ماذا عسى صوفيا لورين أن تفعل؟

وثائقي عن أيقونة ألهمت مُعجبَة الشغفَ بالحياة

اللقاء المُنتظر بين صوفيا لورين ونانسي كوليك
اللقاء المُنتظر بين صوفيا لورين ونانسي كوليك
TT

ماذا عسى صوفيا لورين أن تفعل؟

اللقاء المُنتظر بين صوفيا لورين ونانسي كوليك
اللقاء المُنتظر بين صوفيا لورين ونانسي كوليك

على «نتفليكس»، وثائقي رقيق عنوانه «ماذا عسى صوفيا لورين أن تفعل؟» (?What Would Sophia Loren Do)، يُظهر حب سيدة إيطالية ثمانينية لأيقونة تتمهّل أمامها مشارفُ التسعين. حب مُلهم، يرطّب الحياة. اسمها نانسي كوليك، لديها عينان تلمعان. شكلت النجمة الإيطالية مصدر وعي أول لمفهومها حيال الجمال، ثم الأمومة والنهوض إثر الضربات. لقاؤهما المؤثّر في نهاية الشريط يُفرج عن ملامح صداقة عتيقة لا تحتاج إلى تعارف شخصي.
كيف يمكن لنجمة أن تسكن قلب مُعجبة إلى هذا الحد؟ ليست الأمور من تصنيفات الهوس ولا الإفراط في التقدير المُضخّم للأشخاص. إنه الإلهام وبساطة السعادة. وهو الإحساس بأنّ ثمة شخصاً بمثابة انعكاس للروح في المرآة، فترى فيه الصورة التي تتمنّى والحياة المشتهاة. ما كانت نانسي لتواجه بهذه الشجاعة لولا حضور صوفيا لورين الساطع فيها. خسرت ابناً وشاركت آلام آخر بمعركته ضدّ السرطان. ابنٌ ثالث أحبطه التحرّش به، ومثلها ظلّت تعاند الارتماء.
بتعريف موجز عنها، تذكر الجدة الثمانينية نشأتها في «بيئة من التراث الإيطالي الرائع». لم تكن تتناول حبوب التشيريوز على الفطور، بل الفريتاتا مع البروكوليني. «لم أتبع القطيع ولم يخطر في بالي ذلك»، تقول مَن أرادها أولادها الابتعاد عن المأكولات المغمّسة بالسكر، فأصغت من دون أن تستجيب، إلى أن تساءلت: «لماذا لا أجرّب المعكرونة الكاملة القمح؟».
ذلك لتُظهر وجهاً ضحوكاً يستمد طرافته من نجمة السينما. «لماذا أنا؟»، تتوجّه صوفيا لورين إلى الكاميرا. تحمل نانسي صورتها في برواز كبير، وبإعجاب يفيض، تصيح: «Look at that smile!». «انظروا إلى ابتسامتها!». تمرّ صور من شبابها الفاتن وأدوارها المحفوظة غيباً في ذاكرة الوفاء.

صوفيا لورين... حضور لم يخفف العمر وهجه
كلاهما من نابولي. نانسي نوستالجية، تُخمّر الصور في رأسها، لا تدع غباراً يقيم حولها ولا تعرّضها لمرور الزمان. عرفت منذ نشأتها أنّ لديها أمّاً مميزة. آنذاك في إيطاليا، تولّى الأهل ترتيب الزيجات. لكنّ والدتها قالت: «كلا يا أبي، سأختار زوجي بنفسي»، وتزوّجت والدها. امرأة من عزيمة تولّد امرأة من قلب. باتّساعه، تضع عينها في عين العالم ولا تخاف.
حين أراد والدا نانسي مشاهدة الأفلام، بعد انتقالهما إلى الولايات المتحدة، لم تستهوهما تلك الأميركية. «بالكاد يمكنهما فهمها، ليس بسبب اللغة فحسب، بل من ناحية السلوك. كانا يشاهدان السينما الإيطالية»، تتابع كإشارة إلى انخراطها، كأبويها، بإيطاليتها. يمرّ مشهد لصوفيا لورين بالأبيض والأسود وهي تُعدّ البيتزا، بينما نانسي مأخوذة بفتنتها: «انظروا إليها لقد كانت ناجحة جداً. تعرف تماماً كيف تكون جذابة».
من الإبهار، تصنع أسلوب حياة. ومن حركاتها في أفلامها، اتّخذت ما تقلّده بين أهلها وأصدقائها. تراها أيقونة تمثّل «نوعاً خاصاً من الجمال الكلاسيكي، وهذا ألهمني». تتأمّل مشيتها في الشارع. «رباه! هي جميلة». تدهشها سيدة راقية لم تمانع التمثّل بها. في سنّ الثلاثين، أعدت نانسي أول برنامج لدعم الأطفال وعملت مع خمسة محافظين أثبتت لهم تحلّيها بالقبول والثقة بالنفس. كصوفيا، كرّست حضورها.
مُلهمتها كانت في الخامسة عشرة حين أُخضعت لاختبار التمثيل الأول. بعد سنوات سألها مُحاور: «هل أنتِ محظوظة؟». لا تزعجها همسات تُشبّه قصتها بقصة «سندريلا» والقول إنها أصبحت ممثلة رائعة حين لوّحت بعصاها السحرية. «الحقيقة أنّ خطوات مسيرتي المهنية كانت صعبة جداً. بدأ ذلك خلال الحرب ولم نملك مالاً لنعيش ونأكل. فقر مدقع. وأبي لم يعتنِ بنا».
صوفيا لورين في عزّ الشباب
أرادتها أمها خارج مخطط الأقدار الحزينة، وحين علمت بتنظيم مسابقة جمال، شجّعتها على المشاركة ففازت. لمحت الحياة تبتسم، وبالمال الذي حصلت عليه هرعت إلى روما تبحث عن فرص. اكتشفها فيتوريو دي سيكا ولما ظهرت في فيلمه «ذا غولد أوف نيبلز»، بسنّ السابعة عشرة، ذاعت شهرتها.
تصبح أفلامها دروساً تسهّل تعامل نانسي مع الصعاب. يوم شاهدت لقطة الاغتصاب الرهيبة داخل الكنيسة، انفطر قلبها إلى حدّ لا يُطاق. تعلّمت حينها أنّ الآباء لا يستطيعون حماية الأبناء طوال الوقت. يحاولون فقط. كانت صوفيا لورين والشابة بدور ابنتها يشعران بالأمان في المكان. تُقدّم لحظة انكسار الأم أمام ابنة ممدّدة أرضاً، ثم تقف على قدميها. تنهض عوض أن تتشظّى. «تملك قوة تنبثق من صميمها». مثلها، تمضي نانسي قدماً.
تستمدّ إلهاماً، خصوصاً من أمومتها. «أرادت أن تكون أمّاً أكثر من أي شيء آخر»، تواصل غَرْف الإعجاب. تلتقيان في عُسر الرحلة، «فكلانا لم يعش حياة سهلة». رغم الشهرة والفوز بـ«أوسكار»، ارتمت في السرير ثمانية أشهر لئلا تخسر طفليها. «الحياة ليست سهلة، بل شاقة. فكروا فيها»، تعلن صوفيا لورين هذه الخلاصة.
نانسي على أبواب منتصف الثمانين، عاشت رحلتها بأقصى ما تستطيع. «أنتِ تمثّليننا»، تغمر بإخلاص نجمتها المفضلة وتحدّثها بالإيطالية كأنها تعود إلى الجذور. إلى الأعماق. أحد لا يحصل على حياة مثالية، لكننا جميعاً لدينا ما يكفي لنشعر بأنها مهمّة. حب صوفيا لورين يمنح حدائق نانسي عطوراً. فالحياة تتجلّى بمَن نلتقيهم خلال مسيرتنا.


مقالات ذات صلة

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... العاصمة السعودية تحتضن «أيام بنغلاديش»

فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
TT

تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... العاصمة السعودية تحتضن «أيام بنغلاديش»

فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)

تقام «أيام بنغلاديش» في حديقة السويدي بالعاصمة السعودية الرياض، والتي انطلقت لياليها، الثلاثاء، ضمن مبادرة تعزيز التواصل مع المقيمين التي أطلقتها وزارة الإعلام السعودية، بالشراكة مع الهيئة العامة للترفيه، تحت شعار «انسجام عالمي»، وتستمر حتى السبت، بهدف تعزيز التواصل الثقافي بين المجتمع السعودي والمقيمين، وإبراز التنوع الثقافي الغني الذي تحتضنه السعودية.

وتشهد الفعاليات عروضاً فنية متنوعة تقدمها الفرقة الشعبية، حيث تألق المشاركون بتقديم عروض موسيقية واستعراضية تمثل مختلف ألوان الفلكلور البنغالي، إلى جانب أغنيات مستوحاة من أعمال أبرز شعراء بنغلاديش.

عروض موسيقية واستعراضية تمثل مختلف ألوان الفلكلور البنغالي (الشرق الأوسط)

كما يضم الحدث منطقة مخصصة لعرض التراث البنغالي، حيث تُتيح للزوار فرصة استكشاف الجوانب الغنية للثقافة البنغالية عن قرب؛ إذ تشمل المنطقة معروضات للأزياء التقليدية المزينة بالزخارف اليدوية التي تعكس المهارة الحرفية والفنية المتميزة، حيث يتم عرض الساري البنغالي المصنوع من أقمشة الحرير والقطن الفاخرة، إضافة إلى الملابس التقليدية للرجال مثل البنجابي والدوتي، كما تعرض الإكسسوارات اليدوية التي تشتهر بها بنغلاديش، بما في ذلك المجوهرات التقليدية المصنوعة من المعادن والأحجار الكريمة، والحقائب والمطرزات التي تعكس ذوقاً فنياً عريقاً.

الفعاليات شملت استكشاف التراث البنغالي (الشرق الأوسط)

واشتملت الفعاليات على قسم مخصص للأطعمة من بنغلاديش؛ إذ يٌقدم للزوار فرصة تذوق أشهى الأطباق التقليدية التي تمثل المطبخ البنغالي المعروف بنكهاته الغنية وتوابله المميزة، وتشمل الأطباق المقدمة أكلات شهيرة مثل البرياني البنغالي، والداكا كاكوري كباب، وسمك الهيلشا المطهو بطرق تراثية، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الحلويات التقليدية مثل الروشا غولا والميزان لادّو.

وتضيف هذه المنطقة بعداً مميزاً للفعالية، حيث لا تقتصر التجربة على الفنون والعروض، بل تمتد لتشمل استكشاف التراث البنغالي بشكل متكامل يعكس الحياة اليومية والعادات والتقاليد، مما يجعلها تجربة غنية تُثري التفاعل الثقافي بين الزوار.

معروضات للأزياء التقليدية (الشرق الأوسط)

وحظيت الفعاليات منذ انطلاقها بإقبال واسع من الزوار الذين عبروا عن إعجابهم بجمال الفلكلور البنغالي وتنوع العروض الفنية المقدمة، كما أبدى العديد من الحاضرين تقديرهم لهذه المبادرات التي تسهم في تعزيز التفاهم والتفاعل بين الثقافات.

وأكّد المسؤولون أن هذه المبادرة تأتي جزءاً من سلسلة برامج ثقافية تهدف إلى تعزيز المشهد الثقافي في المملكة، بما يتماشى مع «رؤية السعودية 2030» التي تدعم التنوع والانفتاح الثقافي.