مسلسل إضرابات السكك الحديدية ومترو الأنفاق والحافلات في لندن لا يزال مستمراً، حيث ينظم عشرات الآلاف من العاملين في قطاع النقل إضرابات بسبب خلافات طويلة الأمد حول الأجور والوظائف وظروف العمل.
ووفقاً لوكالة الأنباء البريطانية «بي إيه ميديا»، تعاني حالياً شركة «نتوورك ريل» (Network Rail) للسكك الحديدية وشركات تشغيل القطارات وشركة مترو الأنفاق «لندن أندر جراوند» والحافلات في العاصمة فوضى حقيقية، مما يسبب مشكلات عديدة في تنقل الموظفين والسياح ومحبي متابعة الفعاليات الرياضية مثل مباراة الكريكيت التي تقام حالياً في ملاعب لوردز في منطقة سانت جونز وود.
بدأ الإضراب يوم الخميس وسيستمر على مدى ثلاثة أيام، يشارك فيه أعضاء اتحاد السكك الحديدية والنقل البحري، ورابطة موظفي النقل واتحاد «يونايت» العمالي، بعد أن فشلت المحادثات الجارية في حل الخلافات التي وصلت إلى طريق مسدود. ويشارك حوالي 10000 من عمال مترو الأنفاق و400 عامل فوق الأرض في الإضراب، وغرب لندن هو القسم الأكثر تضرراً من هذا الإضراب.
- لماذا يضرب عمال السكك الحديدية؟
النقابات في نزاع مع الحكومة وشركات السكك الحديدية حول الرواتب وخفض الوظائف والتغييرات في الشروط والأحكام.
فيما يتعلق بالأجور، يقولون إن الرواتب يجب أن تزيد لتعكس ارتفاع تكاليف المعيشة.
يقول أحد المديرين في «Network Rail»، إن الشركة عرضت تقديم أكثر من 5 في المائة للموظفين، لكن هذا يعتمد على قبول العمال بهذه العلاوة. ومع ذلك، يرى العمال أن هذا المبلغ ضئيل جداً، ويمثل خفضاً حقيقياً للأجور لأنه لا يتناسب مع غلاء المعيشة المتفاقم.
ومن الواضح أن هذه الإضرابات تؤثر على الاقتصاد بشكل كبير في وقت تعاني فيه لندن تحديداً، وبريطانيا بشكل عام، من تداعيات جائحة «كورونا» و«بريكست» والحرب ما بين روسيا وأوكرانيا.
بحيث أظهرت بيانات مكتب الإحصاء الوطني البريطاني ارتفاع معدل التضخم في بريطانيا خلال الشهر الماضي بأكثر من التوقعات، ليصل إلى أعلى مستوياته منذ 40 عاماً، وهو ما يزيد معاناة المستهلكين والضغوط على الحكومة وبنك إنجلترا المركزي لاتخاذ إجراءات لكبح جماحه.
وذكر مكتب الإحصاء أن مؤشر أسعار المستهلك ارتفع خلال الشهر الماضي بنسبة عشرة فاصلة واحد في المائة مقابل تسعة فاصلة أربعة في المائة خلال يونيو (حزيران) الماضي، في حين كان المحللون، الذين استطلعت وكالة «بلومبرغ» للأنباء رأيهم يتوقعون ارتفاعه بنسبة تسعة فاصلة ثمانية في المائة.
وذكرت «بلومبرغ» أن هذه الأرقام تعمق أزمة نفقات المعيشة في بريطانيا، مع تراجع معدل الزيادة في الأجور عن معدل ارتفاع أسعار السلع والخدمات من كل نوع. وأشار أندرو بيلي رئيس بنك إنجلترا المركزي، إلى استعداده لمواصلة زيادة أسعار الفائدة لكبح التضخم، في حين يتعهد قادة حزب المحافظين الحاكم، الذين يسعون لخلافة رئيس الوزراء بوريس جونسون، بالمزيد من المساعدات الحكومية للفئات الأشد معاناة من ارتفاع الأسعار.
في الوقت نفسه، تزداد مخاوف الخبراء من دخول الاقتصاد البريطاني مرحلة ركود جديد بسبب ارتفاع ضغوط نفقات المعيشة. ويتوقع البنك المركزي بدء الركود خلال الربع الأخير من العام الحالي، واستمراره حتى الجزء الأول من 2024.
كما يتوقع البنك ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 13 في المائة في وقت لاحق من العام الحالي، عندما يسمح جهاز تنظيم قطاع الطاقة في بريطانيا بزيادة أسعار الكهرباء مجدداً. وسيكون معدل التضخم في هذه الحالة الأعلى منذ سبتمبر (أيلول) 1980 عندما كانت حكومة رئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر، تكافح للسيطرة على التضخم المطرد للأجور والأسعار.
في دراسة أجريت حديثاً في بريطانيا، تبين أن لندن هي واحدة من بين أغلى مدن العالم، وحسب شركة «رايت موف» لبيع العقار، فسعر إيجارات البيوت في شهر مارس (آذار) الماضي زاد بواقع 14.4 في المائة، فسعر إيجار الشقة العادية في لندن الذي كان يبلغ 1900 جنيه إسترليني أصبح اليوم 2193 جنيهاً إسترلينياً. وهذا الارتفاع في الأسعار يعد الأعلى على الإطلاق.
قال تيم بانيستير مدير بيانات العقارات في «Rightmove»: «في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، شهدنا طلب المستأجرين يتجاوز المستويات المرتفعة التي تم تحديدها في العام الماضي، والتي عند اقترانها بعدد أقل من المنازل المتاحة للإيجار، نتج عنها سوق أكثر تنافسية سجلناها من أي وقت مضى».
كما سيتأثر سكان لندن بأكبر زيادة في أسعار مترو الأنفاق والحافلات العام المقبل، مما يضيف بشكل كبير إلى تكلفة الحياة اليومية في مدينة يعتمد أهلها على النقل العام، وتملك نصف الأسر فقط سيارة. ومن المتوقع أن تزيد أسعار النقل العام بواقع 12 في المائة في يناير (كانون الثاني) المقبل.
ولا تقتصر معاناة أهالي لندن على الاضطراب في وسائل النقل العام وارتفاع أسعارها، بل تتعداها إلى ارتفاع أسعار الوقود بشكل خيالي نتيجة لاضطرابات التجارة والإنتاج الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، ويتوقع البنك ارتفاعاً بنسبة 50 في المائة في أسعار الطاقة هذا العام. وتتوقع أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 100 دولار للبرميل في عام 2022، وهو أعلى مستوى له منذ 2013، وبزيادة أكثر من 40 في المائة مقارنة بعام 2021، ومن المتوقع أن تنخفض الأسعار إلى 92 دولاراً في عام 2023، لكنها ستظل أعلى بكثير مما كانت عليه.
من المتوقع أن تكون أسعار الغاز الأوروبية أعلى بمرتين في عام 2022 مما كانت عليه في عام 2021، بينما من المتوقع أن ترتفع أسعار الفحم بنسبة 80 في المائة. ويتوقع البنك أن ترتفع أسعار القمح بأكثر من 40 في المائة هذا العام، ما يضغط على الاقتصادات النامية التي تعتمد على واردات القمح من روسيا وأوكرانيا.
من زار لندن من قبل ويزورها اليوم، يمكنه ملاحظة الغلاء والتغيرات والفوضى في جميع القطاعات، الجائحة لا تزال تلقي بظلها الثقيل على المطارات وقطاع الملاحة الجوية وشركات الطيران، وهذا واضح من خلال ما يعاني منه المسافر والطوابير الطويلة وإلغاء الرحلات قبل أقل من ثلاث ساعات من إقلاعها بشكل مستمر بسبب تدني عدد العاملين، وهذا الأمر ناتج عن تسريح العديد من القطاعات، على رأسها قطاع الضيافة، الموظفين، بسبب الإغلاق الذي رافق فترة الجائحة وتنفيذ «بريكست»، الذي جعل عدة قطاعات تعاني من نقص شديد في اليد العاملة.
يشار إلى أن هذا الإضراب هو الخامس على التوالي هذا العام، ولكنه الأول خلال عطلة الصيف والمدارس، كما أن معظم خطوط مترو الأنفاق مقفلة، فهناك حفنة من الحافلات التي تعمل حالياً في لندن، لكنها مزدحمة جداً، ولهذا شجعت الحكومة الموظفين من العمل من المنازل والتنقل في الحالات الضرورية فقط.