وصار لطرابلس «مسرح وطني» دائم

«مهرجان المسرح» يعيد افتتاح الصالة بعد 28 سنة من الهجر والإهمال

عرض فلسطيني راقص
عرض فلسطيني راقص
TT

وصار لطرابلس «مسرح وطني» دائم

عرض فلسطيني راقص
عرض فلسطيني راقص

بعد 28 سنة من الإغلاق، احتفى الطرابلسيون، أمس، بإعادة افتتاح «سينما أمبير»، وهي واحدة من أقدم صالات المدينة، وأكثرها عراقة. تعود هذه المرة إلى جمهورها، لا بصفتها صالة عرض سينمائي، وإنما تحت مسمى «المسرح الوطني اللبناني» لتستقبل كأول الغيث، «مهرجان طرابلس المسرحي الدولي» الذي يستمر حتى الثلاثين من الشهر وتشارك فيه فرق عربية وأجنبية.
على غير عادتها، بدت «ساحة التل» في وسط مدينة طرابلس، حيث «سينما أمبير»، عند السادسة من مساء السبت الماضي، مكتظة بالحافلات الصغيرة، التي أقلت القادمين من بيروت والجنوب، لحضور الافتتاح، فيما تجوب المكان فرق كشفية تعزف الموسيقى، وفرق فنية جاءت للمشاركة في المهرجان، وبدأت الاحتفال في الساحة بالرقص والغناء والابتهاج. ثمة، في رأي منظمي المبادرة، ما يستدعي جعل الناس أجمعين، بما في ذلك الموجودين في الشارع، يشعرون بأنهم جزء من هذا المسرح الجديد ومن برامجه.
هكذا أراد قاسم إسطنبولي صاحب المشروع، و«جمعية تيرو للفنون»، أن تنطلق بعملها في طرابلس بالشراكة مع الناس، الذين لهم ومن أجلهم وجد هذا المسرح، تماماً كما سبق لهم ونفضوا الغبار المتراكم عن «سينما ريفولي» في صور، وفعلوا الشيء نفسه في النبطية. يقول إسطنبولي لـ«الشرق الأوسط»، «رغم كل الصعوبات، وبفضل تصميم الشبان المتطوعين تمكنا من تحقيق حلم، نسعى له من سنوات، منذ زرت طرابلس عام 2016 لحضور مهرجان السينما»، ويصف هذا الافتتاح الشعبي للمسرح في طرابلس بأنه «عرس، وولادة تغييرية. هذه خطوات تحدث تبدلاً فعلياً لدى الناس، وتساعد في التخفيف من المركزية الثقافية. وتكسر حواجز الخوف الوهمية بين شمال لبنان وجنوبه». وعن صعوبة العمل في منطقة مثل التل، لها خصوصيتها، يرد إسطنبولي: «على العكس، نحن أردنا أن نكون في وسط المدينة، بين الناس. أعرف أن بعض الطرابلسيين لا يأتون إلى هذه المنطقة، لكنها مناسبة للجميع لاكتشاف هذه المنطقة التي كانت تنتشر فيها أهم سينمات عرفتها لبنان»، سعى هذا الممثل وصاحب المبادرات الجريئة منذ سنوات لتنفيذ حلمه. سنوات من البحث لاستئجار صالة سينمائية. الأمر ليس بالسهولة التي نتصور. مع مطلع العام الحالي، تحقق المراد باستئجار «سينما أمبير». منذ ما يقارب ثمانية أشهر، وعمليات التنظيف ورفع الركام وإعادة التأهيل مستمرة في «أمبير» التي هجرت وتراكمت فيها مخلفات وغبار عقود. «نريد أن يكون لنا مسرح مستقل، لا بوقاً لأحد، وهذا أمر ليس بالسهل. نحن على ثقة، بأن ما نقوم به، كفيل بإحداث تغيير اقتصادي وفكري، ويبعث جواً إيجابياً، كما يعزز السياحة الثقافية، ويشجعها في طرابلس». يرفض إسطنبولي القول إن طرابلس ليست لديها بنية تحتية لاستقبال فرق فنية. «ضيوفي الذين أتوا من دول مختلفة للمشاركة في مهرجان المسرح، سينامون في أوتيل محترم وجيد. صحيح أن عدد الفنادق في طرابلس قليل لكنها موجودة. نحن والشباب الذين معنا نشتغل بحب وشغف وإيمان. ومن يعمل بالفن لا تعيقه هذه الأمور الجانبية، يتغلب عليها، ويبقى سائراً إلى الأمام».
بعد كرنفال الشارع على ساحة التل، كان انتقال إلى داخل «سينما أمبير». وتلك كانت لحظة مؤثرة لكثيرين. تقول إحدى الحاضرات إنها كانت قد شاهدت فيلم «خلي بالك من زوزو» هنا يوم كانت طفلة. آخر يتذكر أن عادل إمام كان قد حضر في افتتاح أحد أفلامه ووقف على خشبة المسرح هنا ليحيي جمهوره. أما الجيل الجديد من الشباب الذين حضروا بأعداد كبيرة، فقد اكتشفوا السينما بطابعها القديم للمرة الأولى، بعد أن أغلقت في طرابلس ما يزيد على 30 صالة خلال الحرب الأهلية، وبقيت أطلال، منها ما هدم، وبينها لا يزال ينتظر.
ما إن استقر الحضور في الصالة المكونة من طابقين، وأصبحت ممتلئة بشكل شبه كامل، حتى أطلت على الشاشة سميحة أيوب، ومحمد صبحي، وأبو سليم (صلاح تيزاني)، وأسعد (عبد الله حمصي)، يتحدثون للحاضرين عن مباركتهم لهذه الخطوة، وتمنياتهم لو كانوا قادرين على حضور هذا الافتتاح المسرحي في طرابلس. كانت ثمة كلمات لشوقي ساسين، والفنان عمر ميقاتي وآخرين، ورقصات لفرق عربية. احتفال يشبه العيد، في صالة كانت ذات يوم من أفخم دار العروض في المدينة، بمساحتها الأرضية، وبلكون جميل مشرف على الصالة، والكراسي المخملية الحمراء التي احتفظت بلونها. قبل البدء بمسرحية افتتاح المهرجان المسرحي الآتية من الجزائر «الزمكان»، عرض شريطان أحدهما يظهر الحالة المأساوية الخربة التي كانت عليها «سينما ريفولي» في صور قبل إخراجها من العتمة، والمشقة التي احتاجتها لإعادة فتحها أمام الجمهور، وشريط آخر عن مغامرة نفض الغبار الكثيف عن «سينما أمبير» في طرابلس.
الحدث بحد ذاته مؤثر، والجهد المبذول كبير وجبار من قبل متطوعين، قرروا أن يعطوا وقتهم وجهدهم، ويصبحوا مع مشاركتهم بالترميم، جزءاً من عروض الخشبة في الوقت نفسه. يبقى أن القضايا التقنية تحتاج لعناية خاصة أن لا تترك للهواة، فوضوح الصوت وحسن الإضاءة، أمور جوهرية، لإبقاء المتفرج على الكرسي، وجذبه، على مدار السنة. وهو أمر لا بد من إيلائه عناية خاصة، كي لا يذهب كل الجهد هباء، ويصعب إيصال الصوت إلى الجمهور.
«المسرح الوطني» في طرابلس سيتحول إلى «مساحة ثقافية حرة مجانية، لمن يرغب من الناس، حيث بدأت من الآن، تُنظم فيها ورشات تدريبية على التمثيل، والرسم على الزجاج، والكتابة المسرحية. ويستقبل المسرح مهرجانات وعروضاً فنية من كل نوع».
ومهرجان طرابلس المسرحي الدولي الذي ينظم بالتعاون مع مؤسسة «دون» الهولندية تعرض فيه مسرحيات عدة. في يوم 28 تعرض «حكايات درويش» من تونس، و«قصصكم على المسرح» لـ«فرقة لبن» من لبنان، و«احتراق كالعنقاء» من كردستان العراق، وفي 29 «فوبيا» من العراق، و«مسرح إعادة تمثيل» لفرقة «صدى» من لبنان، و«عرض فن التهريج إلى باولو أفاتانيو» من إيطاليا، و«كيف تصنع بيضة مسلوقة؟» من سلطنة عمان. وفي 30، «حكايات من التل» لفرقة «تيرو للفنون» من لبنان، و«أنتيجون» من المكسيك وإسبانيا، و«صرخة ولاء» لفرقة الفنون الشعبية من لبنان. كما ستوزع الجوائز لفئات أفضل ممثلة وأفضل ممثل وأفضل نص وأفضل سينوغرافيا وأفضل إخراج وأفضل عمل متكامل. وهناك جائزة لجنة التحكيم المؤلفة من المخرجة الإسبانية أنا سندريرو ألفريز، والممثل عمر ميقاتي، والمخرج صلاح عطوي من لبنان.
بعد انتهاء المهرجان في طرابلس، وثمة فريق مستقل سيدير المسرح، وبمقدور من يشاء من الفنانين أن يستفيد من هذه المساحة، للرسم أو الموسيقى، أو التصوير للتدريب أو العرض، والقيام بأي أنشطة. وستكون عروض لأفلام أسبوعية وستُنظم مهرجانات دورية. المهم التفاف الطرابلسيين حول المسرح واعتباره مساحة مفتوحة لهم.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

صور أقمار اصطناعية تظهر أن روسيا تستعد لسحب عتاد عسكري من سوريا

صورة بالقمر الاصطناعي تُظهر القسم الشمالي من قاعدة «حميميم» الجوية الروسية بالقرب من اللاذقية (رويترز)
صورة بالقمر الاصطناعي تُظهر القسم الشمالي من قاعدة «حميميم» الجوية الروسية بالقرب من اللاذقية (رويترز)
TT

صور أقمار اصطناعية تظهر أن روسيا تستعد لسحب عتاد عسكري من سوريا

صورة بالقمر الاصطناعي تُظهر القسم الشمالي من قاعدة «حميميم» الجوية الروسية بالقرب من اللاذقية (رويترز)
صورة بالقمر الاصطناعي تُظهر القسم الشمالي من قاعدة «حميميم» الجوية الروسية بالقرب من اللاذقية (رويترز)

أظهرت صور أقمار اصطناعية نشرتها شركة «ماكسار» بعد إطاحة قوات المعارضة بالرئيس بشار الأسد مطلع الأسبوع الحالي أن روسيا تجمع فيما يبدو عتاداً عسكرياً في قاعدة جوية بسوريا.

وتُظهر الصور التي التقطت، اليوم الجمعة، ما يبدو أنهما طائرتان من طراز «أنتونوف إيه إن - 124»، إحدى كبرى طائرات الشحن في العالم، ومقدمتهما مفتوحة بقاعدة «حميميم» الجوية في محافظة اللاذقية الساحلية.

صورة بالقمر الاصطناعي تُظهر الطائرة من طراز «An-124» في قاعدة حميميم الجوية الروسية بالقرب من اللاذقية (رويترز)

وقالت «ماكسار»: «طائرتان للنقل الثقيل من طراز إيه إن - 124 توجدان في المطار، ومقدمتهما مفتوحة وفي وضع استعداد لتحميل العتاد»، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وأضافت الشركة: «في مكان قريب، يجري تفكيك مروحية مقاتلة من طراز كيه إيه - 52 ويجري إعدادها على الأرجح للنقل بينما تستعد أجزاء من وحدة الدفاع الجوي إس - 400 بالمثل للمغادرة من موقع انتشارها السابق في القاعدة الجوية».

صورة بالقمر الاصطناعي تُظهر تفكيك مروحية «Ka - 52» في قاعدة حميميم الجوية الروسية (رويترز)

وقالت «ماكسار» إن القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، مركز الإصلاح والصيانة الوحيد لروسيا في البحر المتوسط، «ما زالت دون تغيير إلى حد كبير منذ تغطيتنا للصور في 10 ديسمبر (كانون الأول) مع استمرار رصد فرقاطتين قبالة سواحل طرطوس».

وقال تلفزيون «تشانال 4» البريطاني الإخباري إنه شاهد قافلة تضم أكثر من 150 مركبة عسكرية روسية تتحرك على أحد الطرق. وأضاف أن الجيش الروسي يتحرك بنظام جيد وأنه تم التوصل فيما يبدو إلى اتفاق يسمح للروس بخروج منظم من سوريا.

صورة بالقمر الاصطناعي تظهر الدفاعات الجوية من طراز «S - 400» في قاعدة حميميم الجوية الروسية (رويترز)

ولم ترد وزارة الدفاع الروسية بعد على طلب «رويترز» للتعليق. ودعمت موسكو سوريا منذ الأيام الأولى للحرب الباردة معترفة باستقلالها في عام 1944 حين سعت دمشق إلى التخلص من الاستعمار الفرنسي. ولطالما عدّ الغرب سوريا تابعاً للاتحاد السوفياتي.

وقال الكرملين إن تركيزه منذ سقوط الأسد ينصب على ضمان أمن قواعده العسكرية في سوريا وبعثاته الدبلوماسية.