرطاناً.
اعتماداً على سبب الطفرة، يمكن للعلماء القيام بأشياء كثيرة في العلاج الجيني:
• استبدال الجين المفقود أو الذي سبب المشكلة.
• إضافة جينات إلى الجسم للمساعدة في علاج المرض.
• أو إيقاف عمل الجينات التي تسبب المشكلات.
لإدخال جينات جديدة مباشرةً في الخلايا، يستخدم العلماء وسيلة تسمى «ناقل vector» يتم تصميمه وراثياً لتوصيل الجينات اللازمة لعلاج المرض. ويجب أن تكون النواقل قادرة على توصيل المواد الجينية بكفاءة إلى الخلايا.
هناك أنواع مختلفة من النواقل، وتعد الفيروسات حالياً أكثرها شيوعاً في العلاجات الجينية لأنها تتمتع بقدرة طبيعية على توصيل المواد الجينية إلى الخلايا. وقبل استخدام الفيروسات لنقل الجينات العلاجية إلى الخلايا البشرية، يتم تعديلها لإزالة قدرتها على التسبب في مرض معدٍ.
يمكن استخدام العلاج الجيني لتعديل الخلايا داخل الجسم أو خارجه. عند الاستخدام داخل الجسم، يقوم الطبيب بحقن الناقل الذي يحمل الجين مباشرةً في المريض. أما عند الاستخدام خارج الجسم، فيأخذ الطبيب الدم أو نخاع العظام أو نسيجاً آخر إلى المختبر ليفصل أنواعاً معينة من الخلايا، يُدخل فيها الناقل الذي يحتوي على الجين المطلوب. تُحقن الخلايا لاحقاً في المريض، حيث يتم استخدام الجين الجديد لإنتاج التأثير المطلوب.
• هل العلاج الجيني سالم وفعال؟ قبل أن يتم تسويق العلاج الجيني للاستخدام في البشر، يجب اختبار المنتج في الدراسات السريرية للتأكد من سلامته وفاعليته حتى يتمكن علماء إدارة الغذاء والدواء من النظر فيما إذا كانت مخاطر العلاج مقبولة بالنظر إلى الفوائد المرجوة. يتسم المجال العلمي لمنتجات العلاج الجيني بخطى سريعة وتطور سريع -مما يبشر بنهج جديد لعلاج فقدان البصر والسرطان والأمراض الخطيرة والنادرة الأخرى. مع استمرار العلماء في تحقيق خطوات كبيرة في هذا العلاج، تلتزم إدارة الغذاء والدواء بالمساعدة في تسريع التطوير من خلال التفاعل مع تلك المنتجات المطورة ومن خلال المراجعة السريعة للعلاجات الرائدة التي لديها القدرة على إنقاذ الأرواح.

- مستجدات العلاج
وفيما يلي آخر المستجدات في العلاج الخلوي والجيني:
• أولاً- على المستوى العالمي. اعتماد أول علاج جيني قائم على الخلايا لعلاج مرضى ثلاسيميا - بيتا المحتاجين إلى نقل دم منتظم، إذ وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية، أخيراً، في يوم 17 أغسطس (آب) 2022 على أول علاج جيني قائم على الخلايا لعلاج المرضى البالغين والأطفال المصابين بالثلاسيميا بيتا (Beta - thalassemia) والذين يحتاجون إلى عمليات نقل منتظمة لخلايا الدم الحمراء، وهو عقار «زينتيغلو Zynteglo (betibeglogene autotemcel)». ووفقاً لتصريح الدكتور بيتر ماركس (Peter Marks)، مدير مركز تقييم وأبحاث البيولوجيا التابع لإدارة الغذاء والدواء في التقرير الذي نُشر في موقع (FDA)، فإن هذه الموافقة التزام من إدارة الغذاء والدواء بدعم تطوير العلاجات المبتكرة للمرضى الذين لديهم خيارات علاج محدودة، وتُعد تقدماً مهماً في علاج ثلاسيميا - بيتا، لا سيما لدى الأفراد الذين يحتاجون إلى عمليات نقل مستمرة لخلايا الدم الحمراء والمضاعفات الصحية المرتبطة بهذا المرض الخطير.
وثلاسيميا - بيتا هي نوع من اضطرابات الدم الموروثة التي تسبب انخفاض الهيموغلوبين الطبيعي وخلايا الدم الحمراء في الدم، من خلال الطفرات في وحدة بيتا - غلوبين الفرعية، مما يؤدي إلى عدم كفاية توصيل الأكسجين في الجسم. يمكن أن يؤدي انخفاض مستويات خلايا الدم الحمراء إلى عدد من المشكلات الصحية بما في ذلك الدوخة والضعف والإرهاق وتشوهات العظام ومضاعفات أكثر خطورة. وتتطلب ثلاسيميا - بيتا المعتمدة على نقل الدم، وهي أشد أشكال المرض، عموماً عمليات نقل خلايا الدم الحمراء مدى الحياة كمسار قياسي للعلاج. يمكن أن ترتبط عمليات النقل المنتظمة هذه بمضاعفات صحية متعددة خاصة بها، بما في ذلك مشكلات في القلب والكبد والأعضاء الأخرى بسبب التراكم المفرط للحديد في الجسم.
«زينتيغلو Zynteglo» هو علاج جيني يُعطى كجرعة وحيدة ولمرة واحدة. وكل جرعة هي علاج مخصص يتم إنشاؤه باستخدام خلايا المريض (الخلايا الجذعية لنخاع العظم) المعدلة وراثياً لإنتاج بيتا غلوبين وظيفي، وهو جزء من الهيموغلوبين.
تم إثبات سلامة وفاعلية العقار في دراستين سريريتين متعددتي المراكز شملت المرضى البالغين والأطفال المصابين بالثلاسيميا - بيتا التي تتطلب عمليات نقل منتظمة. تم تحديد الفاعلية بناءً على تحقيق استقلالية نقل الدم، والتي يتم تحقيقها عندما يحافظ المريض على مستوى محدد مسبقاً من الهيموغلوبين دون الحاجة إلى أي عمليات نقل خلايا الدم الحمراء لمدة 12 شهراً على الأقل. وأظهرت الدراستان استقلالية نقل الدم بنسبة 89%.
ونظراً لوجود خطر محتمل للإصابة بسرطان الدم المرتبط بهذا العلاج؛ رغم عدم ظهور أي حالات في الدراستين، فقد تمت التوصية بأن يخضع المرضى الذين يتلقون «زينتيغلو Zynteglo» لمراقبة دمهم لمدة 15 عاماً على الأقل بحثاً عن أي دليل على الإصابة بالسرطان، ويجب أيضاً مراقبة المرضى بحثاً عن تفاعلات فرط الحساسية ومراقبة قلة الصفائح والنزيف في أثناء إعطاء العلاج.
• ثانياً- على المستوى المحلي والإقليمي. اعتماد أول برنامج علاج خلوي في المملكة. وفي إنجاز كبير، حصل برنامج زراعة الخلايا الجذعية في مدينة الملك عبد العزيز الطبية بالرياض في الأول من شهر يوليو (تموز) من هذا العام 2022 على اعتماد الجودة من المنظمة العالمية لاعتماد «العلاج الخلوي Foundation for the Accreditation of Cellular Therapy» (FACT)، والذي نُشر في موقع المنظمة (factglobal.org) في 16 أغسطس 2022. وبذلك، يُعد برنامج العلاج الخلوي الأول والوحيد في المملكة الذي تم الاعتراف به من المنظمة العالمية (FACT)، كما تُعد مدينة الملك عبد العزيز الطبية بالرياض أول مركز في المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط يحصل على هذا الاعتماد، في زراعة الخلايا السلفية (Progenitor) المكونة لدم البالغين والأطفال والمكونة للدم الخيفي (Allogeneic) وذاتي المنشأ (Autologous)، ومجموعة منتجات العلاج الخلوي للنخاع والدم المحيطي الطرفي، ومعالجة منتجات العلاج الخلوي.
يشمل هذا الاعتراف برنامج زراعة الخلايا الجذعية وما يتضمنه من زراعة الخلايا الجذعية للكبار وللأطفال ومركز تجميع الخلايا الجذعية طرفياً أو من نخاع العظم بالإضافة إلى معالجتها في مختبرات المركز المتقدمة.
ويعد اعتماد (FACT) مرجعاً دولياً قائماً على الأدلة لأفضل الممارسات التي وضعتها الجمعيات الدولية للعلاج بالخلايا الجذعية والجينات وزراعة الأعضاء. وتخضع المراكز التي تسعى للحصول على الاعتماد لعمليات تقييم شاملة لضمان معايير طبية ومخبرية عالية الجودة في العلاج الخلوي. وهذا الإنجاز يؤكد التزام الشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني بالتميز السريري من خلال فريق عمل من ذوي المهارات العالية والبنية التحتية الحيوية ونظام قوي لضمان أفضل جودة للرعاية والنتائج للمرضى، وفقاً للجمعية السعودية لزراعة خلايا الدم الجذعية (SSBMT).
وهنأ الدكتور فيليس واركنتين (Dr. Phyllis Warkentin)، كبير المسؤولين الطبيين في مؤسسة (FACT) ورئيس لجنة الاعتماد، الفريق والقادة في المركز على هذا الإنجاز، وأضاف أن تحقيق اعتماد (FACT) يتطلب التفاني والمثابرة، ويثبت أن طاقم العمل في المركز قد وضعوا برنامجاً عالي الجودة في العلاج الخلوي المكون للدم وزرع الأعضاء.
* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

الذكاء الاصطناعي قد يتنبأ بتفاقم أمراض الرئة قبل أسبوع من ظهور الأعراض

صحتك الذكاء الاصطناعي يمكنه التنبؤ بدقة بحدوث تفاقم في الأعراض قبل ما يصل إلى 7 أيام من بدء ظهورها (رويترز)

الذكاء الاصطناعي قد يتنبأ بتفاقم أمراض الرئة قبل أسبوع من ظهور الأعراض

كشفت دراسة أن تحليل عينات البول باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يتنبأ بتعرض المصابين بالانسداد الرئوي المزمن لتفاقم أعراض مرضهم، قبل أسبوع من ظهور الأعراض.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك شعار «شات جي بي تي» يظهر أمام شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

هل يساعد «شات جي بي تي» الأطباء حقاً في تشخيص الأمراض؟ الإجابة مفاجئة

يتساءل الكثير من الأشخاص حول ما إذا كان برنامج الدردشة الآلي الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي قادراً على مساعدة الأطباء في تشخيص مرضاهم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك تدخل المغذيات الهوائية إلى أجسامنا عن طريق امتصاصها من خلال شبكات من الأوعية الدموية الدقيقة (أرشيفية - أ.ف.ب)

أجسامنا تمتص الفيتامينات من الهواء... ماذا نعرف عن «المغذيات الجوية»؟

يستنشق الإنسان نحو 9 آلاف لتر من الهواء يومياً و438 مليون لتر في العمر، ومن بينها مغذيات جوية. فماذا نعرف عنها؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك «نوفمبر»... شهر التوعية بسرطان الفم

«نوفمبر»... شهر التوعية بسرطان الفم

الذكاء الاصطناعي لرصد سرطانات الشفاه واللسان والخد.

د. عميد خالد عبد الحميد (الرياض)

أجسامنا تمتص الفيتامينات من الهواء... ماذا نعرف عن «المغذيات الجوية»؟

تدخل المغذيات الهوائية إلى أجسامنا عن طريق امتصاصها من خلال شبكات من الأوعية الدموية الدقيقة (أرشيفية - أ.ف.ب)
تدخل المغذيات الهوائية إلى أجسامنا عن طريق امتصاصها من خلال شبكات من الأوعية الدموية الدقيقة (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

أجسامنا تمتص الفيتامينات من الهواء... ماذا نعرف عن «المغذيات الجوية»؟

تدخل المغذيات الهوائية إلى أجسامنا عن طريق امتصاصها من خلال شبكات من الأوعية الدموية الدقيقة (أرشيفية - أ.ف.ب)
تدخل المغذيات الهوائية إلى أجسامنا عن طريق امتصاصها من خلال شبكات من الأوعية الدموية الدقيقة (أرشيفية - أ.ف.ب)

هل تعلم ذلك الشعور الذي ينتابك عندما تستنشق هواءً نقياً في الطبيعة؟ قد يكون الأمر أكثر من مجرد نقص بسيط في التلوث.

وعندما نفكر في العناصر الغذائية، فإننا نفكر في الأشياء التي نحصل عليها من نظامنا الغذائي. لكن نظرة متأنية على الدراسات العلمية تظهر أن هناك أدلة قوية على أن البشر يمكنهم أيضاً امتصاص بعض العناصر الغذائية من الهواء.

في مقال جديد نُشر في مجلة «أدفانسيس إن نيوتريشن»، أُطلق على هذه العناصر الغذائية المستنشقة «العناصر الغذائية الهوائية» - لتمييزها عن «العناصر الغذائية المعوية» التي تمتصها الأمعاء.

وأفاد موقع «ساينس ألرت» المهتم بالأخبار العلمية أن التنفس يكمل نظامنا الغذائي بالعناصر الغذائية الأساسية مثل اليود والزنك والمنجنيز وبعض الفيتامينات، وأن هذه الفكرة مدعومة بقوة بالأبحاث المنشورة.

التنفس مستمر

ويستنشق الإنسان نحو 9 آلاف لتر من الهواء يومياً و438 مليون لتر في العمر. وعلى عكس الأكل، لا يتوقف التنفس أبداً. ويتراكم تعرضنا لمكونات الهواء، حتى في تركيزات صغيرة جداً، بمرور الوقت.

وحتى الآن، ركَّزت أغلب الأبحاث حول التأثيرات الصحية للهواء على التلوث. وينصبّ التركيز على تصفية ما هو ضار، بدلاً مما قد يكون مفيداً. كما أن نَفساً واحداً يحتوي على كميات ضئيلة من العناصر الغذائية، لم يكن يبدو ذا معنى.

ولآلاف السنين، كانت الثقافات المختلفة تقدر الطبيعة والهواء النقي باعتبارهما صحيين. ويُظهِر مفهومنا للمغذيات الجوية أن هذه الآراء مدعومة بالعلم. على سبيل المثال، الأكسجين هو من الناحية الفنية مادة مغذية - مادة كيميائية «يحتاج إليها الجسم للحفاظ على الوظائف الأساسية»، ويميل الباحثون إلى الإشارة إليه بهذه الطريقة لأننا نتنفسه، بدلاً من تناوله.

كيف تعمل المغذيات الهوائية؟

تدخل المغذيات الهوائية إلى أجسامنا عن طريق امتصاصها من خلال شبكات من الأوعية الدموية الدقيقة في الأنف والرئتين والظهارة الشمية (المنطقة التي يتم فيها اكتشاف الرائحة) والبلعوم الفموي (الجزء الخلفي من الحلق).

ويمكن للرئتين امتصاص جزيئات أكبر بكثير من الأمعاء - 260 مرة أكبر، على وجه التحديد. يتم امتصاص هذه الجزيئات سليمة في مجرى الدم والدماغ.

كما تدخل الأدوية التي يمكن استنشاقها (مثل الكوكايين والنيكوتين والمخدرات، على سبيل المثال لا الحصر) الجسم في غضون ثوانٍ. إنها فعالة عند تركيزات أقل بكثير مما قد يكون مطلوباً إذا تم تناولها عن طريق الفم.

في المقابل، تقوم الأمعاء بتفكيك المواد إلى أصغر أجزائها باستخدام الإنزيمات والأحماض. بمجرد دخولها إلى مجرى الدم، يتم استقلابها وإزالة السموم منها بواسطة الكبد.

الأمعاء رائعة في استيعاب النشويات والسكريات والأحماض الأمينية، لكنها ليست رائعة في استيعاب فئات معينة من الأدوية. في الواقع، يعمل العلماء بشكل مستمر على تحسين الأدوية حتى نتمكن من تناولها عن طريق الفم بشكل فعال.

أدلة منذ عقود من الزمان

ووجدت الأبحاث التي أجريت في ستينات القرن العشرين أن عمال الغسل المعرضين لليود في الهواء لديهم مستويات أعلى من اليود في دمائهم وبولهم.

وفي الآونة الأخيرة، درس الباحثون في آيرلندا أطفال المدارس الذين يعيشون بالقرب من المناطق الساحلية الغنية بالأعشاب البحرية، حيث كانت مستويات غاز اليود في الغلاف الجوي أعلى بكثير. كان لدى هؤلاء الأطفال كمية أكبر بكثير من اليود في بولهم، وكانوا أقل عرضة لنقص اليود من أولئك الذين يعيشون في المناطق الساحلية أو المناطق الريفية ذات الأعشاب البحرية المنخفضة. لم تكن هناك اختلافات في اليود في نظامهم الغذائي، وهذا يشير إلى أن اليود المحمول جواً - خصوصاً في الأماكن التي تحتوي على الكثير من الأعشاب البحرية - يمكن أن يساعد في تكملة اليود الغذائي. وهذا يجعله مغذياً جوياً قد يمتصه أجسامنا من خلال التنفس.

ويمكن أن يدخل المنجنيز والزنك إلى المخ من خلال الخلايا العصبية التي تستشعر الرائحة في الأنف. فمثلاً، المنجنيز عنصر غذائي أساسي، لكن الكثير منه يمكن أن يضرّ المخ، ويظهر هذا لدى عمال اللحام، الذين يتعرّضون لمستويات عالية من الهواء ويعانون تراكم مستويات ضارة من المنجنيز.

وأفاد الموقع بأن الأهداب (الهياكل الشبيهة بالشعر) في الجهاز الشمي والجهاز التنفسي تحتوي على مستقبلات خاصة يمكنها الارتباط بمجموعة من المغذيات الجوية المحتملة الأخرى. وتشمل هذه المغذيات مثل الكولين وفيتامين سي والكالسيوم والمنجنيز والمغنسيوم والحديد وحتى الأحماض الأمينية.

إذا قبلنا المغذيات الجوية... فماذا بعد؟

لا يزال هناك الكثير من المجهول. أولاً، نحتاج إلى معرفة مكونات الهواء المفيدة للصحة في البيئات الطبيعية مثل المساحات الخضراء والغابات والمحيطات والجبال. حتى الآن، ركزت الأبحاث بشكل أساسي على السموم والجسيمات والمواد المسببة للحساسية مثل حبوب اللقاح. بعد ذلك، نحتاج إلى تحديد أي من هذه المكونات يمكن تصنيفها على أنها مغذيات جوية.

ونظراً لأن فيتامين «ب 12» في شكل رذاذ أثبت بالفعل أنه آمن وفعال، فإن المزيد من الأبحاث يمكن أن تستكشف ما إذا كان تحويل المغذيات الدقيقة الأخرى، مثل فيتامين «د»، رذاذاً يمكن أن يساعد في مكافحة نقص المغذيات على نطاق واسع.

وتحتاج هذه المغذيات الجوية المحتملة إلى تجارب خاضعة للرقابة لتحديد الجرعة والسلامة والمساهمة في النظام الغذائي. وهذا مهم بشكل خاص في الأماكن التي يتم فيها ترشيح الهواء بشكل كبير، مثل الطائرات والمستشفيات والغواصات وحتى محطات الفضاء، وربما نكتشف أن المغذيات الجوية تساعد في منع بعض الأمراض الحديثة المرتبطة بالتحضر. ذات يوم، قد توصي إرشادات التغذية باستنشاق المغذيات. أو أننا نقضي وقتاً كافياً في التنفس في الطبيعة للحصول على المغذيات الهوائية بالإضافة إلى تناول نظام غذائي صحي ومتوازن، وفق الموقع العلمي.