مع قرب حسم مصير الاتفاق النووي مع إيران، طفت الخلافات الحزبية على سطح الساحة السياسية في الولايات المتحدة، وشهدت الأجواء تصعيداً في التوترات والحساسيات بين الإدارة الأميركية من جهة، والمعارضين للعودة إلى الاتفاق من جهة أخرى.
وكثّف المعارضون حملاتهم الشاجبة لجهود إدارة بايدن العودة إلى الاتفاق الذي عقده صديقه الرئيس السابق باراك أوباما في عام 2015، في مؤشر يدل على احتمال قرب التوصل إلى تسوية بين الأطراف تعيد إحياء الاتفاق السابق.
ولعلّ أكثر ما يؤرق نوم هؤلاء المعارضين هي ما يصفونها بالتنازلات التي قدمتها إدارة بايدن لطهران في سعيها للعودة إلى الاتفاق بعد انسحاب الرئيس السابق دونالد ترمب منه. تحديداً عدم ربط أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة بأي بنود متعلقة بالاتفاق، وهذا ما تحدث عنه كبير المستشارين السابقين للسيناتور الجمهوري بيل هاغرتي، جول رايبرن عندما قال: «الحقيقة هي أن اتفاق العام 2015 انهار تحت وطأة ثقله في العامين 2016 و2018 عندما استمر النظام الإيراني بشن حرب على المنطقة المحيطة به والولايات المتحدة، مع الاستمرار بجمع عائدات النفط التي موّلت مقدرات جيشه وإرهابه».
وحذّر رايبرن الذي خدم كمبعوث خاص لسوريا في عهد ترمب، قائلاً إنه «على مدى 16 شهراً حاولت إدارة ترمب البحث عن طرق لردع إرهاب إيران من دون إنهاء الاتفاق. ولم تجد أي طريقة. في حال عادت إدارة بايدن إلى الاتفاق النووي، فسوف ينهار كذلك عندما تستمر إيران بصنع الحروب».
https://twitter.com/joel_rayburn/status/1562024869683945472?s=20&t=B3o6-vaB0y-4fwdF37GPsA
إحاطة الكونغرس
ويطالب المشرعون الإدارة الأميركية بتقديم إحاطات دورية لهم بشأن سير المفاوضات وتفاصيل أي اتفاق محتمل، ويتذمرون من غياب الشفافية، الأمر الذي دفع بكبير الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مايك مكول إلى كتابة رسالة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن ينتقد فيها غياب الشفافية في التعاطي مع الكونغرس، قائلاً: «إن غياب التواصل مع الكونغرس صادم فيما تم إبلاغ البرلمان الإيراني بتفاصيل المفاوضات. الاستنتاج المنطقي الوحيد هو أن المفاوضين الإيرانيين راضون عن نتيجة المفاوضات فيما يسعى المفاوضون الأميركيون إلى تحديد كيفية تقديم المزيد من التنازلات وترويج صفقة سيئة للشعب الأميركي».
المبعوث الأميركي الخاص بإيران روبرت مالي ينتظر للإدلاء بشهادته أمام جلسة استماع لمجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية في الكابيتول هيل في واشنطن مايو الماضي (أ.ف.ب)
وفيما يتوقع أن تُطلع إدارة بايدن الكونغرس على تفاصيل الاتفاق بعد التوصل إليه، يذكّرها المشرعون بأن الكونغرس لن يجلس ساكناً بل عليه أن يصوّت كذلك لإقرار الاتفاق التزاماً بالقانون الأميركي الذي أقره الكونغرس في عام 2015 باسم قانون «إينارا».
قانون «إينارا»
من أهم ما تمخض عن الاتفاق النووي مع إيران في عهد أوباما بالنسبة للمعارضين، قانون أقره الكونغرس بعنوان قانون «مراجعة الاتفاق النووي مع إيران (إينارا)».
وأقر الكونغرس في 14 مايو (أيار) 2015 القانون بأغلبية ساحقة في المجلسين بعدما دعمه 98 سيناتوراً من أصل 100 في مجلس الشيوخ، و400 نائب من أصل 435 في مجلس النواب، ويُلزم هذا القانون الإدارة الأميركية بطرح أي اتفاق نووي جديد مع إيران للتصويت أمام الكونغرس.
ولعلّ أبرز نقطة تستغلها إدارة بايدن في لغة القانون هي «اتفاق نووي جديد»، لهذا تسعى جاهدة إلى تجنب الكونغرس عبر التشديد على أن هذا الاتفاق ليس بجديد بل هو استمرارية للاتفاق السابق. لأن أي اتفاق جديد سيُلزمها بتصويت الكونغرس عليه لإقراره، حسب قانون «إينارا».
سيناريو التصويت
في حال رفضت إدارة بايدن طرح الاتفاق على الكونغرس لإقراره، فسيكون أحد السيناريوهات المطروحة من المعارضين هو سيناريو مشابه لما فعله الكونغرس أيام أوباما: التصويت لعرقلة الاتفاق وليس لإقراره.
والعائق هنا أمام المعارضين هو أن تصويتاً من هذا النوع بحاجة إلى ثلثي الأصوات لإقراره في المجلسين وهذا حتى الساعة عدد غير متوفر، حسب مصادر في الكونغرس. ففي عام 2015 صوّت 269 نائباً ضد الاتفاق في مجلس النواب، و56 سيناتوراً ضده في مجلس الشيوخ. لكنهم لم يتمكنوا من عرقلته لأن العرقلة بحاجة لأغلبية الثلثين في المجلسين. أي 67 صوتاً في مجلس الشيوخ ما يعني أنه على 17 ديمقراطياً التصويت ضده مع كل الجمهوريين و290 صوتاً في النواب، حيث يتمتع الديمقراطيون بـ222 مقعداً فقط.
جدل التسميات
عمدت إدارة بايدن إلى طرح الاتفاق النووي مع إيران تحت مسمى «مذكرة تفاهم» بهدف تجنب طرحها أمام مجلس الشيوخ كمعاهدة للتصويت عليها بسبب المعارضة الشديدة للاتفاق من الحزبين. فالمعاهدات بحاجة إلى 67 صوتاً في الشيوخ للمصادقة عليها وهذا رقم مستحيل في ظل المعارضة المتزايدة للاتفاق.
لكن اعتماد إدارة أوباما، ومن بعدها إدارة بايدن، على هذه الاستراتيجية سيف ذو حدين، إذ إنها أفسحت المجال لأي رئيس يعارض الاتفاق الانسحاب منه لأنه ليس ملزماً بسبب عدم طرحه كمعاهدة أو اتفاقية دولية. لهذا يحذّر الجمهوريون من أن الرئيس المقبل في حال كان جمهورياً سينسحب هو كذلك من الاتفاق على غرار ما فعل ترمب، بضربة قلم.
وعلى الرغم من الحديث عن ضمانات أميركية بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي كما طالبت إيران، يؤكد الجمهوريون «استحالة» تقديم ضمانات من هذا النوع من دون طرح الاتفاق كمعاهدة، وهذا ما بدا واضحاً من خلال تصريح للسيناتور الجمهوري تيد كروز عندما قال: «أنوي أن أتصدى لتطبيق هذا الاتفاق الكارثي، وسوف أعمل مع زملائي لصدّه وإلغائه في يناير (كانون الثاني) 2025»، وهو موعد تنصيب الرئيس المقبل في حال خسارة بايدن أو عدم ترشحه مجدداً.
https://twitter.com/SenTedCruz/status/1562178217540308994?s=20&t=AzMBwAicOXaJ9KqHugAW-w
اغتيالات ومكافآت
يتساءل الجمهوريون، كيف يمكن للإدارة أن تسعى لتقديم إعفاءات من العقوبات لنظام داعم للإرهاب، ويذكّرون بمحاولات اغتيال مسؤولين سابقين كمستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وغيرهما. ويقول كروز: «النظام الإيراني يسعى الآن لملاحقة مسؤولين أميركيين سابقين وقتلهم على أرض أميركية. وهذا الاتفاق سوف يؤدي إلى تدفق مئات مليارات الدولارات على النظام... وسيعطي للحرس الثوري الموارد التي يحتاج إليها لتصدير إرهابه عالمياً».
لكنّ إدارة بايدن تعارض هذه النظرية وتقول إن التوصل إلى اتفاق مع إيران سيخفّف من خطرها النووي، وبالتالي من تهديداتها على دول المنطقة والولايات المتحدة.
نظرية رفضها بولتون كلياً في مقابلة مع «الشرق الأوسط» في وقت سابق من هذا الشهر، قال فيها: «هذا يعكس غياب الواقعية في سياسة الإدارة تجاه إيران، فقد تكون الإدارة قادرة على فصل المفاوضات النووية عن مساعي إيران قتل أميركيين داخل الولايات المتحدة، لكن طهران لا تفصل هذه الملفات بعضها عن بعض». وأضاف بولتون: «النظام الإيراني يعتقد أن برنامج الأسلحة النووية وقدراته الإرهابية هما وجهان لعملة واحدة. ويعدّها أدوات للثورة الإسلامية موجهة ضد الشيطان الأكبر».