أحدث قرار عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، تعيين ثلاثة نواب برلمانيين سفراء لبلادهم في بلغاريا والجزائر والاتحاد الأفريقي، حالة من الجدل بين السياسيين بالبلاد، أرجعها بعضهم إلى أنها فصل جديد من الصراع السياسي القائم بين حكومتي الدبيبة وغريمه فتحي باشاغا.
ورأى وكيل وزارة الخارجية الأسبق بالحكومة الليبية المؤقتة حسن الصغير، أن قبول بعض النواب بالتعيين في البعثات الخارجية أو السعي إليه «لا ينطوي فقط على التخلي عن المهام التشريعية والرقابية»، بل إنها «هروب للأمام وقفزة من مشهد الأزمة السياسية الخانقة التي تواجه البلاد، بدلاً من السعي لحلها للتخفيف من وطأة الضغوط على الشعب الذي أوصلهم لمقاعدهم».
وقال الصغير، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «بعض النواب بات يستشعر أن ولاية الدبيبة قد لا تكون ممتدة، لذا يسارعون بالقفز من القارب قبل غرقه»، مشيراً إلى أن الدول الكبرى ذات التأثير في المشهد الليبي مثل فرنسا والولايات المتحدة لم تحدد مواقفها من تسمية رؤساء البعثات الجدد التي اعتمدتها حكومة الدبيبة. وعلى عكس ما ذهب الصغير، دفع عضو مجلس النواب الليبي صلاح أبو شلبي، «بصحة الموقف القانوني للنواب المكلفين حديثاً بمهام دبلوماسية»، لافتاً إلى أن «موافقتهم على التعيين تُعد بمثابة استقالة اعتبارية من المجلس النيابي؛ حيث تقضي القوانين المنظمة بعدم جواز الجمع بين عضويته وأي منصب بالسلطة التنفيذية».
وقال أبو شلبي لـ«الشرق الأوسط» إن «طموح النائب، أو أي شخصية عامة لتولي منصب ما بالدولة، يعد حقاً مشروعاً له، ومعظم الشخصيات المكلفة تمتلك مؤهلات علمية وخبرة سياسية، وتتمتع بشبكة واسعة من العلاقات داخلياً وخارجياً».
ونوه إلى أن الأمر ليس مستحدثاً على الساحة الليبية، متابعاً: «كثير من الوزراء ورؤساء الوزراء ونوابهم سبق وتخلوا عن عضويتهم النيابية وتولوا مناصب عامة، مثل فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني السابق، وفتحي باشاغا رئيس وزراء المكلف من البرلمان حالياً».
واستدرك أبو شبلي: «لكنّ الأمر ينطوي على مخالفة لمبادئ عامة، إذ لا يمكن للبرلمان حالياً انتخاب آخرين بدلاً منهم، خصوصاً في ظل تعقد المشهد السياسي الراهن»، ومع ذلك رفض أبو شلبي محاولة البعض تفسير التعيين بكونه «تخلياّ من هؤلاء النواب عن مهامهم التشريعية، ودوائرهم التي انتخبتهم». وذهب إلى أن «وجود هؤلاء الشخصيات في مواقعهم الجديدة قد يمثل مصلحة عليا للبلاد»، معتقداً أن «نسبة كبيرة من المعينين بالسفارات خلال السنوات الأخيرة لا يملكون أبجديات العمل السياسي».
وأرجع أبو شلبي سبب رفض رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، قرارات تعيين هؤلاء، بأنه أمر يتعلق بالصراع السياسي القائم مع حكومة الدبيبة، أكثر ما يرتبط بشخصية النواب.
وكان رئيس مجلس النواب قد طالب بإصدار تعميم على البعثات الأجنبية بعدم الاعتداد بالقرارات الصادرة عن حكومة «الوحدة الوطنية» بتعيين سفراء جدد نظراً «لانتهاء ولايتها».
وانتهى النائب أبو شلبي إلى أن معظم الشخصيات الذين يصفهم البعض الآن بأنهم مقربين للدبيبة كانوا مقربين من عقيلة صالح في وقت سابق، وقال: «تغيير المواقف ليس عيباً، فالعمل السياسي يتطلب المرونة ويقوم أيضاً على المصالح المتبادلة».
أما رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني» أسعد زهيو، فاتَّهم حكومة الدبيبة «بمحاولة تفريغ مجلس النواب من الداخل من خلال هذه التعيينات»، وقال: «الدبيبة وصل لمرحلة القطيعة النهائية مع البرلمان، كما أنه لم يعد يحتاج لجهد كثير من النواب الذين يساندونه تحت قبة البرلمان، لذا سارع بتعيينهم في مواقع دبلوماسية ليضمن تفريغ المجلس من الداخل».
وتوقَّع زهيو استمرار مثل هذه التعيينات سواء في السلك الدبلوماسي أو في مناصب أخرى بالسلطة التنفيذية حتى يتم إكمال مسلسل إفراغ البرلمان ويعجز ربما عن الوصول للنصاب القانوني.
وكلف الدبيبة، النائبان أحمد أبو بكر سعيد، وصالح همة، كسفيرين مفوضين فوق العادة لبلادهما الأول في بلغاريا، والثاني لدى الجزائر، أما زميلهما محمد آدم لينو، فقد كُلف سفيراً دائماً لليبيا بالاتحاد الأفريقي.
ويرى زهيو أن الأمر يرتبط «بالمزايا المالية للوظائف بالبعثات»: «النواب السابقون الذين كانوا يمارسون الرقابة على السلطة التنفيذية وباتوا اليوم جزءاً منها من المحتمل أن تتضاعف رواتبهم».
الصراع السياسي في ليبيا يصل إلى محطة «البعثات الدبلوماسية»
الصراع السياسي في ليبيا يصل إلى محطة «البعثات الدبلوماسية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة