مخاوف في لبنان من رفض عون مغادرة القصر الجمهوري بعد انتهاء ولايته

الدستور ينص على تسلم الحكومة صلاحيات الرئيس إذا تعذر انتخاب خلف له

الرئيس ميشال عون في اجتماع أمس مع وزير الدفاع موريس سليم (دلاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون في اجتماع أمس مع وزير الدفاع موريس سليم (دلاتي ونهرا)
TT

مخاوف في لبنان من رفض عون مغادرة القصر الجمهوري بعد انتهاء ولايته

الرئيس ميشال عون في اجتماع أمس مع وزير الدفاع موريس سليم (دلاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون في اجتماع أمس مع وزير الدفاع موريس سليم (دلاتي ونهرا)

تبدأ يوم الخميس في الأول سبتمبر (أيلول) المقبل، المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبلاد خلفاً للرئيس ميشال عون الذي تنتهي ولايته في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، وسط انسداد الأفق بإمكانية نجاح البرلمان اللبناني في إنجاز هذا الاستحقاق، قبل موعد مغادرة عون القصر الجمهوري، ما يضع البلد أمام سيناريوهات قاتمة؛ خصوصاً أن البعض يتخوّف من تكرار تجربة عام 1989 عندما رفض عون الذي كان يرأس حكومة عسكرية، الاعتراف باتفاق الطائف وامتنع عن مغادرة «قصر الشعب»، وتسليم مقاليد الحكم إلى الرئيس المنتخب رينيه معوّض (الذي اغتيل بعد شهر على انتخابه)، كما رفض تسليم السلطة للرئيس إلياس الهراوي أيضاً.
ومع نفاد الوقت الذي يفصل عن موعد الانتخابات الرئاسية، ثمّة ترقّب دقيق لكيفية تعاطي الكتل النيابية التابعة لأحزاب السلطة مع الاستحقاقات الصعبة والداهمة، وعلى رأسها تشكيل حكومة دستورية، تتولّى مهام رئيس الجمهورية في حال وصل لبنان إلى الفراغ الرئاسي، بدلاً من حكومة تصريف الأعمال؛ خصوصاً أن زيارات الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي إلى قصر بعبدا، عديمة الجدوى بفعل عجزه عن إقناع عون بالصيغ الحكومية التي يقدّمها، ورفضها القاطع من قبل صهره النائب جبران باسيل، ويعتبر الوزير السابق رشيد درباس، المواكب لاتصالات ومشاورات ميقاتي، أن الأجواء «لا توحي بإمكانية تشكيل حكومة قبل انتهاء عهد الرئيس ميشال عون». ورأى، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «كل الإيجابيات التي بناها الرئيس المكلّف في الساعات الأخيرة بددها فريق رئيس الجمهورية»، معتبراً أن «إمعان طرف سياسي بتعطيل ولادة الحكومة يهدف إلى أمرين؛ الأول إيجاد ذريعة للقول إن حكومة تصريف الأعمال غير شرعية ولا يمكنها حكم البلد، والثاني ابتكار فتوى دستورية تفضي إلى سحب التكليف من ميقاتي وإبقاء عون في القصر الجمهوري»، مشدداً على أن «طرح سحب التكليف عقيم، فرئيس الجمهورية ليس إلا ناقل إرادة المجلس النيابي إلى الرئيس المكلّف بنتيجة الاستشارات الملزمة وليس منشئاً لها، وبالتالي لا صلاحية له بسحب التكليف وتسمية شخصية بديلة عن ميقاتي».
ورغم أن زوّار عون نقلوا عنه في الأسابيع الأخيرة تأكيده، أنه لن يبقى في القصر الجمهوري ساعة واحدة بعد انتهاء ولايته، عادت مصادر مقرّبة من التيار الوطني الحرّ لضخّ معلومات تتحدّث عن فتاوى دستورية تمكّن عون من الاستمرار في مهامه، بذريعة أن حكومة تصريف الأعمال ليست مخوّلة تولّي صلاحياته بالوكالة، لكنّ درباس (وهو رجل قانون مخضرم ونقيب سابق للمحامين)، شدد على أن «بقاء عون في موقعه يعني إشغالاً للقصر الجمهوري من دون مسوّغ قانوني، وأي مرسوم يوقعه يكون بلا جدوى ولا إمكانية لنشره في الجريدة الرسمية وتنفيذه». ووضع الحملة التي يشنّها رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل على ميقاتي، في سياق «استقواء طائفة على أخرى، بحجّة تحقيق نصر وهمي للمسيحيين، وهذا قمّة الإخلال بتركيبة الدولة». وختم درباس قائلاً: «هؤلاء يهمّهم البقاء في السلطة حتى لو كان الثمن خراب البلد».
ويتذرّع مقرّبون من عون بأن صلاحيات الرئيس تنتقل إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، وأن حكومة تصريف الأعمال غير قادرة دستورياً على عقد جلسة لمجلس الوزراء لاتخاذ القرارات، وهنا يذكّر درباس بأن «نظرية تسيير المرفق العام تتقدّم على أي شيء آخر»، لافتاً إلى أن «مجلس الوزراء يستطيع أن يجتمع عند الضرورة القصوى حتى في ظلّ حكومة تصريف الأعمال».
تعدد الاجتهادات الدستورية لا يعني أنها قابلة للتطبيق، في ظلّ النصوص الواضحة للدستور اللبناني، ولذلك دعا الخبير القانوني والدستوري المحامي سعيد مالك إلى احترام الاستحقاقات والذهاب سريعاً لتشكيل حكومة جديدة تنال ثقة البرلمان اللبناني، ومن ثمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يتسلّم مهامه في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وهذان الأمران يوفران على البلد نزاعات كبيرة. وقال مالك، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «في حال عدم التمكن من انتخاب رئيس للجمهورية، فإن المادة 62 من الدستور تتحدّث صراحة عن تسلّم الحكومة حتى لو كانت حكومة تصريف أعمال، صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة إلى حين انتخاب رئيس». وقدّم شرحاً لصلاحيات الرئيس المقسّمة إلى ثلاثة أقسام، صلاحيات شخصية، وثانية تتعلّق بموقعه، وثالثة بإدارة البلد وتسيير شؤون المؤسسات، وهنا ينحصر دور الحكومة بتسيير الإدارة العامة وإصدار المراسيم ونشرها في الجريدة الرسمية، وأيضاً توقيع القوانين التي يقرّها المجلس النيابي، لافتاً إلى أن «الصلاحية الشخصية ترتبط بشخص الرئيس، أي أنه وحده يحق له توجيه رسالة إلى المجلس النيابي، وتقديم الطعن أمام المجلس الدستوري في القوانين التي يعترض عليها وطرح بنود من خارج جدول أعمال مجلس الوزراء، أما صلاحيات الموقع فتتعلّق بترؤس الاحتفالات الرسمية ومنح الأوسمة واعتماد السفراء، وهي أمور مقيّدة بالرئيس ولا يمكن للحكومة أو رئيسها ممارستها».
وتتعزز المخاوف من احتمال بقاء عون في قصر بعبدا، ربطاً بما نقله عنه قبل أسابيع النائب جميل السيّد، الذي أعلن أن رئيس الجمهورية لن يسلّم البلد للفراغ، لكنّ المحامي مالك اعتبر أن «خروج الرئيس عون في 31 أكتوبر، هو قرار دستوري ملزم له وليس خياراً يقبله أو يرفضه». وعن إمكان تشكيل حكومة عسكرية كما فعل الرئيس الأسبق أمين الجميل في عام 1988، عندما شكّل حكومة عسكرية برئاسة عون نفسه، جزم الخبير الدستوري سعيد مالك بأنه «قبل الطائف كان رئيس الجمهورية يعيّن الوزراء ويسمّي أحدهم رئيساً للحكومة، لكن بعد الطائف وإقرار دستور جديد، لا تتشكّل الحكومة إلا عندما يوقّع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة مراسيمها معاً وتنال ثقة المجلس النيابي».
ويذهب البعض إلى فرضية إقدام عون على إعلان حالة طوارئ، تنقل السلطة إلى الجيش، وتصبح معها حكومة تصريف الأعمال بلا جدوى، ردّ المحامي مالك على هذه النظرية بأن «حالة الطوارئ تحتاج إلى ظروف غير متوفرة حالياً، أولها وضع أمني مضطرب». وقال: «لو سلمنا جدلاً بذلك، فإن حالة الطوارئ تستدعي ثلاثة شروط: أولاً دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، والأخير هو من يعلن حالة الطوارئ، ثانياً: لا يمكن لأحد أن يدعو مجلس الوزراء للانعقاد سوى الرئيس ميقاتي، وثالثاً: حالة الطوارئ تحتاج إلى ثلثي أصوات الوزراء، وهذا مستحيل توفره الآن». وأكد مالك أن «قانون الطوارئ يفرض على مجلس النواب أن يجتمع خلال ثمانية أيام من إعلان حالة الطوارئ لاتخاذ موقف منه، وكل هذه السيناريوهات مستحيلة في الوقت الراهن».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

وقف النار لم ينهِ متاعب الصيادين في جنوب لبنان

صيادون لبنانيون يلتقون في مرفأ صور بعد وقف إطلاق النار (رويترز)
صيادون لبنانيون يلتقون في مرفأ صور بعد وقف إطلاق النار (رويترز)
TT

وقف النار لم ينهِ متاعب الصيادين في جنوب لبنان

صيادون لبنانيون يلتقون في مرفأ صور بعد وقف إطلاق النار (رويترز)
صيادون لبنانيون يلتقون في مرفأ صور بعد وقف إطلاق النار (رويترز)

أرخت الحرب الإسرائيليّة بظلالها على صيادي الأسماك الذين يعملون في جنوب لبنان، فباتوا من دون مصدر رزق، يعانون ظروفاً معيشية صعبة للغاية، وهم في الأصل متضررين من تبعات أسوأ أزمة اقتصاديّة واجتماعية عصفت بالبلاد منذ نحو 5 سنوات، ما زاد فقرهم ومعاناتهم أكثر.

ويشكو يوسف، الصياد البحري، سوء أحواله بعد أن قضى نحو 50 سنة في مهنة الصيد، ويقول: «لم يعد القطاع منتجاً كالسابق. الظروف جميعها اختلفت. وضع الصيادين مأساوي جداً ويشبه حال المدينة راهناً، بعد أن أنهكتها الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة. لم أبحر بمركبي الصغير منذ أكثر من شهرين، فالقصف كان فوق رؤوسنا».

400 صياد يعانون

يتحدَّث أمين سرّ نقابة صيادي الأسماك في مدينة صور، سامي رزق، عن معاناة الصيادين نتيجة الحرب الإسرائيلية؛ حيث توقف نشاطهم البحري طوال الشهرين الماضيين، «حتّى باتت أحوالهم صعبةً للغاية».

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «تضررنا تدريجياً، حتّى بتنا نعيش واقعاً سيئاً للغاية؛ إذ تعطّلت سبل الصيد لدى أكثر من 400 صياد، في صور وحدها، وتوقف عمل الـ(جي بي إس) الذي يُمكِّننا من تحديد مكان الصيد، كما انخفضت أسعار السمك، وأقفلت المسامك أبوابها كلياً بعد مرور أيام قليلة على بدء الحرب».

أزمة قديمة جديدة

ويتحدَّث رزق عن أزمة الصيادين المستمرة منذ سنوات قائلاً: «معاناتنا سابقة للحرب الأخيرة، تعود تحديداً إلى العام الماضي، حين بدأت أحداث غزة ومعها الاشتباكات على الحدود الجنوبيّة بين (حزب الله) وإسرائيل، لتضع إسرائيل وقتها قيوداً على حرية حركة الصيادين، وتسمح لهم بالصيد ضمن مساحة ضيقة للغاية لا تتيح لهم الصيد بشكل مناسب في البحر».

الأوضاع العامة انعكست بدورها على أسعار السمك، وفق ما يقول رزق: «انتهت الحرب لكن لا شيء يبعث للحماسة لدى الصيادين، إذ إن سعر كيلوغرام السمك لا يزال دون المستوى المطلوب، فعلى سبيل المثال، انخفض سعر الكيلو من نوع اللقز إلى 700 ألف ليرة لبنانية (نحو 8 دولارات) بعدما كان يتخطى مليوني ليرة سابقاً (نحو 22 دولاراً)، وهو رقم متدنٍ جداً لا يكفي لتغطية تكلفة الصيد نفسه».

خوف من الإبحار

قبل 23 سبتمبر (أيلول)، أي قبل توسع الحرب الإسرائيلية على لبنان، كان بحر صور يعجّ بالصيادين الذين يبحرون يومياً، لكسب رزقهم وتأمين لقمة عيشهم من بيع السمك، ويعتمدون على الموسم السياحي، إذ لا مهنة أخرى لدى غالبيتهم.

اليوم ينشغل كثير من الصيادين في صور بإصلاح مراكبهم وتجهيزها من أجل العمل مجدداً عليها، لكن يجمع غالبيتهم على أن الإبحار راهناً فيه كثير من المخاطر ما دامت الخروقات الإسرائيلية مستمرة، والمسيَّرات تحلق في الأجواء فوق رؤوسهم، بحيث إن عدداً قليلاً منهم عاد للخروج إلى البحر.

وخلال الحرب، حاصرت الإنذارات الإسرائيلية الصيادين، محذِّرة إياهم من الاقتراب من المنطقة البحرية، فامتنعوا عن الإبحار؛ حفاظاً على أرواحهم.

قيود مستمرة رغم انتهاء الحرب

من على متن قاربه الذي كان يبحر به يومياً قبل الحرب، يُخبرنا محمود أحمد، البحار منذ أكثر من 35 سنة، كيف بقي صامداً في صور ولم يغادرها طوال فترة الحرب، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بقيت هنا، أنا وعدد صغير من الصيادين، عاونا بعضنا وتخطينا هذه المرحلة».

ويضيف: «قدّموا لنا بعض المعونات الغذائية منها المعلبات، لكنها لم تكن كافية، وهو ما اضطرنا إلى أن نصطاد السمك خلسة وبحذر كي نقتات به. كانت مهمة صعبة للغاية ومخاطرها كبيرة».

لكن اليوم وبعد وقف إطلاق النار لا تزال مجموعة من المناطق ممنوعةً على الصيادين، إذ عادت وفرضت إسرائيل قيوداً على حركتهم في البحر، لا سيّما لجهة الناقورة، التي كان بحرها يشكِّل مقصداً لصيادي صور والجنوب، يبحرون بمراكبهم وزوارقهم إلى هناك. وهو ما يتحدَّث عنه محمد، قائلاً: «لقد تفاقمت معاناة الصيادين بفعل الحرب المدمّرة. والآن يمنعوننا من الوصول إلى الناقورة والبياضة، نحن محاصرون ومقيدون».

صيادون لبنانيون يفككون شبكة الصيد في مرفأ صور بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

صامدون في صور

وحال الصياد محمد أبو العينين ليس أفضل، يُخبرنا عن فترة الحرب: «بقيت هنا في صور، وعند كل تهديد بالإخلاء، أهرب إلى الميناء، حيث نلجأ نحن الصيادين ونختبئ إلى أن تنتهي جولة القصف المكثفة، وهكذا، بقيت إلى أن انتهت الحرب. أشكر الله أن منزلي لم يتضرر». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «خلال الحرب منعونا من الصيد والإبحار. تبلَّغنا رسمياً من قبل الجيش اللبناني بعدم الإبحار، التزمنا بالأمر ولم نخرج».

وتؤمّن مئات العائلات قوتها اليومي من البحر، لكنها أخيراً وجدت نفسها فجأة دون عمل، بعد أن تعطّل الصيد البحري خلال الفترة الماضية.

ولا تختلف حال الصيادين اليوم عن أحوال كل أبناء المدينة الذين يفتقرون لمقومات الحياة، «حالنا مثل حال أبناء المدينة؛ نعاني من أزمة انقطاع المياه والكهرباء»، يقول أحمد، مضيفاً: «نطلب من الدولة أن تنظر إلى حال الصيادين. معيشتنا متواضعة، ولا نملك سوى عملنا في البحر كي نربي أولادنا، لكن حالنا كانت أفضل بكثير في مرحلة ما قبل الحرب. نتمنى أن تنتهي الأزمة قريباً».