لماذا تخلت تركيا الآن عن رفضها تطبيع علاقاتها مع سوريا الأسد؟

موسكو تدفع منذ فترة طويلة باتجاه عودة الاتصالات بين أنقرة ودمشق

سوريون يتظاهرون ضد تركيا بعد مواقف أنقرة الأخيرة (رويترز)
سوريون يتظاهرون ضد تركيا بعد مواقف أنقرة الأخيرة (رويترز)
TT

لماذا تخلت تركيا الآن عن رفضها تطبيع علاقاتها مع سوريا الأسد؟

سوريون يتظاهرون ضد تركيا بعد مواقف أنقرة الأخيرة (رويترز)
سوريون يتظاهرون ضد تركيا بعد مواقف أنقرة الأخيرة (رويترز)

أثارت الاستدارة «الحادة» في موقف تركيا تجاه النظام السوري، التي كشفت عنها تصريحات متتابعة من جانب الرئيس رجب طيب إردوغان ومساعديه والوزراء في حكومته العديد من التساؤلات عن الأسباب والتوقيت ودوافع هذا التحول بعد 11 سنة من الموقف الصلب الرافض لأي حوار مع دمشق. إذ عادة ما يسبق حملة التصريحات الانطلاق في الاتصالات وجهود التطبيع بين تركيا والدول التي ترغب في تحسين العلاقات معها. بداية... لا يمكن فصل التطورات الأخيرة في السياسة الخارجية لتركيا عن الوضع الداخلي بشقيه السياسي، المتمثل في دخول تركيا مرحلة الاستعداد للانتخابات الرئاسة والبرلمانية المقررة في 18 يونيو (حزيران) 2023، والضغوط التي يتعرض لها إردوغان وحكومته في الملف السوري وتحديدا فيما يتعلق بحل مشكلة اللاجئين السوريين الذين تتصاعد موجات الرفض الداخلي لبقائهم، والاقتصادي المتمثل في أزمة خانقة كان حزب العدالة والتنمية الحاكم وصل إلى السلطة بسبب أزمة مثيلة لها شهدتها البلاد في عام 2001، وخشيته من أن يرحل بسبب غياب الحلول للأزمة كما جاء بسبب قدرته على حل أزمة مشابهة. وهناك منظور آخر يتعلق بمراجعات السياسة الخارجية، ومحاولة تركيا كسر عزلتها في فترة تشهد تغيرات عالمية وإقليمية لا تستطيع أنقرة مواجهتها في ظل أزمات في علاقاتها مع محيطها الإقليمي، ومع جميع الدوائر المهمة كالاتحاد الأوروبي الذي تسعى لعضويته والولايات المتحدة المحكومة بملفات خلافية مزمنة تتصاعد تارة وتخبو أخرى.
في كواليس أنقرة، اشتعلت حرب بين حكومة رجب طيب إردوغان وأحزاب المعارضة التركية التي ترغب في الإجهاز على السلطة لأنها ترى الفرصة مواتية جداً للصعود إلى الحكم في الانتخابات المقبلة، وإنهاء حقبة 21 سنة من حكم إردوغان وحزبه.
وجرى، بالفعل، توظيف ورقة العلاقات مع الجارة سوريا وورقة اللاجئين و«خطأ» سياسة إردوغان وحكومته تجاهها. ووسط كل ذلك كان يدور حديث عن اتصالات على مستوى أجهزة الاستخبارات والأمن تجري في الخفاء وتسرب أخبارا عنها، بحساب، على مدى 5 سنوات، إلا أن أحداً لم يتخيل قول إردوغان بأن هدف بلاده ليس هزيمة النظام السوري بل وجوب تصعيد الاتصالات معه إلى أعلى المستويات.
بعض المحللين، يعتبر أن الاستدارة، التي عكستها التصريحات ليست استدارة سينتج عنها تطبيع قريب مع دمشق بقدر ما هي حركة سريعة من إردوغان لنزع السيف من يد خصومه، والوصول إلى أبعد مما كانوا يعدون به الناخب التركي... ليبرز في المقدمة على طريقة «بيدي لا بيد عمرو». وهذا أسلوب أجاده إردوغان طيلة عقدين من الزمان وأثبت نجاعته في كسب المعارك ضد المعارضة.
بدأت حملة التصريحات التي كشفت عن جهود التقارب التركي مع نظام الأسد بتصريح لوزير الخارجية مولود جاويش أوغلو عن إجرائه حديثاً قصيراً مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، على هامش الاجتماع رفيع المستوى لـ«مجموعة دول عدم الانحياز»، بمناسبة الذكرى الستين لتأسيسها الذي عقد في بلغراد خلال أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي.
وأكد جاويش أوغلو أن الدفع باتجاه الحوار بين أنقرة ودمشق جاء من جانب روسيا، وأن الرئيس فلاديمير بوتين «يقترح على تركيا، منذ زمن بعيد، التواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد وأن بوتين والمسؤولين الروس قالوا منذ فترة طويلة دعونا نوصلكم بالنظام». وأردف «كانت هناك لقاءات بين أجهزة المخابرات في البلدين لفترة... الآن بدأت مرة أخرى... لمناقشة قضايا مهمة في هذه الاجتماعات».
وتابع الوزير التركي «علينا أن نصالح المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما وإلا فلن يكون هناك سلام دائم... يجب أن تكون هناك إدارة قوية لمنع انقسام سوريا، والإرادة التي يمكنها السيطرة على كل أراضي البلاد لا تقوم إلا من خلال وحدة الصف».
- غضب واحتجاجات
كلام جاويش أوغلو أشعل ثورة غضب واحتجاجات من جانب السوريين في المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية والفصائل الموالية لها في شمال سوريا وصلت إلى حد إحراق علم تركيا. وهو ما استنكرته المعارضة السياسية والعسكرية التركية وتعهدت مع أنقرة بمحاسبة المسؤولين عنه. واتفقت المعارضة وأنقرة على أن ثمة تحريضاً على المظاهرات من جانب النظام وميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي صعدت تركيا هجماتها ضدها في شمال وشرق سوريا بعدما تراجعت عن شن عملية عسكرية ضدها في منبج وتل رفعت بسبب ممانعتي واشنطن وموسكو.
ثم جرى الحديث عن احتمال إجراء اتصال هاتفي بين إردوغان والأسد، استبعدت أنقرة حدوثه في الوقت الحالي. وبعد ذلك خرجت أنباء من إيران عن لقاء محتمل بين إردوغان والأسد على هامش «قمة مجموعة شنغهاي» المقرر عقدها في مدينة سمرقند بأوزبكستان في سبتمبر (أيلول) المقبل، لكن جاويش أوغلو نفى هذه الأنباء كما نفى توجيه دعوة للأسد للمشاركة في القمة، لكنه أكد أيضاً استعداد أنقرة للحوار مع النظام السوري بلا شروط.

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو

تصريحات التقارب مع النظام في دمشق، لم تتوقف عند جاويش أوغلو، بل امتدت إلى الرئيس إردوغان، الذي طالما تهجم شخصياً على الأسد. وحدث تحول في لهجة إردوغان وأعلن، الأسبوع الماضي، أن هدف بلاده في سوريا ليس تحقيق النصر على الأسد، بل محاربة الإرهاب، مؤكداً أن الحوار مع النظام السوري يجب أن «يصل إلى أعلى المستويات».
- طمأنة المعارضة
حقاً الكلام المتتابع عن الحوار والتطبيع مع الأسد أقلق أوساط المعارضة السورية، من نكث أنقرة بوعودها لها والضغط عليها من أجل التنازل للنظام من أجل التخلص من «صداع» أكراد سوريا وتهديداتهم لحدود تركيا الجنوبية.
من أجل ذلك، عقد جاويش أوغلو اجتماعا مع قادة المعارضة السورية، الأربعاء الماضي، وسط توالي الكلام عن الحوار مع النظام والتأكيد على ضرورة التصالح أو تحقيق التوافق معه من أجل تحقيق السلام الدائم في سوريا. واستهدف اللقاء الذي عقد بمقر الخارجية التركية وحضره رئيس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» سالم المسلط، ورئيس «هيئة التفاوض» بدر جاموس، ورئيس «الحكومة المؤقتة» عبد الرحمن مصطفى، تقديم رسالة طمأنة للمعارضة بشأن الدعم التركي. وأكد جاويش أوغلو، عقب اللقاء، أن تركيا تقدر وتدعم مساهمة المعارضة السورية في العملية السياسية في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015، الذي ينص على وقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا وبدء مفاوضات سياسية وتشكيل حكومة وحدة خلال سنتين تليها انتخابات.
- ضغوط روسيا
الاعتقاد السائد الآن في أوساط المعارضة السورية هو أن ضغوط روسيا على تركيا هي التي أدت إلى رضوخ أنقرة للحوار وإعادة العلاقات مع دمشق. وهو اعتقاد يتبناه ساسة أتراك كبار مثل رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي يرأس حاليا حزب «المستقبل» المعارض. فقد انتقد داود أوغلو، ما وصفه بـ«انجرار حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان وراء المطالب الروسية» وإعادة العلاقات مع النظام السوري، وتسليمه اللاجئين قبل تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وعبر داود أوغلو، الذي كان وزيراً لخارجية تركيا عندما اندلعت الحرب الداخلية في سوريا، عن انزعاجه من التقارب الذي تبديه أنقرة حالياً مع الأسد، والاستدارة التي قام بها إردوغان. وقال داود أوغلو، خلال فعالية لحزبه في أنقرة تحت عنوان «مشكلة الهجرة غير النظامية ومقترحات الحل بتوجيه من عقل الدولة وضمير الأمة» منتقداً «لقد تحولوا جميعاً، وليس جاويش أوغلو فقط؛ بل إردوغان وحليفه رئيس حزب (الحركة القومية) دولت بهشلي؛ لأن بوتين يريد ذلك، بينما لا يقوم النظام السوري بأي خطوات مقابلة، تماماً كما في العلاقات مع مصر. إذا تطورت العلاقات بهذا الشكل، فإن تركيا ستعاني من ذلك».
عموماً، يرى محللون أن تغييرات كثيرة على المستويين الإقليمي والدولي دفعت تركيا لاتخاذ هذه الخطوة، من بينها أن بين هذه التغيرات «الحرب الأوكرانية الروسية، وظهور نظام عالمي جديد بعد كوفيد - 19 سواءً على الصعيد الاقتصادي أو السياسي والعسكري، وظهور تكتلات جديدة في المنطقة والعالم، واكتشاف تركيا أنها لا يمكن أن تبقى بمعزل عن هذه التغيرات وبخاصة مع الدول المجاورة، وإدراكها أن علاقاتها مع دول الجوار لم تكن بالمستوى المطلوب لانغلاقها على نفسها... ولذا تحركت لتقليص الخلافات في علاقاتها مع دول المنطقة والعالم.
ويضيف معلقون أن السياسة التركية الجديدة حيال بالملف السوري تشي بأن حكومة إردوغان ترغب في إحداث اختراق حقيقي يحسن حظوظها في البقاء على رأس السلطة قبل انتخابات العام المقبل، كون الملف السوري ينعكس على تركيا ومصالحها في الداخل والخارج.
- مطالب متبادلة
المفهوم أن لا صفقات في العلاقات بين الدول بلا ثمن، وفي هذا الإطار كشفت مصادر تركية عن مطالب متبادلة بين أنقرة والنظام السوري من أجل إعادة فتح قنوات الاتصال وتطبيع العلاقات.
المصادر التي تحدثت إلى صحيفة «تركيا» القريبة من الحكومة، قالت إن النظام السوري طرح 5 مطالب على أنقرة تحقيقها قبل فتح قنوات الاتصال بين الجانبين، تتلخص في إعادة محافظة إدلب إلى إدارة دمشق، ونقل جمارك معبر كسب الحدودي، مع معبر باب الهوا إلى سيطرته، وترك السيطرة الكاملة على الممر التجاري بين معبر باب الهوا وصولاً إلى دمشق، بالإضافة إلى الطريق التجاري الواصل بين شرق سوريا - دير الزور والحسكة، وطريق حلب - اللاذقية الدولي (إم 4) للنظام، وعدم دعم تركيا العقوبات الأوروبية والأميركية ضد رجال الأعمال والشركات الداعمة للنظام.
أما تركيا فطالبت النظام السوري، بالمقابل، بتطهير مناطق ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) بالكامل، والقضاء التام على التهديد الإرهابي على الحدود، والاستكمال التام لعمليات التكامل السياسي والعسكري بين المعارضة ودمشق، والعودة الآمنة للاجئين.
وفي وسط هذا السيل من والمواقف أعلنت دمشق أنه لا حوار قبل الانسحاب التركي الكامل من الأراضي السورية والتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية في سوريا. وأكد على هذا المطلب وزير الخارجية فيصل المقداد خلال مباحثاته في موسكو الأسبوع الماضي. وبدوره، جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف موقف بلاده الرافض لأي عمل عسكري تركي في شمال سوريا.

وزير الداخلية التركي سليمان صويلو (رويترز)

في المقابل، لا ترى تركيا أن النظام قادر على حماية الأراضي السورية أو القضاء على «التنظيمات الإرهابية» في شمال البلاد، كما أعلن ذلك مراراً وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو.
وللعلم، تحدثت تقارير عن استعداد تركيا للخروج من منطقة شرق الفرات وشمال سوريا، بشرط أن يلتزم النظام بالقضاء تماما على وجود الميليشيا الكردية على حدود تركيا، والتي تقول أنقرة إنها تلقت دعما من الغرب، وبخاصة من الولايات المتحدة التي تعتبر «الوحدات» حليفا وثيقيا في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا.
- أين يتوزع السوريون في تركيا؟
> أعلنت إدارة الهجرة التركية في أبريل (نيسان) الماضي، أن عدد السوريين تحت «الحماية المؤقتة» في تركيا بلغ 3 ملايين و762 ألفا و686 سوريا يتوزعون في 32 ولاية من ولايات تركيا الإحدى والثمانين.
سجلت تركيا زيادة كبيرة في عدد اللاجئين السوريين منذ العام 2012 إذ سجلت حينها دخول 14234 سوريا، وكانت أكبر زيادة في عدد اللاجئين السوريين عام 2013، إذ سجل 224655 سوريا في ذلك العام.
تأتي ولاية إسطنبول في المرتبة الأولى من حيث عدد السوريين المقيمين فيها بنحو 542 ألفا و602. تليها غازي عنتاب بـ462 ألفا و897، فهطاي بـ433 ألفا و142، فشانلي أورفا بـ430 ألفا و3 سوريين، فأضنة بـ256 ألفا و468، فمرسين بـ242 ألفا و935، فبورصة بـ184 ألفا و363، فإزميربـ149 ألفاً و839، فقونية بـ123 ألفا و627 سوري، فكيليس بـ107 آلاف و214، وتضم ولايات أخرى 829 ألفا و610 سوريين.
- مخاوف السوريين بين التقارب مع النظام وسجالات الانتخابات
> وسط كل الزخم على الساحة السياسية التركية إزاء الملف السوري، ما بين مساعي التقارب بين أنقرة ودمشق، أو التناطح بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، يجد السوريون في تركيا أنفسهم في مأزق.
فهم عالقون بين مخاوف التطبيع مع النظام والاتفاق على إعادتهم بعد الحصول على ضمانات – لا يثقون بها، بشأن أمنهم وحمايتهم -، وبين الضغوط الهائلة في الداخل التركي والنداءات المتصاعدة والوعود بإعادتهم إلى بلادهم بعد انتخابات 2023 حال فوز المعارضة بها.
المخاوف تؤرق نحو 3.7 مليون سوري، قلة قليلة منهم تعيش في مخيمات قرب حدود بلادهم، والغالبية العظمى منتشرة في الولايات والمدن التركية حيث أسس كثيرون حياة مستقرة تشي بأن فكرة العودة لم تعد تخطر على البال.
وفعلاً لا تمر لحظة بلا سجالات في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي حول وجود السوريين في تركيا، ومشاركة من حصلوا منهم على الجنسية التركية في الانتخابات المقبلة... ودورهم في صنع المستقبل بعدما أصبحوا مواطنين أتراكا.
ولا يتوقف السجال على أوساط المجتمع التركي، بل بات يمثل ارتدادا لحملات انطلقت منذ أكثر من سنة ضد ما يروج له على أنه «الخطر السوري» أو حتى «الاحتلال». ويتبنى أوميت أوزداغ، رئيس حزب «النصر» التركي القومي المتشدد، حملة مناهضة لبقاء السوريين بالبلاد، في دعوة تثير الانقسام بين مؤيد ورافض لوجود السوريين، وامتدادا إلى من يرون أنه ما كان على تركيا أن تفتح أبوابها إلا للنساء والأطفال والعجائز... ورفض استقبال من هم في سن تمكنهم من البقاء في بلادهم للحرب بدلا من التسكع على الشواطئ وفي شوارع تركيا.
ولقد تجدد السجال بين أوزداغ ووزير الداخلية التركي سليمان صويلو حول مسألة المجنسين السوريين، إذ أكد صويلو أن عدد السوريين المجنسين لا يزيد عن 211 ألفا يحق لـ120 ألفا فقط منهم التصويت في الانتخابات المقبلة. بينما يدعي أوزداغ أن أعداد السوريين الحاصلين على الجنسية حتى يوليو (تموز) الماضي بلغ مليونا و476 ألفا و368 سوريا، من دون أن يوضح مصدر البيانات التي حصل منها على هذه الأرقام.
وحدهم السوريون هم من يتحملون تبعات التصريحات المستمرة بحقهم والتي ساهمت، إلى حد بعيد، في تأجيج خطاب الكراهية والعنصرية بحقهم في الشارع التركي.
ومع استمرار الحديث عن اللاجئين السوريين ومشاكلهم ونمط حياتهم المختلف - بمن فيهم أولئك الحاصلون على الجنسية التركية – صار كثيرون منهم يسعون إلى مغادرة تركيا نحو أوروبا وطلب اللجوء في دولها، وأصبحت صربيا التي يمكن دخولها بجواز السفر التركي بسهولة من الوجهات التي يقصدها آلاف السوريين كمعبر إلى أوروبا.
في المقابل، قسم كبير من السوريين الحاصلين على الجنسية التركية يعيشون في قلق وترقب انتظاراً للانتخابات التركية ونتيجتها، وغالبيتهم يعتقدون أن المعارضة ستلغي، حال فوزها بالانتخابات، الجنسيات الاستثنائية التي حصلوا عليها. وكان ناشطون أتراك أطلقوا حملة على منصات التواصل الاجتماعي لمنع السوريين الحاصلين على الجنسية التركية من المشاركة الاقتراع بعدما كشفت إحصائيات وزارة الداخلية عن أن غالبية السوريين يعيشون في مدينة إسطنبول، تليها غازي عنتاب وهطاي وشانلي أورفا وأضنة ومرسين.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.