وزير المالية العراقي المستقيل يشن هجوماً غير مسبوق على أسس نظام ما بعد 2003

اتهمه بالفساد ووصفه بـ«الزومبي» وتوقع موافقة المرجعية الدينية على تغييره

TT

وزير المالية العراقي المستقيل يشن هجوماً غير مسبوق على أسس نظام ما بعد 2003

فجّر وزير المالية علي عبد الأمير علاوي ما يشبه «عبوة ديناميت» في أسس النظام السياسي الذي حكم العراق ما بعد 2003، وجاء هذا التطور في خطاب الاستقالة من المنصب الذي وجهه علاوي إلى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، مساء الثلاثاء.
ورغم أن معظم ما ورد من كلام في الخطاب عن الفساد وسوء الإدارة في مفاصل الدولة العراقية وتكالب قوى السلطة على المال العام منذ سنوات، يجري بشكل بدهي على ألسن معظم المواطنين العراقيين، فإن صدوره عن مسؤول رفيع ومطلع من وزن وزير المالية يضفي عليه أهمية استثنائية وبالغة وقد نظر إليه محليا من قبل أوساط المراقبين والمهتمين في الشأن السياسي بمثابة «أرفع وثيقة سياسية يقدمها وزير عراقي منذ عقدين».
الوزير المستقيل بدأ خطابه الطويل المؤلف من 10 صفحات بالحديث عن طبيعة الظروف الصعبة التي ارتبطت بتشكيل حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في مايو (أيار) 2020، التي شغل فيها منصبه، وعن شكل التحديات التي مرت بها لجهة مجيئها على أنقاض حكومة عادل عبد المهدي التي أطاحتها تظاهرات احتجاجية عارمة، بجانب تفجر مشكلة «كوفيد-19» الصحية وأزمة البلاد الاقتصادية الخانقة التي قال بوصفها: «كانت هناك أوقات استنفدت فيها أموال الحكومة حرفيا، وسحبت احتياطاتنا من العملات الأجنبية».
وبعد كلام طويل عن طبيعة عمل وزارة المالية، والتدخلات الكارثية من قبل الأحزاب السياسية وصعود غير المؤهلين إلى مناصب عليا فيها «كانت وزارة مليئة بالأشخاص ذوي المؤهلات المشكوك فيها» والإهمال المتعمد الذي مارسته الحكومات المتعاقبة على هذه الوزارة المهمة، انتقل إلى الحديث عن الإجراءات العاجلة التي قام بها لمواجهة الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالبلاد لمنع انهيارها. وبعد أن أتى على ذكر مجموعة الإجراءات التي اتخذت خلص إلى القول: «ومع ذلك، من الصعب للغاية إجراء تغييرات وإصلاحات اقتصادية كبيرة على أساس مستمر ودائم في ضوء سياق اقتصادنا السياسي، يجب أن أعترف أنني لم أتوقع التدهور المروع في معايير الحوكمة في بلدنا على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية. كان كل شيء تقريبا يتآمر لإحباط التغيير الحقيقي وترسيخ استمرار الممارسات الفاسدة التي تدمّر الأسس الأخلاقية والمادية للبلد».
ثم انتقل علي علاوي إلى الحديث عن قضية شركة «بوابة عشتار» التي تفجرت قبل أيام، بعد أن كسبت الشركة فيها حكما قضائيا بمبلغ 600 مليون دولار ضد مصرف الرافدين الحكومي.
حيث قال في خطابه: «كانت قضايا فساد الدفع الإلكتروني بالنسبة لي القشة التي قصمت ظهر البعير. لم تكن حالة نادرة ولكنها عكست بوضوح لجميع الأطراف مدى الخلل بالمنظومة، فقد بلورت الدرجة التي تدهورت عندها مكانة الدولة وأصبحت ألعوبة للمصالح الخاصة، الأمر الآن مع السلطة القضائية وتحقيقاتها بعد إبداء الوزارة ملاحظاتها، لذا لا يمكن التعليق عليه».
ورأى أن قضية من هذا النوع «تثير مجموعة كاملة من الأسئلة بشأن كيفية اتخاذ القرارات الصحيحة التي تؤثر على ملايين الأشخاص ومؤسسات الدولة الحيوية دون اعتبار للمصلحة العامة. إذ تعمل شبكات سرية واسعة من كبار المسؤولين ورجال الأعمال والسياسيين وموظفي الدولة الفاسدين في الظل للسيطرة على قطاعات كاملة من الاقتصاد، وتسحب المليارات من الخزينة العامة. وهذه الشبكات محمية من قبل الأحزاب السياسية الكبرى والحصانة البرلمانية وتسليح القانون وحتى القوى الأجنبية».
ورغم إشادة علاوي ببعض الإنجازات التي حققتها حكومة مصطفى الكاظمي، فإنه اعترف بأنها «لم تنجح في ضبط الفساد ثم الحد منه. الفساد وحش متعدد الرؤوس وقد حفر في السنوات العشرين الماضية جذورا عميقة في البلاد، لا يمكن السيطرة عليه إذا لم تكن هناك سياسة وإجماع على القيام بذلك، إذ لا يزال الفساد مستشريا ومنهكا وواسع الانتشار». كما اعترف بعدم قدرتها على كبح التدخلات الخارجية والداخلية في عمل الدولة وسيادتها.
وإلى جانب حديثه الطويل عن قضايا الاقتصاد والفساد، تطرق علاوي كثيرا إلى المسائل السياسية وقضية الاحتجاجات الصدرية الحالية وموقف مرجعية النجف حيال الصراع القائم بين الصدر وخصومه من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية والمسائل المتعلقة بالدستور وإعادة كتابته.
ويعتقد علاوي «العصيان المدني هو السبيل الوحيد للتغيير»، وأن «مؤسسات الدولة، حتى في حالتها الضعيفة، تفقد مصداقيتها وسلطتها مع انسحاب التيار الصدري من مجلس النواب. أي حكومة جديدة يتم تشكيلها في ظل النظام الحالي تفتقر إلى الشرعية الكاملة في رأيي ما لم تعترف بها المعارضة خارج البرلمان». وتابع «لا شك أن إصلاح هذا النظام بتغيرات دستورية أو حتى دستور جديد أمر ضروري، وعلى عكس البشر، لا تموت الدول بشكل نهائي، ويمكن أن تبقى دول (الزومبي) لسنوات بل حتى لعقود قبل أن يتم دفنهم، أعتقد أن الدولة التي ظهرت بعد غزو 2003، تظهر عليها علامات مرض عضال».
وحول رأيه بموقف مرجعية النجف والأطراف الخارجية من الأزمة السياسية الحالية قال علاوي: «لا يوجد طرف خارجي يمكنه فصل الخلاف، ولا يوجد على الأقل في الوقت الحالي، استعداد من جانب المرجعية الكريمة في النجف الأشرف للتأثير في جانب أو آخر أو ضد كليهما (التيار الصدري - قوى الإطار)، هذا يمكن أن يعطي الشرعية للتخلي عن النظام الحالي والمضي قدما نحو نظام جديد».
وخلص إلى أنه «لا يوجد دستور مقدس، يجب تغييره وتعديله حسب الضرورة لخدمة المصلحة الأكبر لشعبنا، وعلى وجه الخصوص، فإن البنود الغامضة، والسلطات غير المؤكدة، والظروف الصعبة وحتى المستحيلة لإجراء التعديلات، جعلت من الضروري النظر في إمكانية ترتيبات دستورية جديدة».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

تقرير: ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)
تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)
TT

تقرير: ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)
تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

قالت كارولين ليفيت، التي أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أنها ستكون متحدثةً باسم البيت الأبيض، لموقع «أكسيوس»، إن ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة، و«سيعمل على إعادة المدنيين الأبرياء المحتجزين كرهائن إلى ديارهم».

وأضافت أنه «سيعيد فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران، ومحاربة الإرهاب، ودعم إسرائيل».

ووفقاً لما نقله الموقع عن مصادر، فإن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ عندما اتصل بترمب لتهنئته على فوزه في الانتخابات، أخبره هرتسوغ أن إطلاق سراح الرهائن الـ101 «قضية ملحة» وقال لترمب: «عليك إنقاذ الرهائن»، الذي قال رداً على ذلك إن جميع الرهائن تقريباً ماتوا على الأرجح، ولكن الرئيس الإسرائيلي ذكر أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تعتقد أن نصفهم ما زالوا على قيد الحياة.

وقال أحد المصادر: «لقد فوجئ ترمب، وقال إنه لم يكن على علم بذلك»، وأكد مصدران آخران أن ترمب قال إنه يعتقد أن معظم الرهائن ماتوا.

وعندما التقى هرتسوغ بايدن في البيت الأبيض في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، طلب منه العمل مع ترمب بشأن هذه القضية حتى يتولى ترمب منصبه.

وبعد يومين، عندما استضاف ترمب في اجتماع لمدة ساعتين في المكتب البيضاوي، أثار بايدن مسألة الرهائن واقترح عليه العمل معاً للدفع نحو التوصل إلى اتفاق.

وقال بايدن لعائلات الرهائن الأميركيين، في اجتماع عقد بعد ساعات قليلة من لقاء ترمب: «لا يهمني إن كان ترمب يحصل على كل الفضل ما دام أنهم سيعودون إلى الوطن».

ولفت الموقع إلى أن المفاوضات بشأن صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار عالقة منذ أكثر من ثلاثة أشهر.

وفي اجتماع عُقد في وقت سابق من هذا الأسبوع، أخبر قادة الجيش الإسرائيلي والموساد والشين بيت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنهم يعتقدون أن حركة «حماس» من غير المرجح أن تتخلى عن شروطها للانسحاب الإسرائيلي من غزة وإنهاء الحرب.

وأخبروه أنه إذا كانت الحكومة الإسرائيلية مهتمة بالتوصل إلى صفقة، فيجب عليها تخفيف مواقفها الحالية.

وتضع عائلات الرهائن والمسؤولون الإسرائيليون الآن آمالهم في نجاح ترمب، حيث فشل بايدن حتى الآن في إقناع نتنياهو بإنهاء الحرب في غزة مقابل تحرير الرهائن المحتجزين لدى «حماس».

وقبل أقل من شهرين من تنصيب ترمب، يبدو من غير المرجح أن يحدث اتفاق إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في أي وقت قريب.

وبدلاً من ذلك، من المرجح جداً أن يرث ترمب الأزمة والمسؤولية عن الأميركيين السبعة المحتجزين لدى «حماس»، والذين يُعتقد أن أربعة منهم على قيد الحياة.