«مليونير الأنفاق» بغزة.. يواجه أوقاتًا صعبة

سويري كان يختار أكثر الأماكن فخامة.. لكنه اليوم يعمل في مقهى بـ5 دولارات في اليوم

عمليات تهريب داخل أحد أنفاق غزة (غيتي)
عمليات تهريب داخل أحد أنفاق غزة (غيتي)
TT

«مليونير الأنفاق» بغزة.. يواجه أوقاتًا صعبة

عمليات تهريب داخل أحد أنفاق غزة (غيتي)
عمليات تهريب داخل أحد أنفاق غزة (غيتي)

عندما كان محمد سويري ثريا اشترى لحبيبته هاتفا جوالا حتى يتمكنا من تبادل الرسائل النصية سرا. لقد كان «مليونير أنفاق»، وهو واحد من آلاف الفلسطينيين الذين أصبحوا أثرياء بين عشية وضحاها بمعايير غزة، أي أصبحوا يكسبون 18 دولارا يوميًا من خلال تهريب السلع عبر واحد من مئات الأنفاق التي توجد أسفل الأرض على الحدود بين غزة ومصر.
لم يكمل سويري دراسته الثانوية، وكان في السابعة عشرة من العمر حين بدأ العمل في أحد الأنفاق. والآن بات في الثالثة والعشرين من العمر، ويبيع كوب الشاي مقابل 25 سنتا، والقهوة التركي، والنسكافيه، في متنزه غزة أمام متجر آيس كريم حيث تناول آيس كريم بنكهة الفانيليا ذات يوم مقابل 1.25 دولار. في أفضل الأيام يربح سويري 5 دولارات، وبدلا من التواصل مع حبيبته عبر الرسائل النصية يرسل إليها خطابات خلسة. وقال سويري وهو يتنهد أمام منصة لبيع الشاي في متنزه الجندي المجهول: «لقد كنت أختار أكثر الأماكن فخامة». وقد تم إطلاق هذا الاسم على المتنزه تكريما للشهداء الفلسطينيين الذين قتلوا على أيدي إسلاميين منذ تسع سنوات. وأضاف قائلا: «لقد أصبحت أبحث عن الزبائن، وكنت يومًا في محلك. أنت تسخر مني الآن لأنني أبيع الشاي»، مشيرا إلى متجر بيع الآيس الكريم الذي يوجد على الجهة المقابلة في يوم غائم تماما.
وسويري من بين آلاف الرجال الذين باتوا عاطلين عن العمل العام الماضي بسبب الحملة الأمنية، التي شنتها السلطات المصرية على الأنفاق، واتهام حركة حماس التي تحكم غزة بتوفير ممر آمن لعبور المسلحين الهاربين من مصر. وزاد هذا العدد من معدل البطالة في غزة، والذي ارتفع إلى 44 في المائة منذ الحرب الإسرائيلية خلال الصيف الماضي. ويتم جلب كل أنواع السلع، مثل الأبقار الحية، وحيوانات الحدائق، والسيارات، والمياه الغازية، والإسمنت، عبر الأنفاق.
وانتعشت تجارة الأنفاق عقب فرض إسرائيل ومصر قيودا صارمة على التجارة والحركة عام 2007 لمعاقبة حماس على الاستيلاء على السلطة في غزة. وأصبح بعض رجال الأنفاق السابقين بائعين متجولين في هذا المتنزه، ومن بينهم سويري، الذي اقترض 65 دولارا من والدته من أجل إقامة هذه المنصة في ركن يحيط به أشجار. يعد المتنزه، وهو مساحة خضراء نادرة في غزة، مكانا للتجمع. تبدأ المظاهرات من هنا، وخلال الحرب أقام المئات من المشردين مخيمات في المتنزه. ويجذب المتنزه الأثرياء، والفقراء، والعاطلين عن العمل، والأمهات، اللاتي يدفعن عربات أطفالهن، والطلبة، والعاشقين، مما جعل هذا العمل مربحا جدا.
مهند سهران هو ابن شقيق سويري (13 عاما)، ويعمل «نادلا» معه، ويساعد في جذب الزبائن في متنزه الجندي المجهول. ويتقاضى 75 سنتا مقابل كل 10 مشروبات. وأحيانا يطلب مهند سعرا أكبر ويحصل هو على فرق السعر. أفضل زبائن سويري هو رجل عجوز يدعى أبو باسل، يرتدي بزة مهندمة وقبعة، ويجلس على مقعد قريب. وهناك نادل يعمل في منصة أخرى لبيع الشاي يغازل النساء ويحصل على أرقام هواتفهن، ويبيعها لأبو باسل مقابل 2.50 دولار على حد قول سويري. في كل الأحوال أبو باسل هو رجل وحيد يجذب القلوب.
في أحد الأيام الماضية كانت هناك سيدة تجلس على مقعد في مواجهة أبو باسل. بدأت محادثة معه؛ وقالت إن زوجها تزوج عليها امرأة أصغر منها سنا وهو الآن يتجاهلها تماما. وهي كانت تشكو منه دائما. وطلب أبو باسل فنجاني قهوة تركي، أعطى أحدهما للمرأة. وهرع مهند إليهما جالبا إياهما القهوة، لكن المرأة اشتكت من أنها ليست ساخنة كما ينبغي. وبالقرب منهما كان هناك طلبة جامعيون مسلمون ملتزمون يجلسون على جدار منخفض يتحدثون عن الاختبارات القادمة، وعيونهم متجهة نحو الأرض، حتى لا يرتكبوا خطيئة النظر إلى النساء. وأبعد قليلا، يحاول محمد الغول، وهو طفل في السادسة من العمر سنته الأمامية مفقودة، بيع الجرائد مقابل 25 سنتا للصحيفة. وقال بزهو وهو ينظر بإعجاب نحو شقيقه عبد الرحمن البالغ من العمر 13 عاما: «أنا أساعد أخي». وسأل: «هل تريد صحيفة؟». وكانت هناك ثلاث سيدات يتجهن نحو مقعد بالقرب من سويري، وبدا عليهن أنهن من رفح، المدينة التي تقع على الحدود مع مصر في جنوب غزة. وقال: «مقارنة برفح، هنا مثل باريس بالنسبة إليهن. لا توجد أي متنزهات في رفح، ولا تستطيع النساء البقاء خارج المنزل هكذا. يمكنهن البقاء هنا للمدة التي يردنها والمغازلة». وكان هناك رجل يرتدي قميصا ضيقا ويحاول الحديث مع واحدة من تلك النساء، كانت ترتدي غطاء رأس يتلاءم مع لون ملابسها. وبعد مرور ساعة أخرج هاتفه الجوال وبدا أنه ينقر على الأرقام، ثم ابتعد. وكان هناك زوجان يتجهان نحو مقعد آخر. كانت السيدة مغطاة من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها، ورفعت يد الرجل بخجل، وأخذت تشتمها وكأنها تشتم رائحة عطر. وسأل رجل نحيف يبيع سجائر سويري ما إذا كان لديه بعض الماء. ويدفع سويري 25 سنتا يوميا إلى متجر قريب من أجل ملء حاوية، فمياه الصنبور ملوثة وغير صالحة للشرب. وأخذ مهند يصب له كوبا، فشكره الرجل قائلا: «جزاك الله خيرا». وكانت هناك ثلاث فتيات يرتدين الزي المدرسي اشترين آيس كريم أصفر اللون من بائع متجول آخر. وكانت إحداهن تدعى ميسر، تبلغ من العمر 14 عاما، وقالت إنهن يذهبن مؤقتا إلى مدرسة قريبة من المتنزه، لأن مدرستهن تستخدم كملجأ لإيواء الفلسطينيين المشردين الذين لم يتمكنوا من العثور على منازل منذ أيام الحرب.
وأشارت ميسر إلى دبوس يحمل وجها باسما على ملابسها وقالت: «ابتسم أنت في غزة» باللغة الإنجليزية. وبدأت شحاذة تبلغ من العمر 15 عاما في الاقتراب ببطء نحو المتنزه، وأخذت تتجول بصحبة شقيقتيها الأصغر منها، وكان وجهاهما، وملابسهما الممزقة، وأرجلهما العارية، ملطخة بالطين والقذارة، في حين كانت أظافر أقدامهما مطلية باللون الزهري. واقتربت الشقيقة الكبرى من سويري وأخذت تصيح فيه معبرة عن غضبها، ثم تسلقت لوحة إعلانات بالقرب من منصة بيع الشاي الخاصة به، فأخذ يصيح بها: «ابتعدي»، فأجابت: «أستطيع أن أفعل ما يحلو لي فأبي كفيف، وأمي مريضة». وقالت شقيقتها الأصغر وهي تتنهد: «وهي حامل مرة أخرى». وقال سويري: «ينبغي على إسرائيل أن تسكب الوقود على غزة بالكامل وتشعل النيران بنا جميعا. لا ينبغي أن يعيش أحد هنا».

* خدمة واشنطن بوست خاص بـ {الشرق الأوسط}



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.