اقتحمت المنظمات المدنية في مدينة الرقة شمال سوريا، ميادين العمل، لهدف واحد هو خدمة أبناء المدينة الملقبة بـ«عروس الفرات». وعلى مدار شهور قدمت هذه المنظمات خدماتها مباشرةً إلى المجتمعات المحلية وتكفلت بوصول المساعدات الاجتماعية إلى أشد الفئات ضعفاً. وهي إلى جانب كونها مؤسسات غير حكومية، تعد شريكاً رئيسياً للسلطات الحاكمة في تقديم المقترحات وتنفيذ التوصيات وتصويب الأخطاء. وغالباً ما تفعل ذلك من دون أن يُلاحظ أحد إنجازاتها على الأرض بعيداً عن الأضواء وعدسات الكاميرات. ومن ذلك، تأهيل جسر الرقة القديم، وإنارة الشوارع المظلمة والأحياء التي كانت يعيش سكانها في العتمة، إضافةً إلى تنظيف الحدائق العامة، وتركيب إنارتها لخدمة سكان المنطقة وتمتين أمنهم المجتمعي. وعلى مدخل بوابة جسر الرقة القديم، هناك لافتة مرورية مطلية باللون الأزرق للاستدلال على معالم المحافظة. يشير السهم اليميني إلى «باب بغداد» وهو أحد أهم الأبواب التاريخية على مر العصور، فيما يشير سهمان إلى مركز المدينة وإلى إحدى المناطق الأثرية المعروفة فيها، وهي المنهكة من الحروب والتقسيمات العسكرية.
ويقول بشار الكراف المدير التنفيذي لمنظمة شباب «أوكسجين» التي نفذت مشروع الجسر القديم في حديث إلى«الشرق الأوسط»، إن الفكرة خرجت من الجلسات الحوارية «التي نظمتها مع سكان المنطقة في شهر مارس (آذار) الماضي... نفذنا المشروع في شهرين. وقمنا بتأهيل أقواس ومداخل ومخارج الجسر القديم، لضبط المخالفات المرورية ومنع تجاوز السرعة عند عبور الجسر. وتم تركيب أضواء كبيرة وإشارات مرورية، وطلاء كامل الجسر، وزراعة أشجار تضفي طابعاً جمالياً على المشهد العام. وقال: «الجسر اليوم اختلف كلياً نحو الأفضل والأجمل، حيث يتنقل الأهالي وسط ارتياح تام، وعند ساعات المساء تعطي الإنارة والأضواء طمأنينة لسائق السيارات والناس الذين يعبرون مشياً بين ضفتي النهر».
ومن بين ركام المدينة والحطام التي خلفتها آثار الحروب الدائرة في مركز المدينة ومحيطها، تعمل هذه الجمعيات المدنية منذ شهر مارس (آذار) الماضي على تنفيذ مجموعة مشاريع خدماتية تستمر فعاليتها حتى نهاية العام الحالي. ويقول مالك المبروك مدير مشاريع «أمننا 3» في منظمة «إنماء الفرات» العاملة في مناطق الرقة ودير الزور والجزيرة السورية، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن دور المنظمات المدنية بالرقة: «تمحور حول تعزيز التماسك المجتمعي عبر سد الفجوة بين أفراد المجتمع وقوات الأمن وسلطات المجلس المدني، وتنظيم الجلسات الحوارية وتبادل الآراء مباشرةً»، وأشار إلى أن «أمن واستقرار الرقة مسؤولية الجميع: كل شرائح المجتمع، ولجان الإدارة المدنية، والجمعيات المدنية».
كما نفذت المنظمة مشروع تركيب مظلات «معبر العكيرشي» الذي يربط مناطق الإدارة الذاتية بمناطق سيطرة النظام الحاكم، ويقع جنوب شرقي مدينة الرقة. وعن أهمية مشروع المظلات، يقول المبروك «قمنا بتركيب 6 مظلات انتظار في المعبر مع مقاعد للجلوس وتبليط ساحتها العامة وطلاء الدهان والأسلاك الشائكة في نقطة الانتظار منعاً للازدحام». وأكد أن المشروع ساهم إلى حد كبير في تخفيف كثافة الازدحام اليومية وتحسين أداء عناصر قوات الأمن الداخلي في المعبر. وقال «بحسب إحصاءات وسجلات إدارة المعبر، يبلغ عدد العابرين نحو 850 شخصا يوميا، ويرتفع إلى أكثر من 5000 شخص في فترة تقديم الامتحانات الإعدادية والثانوية في المدارس الحكومية».
وتعمل في مدينة الرقة أيضا، عشرات المنظمات المدنية التي تساهم عبر أنشطتها وأعمالها، في تعزيزمفهوم التماسك المجتمعي. وهي نفذت مشروع (أمننا 3) الذي يهدف إلى «خلق بيئة حوار شفافة ومباشرة بين السكان والسلطات الأمنية. حيث يعد إطلاق مشروع كهذا، خطوة جريئة متقدمة تعكس انفتاح قوى الأمن الداخلي على الانخراط مع المجتمعات المحلية وبناء جسور للحوار الشفاف والتعاون». وأوضح مهند الأحمد مسؤول قسم الإعلام والتواصل في منظمة «أمل أفضل للطبقة» لـ«الشرق الأوسط» أن الحلقة الأولى من «مشروع أمننا 3» بدأت بعقد جلسات حوارية وملتقيات تفاعلية، لتعزيز الصلة بين النشطاء في المجتمع مع الجهات المعنية المتمثلة بلجنة الداخلية وقوى الأمن الداخلي ومسؤول الإدارة بداية شهرمارس الماضي. لتأتي المرحلة الثانية بتنفيذ مشاريع خلال فترة زمنية محددة. وعقدت المنظمات بهذا الصدد، 16 جلسة حوارية حضر كل منها أكثر من 25 شخصية تناولت أربعة محاور رئيسية، أولها ظاهرة تعاطي المخدرات والتهريب والاتجار. وثانيها ظاهرة عمالة الأطفال. وثالثها دور منظمات المجتمع المحلي في تعزيز الأمن المجتمعي، ورابع المحاور كان دمج النازحين والفئات المهمشة في المجتمعات المحلية.
وقال الأحمد إن «ظاهرة عمالة الأطفال تفشت مؤخراً في الطبقة. وباتت مشاهدة أطفال في المنطقة الصناعية والمحال التجارية للعمل في مهن الكبار أمراً مألوفاً». وكشف، أنه تمت مناقشة الظاهرة في الجلسات الحوارية ومع الإدارة الذاتية في الطبقة. وجرى التأكيد على ضرورة إصدار قانون لحظر عمالة الأطفال ووافقت الإدارة على المقترح وبات قانوناً نافذاً».
وتقول ناشطة تدعى وصال كانت حضرت جلسات حوارية في مشروع «أمننا 3»، إن المشاركة المجتمعية «شكلية مع غياب قوانين فاعلية حقيقية لصناعة القرار الخدمي والأمني»، وتؤكد: «لا يزال التهميش سيد الموقف رغم وجود بعض النقاط الإيجابية في هذه الجلسات وتنفيذ مشاريع خدماتية تنموية، لكن المشاركة لا تزال شكلية لغياب مشاركة جميع فئات المجتمع في صناعة القرار»، أما الشاب عبد الله من سكان مدينة الرقة فلديه رأي مغاير، وقال: «كنا نريد ضمان مشاركة عادلة لجميع فئات المجتمع من دون تمييز. وهذا تحقق ولو بشكل جزئي، والصورة اليوم أفضل مما كانت عليه أيام حكم (داعش) والنظام الحاكم».
وتقع مدينة الرقة على الضفة الشرقية لنهر الفرات. وتبلغ مساحتها نحو 27 ألف كيلومتر مربع، كان يسكنها نحو مليون نسمة قبل 2011، أما اليوم فيقدرعدد من عاد إليها بنحو 300 ألف. وهناك قسم من النازحين قدموا من المناطق المجاورة واستقروا فيها. وبعد العمليات القتالية والقضاء على تنظيم «داعش» نهاية 2017 قدّرت الأمم المتحدة أن 80 في المائة من مساحة الرقة «باتت غير قابلة للسكن» لكن بعد تأسيس المنظمات المدنية وتكثيف جهودها الخدمية والتنموية تغير المشهد نحو الأفضل.
منظمات محلية في الرقة تساهم بإعادة إحياء معالمها
منظمات محلية في الرقة تساهم بإعادة إحياء معالمها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة