«الكوليرا» تعيد نازك الملائكة للواجهة

«قراءة الشعر» يسلط الضوء على تجربتها وريادتها للشعر الحر

«الكوليرا» تعيد نازك الملائكة للواجهة
TT

«الكوليرا» تعيد نازك الملائكة للواجهة

«الكوليرا» تعيد نازك الملائكة للواجهة

يضم كتاب «قراءة الشعر» الصادر حديثاً عن «الهيئة المصرية للكتاب» للناقد الدكتور محمد عبد المطلب، عدداً من القراءات في قصائد مختارة لبعض الشعراء الكلاسيكيين، مثل أحمد شوقي، وإيليا أبي ماضي؛ لكنه يتوقف بشكل خاص ويفرد مساحة واسعة أمام واحدة من أهم التجارب الشعرية العربية في القرن العشرين، وهي تجربة نازك الملائكة، الشاعرة والأستاذة الأكاديمية العراقية التي نشأت في بيئة ثقافية بين أب يمارس نظم الزجل، وأم تنظم الشعر، وكانت ذات تأثير بالغ على المسيرة الإبداعية لابنتها.
تخرجت نازك في دار المعلمين، وبدأت رحلتها العلمية بالحصول على منحة لدراسة النقد الأدبي في أميركا، ثم سافرت إليها مرة أخرى 1954 لدراسة الأدب المقارن. صدر ديوانها الأول «عاشقة الليل» عام 1947، ويضم قصيدة «الكوليرا»، وهي من شعر التفعيلة الذي أطلقت عليه نازك «الشعر الحر»، ثم أصدرت ديوانها الثاني «شظايا ورماد» عام 1949، ويضم مجموعة من القصائد التي صاغتها على النسق العروضي الجديد، ثم أصدرت ديوانها الثالث «قرار الموجة» عام 1957. وقد تصدت لقضية الشعر الحر في كتابها «قضايا الشعر المعاصر» الصادر عام 1962.
يرى عبد المطلب أن الكلام عن قصيدة «الكوليرا» التي تحتل مكانة مركزية في تجربة الملائكة، لا بد من أن يسبقه الكلام حول مسألة شائكة بعض الشيء، هي مسألة «البدايات» التي تختلف حولها الآراء عادة. حدث هذا عند الكلام على بدايات الشعر العربي، وبدايات الرواية والمسرحية في الثقافة العربية؛ إذ اتجه البعض إلى التنقيب عن جذورهما في التراث، واتجه البعض الآخر إلى الوافد الغربي وأثره في بداية النشأة، ولهذا تحولت المسألة من البساطة إلى التعقيد، وتحولت إلى قضية انشغل بها المجتمع الأدبي، ولم يكن من الميسور الوصول إلى حكم فاصل فيها. وذكرت نازك الملائكة أن الشعر الحر ظهر على يدها في العراق، ومنه انتشر في أنحاء العالم العربي، وعندما ذكرت ذلك لم تكن على علم بأن هناك محاولات قد سبقتها لبعض المبدعين، أو تردد على سمعها أسماء مثل: علي أحمد باكثير، ومحمد فريد أبو حديد، ومحمود حسن إسماعيل، ولويس عوض. وذكر البعض الشاعر الأردني عرار.
ويلفت الناقد إلى أن الفارق الزمني بين رأيها الأول في قصيدتها «الكوليرا» باعتبارها بداية الشعر الحر، والرأي الآخر الذي ذكرت فيه أن هناك شعراء سبقوا إلى هذا النظم، هو الفارق بين عامي 1962 و1974 اللذين صدرت في أولهما الطبعة الأولى، وفي الثاني الطبعة الرابعة من كتابها «قضايا الشعر المعاصر».
وقد تعددت الآراء حول أسبقية النظم على نسق الشعر الحر، فالبعض يرجع هذه الظاهرة الإيقاعية إلى عام 1921 في العراق، والبعض يرجعها إلى 1932 في مصر، وهذا الاختلاف في الرأي دفع نازك إلى تحديد أربعة شروط لصحة القول ببدايات الشعر الحر، هي: أن يكون الشاعر الذي ينظم على هذا النحو واعياً بأنه يستحدث نسقاً إيقاعياً جديداً، وأن يثير هذا النسق الجديد انتباه الجمهور، وأن يقدم الشاعر تجديده مصحوباً بشرح تأسيسي لما أقدم عليه، وأن يدعو الشعراء إلى متابعته فيه، فضلاً عن أن يكون لدعوته صدى واضح لدى المبدعين والنقاد؛ سواء بالرفض أو بالقبول.
ويوضح عبد المطلب أن قصيدة «الكوليرا» مبنية على «السماع»؛ إذ كانت الإذاعة المسموعة تذيع أنباء انتشار الكوليرا في مصر، وكيف أن ضحايا الوباء يتكاثرون يوماً بعد يوم، ومع ازدياد أعداد الضحايا دخلت الشاعرة حالة مأساوية هيأتها للتعبير عنها شعرياً. يقول مطلع القصيدة:
«سكن الليل
أصغِ إلى وقع صدى الأنات
في عمق الظلمة، تحت الصمت، على الأموات
صرخات تعلو، تضطرب
حزن يتدفق، يلتهب
يتعثر فيه صدى الآهات».
وتقول في نهايات القصيدة:
«الصمت مرير
لا شيء سوى رجع التكبير
حتى حفار القبر ثوى لم يبق نصير».
واللافت أن المفردتين المركزيتين شكلتا حقلاً صياغياً كئيباً، فمفردة «الليل» استحضرت الظلمة والسواد والكوخ الساكن، أما مفردة «الموت» فاستحضرت حقلها في تردد المفردة ذاتها ست مرات، فضلاً عن توابعها من الأنات والصراخ والحزن والآهات والبكاء. وهذه الخلفية المعتمة كانت فعالة في تعديل مسار الدلالة من الاتجاه الأفقي المتتابع إلى التصادم الدرامي على مستوى الصوت والحركة؛ إذ تبدأ الأسطر بما يوهم أن الحالة الشعرية مقبلة على لحظة رومانسية ناعمة في السطر الأول: «سكن الليل» وإذا بالدرامية تصنع أولى مفارقاتها في الصدام بين الصمت والصراخ.
ويخلص عبد المطلب قائلاً: يبدو أن الثقافة الشعرية المتجذرة في وعي نازك جعلت النهار امتداداً لليل، أي أن الخلاص خلاص وهمي، وهذا الوعي النفسي سبق إليه امرؤ القيس في معلقته عندما قال:
«وليلٌ كموج البحر أرخى سدوله
عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي»
فصباح امرئ القيس امتداد لليله الحزين، وهو ما سيطر على اللوحة الثانية في قصيدة «الكوليرا»؛ إذ كان الفجر امتداداً لمأساة الليل، هذا الليل الذي سيطر على اللوحة الأولى مع الموت، ثم أخلى سيطرته لتكون اللوحة الثانية تحت سطوة الفجر:
«طلع الفجر
أصغِ إلى وقع خطى الماشين
في صمت الفجر، أصِخ، انظر ركب الباكين».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

طباخ بريطاني يحثّ سارقيه على التبرّع بالطعام المسروق للمحتاجين

الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)
الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)
TT

طباخ بريطاني يحثّ سارقيه على التبرّع بالطعام المسروق للمحتاجين

الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)
الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)

قال تومي بانكس، الذي يمتلك مطعمين حائزين على نجمة ميشلان لجودة الطعام، وحانة في مقاطعة يوركشاير الإنجليزية الشمالية، إن أحد موظفيه اكتشف اختفاء شاحنة للعمل، وفي داخلها حمولتها من شرائح اللحم والديك الرومي وغيرها من المأكولات والمشروبات المخصصة لسوق عيد الميلاد في مدينة يورك البريطانية.

وقُدرت قيمة الطعام بنحو 25 ألف جنيه إسترليني (32 ألف دولار)، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وقال بانكس إن الشاحنة كانت مؤمنة، لكنه ناشد لصوص الشاحنة عدم ترك الطعام يضيع. وفي مقطع فيديو على «إنستغرام»، اقترح أن يتخلصوا من الفطائر في مركز مجتمعي أو مكان آخر.

قال: «أعلم أنك مجرم، ولكن ربما عليك أن تفعل شيئاً لطيفاً لأنها عطلة عيد الميلاد، وربما يمكننا إطعام بضعة آلاف من الناس بهذه الفطائر التي سرقتها. افعل الشيء الصحيح».

صورة غير مؤرخة تظهر فطائر للطاهي البريطاني تومي بانكس (أ.ب)

تعد سرقة الفطائر أحدث سرقة للأطعمة التي تهزّ تجارة الأغذية في المملكة المتحدة. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، تم سرقة ما يقرب من 1000 عجلة من جبن الشيدر المصنوع يدوياً، والمغلفة بالقماش، التي تزن 22 طناً، وتقدّر قيمتها بـ300 ألف جنيه إسترليني (390 ألف دولار) من شركة «Neal’s Yard Dairy» في لندن، بواسطة محتال متنكر في هيئة موزع جملة لتاجر فرنسي كبير.

وعلى الرغم من مطاردة الشرطة البريطانية والدولية، ونداء من قبل الشيف التلفزيوني جيمي أوليفر، لم يتم العثور على الجبن. وتم القبض على رجل يبلغ من العمر 63 عاماً، واستجوابه من قبل الشرطة، لكن لم يتم توجيه اتهام إليه.