{كوفيد ـ 19} يفرض قراءة جديدة لانقلاب أخناتون

إشارات ووثائق ولقى أثريّة تدعم الفرضية

أخناتون
أخناتون
TT

{كوفيد ـ 19} يفرض قراءة جديدة لانقلاب أخناتون

أخناتون
أخناتون

لا تزال الثورة السياسيّة الدينية، التي قادها الفرعون المصري أمنحوتب الرابع على نسق مستقر للثقافة المصرية (القديمة) التقليدية استمر لعشرات القرون، أحجية تثير كثيراً من التساؤلات والجدل بين المؤرخين وعلماء الآثار. فلا توجد إلى اليوم تفسيرات كافية لتبرر ذلك الانقلاب الثقافي الكامل في مختلف جوانب الحياة العامّة من ممارسة السلطة ومقرالعاصمة إلى بنية الدين الرسمي، ومن طرائق التعبير الفنيّ إلى اسم الفرعون الشخصي.
وعلى الرّغم من أن أَجَلَ العهد الجديد لم يتجاوز العقدين من الزمن، أي مجرّد موجة تغيير عابرة في بحر هائل من الاستمراريّة، فإن بصماته في الفكر والفنّ والعمارة بقيت خالدة، واستثنائيّة، ومثيرة للإعجاب، ومدعاة لإعمال الفكر والتأمل. ووصف كثيرون أخناتون بأنه «شخصية غامضة» و«ثوريّة» و«أعظم مثالي في العالم» و«أول فرد في التاريخ»، ولكن أيضا اعتبره آخرون «مهرطقاً» و«متعصباً» و«ربما مجنوناً» أو «بالفعل مجنون». ولدينا اليوم نصّ خطاب ألقاه أخناتون في بداية عامه الملكي الثاني يقول فيه إن الآلهة كانت غير فاعلة وأوقفت تحركاتها، وإن معابدها قد انهارت باستثناء قرص الشمس آتون، الذي استمر في التحرك والوجود إلى الأبد. ومن النصّ «سقطت معابد الآلهة في الخراب، وأجسادهم لا تدوم، ومنذ زمن الأجداد فإن الرجل الحكيم هو الذي يعرف هذه الأمور: هوذا أنا، الملك، أتكلم حتى أتمكن من إبلاغكم بشأن ظهور الآلهة. أعرف معابدهم، وأنا على دراية بالكتابات». كان هذا إذن انقلاباً تاماً لم يسبق له مثيل في التاريخ الفرعوني المديد كلّه.
في البداية (حوالي عام 1353 قبل الميلاد) غيّر الفرعون العاشر في الأسرة الثامنة عشرة، والذي ورث السلطة عن والده أمنحوتب الثالث، اسمه الرسميّ من أمنحوتب الرابع إلى أخناتون – أي الرّوح الحيّة للرّب آتون -، ثم أصدر مرسوماً في السنة الرابعة من حكمه يقضي ببناء عاصمة جديدة بعيداً عن العاصمة القديمة في طيبة (مدينة الأقصر اليوم) على أرض خلاء غير تابعة لأحد. وفي هذه المدينة، التي عثر على آثارها داخل منطقة تحمل الاسم المعاصر (تل العمارنة) – بالقرب من المنيا في صعيد مصر - تقرر قَصْرُ التعبّد على إله واحد، إله الحياة المعبّر عنه بقرص الشمس آتون، والتخلي عن طقم الآلهة الآخرين جميعاً.
وتبعت ذلك تحولات جذرية في طرق التعبير الأدبي والرسم، والنّحت، والمعمار والأزياء، وانعكست سلباً على نفوذ الإمبراطوريّة المصريّة التي كانت تمتد من
أعالي الفرات إلى جنوب النوبة بالسودان، فخسرت غالب مستعمراتها الآسيوية في عهد أخناتون.
ولكن اللافت أنّه بعد موت فرعون «التّوحيد» حكم شقيقه لوقت وجيز قبل أن تنتقل الخلافة إلى من يعتقد أنّه ابن أخناتون من زوجة ثانية غير الشهيرة نفرتيتي والمسمى توت عنخ آتون وكان حينها طفلاً صغير السن. ويبدو أن الكهنة القدماء والمستشارين دفعوا الفرعون الطفل إلى الرّدة عن عقيدة والده وتَرْكِ العاصمة للعودة مجدداً إلى العاصمة القديمة وكذلك التّسمي بتوت عنخ آمون – أي الإله التقليدي أمون -. وقد هدم كهنة طيبة المنتشون مجدداً بعودة نفوذهم آثار أخناتون، وأصدروا الأوامر بمحو اسمه من السجلات الرسميّة، وحطموا تماثيله وصوره، وفككوا المعابد التي شيدها، حتى كأنه لم يكن. ويقال إن الثراء الأسطوري لمقبرة الملك توت عنخ آمون كان تعبيراً عن امتنان الكهنة له لإعادة عبادة الآلهة القديمة وإنهاء الحالة الأخناتونيّة إلى الأبد.
أحد التفسيرات الشائعة لإقدام أخناتون على القيام بانقلابه الثقافيّ الهائل هو أنّه سئم من هيمنة الكهنة الأقوياء على السياسة في العاصمة القديمة طيبة، وأراد التخلص منهم جذرياً عبر سحب مصدر شرعيتهم الدينيّة والانتقال ببلاطه إلى عاصمة جديدة بعيداً عنهم. لكن تلك الصّورة المتخيلة لم تكن مقنعة بما فيه الكفاية إلى أن كانت جائحة كوفيد-19 التي فتحت تأثيراتها النوافذ أمام العديد من خبراء المصريات والمؤرخين وعلماء الآثار للنظر إلى عهد أخناتون بعيون جديدة. فماذا لو كان وباء مثل الطاعون قد أثخن بالمصريين القدماء في العاصمة طيبة في عهد أمنحوتب الثالث، وأن الشعب بدأ يتململ من عجز الآلهة والسلطات التقليدية على مساعدتهم بشيء، وما فعله أخناتون المثقف والذكي لم يكن سوى أنه كان يفرّ بدولته من تلك التأثيرات المدمرة للوباء؟
في الحقيقة أنّ ثمة إشارات ووثائق ولقى أثريّة تدعم سرديّة مثل تلك، رغم أن الأمراض المعدية لا تترك عموماً آثاراً في العظام. وبحسب عالم المصريات الأميركي أرييل كوزلوف فإن هنالك بالفعل علامات من عهد والد أخناتون أواخر العصر البرونزي على انتشار الطاعون الأسود، وثمّة فجوة غير مفسّرة في السجلات البيروقراطيّة للدولة المصريّة في خضم تلك الفترة ربما كانت نتيجة موت كثيرين من الكتبة أو فرارهم من العاصمة. ولاحظ كوزلوف أيضاً أن أمنحوتب الثالث أمر ببناء عدد استثنائيّ من التماثيل لإلهة الشفاء ذات الرأس الأسد، سخمت، مقارنة بأي إله آخر، كما نقل قصور الحكم في مرحلة ما من مواقعها المعتادة في محاولة ربما لعزلها عن المحيط الموبوء. وقد اقترح مؤخراً جوريت كيلدر من جامعة لايدن في هولندا أن الطّاعون نفسه ربما دفع أخناتون إلى اتخاذ إجراءات أكثر جذرية. وكتب «إن إصلاح أخناتون للدين المصري في القرن الـ14 قبل الميلاد ربما ينظر إليه على أنه خطوة استباقية للتأثيرات الاجتماعيّة المتوقعة لفشل الآلهة التقليدية في حماية مصر من تأثيرات الوباء».
ومع ذلك، سرعان ما أصبحت مدينة أخناتون الجديدة في تل العمارنة، مركزا لشبكة عالميّة للتجارة والدبلوماسية والثقافة الرفيعة فجلب إليها مع قاصديها من السفراء والوفود الأجنبيّة الطاعون الذي فرت منه، وهو ما يفسّر وفاة أخناتون نفسه وكذلك وفاة زوجته نفرتيتي وثلاث من بناتهما في وقت متقارب.
ولا يعرف علماء المصريات اليوم سوى القليل عن السنوات الخمس الأخيرة من حكم أخناتون، بدءا من حوالي 1341 أو 1339 قبل الميلاد. هذه السنوات غير موثقة بشكل جيد، ولم يتبق سوى عدد قليل من الأدلة عنها ربما نتيجة لتفشي الوباء.
ويبدو أن الطّاعون انتقل وقتها من مصر إلى الحضارات المتوسطيّة القريبة التي ضعفت دون مقدمات في الحقبة التاريخية نفسها، وانتهت تالياً لقمة سائغة لشعوب مجهولة اجتاحت شرق البحر الأبيض المتوسط بعد ما يقرب من مائة عام من اندثار تل العمارنة، ومنها المملكة الحثيّة (في تركيا الحاليّة) التي تقول سجلات تاريخية إنها تعرضت لوباء قاتل يعتقد أن أسرى مصريين جلبوه معهم من بلادهم المنكوبة.
ولا شكّ أنّ هذه التحليلات المستجدة في تفسير ذلك المنعطف الاستثنائيّ من التاريخ ستحتاج إلى المزيد من التوثيق والدعائم، لكنّها تبدو مدهشة في قدرتها على تقديم سيناريوهات مقنعة لأحداث صَعُب تفسيرها إلى الآن. وهناك بالفعل قرص من طين مخبوز عثر عليه مع كنز من المراسلات الدبلوماسيّة لحكومة تل العمارنة (تعرف برسائل تل العمارنة) يتضمن تبليغاً من ملك جزيرة قبرص للفرعون المصري بتأخر شحنة من النحاس بسبب المرض المنتشر في مصر.
ووفق تقرير لمجلّة بريطانيّة متخصصة فقد عثر علماء الآثار عام 2005 في مقابر تل العمارنة، على جانب مهم منها - المقابر الشمالية -، يدعم فكرة انتشار وباء. فالموتى من فئات عمرية شابة بين 7 و24 عاما، وحوالي 40 في المائة من مدافنها المحفورة تحوي أكثر من جثة واحدة، وأحياناً ما يصل إلى سبعة أشخاص دفنوا معاً، مما يدفع للاعتقاد وفق خبراء التنقيب في المنطقة إلى أن كثيرين ربما كانوا يسقطون ضحايا لوباء ما في وقت متزامن. ولا يمكن للآن الحسم بدقة القراءات الجديدة، وقد توجد تفسيرات أخرى مرتبطة بالملاريا أو
ربما ضعف المناعة المرتبط بسوء التغذية الذي لُحِظ في مقابر العمّال بتل العمارنة، لكن الأكيد الآن أنّه لا يمكن نفي هذه القراءات الجديدة كليّة أو استبعادها من النقاش.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


مشروع قانون مصري يمنح الأجانب دعماً نقدياً وعينياً

سودانية مع أطفالها تتقدم بطلب لجوء في مركز تسجيل مفوضية اللاجئين بمصر (المفوضية)
سودانية مع أطفالها تتقدم بطلب لجوء في مركز تسجيل مفوضية اللاجئين بمصر (المفوضية)
TT

مشروع قانون مصري يمنح الأجانب دعماً نقدياً وعينياً

سودانية مع أطفالها تتقدم بطلب لجوء في مركز تسجيل مفوضية اللاجئين بمصر (المفوضية)
سودانية مع أطفالها تتقدم بطلب لجوء في مركز تسجيل مفوضية اللاجئين بمصر (المفوضية)

أعاد مشروع قانون الضمان الاجتماعي، الذي يناقشه مجلس النواب المصري (البرلمان) حالياً، الحديث بشأن «حقوق الأجانب» المقيمين في البلاد، لا سيما مع تضمينه مادة تتيح «إمكانية منح رعايا الدول الأخرى دعماً نقدياً وعينياً»، وسط تساؤلات حول ما إذا كان القانون سينطبق على المهاجرين والنازحين من غزة والسودان وسوريا، وغيرها من مناطق الصراع والحروب.

ووافق مجلس النواب المصري برئاسة المستشار حنفي جبالي، الثلاثاء، على 20 مادة من مشروع قانون «الضمان الاجتماعي والدعم النقدي»، المقدم من الحكومة، على أن يتم استكمال باقي مواد مشروع القانون البالغ عددها 44 مادة في جلسة مقبلة.

وتنص المادة الثانية من المشروع على أن بنوده «تسري على رعايا الدول الأخرى المقيمين في مصر، بشرط معاملة المصريين بالمثل في تلك الدول فيما يخص الدعمين النقدي والعيني، كما يمنح القانون رئيس الجمهورية صلاحية إصدار قرارات استثنائية لإعفاء بعض الحالات من شرط المعاملة بالمثل بناءً على اعتبارات تحددها الدولة».

وأوضح مصدر حكومي مصري لـ«الشرق الأوسط»، أن «القانون المنظور حالياً أمام مجلس النواب مختلف عن قانون التأمينات الاجتماعية المرتبط باشتراكات يدفعها الأفراد والشركات طوال فترة عملهم». وقال المصدر، الذي رفض نشر اسمه، إن «القانون الجديد مرتبط بمن لا تشملهم المظلة التأمينية».

وبشأن سريانه على رعايا الدول الأخرى، قال المصدر: «النص واضح، ويشترط المعاملة بالمثل، وهو أمر يتم التنسيق فيه بالتعاون مع وزارة الخارجية والجهات المعنية»، وأضاف: «القانون أيضاً نصّ على استثناءات يحددها رئيس الجمهورية، ولو كانت هذه الاستثناءات معروفة لتم تحديدها في القانون».

ويهدف مشروع قانون «الضمان الاجتماعي والدعم النقدي» إلى «توسيع مظلة المستفيدين من الدعم النقدي»، وفق معايير محددة، وأكد رئيس مجلس النواب، خلال الجلسة العامة، أن مشروع القانون «لا يستهدف فقط توفير الدعم، وإنما أيضاً تحقيق التمكين الاقتصادي للأسر».

ووفق أمين سر لجنة القوى العاملة في مجلس النواب النائبة ألفت المزلاوي فإن «المعاملة بالمثل شرط لاستحقاق الدعم بالنسبة لرعايا الدول الأخرى، وهو أمر تحكمه الاتفاقيات الدولية وبروتوكولات التعاون بين مصر ودول العالم، بحيث يتم دعم رعايا الدول التي توفر دعماً مماثلاً للمصريين على أرضها».

وبشأن الحالات الاستثنائية، وهل تشمل النازحين من السودان وسوريا وفلسطين، قالت النائبة المصرية لـ«الشرق الأوسط»: «الاستثناءات ستنظمها اللائحة التنفيذية للقانون بعد إقراره»، مؤكدة أن «مشروع القانون يستهدف توسيع مظلة الضمان الاجتماعي مع حوكمة مستحقيه».

وأشار مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير جمال بيومي، إلى أن «القانون الدولي يرحب بمبدأ المعاملة بالمثل، وفقاً لاتفاقيات دولية عدة». وقال بيومي، الذي كان مسؤولاً عن ملف الشراكة المصرية - الأوروبية، إن «أوروبا يعيش فيها نحو مليون ونصف المليون مصري يتمتعون بحقوق قانونية تحت مظلة قانون الضمان الاجتماعي في تلك الدول، ويحصل بعضهم على مساعدات وإعانات عند الحاجة».

وتوفر دول عدة حول العالم إعانات وفقاً لقوانين داخلية تحدد شروط الحصول على مزايا الضمان الاجتماعي أو إعانات البطالة، ففي فنلندا «يمكن للشخص التقدم للحصول على إعانة بطالة، إذا أصبح عاطلاً عن العمل»، دون اشتراط الجنسية.

وفي فرنسا «يحق للجميع الاستفادة من الضمان الاجتماعي، بغض النظر عن الجنسية، ولكن بشرط أن يكون الشخص مقيماً في فرنسا بشكل قانوني، ويعمل أو يبحث عن عمل»، حيث يمول نظام الضمان الاجتماعي من اشتراكات الموظفين وأصحاب العمل. وكذلك الأمر في دول أوروبية عدة.

وفرّق أستاذ العلاقات الدولية، ومدير مركز دراسات الهجرة واللاجئين في الجامعة الأميركية بالقاهرة الدكتور إبراهيم عوض، بين «التأمينات الاجتماعية والمعونة»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التأمينات الاجتماعية المعروفة باسم الضمان الاجتماعي في الخارج، هي حق للعمال والموظفين، حيث يدفعون جزءاً من رواتبهم الشهرية بوصفها اشتراكات في برنامج التأمين الاجتماعي، مقابل حصولهم على خدمات ومزايا عند ترك العمل أو إحالتهم للمعاش وغير ذلك».

وأشار إلى أن «هذا النوع من القوانين يسري على جميع من يعملون في البلد دون تمييز، وفقاً لجنسياتهم»، وأضاف: «بالنسبة للمعونة الاجتماعية، فالدول عادة ما تقدمها وفق شروط معينة يحددها القانون، وتمنح للمحتاجين في الحالات القصوى».

وتابع عوض: «مشروع قانون الضمان الاجتماعي الجديد يتيح حصول غير المصريين على المعونة الاجتماعية»، موضحاً أنه «بموجب القانون من حق من تتوافر فيه الشروط التي يحددها القانون، الحصول على المعونة، أيّاً كانت جنسيته، وقد ينطبق الأمر على السودانيين والغزيين، لا سيما أن القانون منح سلطة للرئيس لإعفاء بعض الحالات من شرط المعاملة بالمثل».

وأشار عوض إلى اعتبارات اجتماعية واقتصادية وراء ضم رعايا الدول الأخرى للقانون، وقال: «لا يمكن بأي حال من الأحوال ترك الناس يعانون اقتصادياً، ودون دخل».

وتقدّر بيانات حكومية رسمية أعداد الأجانب الموجودين في مصر بأكثر من 9 ملايين من 133 دولة، ما بين لاجئ وطالب لجوء ومهاجر ومقيم، يمثلون 8.7 في المائة من تعداد السكان الذي تجاوز 107 ملايين نسمة. ووفق رئيس مجلس الوزراء المصري، في وقت سابق، فإن التكلفة المباشرة لاستضافتهم تتخطى 10 مليارات دولار سنوياً.

وأقر مجلس النواب المصري، الشهر الماضي، مشروع قانون قدّمته الحكومة، بشأن «لجوء الأجانب»، وقد أثار جدلاً ومخاوف من «توطين الأجانب» في البلاد.