الصومال تفقد «شكسبيرها» وداعية السلام هدراوي

الصومال تفقد «شكسبيرها» وداعية السلام هدراوي
TT

الصومال تفقد «شكسبيرها» وداعية السلام هدراوي

الصومال تفقد «شكسبيرها» وداعية السلام هدراوي

رغم مآسي الصومال اليومية، آخرها هجوم حركة «الشباب» على فندق في العاصمة مقديشو، هز خبر رحيل محمد إبراهيم ورسمي، المعروف بـ«هدراوي»، يوم الخميس الماضي، عن 79 عاماً، الصومال برمتها. ولا غرابة في ذلك، فهو يعد، منذ أمد بعيد، أحد أعظم شعراء الصومال، كما جاء في مقال عنه نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية بمناسبة رحيله. لكن ذلك لا يعود لأسباب إبداعية فقط، بل لارتباط هذا الشاعر بقضايا بلده منذ شبابه الأول ونضاله المتواصل، الذي لم يكسره السجن والقمع وحتى منعه من الكتابة، من أجل السلام والديمقراطية.
في عام 1973، سجنه الرئيس السابق سياد بري، لمدة خمس سنوات، بتهمة التحريض ضد الحكومة، وحُظرت أعماله، لكنه استمر في كتابة الشعر الذي كان يهرب للناس، ويتم تداوله بشكل واسع.
وكانت الأغاني والقصائد التي يكتبها مفعمة بالصور المجازية والاستعارات، ومنفتحة للتأويل، مما جعل من الصعب على النظام العسكري السيطرة عليها، كما في قصيدة «مقتل الناقة» على سبيل المثال، التي سجنه النظام بسببها من دون محاكمة:
الثعبان يتسلل إلى القلعة
برغم أنها مغطاة بالشوك
لا يزال الجبان يقذف لعناته
فعلى الشجاع أن يمد رقبته
فحل البقر يبيع قيمه
حتى يبدو جميل المحيا
وتتدلى أفعاه الصلفة في عنجهية
عندها يصير الضحك جريمة
لدى بلادنا عمل لم ينته
وفي أوائل تسعينات القرن الماضي - عندما أدت الحرب الأهلية إلى القضاء على آلاف الصوماليين - سافر «هدراوي»، وتعني سيد أو «أبا الكلام» إلى مختلف أنحاء البلاد في «مسيرة سلام»، داعياً الأطراف المتحاربة إلى نبذ العنف. وقد لاقت رسالته للمصالحة صدى لدى الصوماليين في الداخل والخارج.
قال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في نعيه له، «كان الشاعر محمد إبراهيم ورسمي (هدراوي) رمزاً للوحدة والسلام. كان إحدى الركائز الأساسية للفنون والآداب في الصومال، واضطلع بدور رائد في الحفاظ على الثقافة الصومالية وتعزيز لغتها. إن كل أسرة صومالية مكلومة بوفاته».
وكتب صلاح أحمد، الشاعر والكاتب المسرحي ومدرس اللغة الصومالية في جامعة مينيسوتا بالولايات المتحدة عن رحيله: «سوف نعتز بإرثه الشعري والثقافي والعمل الأكاديمي الثري الذي خلفه وراءه».
كما بعث الاتحاد الأوروبي، والنرويج، والمملكة المتحدة، برسائل التعزية للحكومة الصومالية.
وكان هدرواي يُلقب بـ«شكسبير الصومال»، غير أن المطرب ومؤلف الأغاني الصومالي آر مانتا، قال: «لم يكن هدراوي (شكسبير الصومال)، بل كان هدراوي الصومالي. كان أكثر من شاعر، كان فيلسوفاً، ومناضلاً من أجل الحرية، وأمضى سنوات عديدة في السجن إثر مواقفه ضد الظلم والاستبداد».
وأضاف يقول: «كتب بعضاً من أجمل أغاني الحب، وقصائد يعشقها الصوماليون في القرن الأفريقي وخارجه، ويتخذونها معياراً لحياتهم».
يقول أحمد، الذي كان يعرف الشاعر هدراوي منذ أواخر الستينات، «كان هدراوي واحداً من أطيب الناس الذين التقيت بهم على الإطلاق. إن أشعاره تتحدث بلسان الذين لا صوت لهم... سوف نفتقده كثيراً، لكننا سوف نعتز بتراثه وعمله الأكاديمي الثري الذي تركه لنا».
ويطلق على الصومال «أمة الشعراء»، لكن إرثها بقي شفاهياً، إذ لم يتم تدوين اللغة الصومالية سوى في عام 1927.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

اليونيسكو تُدرج الورد الطائفي في التراث غير المادي

تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو يعكس قيمته بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية (الشرق الأوسط)
تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو يعكس قيمته بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية (الشرق الأوسط)
TT

اليونيسكو تُدرج الورد الطائفي في التراث غير المادي

تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو يعكس قيمته بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية (الشرق الأوسط)
تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو يعكس قيمته بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية (الشرق الأوسط)

أعلن الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة، رئيس مجلس إدارة هيئة التراث، رئيس اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، عن نجاح السعودية في تسجيل «الممارسات الثقافية المرتبطة بالورد الطائفي» في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو».

وأكّد وزير الثقافة السعودي أن الدعم غير المحدود الذي يحظى به القطاع الثقافي السعودي بمختلف مكوناته من قِبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، ساعد على تعزيز حضور الثقافة السعودية في العالم، مضيفاً: «يعكس هذا التسجيل جهود المملكة الحثيثة في حماية الموروث الثقافي غير المادي، وضمان استدامته ونقله للأجيال القادمة».

وجاء تسجيل الورد الطائفي بملفٍ وطنيٍ مشتركٍ بقيادة هيئة التراث، وبالتعاون مع اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، والوفد الدائم للمملكة لدى اليونيسكو، لينضم إلى قائمة عناصر التراث الثقافي غير المادي السعودية المُسجلة في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونيسكو، وهي: العرضة السعودية، والمجلس، والقهوة العربية، والصقارة، والقط العسيري، والنخلة، وحياكة السدو، والخط العربي، وحِداء الإبل، والبن الخولاني السعودي، والنقش على المعادن، والهريس.

ويُعد الورد الطائفي عنصراً ثقافياً واجتماعياً يرتبط بحياة سكان الطائف، حيث تُمثّل زراعته وصناعته جزءاً من النشاط اليومي الذي ينعكس على الممارسات الاجتماعية والتقليدية في المنطقة، ويمتد تاريخ زراعة الورد الطائفي إلى مئات السنين، إذ يعتمد سكان الطائف على زراعته في موسم الورد السنوي، ويجتمع أفراد المجتمع في حقول الورود للمشاركة في عمليات الحصاد، التي تُعد فرصة للتواصل الاجتماعي، ونقل الخبرات الزراعية بين الأجيال.

وتُستخدم منتجات الورد الطائفي، وخصوصاً ماء الورد والزيوت العطرية في المناسبات الاجتماعية والتقاليد المحلية، مثل تعطير المجالس وتقديم الضيافة، مما يُبرز دورها في تعزيز الروابط الاجتماعية، كما يُعد مهرجان الورد الطائفي السنوي احتفالاً اجتماعياً كبيراً يجتمع خلاله السكان والزوّار للاحتفاء بهذا التراث، حيث يعرض المجتمع المحلي منتجاته، ويُقدم فعاليات تُبرز الفخر بالهوية الثقافية.

ويعكس تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو قيمة هذا العنصر بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية، إلى جانب إسهامه في تعزيز فهم العالم للعلاقات الوثيقة بين التراث الثقافي والممارسات الاجتماعية، ويأتي ذلك في ظل حرص هيئة التراث على ضمان استدامة هذا الإرث الثقافي، كما يعكس حرصها على ترسيخ التبادل الثقافي الدولي بعدّه أحد مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة «رؤية المملكة 2030».