على مدار سنوات استخدم مصطلح «غوغلينغ» (Googling) ليعني البحث عن معلومة أو موضوع على «غوغل»، محرك البحث الأكثر شهرة في العالم؛ لكن على ما يبدو أن هذا الأمر في طريقه للتغيير، على الأقل بالنسبة للأجيال الشابة، المولودة في فترة ما بعد الألفية، والتي تُعرف بـ«جيل زد» و«جيل ألفا».
فقد أشارت الدراسات الأخيرة إلى أن 40 في المائة من «جيل زد» يستخدم الآن موقعَي «تيك توك» و«إنستغرام» في عمليات البحث، الأمر الذي أثار الجدل أخيراً حول ما إذا كانت التطبيقات الجديدة ستهز عرش «غوغل»، هذا بينما أعرب بعض خبراء الإعلام الرقمي عن «منطقية» هذه النتائج، في ظل جيل جديد تجذبه الصورة والفيديو. وتوقعوا أن تشهد الفترة المقبلة تغييرات سريعة في طريقة البحث على «الإنترنت» وأسلوبه لتواكب متطلبات «جيلَي زد وألفا».
الجدل انطلق في أعقاب تصريحات برابهاكار راغافان، النائب الأول لـ«غوغل»، خلال مؤتمر تقني الشهر الماضي، نشرها موقع «تيك كرنش» المتخصص في التكنولوجيا. وفيها قال راغافان: «40 في المائة من الشباب يستخدمون (تيك توك) و(إنستغرام) للبحث عن مكان لتناول الطعام مثلاً، بدلاً من الاستعانة بنظام البحث في (غوغل) أو ترشيحات خرائط (غوغل)»، وفق دراسة أجرتها «غوغل» على الشباب في أميركا في المرحلة العمرية من 18 إلى 24 سنة.
راغافان الذي يدير مؤسسة المعرفة والمعلومات التابعة لـ«غوغل»، أضاف أن «مستخدمي الإنترنت من الأجيال الجديدة لا يتعاملون بالطريقة نفسها التي اعتدنا عليها، فالأسئلة التي يطرحونها مختلفة تماماً... إنهم لا يستخدمون كلمات مفتاحية؛ بل يبحثون عن محتوى جديد بطريقة تفاعلية... هذا الجيل منجذب أكثر إلى الفيديو».
وفي سياق متصل، يصنف مركز «بيو» الأميركي للأبحاث «جيل زد» بأنه ذلك الجيل المولود بين عامي 1997 و2012. وفي دراسة نشرها المركز في 10 أغسطس (آب) الجاري، فإن «تيك توك» يحتل المرتبة الثانية بعد «يوتيوب» بين المنصات الأكثر استقطاباً للمراهقين في الولايات المتحدة عام 2022.
مع أن نتائج الدارسة كانت «صادمة» بالنسبة لقيادة «غوغل»، فإن الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي، والباحثة في الإعلام الرقمي، ترى أنها «نتيجة طبيعة لانتشار تطبيق (تيك توك) بين الشباب، أو (جيل زد)، وهي الشريحة الأكبر بين سكان العالم». وتابعت عبد الغني، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، لتقول إن «(تيك توك) كان التطبيق الأكثر تحميلاً خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري».
وأرجعت أسباب إقبال الشباب على «تيك توك» إلى «الطريقة التي تعمل بها خوارزمياته التي تتميز بمراعاة احتياجات المستخدم، من دون إشعاره بالملل. إذ يأخذ تيك توك في الاعتبار الموقع الجغرافي، والأصوات الشائعة، ومقاطع الفيديو، وعدد مرات الإعجاب، وإعدادات الجهاز، وحساب المستخدم، كما أنه يعمل بشكل دؤوب على تحسين المحتوى والكلمات، و(الهاشتاغات) التي يتم ترشيحها للمستخدم». ولفتت إلى أن «هذا التطبيق الصيني يواصل عمليات التطوير، ويعتزم طرح إصدار تجريبي يمنع وصول المحتوى الخاص بالكبار إلى الفئات الأصغر سناً». ثم تضيف عبد الغني: «لكل ما سبق، فإن الشباب باتوا يعتمدون على (تيك توك)؛ لأنهم ما عادوا بحاجة إلى الذهاب لـ(غوغل)، بحثاً عن أماكن للترفيه وتناول الطعام مثلاً».
بدوره، يقول الدكتور فادي رمزي، أستاذ الإعلام الرقمي في الجامعة الأميركية بالقاهرة، والخبير في شبكات التواصل الاجتماعي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «منصة (تيك توك) تُحرج شركة (ألفابت) المالكة لـ(غوغل) للمرة الثانية، فبعدما دفعتها إلى إصدار تحديثات على (يوتيوب) بإصدار صيغة (شورتش) لمقاطع الفيديو القصيرة... ها هي الآن تنافسها في المنتَج الأكبر، ألا وهو عرش محركات البحث». ويضيف أن «الجدل الدائر حالياً جاء في أعقاب تصريحات راغافان، وحديثه عن استخدام (جيل زد) منصتي (تيك توك) و(إنستغرام) في البحث، وهو أمر طبيعي يتماشى مع جيل تربّى على الهواتف الذكية، وتجذبه الصورة والفيديو لا الروابط التقليدية التي يقدمها (غوغل) في خدماته البحثية».
حقاً، دخول «تيك توك» سوق محركات البحث ليس وليد اللحظة، ففي عام 2019 أشارت شركة «أندرسن هورويتز» إلى إمكانيات المنصة المملوكة لشركة «بايت دانس» في هذا المجال، اعتماداً على الكيفية التي يستخدم بها الصينيون تطبيق «دووين» (Douyin)، النسخة الصينية من «تيك توك». وقالت إن «المستخدم الصيني يستطيع الوصول إلى مطاعم وفنادق وغيرها من الأماكن الترفيهية والمجمعات التجارية من خلال التطبيق الذي يصنف مقاطع الفيديو جغرافياً، ويتيح للعلامات التجارية جذب الجمهور عبر تزويده بمعلومات أساسية؛ بل وحتى تقديم قسائم حسم، ما حوَّل النسخة الصينية من التطبيق إلى سوق تجارية قوية».
تأتي هذه النتائج بالتزامن مع إحصائيات «كلاودفلير» التي أشارت إلى أن «تيك توك» تخطى «غوغل»، وكان الموقع الأكثر زيارة خلال عام 2021. في حين أشار تقرير أنماط استهلاك الأخبار في بريطانيا خلال عامي 2021 و2022، إلى أن «إنستغرام» و«تيك توك» و«يوتيوب» باتت أهم 3 مصادر للأخبار بالنسبة للمراهقين في بريطانيا. إلا أن «غوغل» ما زال حتى الآن يتربع على عرش محركات البحث، ويحصد نسبة تتجاوز 91 في المائة من هذه السوق، وفقاً لإحصائيات عام 2022 من موقع «ستيت كاونتر»، المتخصص في تحليل البيانات.
تدفع هذه النتائج إلى إجراء تعديلات في محركات البحث. وهنا تقول الدكتورة مي عبد الغني، إن «(غوغل) أدخلت بعض التحسينات على محركها البحثي أخيراً، وإن ظلت هذه التعديلات ضئيلة مقارنة بحجم المنافسة»، وتضيف أن «على المنصات الرقمية التقليدية أن تبذل جهداً أكبر لمواجهة التحدي، وفهم احتياجات (جيل زد)... وبالتأكيد نحن مقبلون على تحول حقيقي في خريطة الإعلام الرقمي على مستوى العالم».
الدكتور فادي رمزي يؤيد هذا الرأي، فيقول: «الفترة المقبلة ستشهد تغييراً جذرياً، وبوتيرة متسارعة في طريقة عمل محركات البحث لمواجهة هذه المنافسة الشرسة»، موضحاً أن «الإعلام الرقمي يعتمد في الأساس على تلبية احتياجات الجمهور المستهدف، ومع تغير الجمهور وطبيعته، لا بد من تغيير طريقة تفاعل المنصات لتلائم طبيعة تفكير الجمهور»، ويختتم بأن «نتائج البحث على (غوغل) حالياً ترد بنحو 11 طريقة مختلفة؛ لكن من المتوقع أن تتطور أكثر لتلبي احتياجات (جيل زد)».
وبالفعل أعلنت «غوغل» أخيراً اعتزامها «إدخال تحديثات على طريقة البحث تهدف إلى إعطاء الأولوية لظهور المحتوى الأصلي والموضوعي». وأعلنت في بيان نشرته على موقعها إن «كثيرين من المستخدمين يشعرون بالإحباط حال توجيههم إلى روابط يعتقد أنها تتضمن ما يبحثون عنه؛ لكنها في الحقيقة ليست كذلك. نحن نعمل بجهد لتحسين النتائج التي تظهر في البحث، وأدخلنا آلاف التحديثات على مدار العام الماضي... وسنطلق مزيداً من التحديثات للتأكد من عدم ظهور المحتوى غير الجيد في مكانة بارزة ضمن نتائج البحث».
ختاماً، يأتي دخول «تيك توك» منافساً لـ«غوغل» في مجال البحث على الإنترنت، في حين تشهد فيه «غوغل» تراجعاً في الأرباح وتباطؤاً في النمو، إذ أفادت شركة «ألفابت» في نهاية الشهر الماضي بانخفاض صافي الدخل بنسبة 13 في المائة.
هل يُنافس «تيك توك» «غوغل» على عرش محركات البحث؟
هل يُنافس «تيك توك» «غوغل» على عرش محركات البحث؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة