أوجه التشابه بين قتل فتاتي «المنصورة» و«الشرقية» بمصر

«الرفض العاطفي» وأداة الجريمة وعلنية التنفيذ

صورة متداولة على موقع التواصل تجمع المتهم مع فتاة الشرقية مصحوبة بتهديده
صورة متداولة على موقع التواصل تجمع المتهم مع فتاة الشرقية مصحوبة بتهديده
TT

أوجه التشابه بين قتل فتاتي «المنصورة» و«الشرقية» بمصر

صورة متداولة على موقع التواصل تجمع المتهم مع فتاة الشرقية مصحوبة بتهديده
صورة متداولة على موقع التواصل تجمع المتهم مع فتاة الشرقية مصحوبة بتهديده

قبل نحو 18 عاماً، رصد دومينيك كورفان، عالم الأعصاب السويسري في دراسة نشرتها دورية «ساينس»، تغيّرات في دماغ المنتقم تدفعه لتنفيذ جريمته، ويبدو أنّ هذه التغيّرات مثلت دافعاً مشتركاً بين واقعتي قتل فتاتي «المنصورة» و«الشرقية»، اللتين شهدتهما مصر مؤخراً، وأحدثتا جدلاً مجتمعياً كبيراً.
قال كورفان في دراسته إنّه رصد «نشاطاً في المناطق المرتبطة بالمكافأة في الدماغ لدى المنتقمين»، وهو ما يكشف عن اختمار فكرة الانتقام في العقول، وهو ما حدث في الواقعتين، وكان المحرك الأساسي لذلك هو «الرفض العاطفي».
واعترف الجناة في واقعتي فتاة المنصورة «نيرة أشرف»، وفتاة الشرقية «سلمى بهجت»، أنهما خطّطا لهذا الانتقام بسبب رفض الفتاتين الارتباط بهما عاطفياً، على الرغم ممّا «قدّماه من مساعدات لهما خلال الدراسة، وكانت سبباً في حصولهما على تقديرات مرتفعة»، بحسب زعم الجانيين.
وكشفت تعليقات الجانيين في حسابيهما على مواقع التواصل الاجتماعي قبل الجريمة، كما أثبتت التحقيقات اللاحقة فيما بعد، تنفيذهما «الدافع الانتقامي المعدل لكيمياء المخ نحو ارتكاب الجريمة»، حيث كتب قاتل فتاة الشرقية على صفحته بموقع «فيسبوك» متوعّداً إيّاها بعد رفضها الارتباط به، بأنه سيقوم بقتلها بطريقة «ستزلزل عرش الرحمن من بشاعتها، وذلك بعد رصده ما قدّمه لها من مساعدات كانت سبباً في تفوقها، وأكّد أنه لن يحزن على إعدامه بعد القيام بذلك».
وكانت «الدوافع نفسها» تقريباً، هي المحركة لقاتل فتاة المنصورة محمد عادل، حيث كشفت التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة أنّ القاتل «ظن بتقديمه المساعدات لها أثناء الدراسة أنه سيدفعها لقبول الارتباط به عاطفياً، وتسبّب رفضها له أكثر من مرّة في إقدامه على قتلها».
وكما تشابه الجناة في الدافع، تشابها أيضاً في أداة الجريمة، حيث جمعهما استخدام السلاح الأبيض وتوجيه أكثر من طعنة للمجني عليهما، وصلت إلى 17 طعنة في واقعة الزقازيق، و19 طعنة في واقعة المنصورة.
ولم يكتف الجناة بهذا الانتقام البشع، بل حرصا على أن يكون انتقامهما علنياً وأمام الناس، وهو ما يعني إدراكهما لعواقب الجريمة، وعدم المبالاة بتلك العواقب، طالما أن ذلك سيشبع رغبتهما في الانتقام لتحقيق السعادة التي تنعكس على منطقة المكافأة في المخ، والتي أشار إليها كورفان في دراسته.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1557375390401937409
ولفتت أوجه التشابه بين الواقعتين انتباه كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومنهم فوزي العشماوي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، والذي تساءل عبر صفحته على موقع «فيسبوك»: هل نحن أمام متلازمة تشبه «متلازمة فيرتر»؟
ومتلازمة فيرتر، التي أشار إليها العشماوي، أُطلقت إثر انتشار موجة من الانتحار بين الشباب الأوروبي في القرن الثامن عشر، وكان القاسم المشترك بين المنتحرين اقتناءهم لرواية «آلام فيرتر» للشاعر الألماني يوهان جوته.
وكانت الرواية تتناول معاناة «فيرتر» بسبب حبّه لشارلوت التي تزوّجت من صديقه المقرّب «ألبرت»، وبعدما فقد حبيبته، لم يتمكن من التعايش مع آلامه، فقرّر إنهاء حياته بأن أطلق الرصاص على نفسه.
وبالطريقة نفسها التي أنهى بها بطل الرواية حياته، أنهى المنتحرون حياتهم، بل إن بعضهم ارتدى ملابس تشبه أزياء بطل الرواية، كما وصفها جوته، وعثر بجوار بعض المنتحرين على نسخ من الرواية.
وقال العشماوي: «على غرار تلك المتلازمة، هل نحن أمام موجة وظاهرة من جرائم القتل أو التهديد به على خلفية الارتباط العاطفي»؟
وأضاف أنّ «تعاطف الناس مع آلام فيرتر وانتحاره تسبب في موجة من الانتحار على خلفيات عاطفية، فهل الاهتمام الجماهيري وفيضان وسائل التواصل الاجتماعي بالحديث عن جريمة المنصورة، ومحاولة البعض إيجاد مبررات للقاتل، كان في حد ذاته دافعاً ومحفزاً للشباب والمراهقين في مقتبل العمر على عمل أيّ شيء يلفت الانتباه»؟
التساؤل الذي أثاره عشماوي، أجاب عليه جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، بالتأكيد على أنّ «اهتمام وسائل التواصل الاجتماعي بواقعة فتاة المنصورة، كان المحرك الأساسي لتنفيذ جريمة الشرقية».
وقال فرويز في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إنّ سعي بعض رواد السوشيال ميديا لجمع «اللّايكات»، دفعهم إلى نشر آراء شاذة على عكس ما يقولونه في جلساتهم الخاصة، مثل إبداء التعاطف مع قاتل فتاة المنصورة على الرغم من بشاعة جريمته، وهذا شكّل، إلى جانب الاهتمام الجماهيري بالواقعة، دوافع تراكمت في اللّاشعور لدى قاتل فتاة الشرقية، فأقدم على ارتكاب جريمته.
ويفرّق فرويز بين الجريمة التي وقعت في الأردن بعد وقت بسيط من حادثة قتل فتاة المنصورة، والتي ألمح فيها الجاني قبل تنفيذ جريمته، إلى أنه سيجعل المجني عليها تلحق بفتاة المنصورة، وبين حادثة الشرقية.
وقال: «في حادثة الأردن كان الجاني يدرك أنّه يقلد قاتل المنصورة، ولكنّ قاتل فتاة الشرقية، ربما لا يدرك عقله الواعي أنّه يقلّد قاتل المنصورة، ولكنّ الحقيقة غير ذلك، لأنّ تفاصيل حادثة المنصورة وما صاحبها من اهتمام جماهيري، وتعاطف من جانب البعض مع الجاني ترسّخ في اللاشعور، وقاده لارتكاب الجريمة بالكيفية نفسها، والحلّ الذي يكبت ما ترسّخ في اللّاشعور هو القصاص العادل والسريع من الجاني».
وأضاف: «أعلم أنّ إجراءات التقاضي وصولاً للحظة الإعدام تأخذ وقتاً طويلاً، ولكن في مثل هذه الحوادث، لابد من القصاص السريع حتى لا تتكرّر مثل هذه الحوادث مجدداً».
وأبدى فرويز اتّفاقه مع القاضي الذي أصدر الحكم بالإعدام على قاتل فتاة المنصورة في أوّل درجات التقاضي، وتوصيته ببث وقائع الإعدام تيلفزيونياً، وقال: «أؤيّده تماماً في بثّ كلّ التفاصيل، عدا لحظة الإعدام، حتى يكون ذلك رادعاً لمن يفكر في الانتقام بالطريقة نفسها».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».