من الشوارع المقفرة إلى الستائر المسدلة خلف الشرفات... أحيت ساعات من الغارات الإسرائيلية التي استهدفت بشكل أساسي حركة «الجهاد الإسلامي» لدى أهالي قطاع غزة المحاصر ذكريات حرب لم يمر عليها وقت طويل، ومشاهد تتكرر أمام أعينهم وكأنها وقعت بالأمس.
عصر الجمعة، وكما في كل نهاية أسبوع، امتلأ كورنيش غزة بالرواد الذين يرون فيه أحد المتنفسات القليلة لأهل قطاع ويعد من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في العالم، ويقبع تحت الحصار الإسرائيلي منذ 15 عاماً.
في أقل من 24 ساعة، اختلف المشهد جذرياً، بات الكورنيش المطل على البحر المتوسط، منطقة مهجورة تفتقد رواده، وأقفلت مقاهيه أبوابها مع بقاء أصحابها في منازلهم على وقع تواصل الغارات الإسرائيلية التي ترد عليها «سرايا القدس»، الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، بإطلاق رشقات من الصواريخ باتجاه إسرائيل.
خلا وسط المدينة بدوره من الحركة بشكل كبير، إذ اختار العديد من أهل غزة الاحتماء بمنازلهم. والذين منهم اختاروا المغامرة بالخروج، يقومون بذلك لمجرد تفقد أضرار الغارات والزجاج المحطم المتناثر على الأرض، وآثار الحرائق التي تطول المباني.
ويقول محمد حمامي (40 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية: «بصراحة هذا العدوان فاجأنا. كنا نعيش في هدوء وفجأة وقع القصف عصر يوم الجمعة». وأضاف: «دائماً الاحتلال يبدأ بقصفنا».
وأعلن الجيش الإسرائيلي الجمعة أنه بدأ عملية «استباقية» تطول «الجهاد»، ثانية أبرز الفصائل المسلحة في القطاع بعد حركة «حماس». وفي حين قالت إسرائيل إنها قتلت 15 شخصاً، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية مقتل 11 شخصاً وإصابة ثمانين آخرين بجروح.
ومن بين القتلى تيسير الجعبري، القائد البارز في «سرايا القدس»، وآلاء قدوم ابنة الأعوام الخمسة التي قضت بعد استهداف حي سكني حيث تقطن. وشيع ذوو قدوم ابنتهم وهي لا تزال ترتدي القميص «تي شيرت» زهري اللون المنسق مع ربطة شعرها الداكن.
ويقول حمامي بحرقة وأسى: «نطالب بوقف عدوان الاحتلال علينا. يكفي، يكفي كل بضعة أشهر أو سنة تقع حرب... نعيش في رعب، هذا الاحتلال لا يرحم (...) يقصف البيوت والمارة والسيارات حتى الشوارع والأراضي الزراعية» في القطاع الذي يقطنه 2.3 مليون نسمة في مساحة 362 كيلومتراً مربعاً، وشهد أربع حروب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية منذ 2007.
وكانت آخر المواجهات الكبيرة في مايو (أيار) 2021، واستمرت 11 يوماً وراح ضحيتها 260 شخصاً في الجانب الفلسطيني بينهم عناصر من الفصائل المسلحة، في مقابل 14 شخصاً في الجانب الإسرائيلي بينهم جندي، وفق أرقام السلطات المحلية.
«وحدنا»
حرم هدير الطائرات ودوي الانفجارات دنيا الأمل إسماعيل، النوم طوال ليل الجمعة السبت، وأعادا إلى ذاكرتها، المشاهد المؤلمة للحروب السابقة. حتى في الأوقات الفاصلة بين غارة وأخرى وقصف وآخر، حين يتوقف هدير الطائرات المقاتلة، لا ينعم أهل غزة بهدوء تام، إذ يخرق سماء القطاع هدير الطائرات الإسرائيلية المسيرة التي تعرف محلياً بـ«الزنانة».
وتقول دنيا المقيمة في حي الرمال وسط غزة: «التصعيد الأخير أعاد إلى الأذهان صور الخوف والدمار والقلق والفقد والشعور بأننا وحدنا... أتمنى ألا يطول هذا التصعيد ولا يمتد ولا يتحول لمواجهة أكبر، وأن تنجح الوساطة المصرية بالتهدئة».
وتشير مصادر مصرية إلى أن القاهرة التي سبق أن أدت دور وساطة للتهدئة بين إسرائيل والفصائل في القطاع، تقوم بمسعى مماثل هذه المرة أيضاً.
وفي انتظار أن تثمر الجهود تهدئة وإن مؤقتة تضع حداً لدوي القصف والغارات، ينصرف العديد من سكان القطاع إلى معاينة الأضرار ومحاولة إنقاذ ما تبقى من ممتلكاتهم.
في مدينة جباليا بشمال القطاع، يتفقد فؤاد فرج الله منزله، أو أقله ما تبقى منه: غرفة جلوس تحولت مزيجاً من الصفائح المعدنية والحجارة والأنقاض، ومروحة بيضاء اللون بقيت بأعجوبة متدلية من السقف الحديدي للبيت.
أهل غزة وذكريات زمن لم يمضِ
أهل غزة وذكريات زمن لم يمضِ
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة