«الذاكرة» و«الغاز» و«التأشيرات» أبرز رهانات زيارة الرئيس الفرنسي

منظمات ناشدته «عدم التستر» على «تدهور» حقوق الإنسان

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مستقبلاً نظيره الفرنسي لدى وصوله إلى مطار الجزائر العاصمة أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مستقبلاً نظيره الفرنسي لدى وصوله إلى مطار الجزائر العاصمة أمس (أ.ف.ب)
TT

«الذاكرة» و«الغاز» و«التأشيرات» أبرز رهانات زيارة الرئيس الفرنسي

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مستقبلاً نظيره الفرنسي لدى وصوله إلى مطار الجزائر العاصمة أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مستقبلاً نظيره الفرنسي لدى وصوله إلى مطار الجزائر العاصمة أمس (أ.ف.ب)

بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس، زيارة رسمية إلى الجزائر تستغرق 3 أيام، تهدف إلى طي صفحة القطيعة، و«إعادة بناء» علاقة لا تزال مثقلة بأعباء الماضي. وكان في استقباله الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وإذا كانت أطراف فرنسية عدة تعول على تحقيق نتائج إيجابية من هذه الزيارة، فإن بعض المحللين السياسيين في الجزائر يرون أن هذه الزيارة تبدو محفوفة بالتحديات حول قضايا شائكة عدة؛ أبرزها «الذاكرة» و«الحرب في أوكرانيا» و«الغاز الجزائري» و«التأشيرات»، و«الأمن في الساحل»، وليس أقلها «تجاوز الخلافات» التي طغت على ولاية ماكرون الأولى.
ومنذ انتخابه عام 2017، لم يتوقف الرئيس ماكرون، أول رئيس فرنسي ولد بعد حرب استقلال الجزائر (1954 - 1962)، عن محاولة تطبيع العلاقات بين الشعبين. وضرب عندما كان مرشحاً للانتخابات على وتر حساس بوصفه الاستعمار بأنه «جريمة ضد الإنسانية»، كما ضاعف مذّاك مبادراته في ملف الذاكرة. لكن الجزائر أعربت عن أسفها لأن الرئيس الفرنسي لم يقدم «اعتذاراً» على 132 عاماً من الاستعمار الفرنسي. وبعد أشهر من التوتر، عدّ ماكرون أن السلطات الجزائرية أنشأت «ريعاً لذاكرة» حرب الاستقلال للحفاظ على شرعيتها، وشكك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار، وهي القضية التي أدت وقتها إلى سحب الجزائر سفيرها من باريس.
وأصبحت الجزائر منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا مُحاوراً مرغوباً للغاية لدى الأوروبيين؛ الساعين إلى تقليل اعتمادهم على الغاز الروسي، بصفتها من بين أكبر 10 منتجين للغاز في العالم، وبهذا الخصوص توقع الخبير الاقتصادي الجزائري، عبد الرحمن مبتول، لوكالة الصحافة الفرنسية أن «يطلب الرئيس الفرنسي من الجزائر بذل جهد لمحاولة زيادة إنتاجها من الغاز». لكنه رأى أنه «إذا أراد الفرنسيون المزيد؛ فعليهم الاستثمار» في صناعة الغاز والطاقات المتجددة في الجزائر.
في المقابل، تواجه فرنسا صعوبات اقتصادية في الجزائر بحصة من السوق تناهز 10 في المائة، وقد تجاوزتها الصين (16 في المائة) التي صارت المورد الأول للبلد الأكبر جغرافيا في أفريقيا. كما خسرت مجموعة «سويز» الفرنسية إدارة شبكة المياه في الجزائر العاصمة، فيما خسرت شركة «راتيبي باريس» إدارة المترو، و«شركة مطارات باريس» إدارة مطار هواري بومدين في العاصمة. أما مصنع مجموعة السيارات «رينو» فهو مكبل بحصص من القطع المستوردة التي تفرضها السلطات الجزائرية.
وبالنسبة إلى أزمة التأشيرات التي عصفت بعلاقات البلدين، فقد عملت باريس على خفض عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين بنسبة 50 في المائة للضغط على حكومة الجزائر، التي تعدّها غير متعاونة في إعادة مواطنيهما المطرودين من فرنسا. وقد شدد السفير الفرنسي الأسبق لدى الجزائر، كزافييه درينكور، على أن «تقليص عدد التأشيرات له تداعيات كبيرة في الجزائر، ويسلط ذلك ضغطاً على السلطة الجزائرية». لذلك تريد باريس والجزائر «المضي قدماً» في هذا الملف، وفق الرئاسة الفرنسية، التي أكدت أنه منذ مارس (آذار) 2022 أصدرت السلطات الجزائرية «300 تصريح (للعودة)، مقابل 17 خلال الفترة نفسها في 2021، و91 في 2020».
وبالنسبة لقضية الصحراء، يرى مراقبون أن زيارة الرئيس ماكرون قد تثير توتراً أو انتقادات من المغرب؛ المنافس الإقليمي الأكبر للجزائر، والذي شهدت علاقاته مع باريس برودة مؤخراً. وبهذا الخصوص قال كزافييه درينكور إن «هناك دائماً منافسة بين الجزائر والمغرب، والجزائر تريد بهذه الزيارة تسجيل نقاط». وفي المقابل؛ تريد الرباط أن تُظهر فرنسا دعمها «بشكل أوضح» لخطة الحكم الذاتي المغربية لتسوية نزاع الصحراء.
وإذا كانت بعض الأطراف الفرنسية متحمسة كثيراً لهذه الزيارة، فإن بعض الأحزاب والأطراف السياسية الجزائرية لا تنظر إليها بعين الرضا؛ إذ قال رئيس «حركة البناء الوطني»، عبد القادر بن قرينة، إن الرئيس الفرنسي فشل في زيارته الأولى للجزائر خلال عهدته الرئاسية الأولى في حل الملفات العالقة بين البلدين، واحترام السيادة الوطنية، مشيراً إلى أن العلاقات الجزائرية - الفرنسية لا تزال تتأرجح بسبب عدم التجاوب بإيجابية ومسؤولية مع المطالب الجزائرية، التي لم يستطع القرار الفرنسي الرسمي؛ بسبب ضغط اللوبيات، تسويتها.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن المقرر الفرنسي قد أصبح عاجزاً أمام ضغط اللوبيات العنصرية المتطرفة، التي جعلت فرنسا تفقد كثيراً من مصالحها الاستراتيجية في كثير من المواقع، بسبب قرارها المختطف من طرف هذه اللوبيات، التي تحركها دائماً عقدة التعالي الاستعمارية، والاستخفاف بالحقوق المشروعة لشعوب المستعمرات القديمة لفرنسا.
من جهته؛ شدد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، على «ضرورة المحافظة على الشواهد التاريخية لإظهار الإجرام الذي قام به الاستعمار الفرنسي ضد الجزائريين». وقال إن «تلك الجريمة الاستعمارية موثقة الآن بالأداة والوثائق»، مبرزاً «أهمية إيصال المعلومات كافة المتعلقة بهذه الشواهد والآليات ووسائل الإجرام، التي استخدمها الاستعمار الفرنسي للتنكيل بالشهداء الأبرار والمجاهدين والجزائريين خلال الثورة التحريرية، حتى يعلم جيل اليوم بأن ثمن الاستقلال كان باهظاً».
في سياق ذلك، دعت منظمات جزائرية الرئيس الفرنسي إلى «عدم التستر» خلال زيارته إلى الجزائر على مسألة «تدهور» حقوق الإنسان في البلاد، و«عدم التغاضي عن انحراف النظام الجزائري نحو الاستبداد».
وأكدت 13 منظمة في رسالة مفتوحة إلى ماكرون أنها «تأمل أن تكون الزيارة مثمرة للبلدين المرتبطين ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ والجغرافيا والثقافة واللغة، وبكل التبادلات والشراكات القائمة منذ الاستقلال». لكنها أوضحت أن «هناك موضوعاً خطيراً يجب عدم التستر عليه خلال الزيارة: وهو الوضع الحالي لحقوق الإنسان في الجزائر».


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.