مسيرات في ذكرى انفجار مرفأ بيروت تطالب بـ«سقوط الحصانات»

صرخة أهالي الضحايا: «ما راح تقتلونا مرتين»

نعوش رمزية لعدد من ضحايا الانفجار خلال المسيرة أمس (د.ب.أ)
نعوش رمزية لعدد من ضحايا الانفجار خلال المسيرة أمس (د.ب.أ)
TT

مسيرات في ذكرى انفجار مرفأ بيروت تطالب بـ«سقوط الحصانات»

نعوش رمزية لعدد من ضحايا الانفجار خلال المسيرة أمس (د.ب.أ)
نعوش رمزية لعدد من ضحايا الانفجار خلال المسيرة أمس (د.ب.أ)

تضرّجت وجوهٌ بصباغ أحمر كالدم النازف عصر الرابع من أغسطس (آب) 2020. طلاءٌ بمرتبة صرخة رُفعت على لافتات أمام قصر العدل البيروتي، بانتظار تحرُّك المسيرة المُطالبة بالعدالة. صرخة تقول: «ما راح تقتلونا مرتين»، بينما مكبّر الصوت يبثّ أغنية ماجدة الرومي «قوم اتحدّى الظلم». الثالثة بعد ظهر أمس، انطلقت المظاهرة نحو تمثال المغترب مقابل الأهراءات المنكوبة.
تحت شمس الصيف الحارقة، يتذكر شاب: «شعرتُ كأنّ المنزل يسقط على رأسي»، ويكمل بالإنجليزية: «It was horrible». لا يكفّ «الناجون» عن نداء العدالة وهم يعلمون أنها مُجهَضة. كلمات عدّة أُلقيت في مسيرة امتدت لثلاث ساعات، جميعها يخرج من حرقة القلب. ثمة مَن رفع لافتة تطالب بتحقيق دولي، وأخرى تندّد بسيطرة السلطة السياسية بالكامل على القضاء. يرافق الغضب استنكارٌ جماعي: «أُعيد انتخاب مَن هم مُدانون بقتل بيروت. ما راح ننسى. الضغط الشعبي سيفضح مناوراتكم».
تكاد حنجرة أحد الشبان تُبحّ وهو يصرخ: «بعدو ببالي الانفجار». أحدهم، في الطريق إلى «حديقة سمير قصير»، المحطة الثانية للمسيرة بعد قصر العدل، رفع علماً لبنانياً حلَّ الأسود بدل الأحمر وغابت الألوان إعلاناً للحداد الكبير. يرفض الحاضرون بكثافة في الذكرى الثانية لانفجار المرفأ اعتبار المجزرة ذكرى. في كلمته أمام الكاميرات ووسائل إعلام محلية وعربية وعالمية، يُذكّر بول نجار، والد أصغر الضحايا ألكسندرا نجار، طفلة السنوات الثلاث ونصف السنة، بأنّ 4 أغسطس هو كل يوم: «حين يتخرّج طالب ولا يجد عملاً. حين تنهار العملة وتساوي الرواتب المسخرة. وحين يُفقَّر الشعب ويُذل».
تستمرّ المسيرة على وَقْع هتاف يشقّ طريقه من القهر إلى الحنجرة: «فلتسقط دولة النيترات». هتاف آخر: «فلتسقط الحصانة أمام دموع الأمهات». ثم تصدح أغنية الوجع العصيّ على الشفاء: «وحياة لراحلوا ولصاروا الحنين». يسير شبان بقمصان بيضاء كُتب عليها الإنذار - الرجاء: «العدالة آتية». يصدّقون الأمل، فتقول شابة وشقيقتها الجريحة إلى جانبها تشعر بتخبّط الأحاسيس: «لولا فكرة العدالة لما تحمّلنا هول المأساة. لن نسكت».
تمهُّلٌ أمام السفارة الفرنسية، وصرخة لرئيس سار بين ركام مار مخايل والجمّيزة بعد الانفجار واحتضن الباكين. إلى إيمانويل ماكرون، دعوة عبر مكبرات الصوت لـ«الوقوف مع أهالي الضحايا ضدّ المسؤولين عن تمييع القضاء». بين الحاضرين، ملكة جمال لبنان المُنتخبة قبل أسبوعين ياسمينا زيتون. «كلّنا بدنا العدالة» تقول بتأثّر. ترى نفسها معنيّة بصرخات المُطالبين بعقاب المتسببين بالقتل والتشريد والتروما. تُوزَّع أشرطة حمراء، رمزية دماء لن تبرد. ويعلو صوت غسان الرحباني: «كرمال لعم بموتوا وقفوا وقفة ضمير».
تحطّ المسيرة بجانب فندق «لوغراي» المقتول. دقيقة صمت، فتتحدّث زوجة لقمان سليم، مونيكا برغمان، عن الإفلات من العقاب والتوق إلى وطن يسوده القانون. بستّ طلقات، اغتيل زوجها، ولا أثر للمحاسبة. يصفّق الجميع بحرارة لاسم لقمان سليم، كما يصفّقون لاسم ألكسندرا نجار ووالدها يتوعّد بالقصاص. بينما يُلقي كلمته، يَرِد خبر عاجل: انهيار جزء من أهراءات المرفأ الشاهدة على المذبحة. تنتقل التلفزيونات من البثّ المباشر للتجمُّع إلى النزيف الممتدّ من عامين إلى اليوم: محيط صوامع القمح. يكمل بول نجار كلمته، وسط تنبيه المنظّمين: «ارتدوا الكمامات تفادياً للغبار».
الخامسة وستّ دقائق، قبل ساعة على الزلزال، تسبق مكبرات الصوت الحشد نحو تمثال المغترب، حيث الوقفة الأخيرة. يحضر طيف ضحايا الدفاع المدني طوال الطريق إلى المرفأ. ليت الشموع تكفي ليستريح الألم. لكنها، والصلاة، ما يملكه مَن فقدوا أحبّة أوقدوا جرحاً يشتعل إلى الأبد.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

طوفان من نار يستبق وقف النار

دمار في ضاحية بيروت الجنوبية حيث اغتيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ف.ب)
دمار في ضاحية بيروت الجنوبية حيث اغتيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ف.ب)
TT

طوفان من نار يستبق وقف النار

دمار في ضاحية بيروت الجنوبية حيث اغتيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ف.ب)
دمار في ضاحية بيروت الجنوبية حيث اغتيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ف.ب)

استبقت إسرائيل الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بينها وبين «حزب الله» الذي يبدأ سريانه الرابعة فجر اليوم (الأربعاء) بتوقيت بيروت وتل أبيب (الثانية بتوقت غرينتش)، بـ«طوفان من نار»، إذ شنت أعنف غاراتها وهجماتها على معظم المناطق اللبنانية، خصوصاً العاصمة بيروت، وصولاً إلى الداخل السوري. ورد «حزب الله» من جانبه بعشرات الصواريخ باتجاه شمال إسرايل ووسطها.

وفيما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أمس، موافقة إسرائيل ولبنان على بنود الاتفاق وأن بلاده «ستقدم الدعم لضمان تنفيذ وقف إطلاق النار في لبنان بالتعاون مع فرنسا»، علمت «الشرق الأوسط» أن اللجنة الخماسية التي تقودها الولايات المتحدة، وتضم أيضاً فرنسا، بالإضافة إلى لبنان وإسرائيل و«يونيفيل»، ستشرف على تنفيذ عمليات إخلاء «حزب الله» من مناطق الجنوب «على 3 مراحل، تتألف كل منها من 20 يوماً، على أن تبدأ الأولى من القطاع الغربي»، وأن الاتفاق حظي بموافقة الرئيس المتنخب دونالد ترامب. وحدد بايدن الرابعة بتوقيت بيروت وتل أبيب موعداً لبدء سريان الاتفاق.

وتلقى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي اتصالا من بايدن تشاورا خلاله في الوضع الراهن وقرار وقف إطلاق النار.

وقبيل ساعات من عرض اتفاق وقف النار على مجلس حكومته مساء أمس، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنه «سيرد بقوة على أي انتهاك». وأضاف، في خطاب تلفزيوني: «سننفذ الاتفاق ونردّ بقوة على أي انتهاك. وسنواصل العمل معاً حتى النصر». وتابع: «هناك 3 أسباب للسعي إلى وقف إطلاق النار، هي: التركيز على إيران، وتجديد إمدادات الأسلحة المستنفدة، مع منح الجيش قسطاً من الراحة، وأخيراً عزل حركة «حماس». وعاش اللبنانيون حالة من الرعب والخوف، أمس (الثلاثاء)، في يوم هو الأعنف منذ بدء التصعيد في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وامتدّت كرة النار الإسرائيلية إلى سوريا، حيث أفيد عن قصف طال جسوراً وطرقات في منطقة القصير بمحافظة حمص، حيث يعتقد أن «حزب الله» ينشط بشكل واسع.