نعيمة البزاز... النص الملعون

الذكرى الثانية لانتحار الكاتبة الهولندية من أصول مغربية

نعيمة البزّاز
نعيمة البزّاز
TT

نعيمة البزاز... النص الملعون

نعيمة البزّاز
نعيمة البزّاز

عُرفت الكاتبة والروائية الهولندية من أصول مغربية نعيمة البزاز، التي تصادف هذه الأيام الذكرى الثانية لانتحارها، بتجاوزها التابوهات الاجتماعية، وبكتاباتها النقدية اللاذعة التي لم تستثنِ نفسها أيضاً منها. ومن هنا، أثارت رواياتها وقصصها القصيرة ومحاضرتها الكثير من الجدل، ليس في الوسط الثقافي الهولندي، بل في المجتمع الهولندي المتعدد الثقافات، وخصوصاً في وسط الجالية المغربية المحافظة. لقد كانت بارعة ودقيقة في متابعة وملاحظة ما يجري حولها بشكل عام. لكن بعض الإسلامويين لم يغفروا لها نقذها اللاذع والصريح لأفكارهم وممارساتهم. وقد كلفها ذلك حياتها، إذ لم تتحمل مهاجمتهم المستمرة لها، وضغوطاتهم وتهديداتهم، ووصل الأمر باعتبارها كافرة يجب أن ترجم بالحجارة وأن يبصق عليها، خصوصاً بعد صدور روايتها الموسومة «المنبوذة» عام 2006. مما أصابها باكتئاب شديد، فانتحرت في السابع من أغسطس (آب)، 2020. وكان انتحاراً مدوياً فاجأ وهز الأوساط الثقافية الهولندية.
ولدت نعيمة البزاز في مدينة مكناس المغربية في 3 مارس (آذار) 1974. التحقت مع والدتها بوالدها التي تعيش في هولندا وهي في الرابعة من عمرها. وكانت تريد منذ صغرها أن تصبح يوماً كاتبة رغم استصغار مدرسيها لها.
أصدرت أول رواية لها تحت عنوان «الطريق إلى الشمال» (1995) التي فازت بجائزة IBBY وكان عمرها واحد وعشرين ربيعاً، وطالبة في كلية الحقوق بجامعة لايدن العريقة.
كانت أغلب الثيمات التي تناولتها نعيمة البزاز تهتم بالمرأة ووضعيتها في المجتمع الهولندي؛ سواء كانت هولندية الأصل أو من أصول مغربية أو غيرها. لكن طريقة تناولها المباشرة والصريحة لمواضيعها كالعادات والتقاليد والأعراف وإلقائها الضوء على المحرمات لم تُسامح عليها كامرأة كاتبة.
انطلاقاً من «الطريق إلى الشمال» إلى آخر روايتها الموسومة «في خدمة الشيطان» (2013)، استطاعت الراحلة أن تسمي الأشياء بأسمائها؛ «كتابة خاما»، حسب قولها.
ففي الرواية الأولى، تصور لنا كيف أن الطريق إلى الشمال هو مجرد سراب، عبر رسم شخصية الشاب «غالي» العاطل عن العمل، الذي ترك زوجته وأهله في مدينة مكناس وهاجر بطريقة غير قانونية إلى فرنسا ليكتشف أن الحياة فيها مستحيلة ومعقدة، ومنها أُرسل من قبل صديق للعائلة إلى هولندا ليجد نفسه منتحلاً شخصية وهوية أخريين لم تساعدانه على إيجاد السعادة والعيش الكريم المنشود. وكانت نهاية هذه الرواية مفتوحة على الشخصية الرئيسية التي تُعاني نفس القلق والخوف من الشرطة عليه.
أما في «عشيقة الشيطان» 2002. وهي مجموعة قصصية تحتوي على سبع قصص لكنها تُشكل موضوعاً متكاملاً، فتتخذ الكاتبة دور الحكواتي، متطرقة إلى ثيمات متعددة نعيشها معها كألف ليلة وليلة. وفي قصة «المرأة الأخرى»، تتناول، في خمس عشرة صفحة، زواج القاصرات، والاغتصاب والعذرية، والخيانة الزوجية، وكذلك جهل الزوجة ولجوئها إلى مساعدة الساحرة «للا رابحة» لمنع زوجها، الذي كان قد اغتصبها قبل سنة من زواجهما، من الارتباط بجارتها نادية. وفي قصة «الثعبان»، تطرح موضوع عقوق الابن تجاه أمه الأرملة. فسيدي كراوين الحكواتي يحكي لمستمعيه بسوق أشادور «الأربعاء» عن مهدي بشير الذي أصبح أستاذاً جامعياً لكنه انشغل في حياته الخاصة، وأهمل والدته. وبعد وفاتها ودفنها وهي في الستين، اكتشف أن ملف المنحة الدراسية سقط منه في القبر. وكانت المفاجأة كبيرة عند نبشه للقبر. وجد آنذاك ثعباناً يخرج من بطن أمه. طلب من الثعبان أن يترك والدته في أمان. لكن الثعبان اشترط، بالمقابل، على مهدي بشير أن يتخلى عن كل شيء. قبِلَ مهدي الشرطَ ووجد نفسَه في اليوم التالي لا يعرف من هو ولا أين هو؛ متشرداً في الشوارع كالأبله. أما قصة «المحصّن»، فهي تتناول الضغط الذي يمارسه «فارزي»، الجني، والمنافسة بين هذا الأخير وإبليس لدفع عبد الله، مدرس القرآن، لخيانة زوجته ودور للا رابحة في ذلك. وفي قصة «ابنة الشيطان»، يخبرنا الراوي بأن الجن فارزي يزور الساحرة للا رابحة ويحكي لها قصة عن ابنة عائلة شكير وزوجته رقية، لويزة، التي أحبها الجن وأنجبت منه مولودة. لكن الأب قتل ابنته غسلاً للعار.
في عام 2008، نشرت نعيمة البزاز رواية «المنبوذة»، التي عرفت نجاحاً كبيراً، وفي الوقت نفسه جدلاً منقطع النظير، تسبب في مصاعب أغرقت الراحلة في اكتئاب شديد. في هذه الرواية، تقرر الشخصية الرئيسية إيميلي الانتحار في يوم عيد ميلادها الثانية والثلاثين. ومن خلال ألبوم الصور الذي تحتفظ به والذي يشكل ماضيها، نتعرف على حيوات نساء لعبن دوراً، سواء كان مباشراً أو غير مباشر، في حياة إميلي؛ وعلى طبيعة علاقتها بوالدتها الفرنسية الأصل، المعتنقة للإسلام، لكن المتشددة والمحافظة جداً، والتي كانت تفرض على إميلي وعلى أختها سناء ارتداء الحجاب. وكذلك علاقة إميلي بصديقتها «أستر» التي لا تكترث للأخلاقيات لكي تصل إلى هدفها وترتقي في السلم الاجتماعي على حساب إميلي. أما صديقة إيلي، الطبيبة إلزا، فهي أيضاً قطعت علاقتها بوالديها لأسباب لم تخبرنا عنها الراوية. وتتناول الرواية أيضاً سيرة سلوى الزوجة الثانية التي أتت من المغرب، والتي فشلت في ولادة الابن الوريث، حتى بعد خمس بنات.
وفي الواقع، ساهم وجود النساء حول نعيمة البزاز في تشكيل حياتها إلى حد كبير، وهي تقول عن ذلك: «ربتني النساء على فكرة ألا أتنازل، وأن أحارب لكي أحقق هدفي».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)
الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)
TT

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)
الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية»، التي تمنحها القناة التابعة للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام «SRMG»، بالتعاون مع «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2024»، وذلك خلال حفل أُقيم بمنطقة «البلد» في جدة.

وتدور أحداث الفيلم حول 4 صحافيّين مكسيكيّين، يخاطرون بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» العنيفة في بلادهم. وتأتي الجائزة ضمن التزام القناة بدعم صناعة الأفلام، وتعزيز المواهب الناشئة في الوثائقيات، وتسليط الضوء على الجهود المستمرة لتوفير منصّة تفاعلية لعرض القصص.

وشهدت هذه النسخة مشاركة واسعة ومتنوعة شملت أفلام «يلّا باركور» للمخرجة عريب زعيتر (الأردن)، و«مركب فرسان: 128 كيلو عن بر الأمان» لموفق العبيد (السعودية)، و«ماي واي» لليزا أزويلوس وتيري تيستون (فرنسا - أميركا)، و«حالة من الصمت» لسانتياغو مازا (المكسيك)، و«لوميير السينما (تستمر المغامرة)» لتيري فريمو (فرنسا)، و«توليف وحكايات على ضفاف البوسفور» لزينة صفير (مصر - لبنان - تركيا)، و«عندما يشع الضوء» لريان البشري (السعودية) ، ضمن فئة الأفلام القصيرة.

محمد اليوسي يُتوّج المخرج سانتياغو مازا بالجائزة (الشرق الأوسط)

من جانبه، قال محمد اليوسي، المدير العام لقناتي «الشرق الوثائقية» و«الشرق ديسكفري»، إن الجائزة «تعكس التزامنا الراسخ بدعم المواهب، وتقديم محتوى أصلي وحصري لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، مهنّئاً المخرج سانتياغو مازا على فيلمه الوثائقي المميز.

بدورها، ثمّنت شيفاني باندايا مالهوترا، المديرة الإدارية للمهرجان، الشراكة الاستراتيجية مع «الشرق الوثائقية» لتقديم جائزتها للعام الثاني على التوالي، مبيّنة أن هذه المبادرة «تجسّد التزامنا الراسخ بدعم صُنّاع الأفلام الموهوبين، وتوفير منصّة رائدة لعرض أعمالهم وإبداعاتهم للعالم أجمع».

وتقدم «الشرق الوثائقية» أفلاماً تتناول مواضيع عدة، تتنوّع بين السياسة والاقتصاد والأعمال والتاريخ، وتستعرض رؤًى فريدة وتحليلات ثاقبة حول آخر التوجهات والأحداث والشخصيات المؤثرة التي تشكل عالم اليوم.

وبفضل قدراتها الإنتاجية الداخلية، تبثّ القناة مجموعة برامج تتسلل إلى عمق الأخبار وعناوين الصحف، وتوفّر تحليلات جريئة وشاملة. ويُمكن مشاهدة محتواها من خلال البثّ التلفزيوني، والمباشر عبر الإنترنت، وخدمة الفيديو عند الطلب عبر «الشرق NOW»، وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.