شبكة خنادق وأنفاق لخلايا «داعش» في «الهول» بسوريا

مصادر تحدثت عن استخدامها لتهريب البشر والجرائم والاغتيالات

مخيم «الهول» شهد وقوع أكثر من 30 جريمة قتل منذ بداية 2022 (الشرق الأوسط)
مخيم «الهول» شهد وقوع أكثر من 30 جريمة قتل منذ بداية 2022 (الشرق الأوسط)
TT

شبكة خنادق وأنفاق لخلايا «داعش» في «الهول» بسوريا

مخيم «الهول» شهد وقوع أكثر من 30 جريمة قتل منذ بداية 2022 (الشرق الأوسط)
مخيم «الهول» شهد وقوع أكثر من 30 جريمة قتل منذ بداية 2022 (الشرق الأوسط)

عثرت قوى الأمن التابعة لـ«الإدارة الذاتية لشمال وشرق» سوريا، داخل مخيم الهول، شرق مدينة الحسكة، على خندق وشبكة أنفاق محفورة تحت الأرض. وقالت مصادر أمنية إن هذه الخنادق والشبكات استُخدمت من قبل خلايا نائمة موالية لتنظيم «داعش» الإرهابي في عمليات تهريب البشر وتنفيذ جرائم قتل ومحاولات اغتيال.
وكشفت أن التحقيقات الجارية تفيد بأن الخندق يوصل أحد قطاعات المخيم بالسور الخارجي، ومنه للهروب إلى المناطق المحيطة في بلدة الهول المجاورة.
والعملية جاءت بعد مرور 24 ساعة من إحباط قوى الأمن بالمخيم عملية هروب جماعية، عبر شاحنة مخصصة لنقل مواد البناء والأخشاب، كان على متنها نحو 56 فرداً من عائلات التنظيم، اختبأوا تحت صندوق الشاحنة، بينهم 39 طفلاً و17 امرأة، وهذه الحادثة كانت من بين 728 حادثة أخرى لمحاولات هروب تمت منذ مارس (آذار) 2020.
وبحسب تسجيل فيديو مصوَّر التُقط داخل المخيم أثناء اكتشاف الخندق يظهر كيف حُفِر بأدوات بدائية ثم جرت تغطيته بألواح معدنية وخشبية للتمويه عليه، وسط مجموعة خيام يقطنها نازحون سوريون ولاجئون عراقيون، فيما اكتشفت قوى الأمن، منتصف شهر يونيو (حزيران) الماضي، خندقاً مماثلاً داخل إحدى الخيام في قسم المهاجرات الذي شهد حوادث شغبٍ وفلتانٍ أمني عديدة. كما عثرت قوى الأمن، بداية العام الحالي، على نفق سري كان يستعمله عدد من الأطفال الذين كانوا ينتمون سابقاً لما يُعرَف بتنظيم «أشبال الخلافة»، للتدريب والاختباء ومهارات استخدام الأسلحة والفرار من الحملات الأمنية.
وتكررت حوادث الهروب من المخيم الواقع على بُعد نحو 45 كيلومتراً، شرق مدينة الحسكة، الذي يؤوي نحو 56 ألفاً، غالبيتهم نازحون سوريون ولاجئون عراقيون، كما يؤوي قسماً خاصاً بالعائلات المهاجرة من عائلات عناصر التنظيم، وهم 10 آلاف شخص يتحدرون من 54 جنسية غربية وعربية، وبحسب سجلات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والإدارة الذاتية، فإن 90 في المائة من قاطني مخيم الهول هم من النساء والأطفال.
ويقول المصدر الأمني، ومديرة مخيم الهول، همرين حسن، إن «الخلايا النائمة داخل وخارج المخيم على صلة بشبكات لتهريب البشر موالية للتنظيم، يتم التواصل معها عبر برامج للاتصالات ومنصات التواصل الاجتماعي، على أن تكون محافظة إدلب أو مناطق أخرى تقع شمال سوريا خاضعة للنفوذ التركي أول محطة بعد نجاح عملية التهريب من المخيم. بعد ذلك، تتولى ذات الشبكات نقل مَن يتم تهريبهم من الهول إلى داخل الأراضي التركية، ومنها إلى مواطنهم الأصلية، وهو أمر يتم غالباً لقاء دفع مبالغ مالية طائلة».
بدورها، ترى المسؤولة الكردية، همرين حسن، أن مشكلة مخيم الهول دولية بامتياز، ولا بد من اتخاذ الدول المعنية قرارات وإجراءات جذرية سريعة، والعمل على تقديم الحلول المناسبة، لتقول: «إلى الآن لم تقدم هذه الحكومات أي مقترح. على العكس، ترفض استقبال مواطنيها، بدواعي أنهم يحملون فكراً متطرفاً يشكل خطراً على مجتمعاتها».
وحذرت من بقاء هذا الملف مفتوحاً دون حلول، وبقاء تلك العائلات في هذا المكان الذي يقع على مقربة من الحدود العراقية، شرق سوريا، وتابعت تقول: «بقاء تلك العوائل سوف يؤدي إلى انتشار وتزايد خطر (داعش) داخل المخيم وخارجه، لا بد من اتخاذ إجراءات من أجل إعادتهم إلى دولهم الأصلية لا أن تكتفي حكوماتهم بتقديم المساعدات الإنسانية».
وشهد المخيم وقوع أكثر من 30 جريمة قتل منذ بداية 2022، وناشدت همرين حسن المجتمع الدولي إنقاذ أطفال هذا المخيم الذين وقعوا ضحية قرارات آبائهم الكبار، وحذرت من تأثير أسرهم وتربيتهم في أجواء مشحونة تغذيها بالتطرف والعنف والتحريم، لتقول: «عوائل التنظيم هم بمثابة قنبلة موقوتة تشكل خطورة على العالم بأكمله لا على سوريا فقط»، ونوهت بأن بيئة المخيم غير ملائمة لتنشئة هؤلاء الأطفال الذين يشكون ما نسبته 65 في المائة من تعداد المخيم، وختمت حديثها قائلة: «البيئة غير ملائمة لإنشاء طفل إيجابي؛ فالمخيم يُعتبر بيئة يكثر فيها التطرف، إذن لا بد من إخراج هؤلاء الأطفال وإعادة تأهيلهم حتى يتمكنوا من التعايش مع مجتمعاتهم وتقبل جميع الأفكار».
يُذكر أن قوى الأمن الداخلي شنت حملات أمنية وعمليات، بالتنسيق من قوات التحالف الدولي والجيش الأميركي، على مدار الأعوام الماضية، وألقت القبض على عناصر شبكات تهريب البشر، بينهم نساء «داعشيات»، بتهم تشكيل «خلايا إرهابية لتهريب عوائل التنظيم». كما نفذت حملات مداهمة بشكل متكرر شملت معظم أقسام المخيم، وتشتبه في تورط نساء مؤيدات للتنظيم يلعبنّ أدوار الوسيط مع خلايا نائمة للتنظيم تكون خارج المخيم، في عمليات التهريب وتقديم الأموال لتغطي نفقات المهربين، ومد يد العون لعائلات مسلحي التنظيم المتشدّد.


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

أطلق الأردن سلسلة اتصالات مع دول عربية غداة استضافته اجتماعاً لبحث مسألة احتمالات عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومشاركتها في القمة المقبلة المقرر عقدها في المملكة العربية السعودية هذا الشهر. وقالت مصادر أردنية لـ«الشرق الأوسط»، إن اجتماع عمّان التشاوري الذي عُقد (الاثنين) بحضور وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن وسوريا، ناقش احتمالات التصويت على قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية ضمن أنظمة الجامعة وآليات اعتماد القرارات فيها. وفي حين أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة ليس مقتصراً على الاجتماعات التشاورية التي يعقدها وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن، فإن المصادر لا تستبعد اتفاق

شؤون إقليمية الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس (الأربعاء) زيارة لدمشق تدوم يومين واستهلها بجولة محادثات مع نظيره السوري بشار الأسد تناولت تعزيز العلاقات المتينة أصلاً بين البلدين. وفيما تحدث رئيسي عن «انتصارات كبيرة» حققتها سوريا، أشار الأسد إلى أن إيران وقفت إلى جانب الحكومة السورية مثلما وقفت هذه الأخيرة إلى جانب إيران في حرب السنوات الثماني مع إيران في ثمانينات القرن الماضي. ووقع الأسد ورئيسي في نهاية محادثاتهما أمس «مذكرة تفاهم لخطة التعاون الاستراتيجي الشامل الطويل الأمد». وزيارة رئيسي لدمشق هي الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني منذ 13 سنة عندما زارها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.


الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» يُوسع أهداف «الشباب»... فهل تتعاون مع مقديشو؟

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)
عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)
TT

الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» يُوسع أهداف «الشباب»... فهل تتعاون مع مقديشو؟

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)
عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)

وسع الاعتراف الإسرائيلي بـ«جمهورية أرض الصومال» من أهداف حركة «الشباب» الإرهابية، بإعلان استعدادها لـ«حرب تل أبيب في هرجيسكا»، وسط تساؤلات حول إمكانية تعاون الحركة مع حكومة مقديشو في المستقبل.

وأكد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «خطوة إسرائيل سوف تعطي ذرائع لـ(الشباب) عبر إعادة النشاط واكتساب بيئة حاضنة ومتطوعين جُدد». لكن الخبراء استبعدوا أي «تعاون بين الحركة الإرهابية والحكومة الصومالية».

ويكثف الجيش الصومالي منذ أكثر من عام عملياته العسكرية ضد عناصر «الشباب»، ونجح خلال الأشهر الأخيرة في استعادة السيطرة على مناطق عدة كانت تحت سيطرة الحركة، خصوصاً في وسط البلاد... وتؤكد وزارة الدفاع الصومالية أن «العمليات ضد الإرهابيين سوف تستمر حتى يتم القضاء عليهم بشكل كامل في جميع محافظات البلاد».

الخبير العسكري، رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، العميد سمير راغب، يرى أن الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» سوف يوسع أهداف حركة «الشباب»؛ ورغم أن هذه التنظيمات لا تضع إسرائيل هدفاً أول؛ لكن فكرة وجود إسرائيلي حتى عبر «اعتراف» أو تجارة تكون جاذبة لمثل هذه التنظيمات، من أجل اكتساب بيئة حاضنة، ومتطوعين جٌدد، لذا فالحركة تعلن توسيع النشاط ضد إسرائيل.

وأضاف أن حركة «الشباب» موجودة في إقليم «بونتلاند» الملاصق لـ«صوماليلاند» وموجودة في جنوب الصومال بكثافة، وفكرة الانتقال إلى «أرض الصومال» قد تبدو محتملة في ظل وجود سيولة حدودية، فمن الممكن أن تنتقل عناصر الحركة. ولم يستبعد راغب أن «تمنح هذه التطورات فرصة للحركة للتنقل عبر دول أخرى من خلال توسيع العمليات، لأنها فرصة لها».

تصاعد الدخان بالقرب من مجمع قصر الرئاسة بالصومال عقب انفجارات في مقديشو يوم 4 أكتوبر الماضي (رويترز)

الجانب الدعائي

خبير الأمن الإقليمي، رئيس مركز «السلام للدراسات الاستراتيجية»، الدكتور أكرم حسام، قال إن «الاعتراف الإسرائيلي سوف يعطى ذرائع أو حجج لـ(الشباب) التي تواجه في الفترة الأخيرة ضغوطاً كبيرة، خصوصاً من قِبَل القوات الدولية التي تم تشكيلها لمواجهة الحركة». وشرح: «بالفعل الحركة تعرضت لتقويض كبير لدورها خلال الفترة الأخيرة، وانحصرت عملياتها في نطاقات محدودة خلال العامين الماضيين»، لافتاً إلى أن «خطوة إسرائيل سوف تدفع الحركة لإعادة تنشيط دورها في منطقة القرن الأفريقي».

ملمح آخر تحدث عنه حسام بأن «اعتراف إسرائيل بـ(أرض الصومال) سوف يعطي مساحة للحركة في الجانب الدعائي الخاص بمسألة التجنيد، ولمّ الصفوف مرة أخرى، وتوحيد الجهود ووضع أهداف جديدة تبدو براقة لبعض العناصر المتطرفة المتمركزة في منطقة القرن الأفريقي أو القريبة منها».

وفي تقدير حسام فإن «تهديد الحركة بإعلان استعدادها لـ(الحرب) ضد إسرائيل في الإقليم الانفصالي (أرض الصومال) قد يواجه صعوبة كبيرة لتنفيذ هذه التهديدات»، لكن سيبقى الأثر في الجانب الدعائي فقط والسياسي والبحث عن أنصار وداعمين جدد».

وتعهّدت «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» بمواجهة أي محاولة من جانب إسرائيل «للمطالبة بأجزاء من أرض الصومال أو استخدامها»، وقالت في إفادة، السبت، «لن نقبل بذلك، وسنحاربه». وحسب «الشباب» فإن اعتراف إسرائيل بـ«جمهورية أرض الصومال» أظهر أنّها «قررت التوسع إلى أجزاء من الأراضي الصومالية».

ضباط شرطة صوماليون يسيرون على طول حاجز وسط الطريق خلال دوريتهم بمقديشو في نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

تعاون مستبعد

حول التعاون المستقبلي بين حكومة مقديشو و«الشباب». استبعد راغب أن «يحدث أي تعاون بشكل صريح بين الحركة ودولة الصومال، لأنه لو حدث فإن ذلك يدين الصومال، ولن تخرج مقديشو إطلاقاً وتعلن أنها تتعاون مع الحركة»؛ لكنه لم يستبعد أن يكون هناك عمل سري صومالي عبر خلايا تعمل داخل إقليم «أرض الصومال» ترفع شعارات حركة «الشباب» أو تنظيم «داعش» أو أي تنظيم آخر.

أيضاً حسام استبعد هذا الخيار بكل الأحوال، بقوله: «لن يكون هناك تعاون بين حركة إرهابية والحكومة الشرعية في الصومال»، لأننا هنا نتحدث عن مسار دولة تعمل من أجل التصدي للإجراء الإسرائيلي في «أرض الصومال». ويرى أن «تركيز الحكومة الصومالية حالياً وفي المستقبل سوف ينصب على الجهد الدبلوماسي لعدم توافر إمكانات أخرى لمواجهة هذا الأمر».

وقال حتى فيما يتعلق بمسألة «الخيارات الصلبة أو العنيفة» التي يمكن أن يتخذها الصومال تجاه «الإقليم الانفصالي» غير المعترف به، هذا أمر مستبعد، نتيجة للتحالفات الحالية التي تحظى بها «أرض الصومال» مع عديد من الدول والأطراف الداعمة، ولا ننسى الآن أن إسرائيل موجودة على الخط، وهناك محاولات لجر أميركا للوجود في «أرض الصومال» من خلال منح بعض القواعد العسكرية كما تم الحديث عنه من قبل، وحديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب، «لم يقطع بأنه لن يعترف بـ(أرض الصومال)، وأبقى المجال مفتوحاً للاعتراف مستقبلاً».

ويشار إلى أن الوضع الأمني في الصومال قد تدهور بشكل ملحوظ عام 2025. وأعلنت «الشباب» في مارس (آذار) الماضي مسؤوليتها عن انفجار قنبلة كادت أن تصيب الموكب الرئاسي. ومطلع أبريل (نيسان) الماضي أطلقت قذائف سقطت قرب مطار مقديشو. كما استهدف هجوم انتحاري في يوليو (تموز) الماضي أكاديمية عسكرية تقع جنوب العاصمة الصومالية.

وبداية أغسطس (آب) الماضي، شنت بعثة الدعم وإرساء الاستقرار التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال «هجوماً كبيراً» لاستعادة السيطرة على مدينة باريري في منطقة باس شابيل التي تبعد مائة كيلومتر غرب العاصمة الصومالية. وكانت باريري تضم قاعدة عسكرية كبيرة، وسقطت في أيدي «الشباب» من دون معارك في مارس الماضي، بعد انسحاب الجيش منها، وذلك إثر تدمير عناصر الحركة جسراً حيوياً لإيصال الإمدادات العسكرية.

شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)

مستقبل «الشباب»

عن مستقبل نشاط «الشباب». أكد سمير راغب أن «الحركة سوف تستمر في نشاطها، لأن الفكرة القائمة عليها الحركة أن تُحدث فوضى وتأثيرات في أي نظام سياسي تؤدي إلى ضعفه أو سقوطه، لأنها تريد أن تحكم»، وبالتالي «هي لن ترفع راية الوطنية بالحديث عن محاربة إسرائيل، لكن لديها فكرة دائمة في البحث عن (ضوء) فيُمكن أن تخفف في منطقة وتزيد في منطقة أخرى.

وحسب أكرم حسام فإنه «لا داع للربط بين مستقبل نشاط الحركة واعتراف إسرائيل بـ(أرض الصومال)، لأن الحركة لها دعائم للبقاء خلال الفترة الحالية والمستقبلية». وتابع: «كل طموحات الحركة تتركز حالياً في دولة الصومال، ولديها حواضن محلية قائمة على العشائر أو القبائل، ولديها مصادر تمويل تستطيع من خلالها ضمان القدرات المالية، والدليل على ذلك أنه رغم الحملة الدولية على (الشباب)»؛ فإن الحركة «تستطيع التعايش مع هذا الضغط من خلال الاحتماء بهذه الحواضن العشائرية».

وأفاد تقرير لـ«وكالة الأنباء الصومالية» (صونا) في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن «الفرقة الـ43 للجيش الوطني وقوات الكوماندوز الخاصة نفذت عمليات عسكرية مخططة في البلدات التابعة لمنطقة جمامي بمحافظة جوبا السفلى». وطبقاً للوكالة «تكبدت عناصر الحركة حينها خسائر فادحة جرّاء العمليات العسكرية الجارية؛ حيث تم طردها من تلك المناطق التي كانت تتحصن فيها». وذكرت «الوكالة» أن «العمليات العسكرية البرية ترافقت مع غارات جوية شنّها الجيش الوطني، وأسفرت عن تدمير أوكار الإرهابيين».