لماذا روسيا وجهة تركيا الأولى عندما يتعلق الأمر بسوريا؟

توقعات محدودة من قمة بوتين ـ إردوغان في سوتشي... وضرورة فرضتها المتغيرات

لماذا روسيا وجهة تركيا الأولى عندما يتعلق الأمر بسوريا؟
TT

لماذا روسيا وجهة تركيا الأولى عندما يتعلق الأمر بسوريا؟

لماذا روسيا وجهة تركيا الأولى عندما يتعلق الأمر بسوريا؟

جاءت قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان في سوتشي، الجمعة، واحدة من سلسلة لقاءات محورها سوريا انفرد المنتجع الروسي الواقع على البحر الأسود في جنوب روسيا بعدد ليس بالقليل منها. واتسمت جميعها بأنها عُقدت في مراحل مفصلية أو في ظل توتر كبير، أو سعي تركي للحصول على موقف روسي داعم أو التوافق على قضايا تشكل معضلات في الأزمة السورية، أراد الطرفان ألا تنال من علاقاتهما البعيدة عن هذا الملف الذي تسبب من قبل في أزمة عاصفة عندما أسقطت تركيا مقاتلة روسية على حدودها مع سوريا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، ليحتاج الأمر إلى أشهر من الجهود المكثفة لإنقاذ «التقارب المرغوب» مع موسكو الذي كان ولا يزال ورقة تستخدم في مواجهة التقلبات والضغوط من جانب الغرب.
وأعلنت موسكو، قبل ساعات قليلة من لقاء بوتين – إردوغان، أن مخاوف تركيا الأمنية بشأن سوريا مشروعة، وأن موسكو ستأخذها بعين الاعتبار. لكن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، استدرك بأنه، من المهم تجنب الأعمال التي يمكن أن «تهدد سلامة أراضي سوريا ووحدتها السياسية»، مشيراً إلى أن لقاء بوتين وإردوغان سيركز على سوريا ومخاوف تركيا هناك.
التصريحات لم تحمل جديداً، أو تعكس تغيراً في الموقف الروسي الرافض لعملية عسكرية تلوّح بها تركيا منذ مايو (أيار) الماضي تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي ترعى سوريا علاقتها مع النظام السوري في مناطق سيطرتها في شمال وشمال شرقي سوريا، وتقول تركيا، إنها تستهدف منها استكمال إقامة مناطق آمنة على عمق 30 كيلومتراً في الأراضي السورية لإنشاء «حزام أمني» على حدودها الجنوبية.
ففي قمة طهران الثلاثية الأخيرة التي جمعت رؤساء الدول الثلاث الضامنة لمساء آستانة (روسيا وتركيا وإيران) في 19 يوليو (تموز) الماضي، واجهت تركيا موقفاً صلباً وحازماً بالرفض من جانب روسيا وإيران، تلاقى مع الموقف الأميركي الرافض من البداية للحديث عن أي عمليات أو تحركات عسكرية ضد «قسد»، ومكونها الأكبر (وحدات حماية الشعب الكردية)؛ حتى لا يؤثر ذلك سلباً على الكفاح المستمر ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا.
رد إردوغان على موقف نظيريه الروسي والإيراني، بأن العملية العسكرية ستظل مطروحة على أجندة أنقرة. وتكررت تصريحات المسؤولين الأتراك عن أن العملية ستنفذ في أي وقت. ولا شك في أن إردوغان حمل ملف العملية العسكرية معه إلى سوتشي، كما أكدت ذلك مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط»... وهو ما أكده بيسكوف أيضاً الذي أشار إلى أن الملف السوري هو ملف أساسي في المباحثات إلى جانب أوكرانيا وقضايا التعاون الثنائي بين موسكو وأنقرة.
لا تزال تركيا تسعى إلى موقف روسي داعم لعمليتها العسكرية التي أعلنت أنها ستستهدف منبج وتل رفعت في حلب، وهما منطقتان تتواجد فيهما قوات سورية إلى جانب قوات «قسد» والنظام. ودخلت جميع الأطراف في موجة تصعيد في حلب وأريافها، وامتدت أيضاً إلى مواقع «قسد» في شمال شرقي سوريا في الحسكة والرقة.
وبحسب المصادر، فإن الموقف الروسي يشكل عقدة أصعب من العقدة الأميركية، بالنسبة للعملية العسكرية المنشودة؛ ولذلك فإن مساعي إردوغان في سوتشي ركزت على الحصول على ما لم يتمكن من الحصول عليه في طهران، وأنه بدأ منذ فترة الربط بين الملفين السوري والأوكراني، ويأمل في أن ينجح بتغيير الموقف الروسي اعتماداً على الاختراق الذي حدث في اتفاقية الممر الآمن للحبوب التي وُقّعت في إسطنبول في 22 يوليو بين روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة، وفتحت متنفساً لخروج الحبوب والمواد الغذائية والأسمدة الروسية في ظل الحصار الغربي.
وعلى الرغم من أن إردوغان يحمل الملف السوري في بعض زياراته للخارج أو في الاجتماعات الدولية في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو قمم حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فإن موسكو تشكل دائماً الوجهة الأولى والرئيسية عندما يتعلق الأمر بسوريا، على الرغم من التموضع العكسي لروسيا وتركيا هناك ما بين دعم النظام ودعم المعارضة، فإن الخلافات دائماً تبقى ضمن الهامش الذي يحافظ عليه كل من بوتين وإردوغان حفاظاً على المصالح المتبادلة لبلديهما
وكالعادة، لا يتوقع من قمة سوتشي تفاهمات عميقة أو جذرية بين إردوغان وبوتين حول أي من الملفات، وفي مقدمتها الملف السوري مع اختلاط الأوراق في الميدان وتعثر مسارات الحل السياسي وعمل اللجنة الدستورية؛ إذ ترى موسكو أن أنقرة تعقد جهود الحل السياسي عبر التهديد بالعمليات العسكرية.
ما يريده إردوغان بالحديث المتكرر عن إنشاء منطقة أمنية في القطاع الذي تقوم فيه القوات الروسية بدوريات بعضها مشترك مع الجانب التركي يمكن في طرد الوحدات الكردية التي تعتبرها تركيا ذراعاً لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تنظيماً إرهابياً، في سوريا.
وعقب قمة طهران، أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، استعداد بلاده لتقديم دعم سياسي «لا محدود» للنظام السوري لإخراج «الإرهابيين»، في إشارة إلى «قسد» من مناطق الحدود مع تركيا، كما تحدث مراقبون عن «ضوء أخضر» من روسيا وإيران لتركيا بتصعيد «حرب الطائرات المسيّرة» لاصطياد قيادات «قسد» ومقاتلي الوحدات الكردية؛ بهدف إضعافهم وشل قدراتهم بدلاً عن المواجهة العسكرية التي قد تتوسع لتشمل قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية الموالية، حتى مع التسليم بأن المواجهة المباشرة بين القوات التركية والقوات الروسية وجيش النظام غير واردة ولن يتم السماح بالوصول إليها.
أما حقيقة أن موسكو هي الوجهة الأولى لإردوغان فيما يتعلق بسوريا، فتؤكدها سلسلة اللقاءات المفصلية التي عقدها مع بوتين منذ العام 2020 وحتى الآن، ففي 5 مارس (آذار) 2020 توصل الرئيسان، في موسكو، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في إدلب، بعد أن شرعت تركيا في تنفيذ عملية عسكرية باسم «درع الربيع» على خلفية التصعيد الكبير الذي شهدته إدلب عقب هجوم شنته قوات النظام السوري والميليشيات الداعمة لها على الطرق الرئيسية في المحافظة، وتحول إلى مواجهة مباشرة مع وحدات من الجيش التركي، بعد تعرضها لهجوم أدى إلى مقتل 33 جندياً تركياً في 27 فبراير (شباط) 2020. واعتبر اتفاق موسكو محاولة تركية - روسية لإنقاذ التفاهمات التي توصل إليها الجانبان حول سوريا منذ انطلاق مسار آستانة مطلع عام 2017، وبخاصة تفاهم سوتشي لعام 2018 الذي جاء، بدوره، لإنقاذ اتفاق منطقة خفض التصعيد في إدلب، بعد أن سيطر النظام السوري على المناطق الثلاث الأخرى (محيط دمشق، درعا وحمص)، منتهكاً اتفاقاً بشأنها تم التوصل إليه في مايو 2017.
وفي مطلع يوليو 2020، عقد إردوغان ونظيراه الروسي والإيراني قمة عبر «الفيديو كونفرانس» لبحث آخر التطورات في سوريا، ومسار آستانة. والتقى إردوغان وبوتين، مجدداً في سبتمبر (أيلول) 2021 في سوتشي، وكان الموضوع الأبرز أيضاً هو الملف السوري، وتحديداً الوضع في إدلب. ويعتقد محللون روس، منهم ألكسندر لوتشكين، أن هناك أسباباً قوية تدفع إردوغان إلى الحفاظ على قوة الدفع في علاقته مع بوتين، أهمها التغيير في الوضع بالشرق الأوسط، وترويج الأميركيين لعقيدة جديدة في المنطقة، تركيا مستبعدة منها، رغم أنها عضو في «الناتو» وحليف للولايات المتحدة، ومخاوف تركيا من تسريع الأخيرة عملية تشكيل الحكم الذاتي الكردي على الأراضي السورية؛ ولهذا السبب يحتاج بوتين وإردوغان إلى «غربلة» بعض التفاصيل الدقيقة من وقت إلى آخر.


مقالات ذات صلة

«قصف إسرائيلي» يُخرج مطار حلب من الخدمة

المشرق العربي «قصف إسرائيلي» يُخرج مطار حلب من الخدمة

«قصف إسرائيلي» يُخرج مطار حلب من الخدمة

أعلنت سوريا، أمس، سقوط قتلى وجرحى عسكريين ومدنيين ليلة الاثنين، في ضربات جوية إسرائيلية استهدفت مواقع في محيط مدينة حلب بشمال سوريا. ولم تعلن إسرائيل، كعادتها، مسؤوليتها عن الهجوم الجديد الذي تسبب في إخراج مطار حلب الدولي من الخدمة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لا تأكيد أميركياً لقتل تركيا زعيم «داعش» في سوريا

لا تأكيد أميركياً لقتل تركيا زعيم «داعش» في سوريا

في حين أعلنت الولايات المتحدة أنها لا تستطيع تأكيد ما أعلنته تركيا عن مقتل زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي أبو الحسين الحسيني القرشي في عملية نفذتها مخابراتها في شمال سوريا، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن قوات بلاده حيدت (قتلت) 17 ألف إرهابي في السنوات الست الأخيرة خلال العمليات التي نفذتها، انطلاقاً من مبدأ «الدفاع عن النفس».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي إردوغان يعلن مقتل «الزعيم المفترض» لتنظيم «داعش» في سوريا

إردوغان يعلن مقتل «الزعيم المفترض» لتنظيم «داعش» في سوريا

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، يوم أمس (الأحد)، مقتل «الزعيم المفترض» لتنظيم «داعش» في سوريا خلال عملية نفذتها الاستخبارات التركية. وقال إردوغان خلال مقابلة متلفزة: «تم تحييد الزعيم المفترض لداعش، واسمه الحركي أبو الحسين القرشي، خلال عملية نفذها أمس (السبت) جهاز الاستخبارات الوطني في سوريا». وكان تنظيم «داعش» قد أعلن في 30 نوفمبر (تشرين الأول) مقتل زعيمه السابق أبو حسن الهاشمي القرشي، وتعيين أبي الحسين القرشي خليفة له. وبحسب وكالة الصحافة الفرنيسة (إ.ف.ب)، أغلقت عناصر من الاستخبارات التركية والشرطة العسكرية المحلية المدعومة من تركيا، السبت، منطقة في جينديرس في منطقة عفرين شمال غرب سوريا.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)
المشرق العربي الرئيس التونسي يعيّن سفيراً جديداً لدى سوريا

الرئيس التونسي يعيّن سفيراً جديداً لدى سوريا

قالت الرئاسة التونسية في بيان إن الرئيس قيس سعيد عيّن، اليوم الخميس، السفير محمد المهذبي سفيراً فوق العادة ومفوضاً للجمهورية التونسية لدى سوريا، في أحدث تحرك عربي لإنهاء العزلة الإقليمية لسوريا. وكانت تونس قد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع سوريا قبل نحو عشر سنوات، احتجاجاً على حملة الأسد القمعية على التظاهرات المؤيدة للديمقراطية عام 2011، والتي تطورت إلى حرب أهلية لاقى فيها مئات آلاف المدنيين حتفهم ونزح الملايين.

«الشرق الأوسط» (تونس)
المشرق العربي شرط «الانسحاب» يُربك «مسار التطبيع» السوري ـ التركي

شرط «الانسحاب» يُربك «مسار التطبيع» السوري ـ التركي

أثار تمسك سوريا بانسحاب تركيا من أراضيها ارتباكاً حول نتائج اجتماعٍ رباعي استضافته العاصمة الروسية، أمس، وناقش مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة.


المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

TT

المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

يتسابق كل من «حزب الله» وإسرائيل لرسم صورة الانتصار أمام جمهوره في الساعات الأخيرة للحرب، فيحاول الطرفان تحقيق المكاسب العسكرية والمعنوية أمام جمهوره قبل ساعات من إعلان وقف إطلاق النار المتوقع، ليبقى السؤال؛ لمن ستكون الطلقة الأخيرة في هذه الحرب التي أوقعت آلاف القتلى والجرحى في لبنان ودمّرت آلاف المنازل وهجّرت أكثر من مليون نازح، معظمهم لا يعرف الوجهة التي سيسلكها بعد وقف آلة الحرب؟!

وكانت الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، التي أعلنها الأخير تحت عنوان «إسناد غزة» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 قد اتخذت منحى تصعيدياً في 23 سبتمبر (أيلول) 2024 بقرار من تل أبيب، لتتوسع وتشمل كل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، أي بشكل أساسي المناطق المحسوبة على «حزب الله» والطائفة الشيعية، واستمرت بالوتيرة نفسها لمدة أكثر من شهرين، قبل أن يبدأ العمل جدياً على وقف إطلاق النار قبل نحو أسبوعين.

تصعيد متدرج وساعات صعبة على اللبنانيين

ومع بدء ملامح التوافق على الحلّ الذي يرتكز بشكل أساسي على قرار مجلس الأمن 1701، رفع الطرفان راية التصعيد في المشهد الأخير للحرب مستفيدين من الساعات الأخيرة «لتحقيق الإنجازات» العسكرية والسياسية.

ومنذ بدء الحديث عن تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار، شهدت المواجهات تصعيداً غير مسبوق، بحيث ارتكبت إسرائيل مجزرة في منطقة البسطة القريبة من وسط بيروت، صباح السبت، أدت إلى مقتل 29 شخصاً، وكانت المواجهات أكثر حدّة يوم الأحد بإطلاق «حزب الله» أكثر من 300 صاروخ باتجاه مستوطنات الشمال حيث سُجل سقوط جرحى، ووصل منها إلى تل أبيب، معيداً بذلك تفعيل معادلة «تل أبيب مقابل بيروت»، في موازاة الغارات والقصف المتنقل بين الجنوب والبقاع والضاحية التي تعرضت ليلاً لزنار نار عبر استهدافها بأكثر من 11 غارة، ما أدى إلى دمار هائل في المباني.

كذلك، شهدت بلدة الخيام ليلة عنيفة، في استمرارٍ لمحاولة التوغل الإسرائيلية وتفخيخ الجيش للمنازل والأحياء.

وفيما استمر التصعيد يوم الاثنين بارتكاب إسرائيل عدداً من المجازر في البقاع والجنوب، عاش اللبنانيون ساعات صعبة على وقع المعلومات التي تشير إلى تحديد موعد وقف إطلاق النار، وشنّت سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية بعد إصدار أوامر إخلاء هي الأكبر من نوعها منذ بداية الحرب ، بحيث طال زنار نار 20 مبنى في الحدث وحارة حريك والغبيري وبرج البراجنة، وقال الجيش الإسرائيلي إنه نفّذ 20 هدفاً إرهابياً خلال 120 ثانية.

 

الدخان يغطي سماء الضاحية الجنوبية لبيروت التي استهدفت الثلاثاء بأكثر من 20 غارة (رويترز)

وفي الجنوب، حيث تدور مواجهات شرسة في محاولة الجيش الإسرائيلي التوغل إلى بلدة الخيام، نشر المتحدث باسمه صوراً لجنود قال إنها عند «نهر الليطاني»، وأشارت المعلومات إلى أن الجنود وصلوا إلى مجرى النهر من دير ميماس، التي دخلوا إليها قبل أيام .

وعلى وقع هذا التصعيد، بدأ الطرفان بترويج فكرة «الانتصار» أمام جمهورهما، فـ«حزب الله» ربط «التقدم في اتصالات وقف إطلاق النار بالصواريخ التي أطلقها السبت على تل أبيب ومستوطنات الشمال»، فيما يقول المسؤولون الإسرائيليون، في «رسالة طمأنة» لسكان الشمال الذين يتخوفون من وجود «حزب الله» على الحدود، إن الدولة العبرية ستتصرف بحزم عند أي خرق، مثل إعادة تسلح الحزب.

 

تحقيق آخر الأهداف لـ«إعلان النصر»

ويربط أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية، الدكتور عماد سلامة، التصعيد العسكري من قبل إسرائيل بالإسراع بتحقيق الأهداف المؤجلة قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار، فيما يحاول «حزب الله» عبر إطلاق الصواريخ أن يثبت أن قدراته العسكرية لا تزال قوية وأنه لم يهزم.

ويقول سلامة لـ«الشرق الأوسط»: «في اللحظات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار، يسعى كل طرف إلى إعلان النصر كوسيلة أساسية لتسويق التسوية كمكسب، وليس كتنازل أو هزيمة، وهو يهدف إلى تعزيز شرعية الاتفاق أمام القواعد الشعبية والبيئة السياسية لكل طرف، ومحاولة جس النبض المحلي لقياس ردود الفعل وحجم المعارضة المحتملة»، مضيفاً: «هذه الديناميكية تجعل من إعلان النصر أداة تكتيكية لتهيئة الساحة الداخلية والتعامل مع أي تطورات في اللحظات الأخيرة قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن وقف الحرب».

من هنا، يرى سلامة أن «هذا الأمر يعكس حاجة كل طرف لتعزيز مواقعه داخلياً ولجم الانتقادات والحفاظ على التأييد السياسي»، موضحاً: «بالنسبة لإسرائيل، يمكنها اعتبار إنجازاتها سبباً لإعلان النصر، حيث حققت أهدافاً عسكرية استراتيجية. منها تدمير البنية التحتية العسكرية لـ(حزب الله)، واغتيال قياداته البارزة، ومنعه من الوجود الفاعل على الحدود مع إسرائيل. كما تمكنت من فصل المسار اللبناني عن القضية الفلسطينية، وإعادة المستوطنين إلى مناطقهم الشمالية بأمان، ما يشير إلى تحقيق كامل أهداف حملتها العسكرية بنجاح. هذا الإعلان يعزز موقف الحكومة الإسرائيلية أمام المعارضة الداخلية ويظهر قوة الردع الإسرائيلية».

أما بالنسبة لـ«حزب الله»، فيقول سلامة: «سيصرّ على أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها، حيث لم تتمكن من تدمير قوته العسكرية بالكامل أو وقف الهجمات الصاروخية والمسيرات. كما سيؤكد الحزب أنه نجح في التصدي لأي توغل إسرائيلي في الجنوب، وأجبر إسرائيل على التراجع دون تحقيق أهدافها السياسية أو العسكرية»، مضيفاً: «بالنسبة لـ(حزب الله)، هذا الإعلان ضروري لترسيخ شرعيته أمام بيئته الحاضنة ومؤيديه، وللردّ على الانتقادات التي قد تطوله نتيجة الخسائر التي تكبدها خلال المواجهة»، ويؤكد: «في النهاية، إعلان النصر لكلا الطرفين يعكس أهمية تأطير الأحداث بما يخدم مواقفهما الداخلية والدولية».

الساعات والأيام الأخيرة لحرب «تموز 2006»

يبدو من الواضح أن سيناريو حرب «تموز 2006» يتكرر اليوم، حيث إنه قبيل أيام وساعات من اتفاق وقف إطلاق النار، صعّدت تل أبيب من عملياتها العسكرية، وأطلقت قبل يومين عملية برية حملت عنوان «تغيير اتجاه 11»، وتوغّل الجيش الإسرائيلي عبر إنزال جوي في بلدة الغندورية بقضاء بنت جبيل مقتحماً وادي الحجير، ومنها إلى منطقة جويا (شرق صور)، ما أدى إلى مواجهة شرسة من قبل «حزب الله». وأشارت المعلومات إلى تدمير الحزب 25 دبابة إسرائيلية، إضافة إلى سقوط عدد من الجرحى في صفوف العسكريين.

كذلك، عمدت إسرائيل إلى رمي القنابل العنقودية قبل انتهاء الحرب بيومين فقط بشكل عشوائي، على أهداف غير محددة، ما حال دون القدرة على الحصول على خرائط دقيقة لإزالتها.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية رمت أكثر من 5 ملايين قنبلة، أدت حتى عام 2020 إلى مقتل نحو 58 مواطناً، وجرح نحو 400 آخرين، أصيب كثير منهم بإعاقات وعمليات بتر لأقدامهم، وغالبيتهم فقدوا عيونهم وهم من المزارعين والرعاة.

وفي الساعات الأخيرة لإعلان وقف إطلاق النار، تكثّف القصف الجوي ليشمل بلدات عدة في الجنوب، مستهدفاً مباني وأحياء سكنية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، فيما أمطرت المقاتلات الحربية الضاحية الجنوبية بوابل من الغارات حيث استهدفت ما يعرف بمجمع الإمام حسن السكني، المؤلف من 8 مبانٍ، بأكثر من 20 غارة خلال أقل من دقيقتين، ما أدى إلى مقتل عائلات بأكملها.

في المقابل، أطلق «حزب الله» صواريخه باتجاه شمال إسرائيل، مستهدفاً عدداً من المستوطنات، منها حيفا وكريات شمونة ومسكاف عام.