بروكسل تحض طهران وواشنطن على «بذل جهد أخير» لإنقاذ الاتفاق النووي

«الترويكا الأوروبية»: مسودة بوريل المطروحة على الطاولة غير قابلة للتفاوض

أوليانوف بعد مشاورات مع مورا...ونجفي وكمالوندي يغادران قصر كوبورغ وسط فيينا أمس (أ.ب)
أوليانوف بعد مشاورات مع مورا...ونجفي وكمالوندي يغادران قصر كوبورغ وسط فيينا أمس (أ.ب)
TT

بروكسل تحض طهران وواشنطن على «بذل جهد أخير» لإنقاذ الاتفاق النووي

أوليانوف بعد مشاورات مع مورا...ونجفي وكمالوندي يغادران قصر كوبورغ وسط فيينا أمس (أ.ب)
أوليانوف بعد مشاورات مع مورا...ونجفي وكمالوندي يغادران قصر كوبورغ وسط فيينا أمس (أ.ب)

دعت المفوضية الأوروبية في بروكسل واشنطن وطهران إلى «بذل جهد أخير» و«اتخاذ قرارات سياسية واضحة» في ثاني أيام الجولة الجديدة من محادثات فيينا الساعية لإبعاد الاتفاق النووي من حافة الانهيار. وقال المتحدث باسم المفوضية بيتر ستانو للصحافيين أمس: «حان الوقت لبذل جهد أخير»، مشدداً على استنفاد المجال اللازم لأي مناورة إضافية، بعدما طرح الاتحاد الأوروبي بصفته منسقاً للمحادثات، مسودة جديدة لنص الاتفاق الأسبوع الماضي. وأشار ستانو إلى وجوب «اتخاذ قرارات سياسية واضحة وحاسمة من قبل عواصم الدول المشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي). هذه هي العملية الجارية في فيينا، ونأمل أن تفضي إلى نتائج».
واستؤنفت المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن في فيينا الخميس باجتماع بين كبير المفاوضين الإيرانيين باقري كني ومنسق الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا الذي ينقل الرسائل إلى المبعوث الأميركي الخاص بإيران روب مالي، بسبب رفض إيران عقد محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة.
وانهارت المحادثات في مارس (آذار) لأسباب منها مطلب طهران المتعلق بأن تزيل واشنطن «الحرس الثوري» من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية ورفض الولايات المتحدة لذلك. وقدم منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مقترحاً لحل وسط في يوليو (تموز) ودعا الطرفين لقبوله لتجنب «أزمة نووية خطرة». ونسبت «رويترز» إلى مسؤولين إيرانيين الخميس أن طهران «غير راضية» عن مسودة هذا المقترح.

- تنازلات ومحفزات
أبلغ مسؤول أوروبي رفيع الصحافيين في نهاية مناقشات الخميس، أن إيران تراجعت عن مطالبها بإزالة «الحرس الثوري» من لائحة الإرهاب، مشيراً إلى أنه «تم الاتفاق على مناقشة الأمر في المستقبل بمجرد تمكن الولايات المتحدة وإيران من الاجتماع بشكل مباشر»، حسب رويترز.
ويعود الحديث عن إبعاد ملف «الحرس الثوري» من المفاوضات إلى يونيو (حزيران)، قبيل زيارة قام بها مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وحينها نقلت رويترز عن مسؤول إيراني وآخر أوروبي أن طهران أسقطت مطلبها بشأن رفع اسم «الحرس الثوري».
وبدا أن مسؤولاً إيرانياً كبيراً يقلل من مثل هذه الاحتمالية حين قال لرويترز الخميس: «لدينا اقتراحاتنا الخاصة التي ستتم مناقشاتها في محادثات فيينا مثل رفع العقوبات المفروضة على الحرس تدريجياً». أما وكالة «إرنا» الرسمية فقد أصرت أمس على تكرار ما نقل عن مسؤول في الفريق المفاوض النووي بأن «إيران لم تتخلَّ عن طلب إزالة الحرس الثوري»، وأن «التقارير الإعلامية في هذا الصدد تفتقد للمصداقية».
من جهتها، نقلت «بلومبرغ» عن المسؤول الأوروبي أن إيران تخلت عن طلبها بالحصول على ضمانات بألا ينسحب أي رئيس أميركي من الاتفاق النووي. وفي المقابل، ستحصل إيران على تعويضات محددة من شأنها أن تضمن فوائد اقتصادية لها إذا ألغت أي إدارة أميركية جديدة، أو الكونغرس الصفقة مرة أخرى.

- طلبات غير واقعية
شدد المسؤول الأوروبي على أن «العقبات المتبقية يمكن حلها من الناحية الفنية في غضون 72 ساعة، لكن ذلك سيتطلب قرارات سياسية رفيعة المستوى في طهران وواشنطن، العاصمتين اللتين تفتقران للرغبة في تقديم تنازلات».
ولكن القضية الشائكة الأخرى التي أشار إليها المسؤول الأوروبي، تعود إلى طلب طهران بأن تتراجع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن التحقيق بشأن المواقع السرية التي عثر فيها على آثار اليورانيوم المخصب. ودعت الأطراف الأوروبية المشاركة في المحادثات إيران في بيان أمس إلى «عدم تقديم طلبات غير واقعية خارج نطاق خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) ومن بينها ضمانات من الوكالة الدولية للطاقة الذرية». وينوه البيان أن «نص (الاتفاق) مطروح على الطاولة. لن يكون هناك استئناف للمفاوضات. لا بد أن تقرر إيران الآن إبرام الاتفاق بينما لا يزال ذلك ممكناً».

- أجواء فيينا
وكان لافتاً انضمام كل من المتحدث باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية بهروز كمالوندي ورضا نجفي نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية، إلى الفريق المفاوض الإيراني في مقر المحادثات في فندق قصر كوبورغ في فيينا أمس.
وواصل المنسق الأوروبي مورا أمس اجتماعاته مع الوفدين الإيراني والأميركي أمس. وأفادت وكالة «إرنا» الرسمية بأن الاجتماعات كمالوندي حضر اجتماعات على مستوى الخبراء.
ونقلت الوكالة عن مفاوض إيراني في فيينا قوله إن «استدامة الاتفاق في توازنه»، وأضاف: «الثقة مقابل الثقة»، مضيفاً أن «قضايا الضمانات المزعومة نتيجة استمرار الضغط السياسي وهي ذات طبيعة سياسية ولا ينبغي استخدامها كذريعة للضغط على إيران في المستقبل».
ولفت المسؤول إلى أن المحادثات «تمر الآن هو الوقت الحاسم ويجب الحصول على تطمينات الجانب الإيراني في أسرع وقت ممكن».
ومن جانبه، قال المبعوث الروسي ميخائيل أوليانوف بعد محادثات مع كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني إن «الجدية تسود أجواء المفاوضات»، وذلك رغم أن الكثيرين لا يتوقعون انفراجة ورغم تسارع وتيرة البرنامج الإيراني المثير للجدل لتخصيب اليورانيوم.
وقال أوليانوف إن «الوصول إلى الخط النهائي قد لا يكون سهلاً والزمن هو الذي سيحدد هل ننجح في التوصل إلى الاتفاق أم لا». لكنه أضاف: «في الوقت نفسه أجواء المفاوضات تتسم بالجدية» وفقاً لما نقلته عنه وكالة «إرنا».

- دعم روسي وصيني لطهران
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على هامش الاجتماع الوزاري لرابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، في العاصمة الكمبودية، بنوم بنه، إن روسيا تدعم موقف طهران بموجب الاتفاق النووي، داعياً واشنطن للعودة إلى الاتفاق. ورأى لافروف من أن «النقطة الآن هي أن واشنطن تحاول أن تتخذ من خطة معدلة موضوعاً لاتفاق جديدة بينما يصر الإيرانيون على أن الاتفاق الذي جرى التفاوض عليه في عام 2015»، معرباً عن اعتقاد أن «موقف طهران مشروع تماماً»، حسبما أوردت وكالة «تاس» الروسية.
وفي الصين، قالت المتحدثة باسم الخارجية هوا تشونينغ إن بلادها «ترحب باستئناف المفاوضات النووية»، مشيرة إلى التزام بكين بحماية الاتفاق.
وقالت: «تأمل الصين أن تغتنم جميع الأطراف هذه الفرصة، وتزيد الجهود الدبلوماسية، وتبدي حسن النية والمرونة بشكل كامل، وتسعى جاهدة لحل القضايا العالقة في أقرب وقت ممكن».
وتابعت المتحدثة: «يجب على الولايات المتحدة أن تصحح أخطاءها بشكل كامل (...) وأن تدفع باتجاه نتيجة مبكرة للمفاوضات».

- رسائل متبادلة
ونقلت وكالة «إرنا» الرسمية عن وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان قوله الجمعة إنه بالنسبة لفريق التفاوض، فإن «استفادة إيران اقتصادياً من الاتفاق ومراعاة الخطوط الحمراء للبلاد والحفاظ على قدراتنا وتقنياتنا النووية الأصلية تشكل أهمية بالغة».
وبدوره، قال علي حاج أكبري خطيب الجمعة في طهران وممثل المرشد الإيراني: «يجب على واشنطن الكف عن المطالب المبالغ فيها إذا أرادت التوصل إلى اتفاق».
وقبل التوجه إلى فيينا مساء الأربعاء، ألقى باقري كني الكرة في ملعب البيت الأبيض لتقديم تنازلات وقال في تغريدة إن على الولايات المتحدة «إظهار النضج والتصرف بمسؤولية».
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي الخميس إن المفاوضات «اكتملت إلى حد كبير في هذه المرحلة».
وانسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاق في 2018 وعاود فرض عقوبات على طهران في محاولة لدفعها إلى اتفاق شامل يتضمن قيوداً طويلة المدى على البرنامج النووي، إضافة إلى تعديل سلوكها الإقليمي وبرنامجها لتطوير الصواريخ الباليستية. ودفع ذلك المؤسسة الحاكمة في طهران إلى البدء في انتهاك القيود بعدة طرق منها صنع مخزونات من اليورانيوم المخصب وتخصب إيران اليورانيوم بنسبة 60 في المائة منذ أبريل (نيسان) الماضي، وهي نسبة قريبة من 90 في المائة المطلوبة لإنتاج أسلحة نووية.


مقالات ذات صلة

«الطاقة الذرية» تؤكد وضع كاميرات في إيران

شؤون إقليمية «الطاقة الذرية» تؤكد وضع كاميرات في إيران

«الطاقة الذرية» تؤكد وضع كاميرات في إيران

أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التقارير بشأن إعادة وضع كاميرات مراقبة في إيران، في سياق الاتفاق الأخير بين مدير الوكالة التابعة للأمم المتحدة والمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية. وقال فريدريك دال، المتحدث باسم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، أمس، إن «العمل جار» دون تحديد عدد الكاميرات أو المواقع التي وصلتها الوكالة الدولية. وأفادت «جمعية الحد من التسلح» التي تراقب امتثال لدول لمعاهدة حظر الانتشار النووي ومقرها واشنطن، بأن الوكالة الدولية بدأت في إعادة تركيب كاميرات المراقبة في بعض منشآت إيران التي تقترب من عتبة الأسلحة النووية. وتوصل غروسي في طهران بداية مارس

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية أنباء عن إعادة كاميرات المراقبة «الأممية» في منشآت نووية إيرانية

أنباء عن إعادة كاميرات المراقبة «الأممية» في منشآت نووية إيرانية

أفادت «جمعية الحد من التسلح» بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدأت في إعادة تركيب كاميرات المراقبة في بعض المنشآت النووية الإيرانية بموجب الاتفاق الأخير بين مدير الوكالة رافائيل غروسي، وإيران التي تقترب من عتبة الأسلحة النووية. وتوصل غروسي طهران في بداية مارس (آذار) إلى اتفاق مع المسؤولين الإيرانيين بشأن إعادة تشغيل كاميرات المراقبة في مواقع نووية عدة وزيادة عمليات التفتيش في منشأة فوردو. وتسبب الاتفاق في تفادي مجلس محافظي التابع للوكالة الدولية إصداراً جديداً يدين طهران بسبب عدم تجاوبها مع مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خصوصاً تلك المتعقلة بالتحقيق في ثلاثة مواقع سرية، عثر فيها على آثا

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية الكشف عن «فوردو»... أبرز تسريبات مسؤول أعدمته إيران بتهمة التجسس

الكشف عن «فوردو»... أبرز تسريبات مسؤول أعدمته إيران بتهمة التجسس

بعد نحو 5 أشهر على إعدام علي رضا أكبري، النائب السابق لوزير الدفاع الإيراني، على خلفية اتهامه بالتجسس لصالح بريطانيا، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مصادر إسرائيلية وإيرانية أن المسؤول السابق «كان جاسوساً غير متوقع» بسبب ولائه الشديد للنظام، لكنه لعب دوراً رئيسياً في الكشف عن منشأة فوردو التي ضمت أنشطة سرية لإيران قبل أن تعترف طهران بوجود موقع تخصيب اليورانيوم الواقع تحت الأرض في عام 2009. وأعدم أكبري (62 عاماً)، الذي يحمل الجنسية البريطانية، فجر 14 يناير (كانون الثاني)، بعد ثلاثة أيام من تسريب قضية اعتقاله لوسائل الإعلام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية موسكو تُحمل الغرب تعثر إحياء «الاتفاق النووي»

موسكو تُحمل الغرب تعثر إحياء «الاتفاق النووي»

حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس من ضياع فرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وحمّل الغرب مسؤولية تعثر المفاوضات. وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي في نيويورك أمس: «سيكون من الخطأ الفادح تفويت فرصة استئناف خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن برنامج إيران النووي»، وحمّل «تصرفات الغرب» المسؤولية إذ قال «في هذه المرحلة، لا يعتمد استئناف الاتفاق، على إيران أو روسيا أو الصين... الذين دمروه يجب عليهم إعادته إلى الحياة الآن». وانتقد لافروف «متطلبات جديدة لم يتم ذكرها في المسودة الأولى للاتفاق». وأضاف «لنفترض أنه تم التوصل إلى اتفاق لاستئنافه منذ فترة طويلة.

شؤون إقليمية عبداللهيان يتحدث عن «مبادرات» لاستئناف مفاوضات «النووي»

عبداللهيان يتحدث عن «مبادرات» لاستئناف مفاوضات «النووي»

أعلن وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبداللهيان، أمس أن بلاده تلقت أفكاراً بشأن مفاوضات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 عن إيران، معرباً عن امتنانه للدور البناء لسلطان عمان ونواياه الصادقة في هذا الصدد. وفي اليوم الثاني لزيارته إلى عمان التي اختتمها أمس متوجهاً إلى بيروت، قال عبداللهيان عقب لقائه مع نظيره العماني إن مسقط «تلعب دائماً دوراً بناء» في محادثات النووية، وأضاف «قد أجرينا المشاورات اللازمة في هذا الصدد». وفي وقت لاحق، نقلت وكالة الأنباء العمانية عن عبداللهيان القول إن سلطنة عُمان لديها «مبادرات جدية» فيما يخص الملف النووي الإيراني «ستسهم» في عودة المفاوضات. وذكرت وزارة الخارجية العما

ميرزا الخويلدي (مسقط)

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.