حكام باكستان... صراع كارثي على «الجانب الخطأ» بين المعارضة والدولة

عمران خان في مقابلة صحفية في 4 يونيو 2021 (رويترز)
عمران خان في مقابلة صحفية في 4 يونيو 2021 (رويترز)
TT

حكام باكستان... صراع كارثي على «الجانب الخطأ» بين المعارضة والدولة

عمران خان في مقابلة صحفية في 4 يونيو 2021 (رويترز)
عمران خان في مقابلة صحفية في 4 يونيو 2021 (رويترز)

في تاريخ باكستان السياسي كان كل حاكم يعاني من مشكلة ما، وكانت المشكلة إما مع أحزاب المعارضة وإما مع أجهزة الدولة. لكن أياً من الحكام لم يحكم البلاد من دون الدخول في مشكلة ما مع القوى المعارضة.
الحكام الذين مثّلوا مؤسسات الدولة، مثل المؤسسة العسكرية، كانوا على الجانب الخطأ من أحزاب المعارضة السياسية. على سبيل المثال، واجه الرئيس برويز مشرف طيلة فترة حكمه، التي دامت تسع سنوات، مطالب الأحزاب السياسية المعارضة بالتخلي عن زيه العسكري. وقاوم هذه المطالب بثبات. وعندما وافق عليها عام 2008 وتنحى عن منصبه العسكري، طُرد من السلطة.
النمط الثاني من الحكام الباكستانيين وجد نفسه على الجانب الخطأ من مؤسسات الدولة، مثل المؤسسة العسكرية وأجهزة الاستخبارات. كان رئيس الوزراء نواز شريف والرئيس آصف علي زرداري ينتميان إلى هذه الفئة. وقد عارضتهم مؤسسات الدولة وحاصرتهم. واتهم كل منهما الجيش بالتدخل في شؤون حكومته. كل هذه التطورات السياسية تجري في سياق الوقائع الدستورية المتغيرة. وقبل تولي الجيش السلطة في أكتوبر (تشرين الأول) 1999 كان نواز شريف رئيس الوزراء القوي الذي يتمتع بسلطات دستورية وسياسية كاملة.
حين تولى الجنرال مشرف السلطة في أعقاب الانقلاب العسكري، عمل على تغيير أحكام الدستور على نحو تعسفي، وجعل مؤسسة الرئيس ذات سلطات مطلقة. وصار رئيس الوزراء خاضعاً له.
بعد أعوام قليلة من تولي مشرف المنصب كرئيس تنفيذي للبلاد، المنصب الدستوري الذي استحدثه لنفسه، صار رئيساً للبلاد عبر استفتاء وهمي.
أظهر الرئيس زرداري قدراً كبيراً من الحكمة، حين طلب بنفسه من حزبه تغيير الدستور، بحيث يكون منصب رئيس الوزراء المؤسسة السياسية القوية في البلاد. وقد حدث هذا رغم انتخاب زرداري رئيساً للبلاد إثر استقالة مشرف من منصبه. كان مشرف رئيساً قوياً بكل المقاييس. وحكم باكستان منفرداً. وكان قائداً عسكرياً ورئيساً مدنياً في الوقت نفسه. إلا أنه واجه معارضة من الأحزاب الدينية مثل «الجماعة الإسلامية» و«جمعية علماء الإسلام»، وهما حزبان سياسيان قويان كانا يطالبان باستمرار بأن يتخلى مشرف عن منصبه العسكري. وواجه مشرف ضغطاً آخر من الجماعات المسلحة والإرهابية المتحالفة مع «طالبان» و«القاعدة».
بعد تخلي الرئيس زرداري عن سلطاته الدستورية كرئيس، اقتصر الأمر على السلطات الشرفية فقط. لكنه كان رئيس الحزب الحاكم من 2008 إلى 2013، وقد منحه ذلك كل السلطات اللازمة لإدارة البلاد، وأشعل صراعاً مع الجيش، وتعرض بدوره للضغوط والحصار من أجهزة الاستخبارات والجيش.
كان رئيس الوزراء نواز شريف ضعيفاً للغاية من الوجهة السياسية بعد توليه السلطة عام 2013، ولم يتخذ مقام الند بالند مع القادة العسكريين، وعندما حاول التواصل مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، انزعجت القيادة العسكرية كثيراً. وكان يلقى مقاومة مستمرة، وإنما طفيفة، من جانب أحزاب المعارضة عند المقارنة مع معارضة أجهزة الاستخبارات والجيش والقضاء. وأخيراً أطاح به القضاء من السلطة عام 2017 وأرسله إلى السجن.
عمران خان شخصية فريدة من نوعها في السياسة الباكستانية. وتفيد التقاليد الشعبية في باكستان بأنه حاز السلطة بدعم من الجيش والقضاء معاً. ومع ذلك، فقد اصطدم مع المؤسسة العسكرية، وعندما تآمرت المعارضة بقيادة الرئيس الأسبق زرداري لإقصائه من السلطة، تحول الجيش إلى موقف المراقب عن كثب. ومن ثم، انقلب عمران خان على الجيش. إلا أن القضاء الباكستاني ما زال يُصدر حكماً تلو الآخر لصالحه.
يتخذ عمران خان موقفاً مناوئاً باستمرار ضد حزب «الرابطة الإسلامية الباكستانية» (ن)، الحزب المعارض الرئيسي. وتتصادم قوى حزب «حركة الإنصاف» الحاكم ضد «حزب الرابطة الإسلامية» في البلاد على الدوام. ويحظى هذان الحزبان بشعبية كبيرة بين الطبقات الوسطى البنجابية والبشتونية التي لطالما أرسلت الشخصيات السياسية إلى أروقة السلطة.
ينبع معظم المشكلات السياسية في باكستان من عدم قدرة طبقاتها الحاكمة ومؤسسات الدولة على الاتفاق على بعض قواعد اللعبة. ولا يتسامح الزعماء السياسيون الشعبيون، أمثال نواز شريف وعمران خان، بعضهم مع بعض. كما أنهم يتصادمون مع المؤسسة العسكرية وأجهزة الاستخبارات كلما وصلوا إلى السلطة عن طريق الانتخابات. كما أن أجهزة الجيش والاستخبارات متجذرة بعمق في الدولة وهيكل السلطة ولا تتسامح مع القادة الشعبيين وغير المنضبطين، مع نتائج تكون فيها الساحة السياسية في خضم صراع أو آخر على السلطة يشمل مؤسسات الدولة من جهة، والقيادة السياسية الشعبية من جهة أخرى.
إلى جانب ذلك، عندما يقع الصراع على السلطة، لا يراعي أي من هؤلاء اللاعبين أي قاعدة من قواعد اللعبة السياسية، مع تحريف القادة السياسيين لنصوص وأحكام القانون والدستور بما يخدم مصالحهم الذاتية في أوقات الأزمات. كما تتجاوز مؤسسات الدولة أحكام القانون والدستور كلما احتاجتإلى ذلك أو متى شاءت.
تدخل السياسة الباكستانية مجدداً مرحلة خطيرة، عندما يتخذ القادة السياسيون الشعبيون مواقف غاية في الصرامة والعناد ضد مؤسسات الدولة وبعضهم ضد بعض. وتكمن المشكلة الحقيقية هذه المرة في أن لا أحد من الزعماء السياسيين الشعبيين على استعداد لقبول خصمه بوصفه حاكماً شرعياً للبلاد حتى وإن فاز في الانتخابات. وفي غياب أي قواعد متفق عليها للعبة السياسية، فإن الساحة مهيأة بالكامل لصراع كارثي جديد.


مقالات ذات صلة

إسلام آباد: «طالبان باكستان» قد تستهدف عمران خان

العالم إسلام آباد: «طالبان باكستان» قد تستهدف عمران خان

إسلام آباد: «طالبان باكستان» قد تستهدف عمران خان

ذكرت وسائل إعلام باكستانية أمس (الاثنين)، نقلاً عن تقرير سري لوزارة الدفاع، أن رئيس الوزراء السابق عمران خان وزعماء سياسيين آخرين، قد يجري استهدافهم من قبل تنظيمات إرهابية محظورة خلال الحملة الانتخابية. وذكر التقرير على وجه التحديد عمران خان، ووزير الدفاع خواجة آصف، ووزير الداخلية رنا سناء الله، أهدافاً محتملة لهجوم إرهابي خلال الحملة الانتخابية. وقدمت وزارة الدفاع تقريرها إلى المحكمة العليا في وقت سابق من الأسبوع الحالي.

عمر فاروق (إسلام آباد)
العالم 3 قتلى بقنبلة استهدفت مركزاً للشرطة في باكستان

3 قتلى بقنبلة استهدفت مركزاً للشرطة في باكستان

أسفر اعتداء بقنبلة استهدف اليوم (الاثنين) مركزا لشرطة مكافحة الإرهاب الباكستانية عن ثلاثة قتلى وتسبب بانهيار المبنى، وفق ما أفادت الشرطة. وقال المسؤول في الشرطة المحلية عطاء الله خان لوكالة الصحافة الفرنسية إن «قنبلتين انفجرتا» في مركز الشرطة «وأسفرتا عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل» في مدينة كابال الواقعة في وادي سوات بشمال غربي باكستان.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
العالم باكستان: 358 قتيلاً بثلاثة شهور بسبب الإرهاب

باكستان: 358 قتيلاً بثلاثة شهور بسبب الإرهاب

تمكّن الجيش الباكستاني من القضاء على ثمانية مسلحين من العناصر الإرهابية خلال عملية نفذها في مقاطعة وزيرستان شمال غربي باكستان. وأوضح بيان صادر عن الإدارة الإعلامية للجيش اليوم، أن العملية التي جرى تنفيذها بناءً على معلومات استخباراتية، أسفرت أيضًا عن مقتل جنديين اثنين خلال تبادل إطلاق النار مع الإرهابيين، مضيفًا أنّ قوات الجيش صادرت من حوزة الإرهابيين كمية من الأسلحة والمتفجرات تشمل قذائف». ونفذت جماعة «طالبان» الباكستانية، وهي عبارة عن تحالف لشبكات مسلحة تشكل عام 2007 لمحاربة الجيش الباكستاني، ما يقرب من 22 هجوماً.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
الاقتصاد باكستان تقترب من اتفاق مع صندوق النقد بعد تعهد الإمارات بمليار دولار

باكستان تقترب من اتفاق مع صندوق النقد بعد تعهد الإمارات بمليار دولار

قال وزير المالية الباكستاني، إسحق دار، اليوم (الجمعة)، إن الإمارات أكدت تقديم دعم بقيمة مليار دولار لإسلام أباد، ما يزيل عقبة أساسية أمام تأمين شريحة إنقاذ طال انتظارها من صندوق النقد الدولي. وكتب دار على «تويتر»: «مصرف دولة باكستان يعمل الآن على الوثائق اللازمة لتلقي الوديعة المذكورة من السلطات الإماراتية». ويمثل هذا الالتزام أحد آخر متطلبات الصندوق قبل أن يوافق على اتفاقية على مستوى الخبراء للإفراج عن شريحة بقيمة 1.1 مليار دولار تأخرت لأشهر عدة، وتعد ضرورية لباكستان لعلاج أزمة حادة في ميزان المدفوعات. ويجعل هذا التعهد الإمارات ثالث دولة بعد السعودية والصين تقدم مساعدات لباكستان التي تحتاج إل

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
العالم باكستان: مقتل أربعة رجال شرطة في معركة بالأسلحة النارية مع الإرهابيين

باكستان: مقتل أربعة رجال شرطة في معركة بالأسلحة النارية مع الإرهابيين

أعلنت الشرطة الباكستانية مقتل 4 رجال شرطة باكستانيين على الأقل في معركة بالأسلحة النارية مع الإرهابيين في مدينة كويتا في الساعات الأولى من الثلاثاء. وقال قائد شرطة العمليات في كويتا، كابتن زهيب موشين، لموقع صحيفة «دون» الباكستانية، إنه جرى شن العملية لتحييد الإرهابيين الذين شاركوا في الهجمات السابقة على قوات الأمن في كوتشلاك. وأضاف زهيب أن العملية أجريت بالاشتراك مع أفراد شرطة الحدود، حسب موقع صحيفة «دون» الباكستانية. وقال زهيب إن عناصر إنفاذ القانون طوقوا، خلال العملية، منزلاً في كوتشلاك، أطلق منه الإرهابيون النار على رجال الشرطة ما أدى إلى مقتل أربعة منهم.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.